الدرس 1

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكر صاحب العروة «قده» في المسألة الأولى من مسائل الخلل، قال:

الخلل أما أن يكون عن عمدٍ أو جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشك، وهو إما أن يكون بزيادة أو نقيصة، والزيادة إمّا بركن أو بغيره ولو بجزء مستحب كالقنوت أو بركعة، والنقيصة إما بشرط ركن كالطهارة من الحدث، أو بشرط غير ركن، أو بجزء ركن، أو غير ركن، أو بكيفية كالجهر والاخفات والترتيب والموالات.

المطلب الأوّل - في هذه المسألة -: أنّ الخلل في الصلاة قد يكون موضوعاً لفساد الصلاة كالخلل العمدي، وقد يكون موضوعاً لقاعدة علاجية، والقواعد العلاجية التي تمر على المتفقه في بحث الخلل ما يقرب من سبعة عشر قاعدة، منها: ما يكون قاعدة عقلية، ومنها: ما يكون قاعدة جعلية، فمن القواعد العقلية أنّ عدم الاتيان بجزء أو شرط عن عمد موجب لبطلان الصلاة؛ لانتفاء المركب المأمور به بانتفاء جزءه، أو انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، ولذلك قيل بأنه لا وجه للبحث في هذه النقطة وعدها من القواعد؛ إذ من الواضح عقلاً إنّ الإخلال بجزء أو شرط عمداً موجبٌ للبطلان، ولكن سيأتي عند البحث حول قاعدة لا تُعاد في بعض تقريباتها أنّه يُعقل الجمع بين الإخلال العمدي بالجزء أو الشرط وبين صحة العمل، فلا ملازمة عقلاً بين الإخلال بالجزء أو الشرط عن عمد وبين فساد العمل، ولأجل أنّ هناك بعض التقريبات التي تُقرر إمكان الجمع بين الإخلال العمدي والصحة، إذاً فيصح البحث هل أنّ موجبية الإخلال العمدي قاعدة عقلية لا تتخلف أو أنّها قاعدة جعلية يمكن تخلفها في بعض الموارد؟

وأمّا القواعد الجعلية، فبعضها ظاهرية وبعضها واقعية، فالقواعد الظاهرية: هي التجاوز والفراغ وقاعدة الحيلولة؛ إذ غاية ما يُستفاد منها المضي، وعدم الإعادة أو القضاء ظاهرا ولعله ينكشف الخلاف، وأمّا هل أنّها قاعدة واحدة أو قواعد ثلاث؟ فهذا ما يأتي البحث عنه في محله.

وأمّا القواعد الجعلية الواقعية، أي التي كون مفادها الصحة واقعاً أو الفساد واقعاً، فبعضها موردها الشك في الركعات نظير لا شك في الأوليين، نظير من شك في الأخيرتين بنى على الأكثر، نظير لا شك لكثير الشك، نظير أنّ المراد بالشك الذي هو موضوع للأثر الشك المستقر لا الشك الزائل، نظير أنّ المأموم يرجع في شكه لحفظ الإمام، وبعضها موردها السهو نظير وجوب سجود السهو في موارده، نظير ما قيل وسيأتي البحث عنه من أنّه لا سهو إلا في سهو، وبعضها مورده مطلق الخلل نظير قاعدة لا تُعاد، وقد يقال بأنّ ما ورد في بعض النصوص من أنّه لا يُعيد الصلاة فقيه أنها أيضا قاعدة، ولكن سيأتي أنها ليست قاعدة مستقلة بل إنها صغرى من صغريات بعض الأحكام.

ونظير أنّ زيادة الركوع في ظرف الائتمام إذا كانت الزيادة مقتضى المتابعة فإنها غير مبطلة وإن كان زيادة ركنية، وأمثال ذلك من القواعد التي ستمر علينا من خلال البحث، هذا هو المطلب الأوّل.

المطلب الثاني: هل أنّ التقسيم الذي أفاده صاحب العروة تامٌّ أم لا؟ حيث إنّ سيّدنا «قده» أشكل على هذا التقسيم بإشكالين وهناك إشكال ثالثٌ أيضا لم يتعرض إليه.

الإشكال الأوّل: أنّ صاحب العروة قال: «إمّا أن يكون الخلل عن عمد أو جهل أو اضطرار أو إكراه»، والحال بأنّ الجهل بالحكم والاضطرار والإكراه من أفراد العمد وليس قسيماً له؛ وذلك لأن العمد عبارة عن القصد إلى الفعل، فمتى ما كان قاصدا إلى الفعل فهو عامد، سواء كان مختاراً أو مكرها، أو سواء كان عن رضا أو عن اضطرار، سواء كان ملتفتاً لحكم الفعل أو جاهلاً بحكمه، فالمهم انه صدر الفعل عنه عن قصدٍ له، هذا هو العمد، وبالتالي فينبغي أن يقول صاحب العروة: أنّ الخلل إما عن عمد أو سهو، والخلل العمدي إمّا عن جهل بالحكم اضطرار أو إكراه، حتى يكون التقسيم صناعياً صحيحاً.

ولكن أُفيد في عدّة كلمات، وسيأتي منه «قده» أي السيد الخوئي في ص 24 من هذا الكتاب في بحث الخلل: أنّ عنوان العمد في النصوص اُطلق على معاني: فقد يُطلق العمد ويراد به القصد إلى الفعل - كما هو ذكر - فيكون جامعاً بين هذه الأفراد، وقد يُطلق العمد مقابل العذر، فالفعل العمدي ما ليس عن عذر، فيكون مقابلاً للجهل بالحكم وللاضطرار وللإكراه، ومن هذا القبيل «من قتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم»، وقد يُطلق العمد مقابل الخطأ والنسيان، وسيأتي في بعض الصحاح إطلاق العمد مقابل النسيان، إذاً فما دام للعمد اطلاقات فلا موجب لتخطئة صاحب العروة والملاحظة عليه، فإن صاحب العروة أراد بعنوان «العمد» ما لا يكون عن عذر مقابل المعذر كالجهل والإكراه والاضطرار والسهو وأشباه ذلك.

بل يُلاحظ على ما أفاده سيّدنا «قده»: أنّه حينما يُراد التقسيم فلابد من ملاحظة الأثر العملي لذلك التقسيم، وإذا رجعنا للآثار العملية التي سيأتي بحثها نجد أنّ الفساد أو البطلان تارة يكون موضوعه الفعل بمعنى الاسم المصدري، وتارة يكون موضوعه الفعل المنتسب إلى المكلف، بحيث تكون حيثية الانتساب دخيلة في ترتب الأثر.

مثلاً: لا إشكال أن الحدث مبطلٌ للصلاة، واستدبار القبلة مبطلٌ للصلاة، إلّا أنّ موضوع البطلان هنا ليس هو الإحداث يعني انتساب الحدث إلى المكلف أو انتساب الاستدبار إلى المكلف، بل الحدث والاستدبار بالمعنى الاسم المصدري هو موضوع البطلان، أو نظير مثلاً عدم ستر عورة المكلف فإنّه لا فرق فيه بين أن يستند إليه أو لا يستند إليه، بينما موضوع البطلان في قوله في صحيحة محمد بن مسلم «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» انتساب الزيادة إليه، لا حصول الزيادة في الصلاة بل إحداثه للزيادة، وبناء على ذلك إذاً فلابد نُدخل في التقسيم هذه الحيثية لدخلها في الأثر العملي، فنقول: الخلل إمّا عن عمدٍ أو غيره، وغير العمد إما بفعل منتسب إليه أو لا بفعل، نظير ما ذُكر في بحث الصوم، أنّه لو وضُع الماء في حلقه، فإنّ هذا لا يوجب انتساب الافطار إليه، فهناك فرقٌ بين الاضطرار والإكراه والإلجاء، فإن الاضطرار والإكراه لا يسلب الانتساب، بينما الإلجاء يسلب الانتساب، هذه هي الملاحظة الأولى على تقسيم صاحب العروة وما فيها.

الملاحظة الثانية: أفاد سيّدنا «قده» بأنّ صاحب العروة قال: إن النقيصة إمّا بجزء أو بشرط أو بكيفية.

فأشكل عليه سيّدنا «قده»: بأنّه في الكيفيات ككون القراءة جهراً أو كون الأجزاء عن ترتيب وعن موالاة، في الكيفيات إمّا أن يتعلّق الأمر بالكيفية، يعني الأمر الضمني، أو يتعلق الأمر بالجزء للكيفية، أو يتعلق الأمر بتقيد الجزء بالكيفية، فلا يتصور شق رابعٌ، فمثلاً: الجهر في القراءة، إذا تعلّق الأمر الضمني بنفس الجهر مضافاً للأمر الضمني بذات القراءة كان الجهر جزءاً، إذ كل ما يتعلّق به الأمر الضمني فهو جزءٌ، وإن تعلّق الأمر الضمني بتقيّد القراءة بالجهر فالتقيّد هو المأمور به، كانت الجهر شرطاً، إذ كل ما يتعلّق الأمر الضمني بالتقيّد به فهو شرطٌ، وإذا كان متعلّق الأمر الضمني حصّة من القراءة وهي القراءة الجهرية، فلم يتعلّق الأمر الضمني لا بذات القراءة ولا بذات الجهر، وإنما تعلّق بالموصوف بما هو موصوف، فهل هي ليست شرطاً ولا جزءاً، لكن الإخلال بها إخلال بالجزء حقيقة وليس إخلالا بما هو قسيمٌ للجزء؛ إذ المفروض أنّ الأمر الضمني تعلّق بالقراءة الجهرية.

فالنتيجة: أنّ جعل الإخلال بالكيفية قسيماً للإخلال بالجزء والإخلال بالشرط غير صناعي، وما أفاده متينٌ.

الملاحظة الثالثة - التي لم يتعرض لها سيّدنا «قده» -: أنّه قد يُقال: ما وجه جعل الإخلال بركعة قسيماً للإخلال بالجزء او الشرط، حيث ذكر صاحب العروة أنّ الزيادة مثلاً إما زيادة جزء ركني أو غير ركني، أو زيادة ركعة، وفي النقيصة قال: «إما نقيصة جزء أو شرط ركني أو غير ركني أو ركعة»، فإن الإخلال بالركعة إخلال بالنتيجة بجزء أو شرط، فما هو وجه جعله قسيماً للإخلال بالجزء أو الشرط، وكأنّ سيّدنا «قده» ارتضى ذلك بأن يكون الخلل بالركعة قسيماً حيث لم يشكل على ذلك.

وقد يُجاب عن هذه الملاحظة: بما تعرّض إليه «قده» هو وغيره في بحث زيادة الركعة، من أنّ زيادة الركعة غير مبطل للصلاة بخلاف زيادة الجزء، فلو زاد ركوعاً أو سجوداً كان مبطلاً أما لو زاد ركعة كاملة فهو غير مبطل، والسرّ في ذلك: أنّ المستفاد من قاعدة لا تُعاد - كما سيأتي بحثها - أنّ كل جزء لو لزم من بقاءه على جزئيته فساد الصلاة وإعادتها فإن مقتضى لا تُعاد ارتفاع جزئيتها، إذ لو بقي على جزئيته لزم أن تبطل الصلاة ويُخاطب المكلف ب «اعد» فمقتضى قوله «لا تُعاد» ولم يقل «اعد» هو ارتفاع جزئية هذا الجزء كي لا يلزم من بقاءه على جزئيته إعادة العمل، مثال ذلك: لو أنّ المكلف استدبر القبلة سهواً قبل أن يسّلم، كما لو غفل فاعتقد أنّه فرغ من صلاته فاستقبل القبلة، أو احدث، وبعبارة أخرى أتى بالمنافي السهوي يعني الذي يبطل سهواً وعمداً، فهنا تجري لا تُعاد في حقه، فيقال: إنّ السلام الذي استدبر قبله لو بقي على جزئيته للزم بطلان الصلاة لوقوع الاستدبار في الصلاة، فمقتضى لا تُعاد ارتفاع جزئية السلام، فهو قد ختم صلاته في التشهد، بل يزيد على ذلك ويقول، لو أنّه اتى بالمنافي السهوي قبل السجدة الثانية، كما لو سجد سجدة واحدة فغفل واعتقد انه خرج من صلاته فاتى بالمنافي السهوي، صحّت صلاته بالقاعدة ذاتها، إذ لازم بقاء السجدة الثانية وما بعدها من تشهد وتسليم على جزئيته بطلان صلاته، فمقتضى «لا تُعاد» ارتفاع جزئيته، وهذا ما نُطبقه على زيادة ركعة، فلو فرضنا أنّ هذا المكلف بعد السجدة الأولى من الركعة الأخيرة أو بعد التشهد أو التسليم غفل فزاد ركعة كاملة، ثم التفت إلى أنه هذه خامسة وليست رابعة، فنقول: لو بقيت السجدة الثانية فما بعدها من الأجزاء على جزئيتها للزم من ذلك فساد الصلاة وأن يُخاطب باعد، فمقتضى «لا تُعاد» ارتفاع جزئية السجدة الثانية وما بعدها من الأجزاء، فهو قد ختم صلاته بالسجدة الأولى.

والنتيجة: أنّ هذه الزيادة وقعت خارج الصلاة لا في الصلاة، فكون زيادة الركعة مبطلاً فرع وقوعه في الصلاة، ومقتضى لا تعاد عدم وقوعه في الصلاة، فلا يكون مبطلاً.

إذاً فيصح أن نُقسّم، فنقول: الزيادة إمّا لركن أو غير ركن أو ركعة، وبعبارة أخرى: فالزيادة إمّا بعمل في الصلاة او بعمل خارج الصلاة؛ لأنه لا خصوصية لكون المزيد ركعة؛ إذ المناط أن الزيادة خارج الصلاة - طبعاً سيأتي البحث في هذه النقطة هل يستلزم الدور أو لا يستلزم؟ سيأتي البحث في محله إنما نحن هنا فقط في التقسيم -.

فإن قلت: بأن كون زيادة الركعة خارج الصلاة إنما هو لخصوصية في الحكم، وإلّا بحسب الموضوع ليست زيادة خارج الصلاة بل هي زيادة في الصلاة؛ يعني لأننا لا حظنا الحكم، يعني ما تقتضيه قاعدة «لا تُعاد» قلنا بأن الزيادة خارج الصلاة فجعلناها قسيماً للزيادة في الصلاة، والحال بأنّ التقسيم ينبغي أن يكون المناط فيه خصوصية الموضوع لا الخصوصية المستفادة من الحكم، فلو لاحظنا الموضوع نفسه مع غمض النظر عن حكم هذه الزيادة، فزيادة الركعة زيادة في الصلاة وبالتالي لن تخرج عن كونها جزء ركن أو غير ركن، وأمّا لو أقحمنا الخصوصيات الواردة من قبل الحكم فهذا يستدعي تقسيما أخرى مثلاً، فللسيد «قده» أن يتعذر عن ذلك، بأنّه على أي حال يكفينا كمصحح للتقسيم أن نقول بأن الزيادة إما في الصلاة أو خارج الصلاة، وانطباق الزيادة خارج الصلاة على زيادة الركعة هو الذي جاء من قبل الحكم لا انه هو الموضوع، فالقسيم الذي أُخذ في مقام التقسيم هو أن تكون الزيادة خارج الصلاة وهذا تقسيم بلحاظ الموضوع لا بلحاظ الحكم، إنما انطباق هذا العنوان على زيادة الركعة احتاج إلى خصوصية مستفادة من قبل الحكم، فهذا جاء في مرحلة الانطباق والصدق لا في أصل التقسيم.

والحمد لله رب العالمين