الدرس 2

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام فيما ذكره سيّد العروة «قده» من أنّ الخلل الواقع في الصلاة قد يكون نقيصة وقد يكون زيادة، والزيادة قد تكون لركن أو غير ركن، وغير الركن قد يكون واجباً وقد يكون جزءاً مستحباً، فهذا فتح الباب في البحث عن الجزء المستحب، وهو أنّه هل يمكن أن تجتمع الجزئية مع الاستحباب أم لا؟ فيقال: إن القنوت جزء مستحب، وهذا البحث اقتضى الكلام في جهات ثلاث:

الجهة الأولى: في بيان أقسام الخصوصية.

الجهة الثانية: في تصوير الجزئية للفعل المستحب.

الجهة الثالثة: في الآثار الشرعية المترتبة على جزئية الفعل المستحب، فهنا جهات ثلاث للبحث:

الجهة الأولى: في تقسيم الخصوصية المأخوذة في خطاب التكليف، حيث أفاد صاحب الكفاية «قده» في بحث الصحيح والأعم بأنّه تارة تكون الخصوصية مقومة للماهية، أي ماهية الفعل المأمور به، سواءً كانت تلك الخصوصية جزءاً او كانت شرطاً، فالسورة جزءٌ مقوم لماهية الصلاة المأمور بها، والطهارة شرط مقوم لماهية الصلاة المأمور بها.

وتارة تكون الخصوصية مقوماً للفرد لا للماهية، والفرق بين الماهية والفرد، هو الفرق بين الطبيعي ووجوده، فما يكون دخيلاً في الطبيعي وُجد أم لم يوجد فهو مقوم للماهية، وما يكون دخيلاً في وجوده لو وُجد فهو مقومٌ للفرد، والمقوم للفرد بمعنى الدخيل في الوجود، تارة يكون جزءاً وتارة يكون شرطاً، فمثلاً: الصلاة، كون الصلاة في المسجد ليس مقوماً لماهية الصلاة، وإنما هو مقوم للفرد، بمعنى أنّ وجود الصلاة خارجاً متحصصٌ لا محالة إمّا للمسجد أو بغيره، فالوقوع في المسجد محصصٌ للوجود، وهو بمثابة الشرط لوجود الطبيعي، وكون الصلاة مع القنوت هذا ايضا من مقومات الفرد، حيث إنّ وجود الصلاة خارجاً إمّا أن يتحصص بهذه الصورة وهو المصاحبة مع القنوت او بصورة أخرى، فتضمن الصلاة للقنوت مقوم للفرد على نحو الجزئية، وقد تكون الخصوصية لا مقومة للماهية ولا مقومة للفرد، بل إنّها مجرد مقارن ليس إلّا، فمثلاً لو نذر المصلي أو نذر المكلف أن يتصدق حال صلاته فإنّ علاقة الصلاة بالصدقة ليست مقومة لماهية الصلاة وليست مقومة للفرد، حيث إنّ الصلاة مجرد ظرف ومقارن للصدقة ليس إلّا، فصاحب الكفاية «قده» في بحث الصحيح والأعم قسّم الخصوصية في خطاب التكليف إلى هذه الاقسام الثلاثة، وقد وقع البحث في صحّة هذا التقسيم، حيث أُشكل على ذلك باشكالين:

الأوّل: ما ذكره المحقق العقل الفعال الاصفهاني «قده» في حاشيته على الكفاية من أنّ هذا المصطلح وهو أن تكون الخصوصية مقومة للفرد لا للماهية إنما يتصوّر في القضايا الحقيقية لا في القضايا الاعتبارية، ففي الامور الحقيقية الامر صحيحٌ؛ لأنّ الخصوصية إمّا من قوام الماهية بحيث تتخصص ذات الماهية بها مع غضّ النظر عن الوجود، ككون الانسان مثلاً حيواناً ناطقاً، وإمّا أن الماهية ليست متقومة بهذه الخصوصية إلّا أنّ الخصوصية من لوازم التشخص، وإنما نعبر بهذا التعبير؛ لأن التشخص بالوجود لا بالخصوصية، وبيان ذلك:

مثلا: الزنجي لا يوجد إلا اسمر اللون، فسمرة لونه ليست مقومة للماهية، كما أن سمرة اللون ليست مشخصة لوجوده، فإنّ تشخص الماهية بوجودها، يعني بالوجود المقابل لنفس الماهية لا باعراضها من كم وكيف، واين ومتى ونحو ذلك، فهذه الأعراض ليست هي المشخصة لماهية الانسان، بل المشخص لماهية الانسان الوجود الذي بحذاء الانسان نفسه، وأمّا هذه الاعراض من شوون الوجود ومن اطواره؛ لا أنها هي المشخص للماهية، ولأجل كونها من أطوار الوجود والوانه قلنا أنها لوازم التشخص لا أنها مشخصات، فهنا يصح أن يقال سُمرة الزنجي مقومٌ للفرد لا للماهية، او وجود الانسان في مكان في زمان مقوم للفرد لا لماهية الإنسان، وأمّا في القضايا الاعتبارية، فالزنجية منتزعة من امر خارجي لا انها منتزعة من نفس الماهية.

وأمّا الأمور الاعتبارية، ككون الصلاة مع الطهارة أو كون الصلاة مع القنوت او كون الصلاة جماعة لا فرادى ونحو ذلك من الخصوصيات، فهذه الخصوصية لا يخلو امرها إما أنها لوحظت في مقام الجعل على نحو البشرط شيء، فالمجعول الصلاة بطهارة، فهي من مقومات ماهية الصلاة المأمور بها، وإمّا أنها لوحظت في مقام الجعل على نحو اللابشرط فهي اجنبية ولا معنى أن يقال مقومة للفرد، فالخصوصيات الاعتبارية يدور أمرها بين أن تكون جزءاً من الماهية، يعني مقومة للماهية او اجنبية عنها؛ لأن الماهية المجعول إذا قيست إلى هذه الخصوصية فإما أن تُلحظ بشرط شيء فهي مقومة للماهية المأمور بها، أو تُلحظ لا بشرط فهي أجنبية عنها، فلا يتصوّر في الخصوصيات الاعتبارية أنّها تارة تكون مقومة للماهية وأخرى تكون مقومة للفرد، وثالثةً مجرد مقارن، بل هي إما مقومة لماهية المأمور به أو لا دخل لها.

وهنا بعد بيان الاشكال من المحقق الاصفهاني «قده» الشريف نتعرض لعدّة اجوبة:

الجواب الأوّل: ما يُستفاد عبارة منتقى الاصول من أنّه إذا كانت الخصوصية ممّا لا ينفك عنها الوجود فهي مقومة للفرد، وإن لم تؤخذ في ماهية العمل المأمور به، مثلاً: كون الصلاة في مكان او زمان من مقومات الفرد فإنّه وإن لم يؤخذ في الصلاة المأمور بها الأين - أي وقوعها في مكان - او ال «متى» - أي وقوعها في زمان - فليست من خصوصيات الماهية إلّا أنه حيث لا ينفك وجود الصلاة خارجا عن مكان او زمان فالمكان والزمان من مقومات الفرد، فيُقال: كون الصلاة في المسجد من مقومات الفرد، ن وكون الصلاة مثلاً عند الظهر من مقومات الفرد، بخلاف كون الصلاة ذات قنوت، فإن هذا من الامور المفارقة لا أنه لا ينفك عنها الوجود، او كون الصلاة جماعةً، او فرادى من الامور المفارقة لا انه لا ينفك عنها الوجود، إذاً بلحاظ هذه النقطة، وهي ما لا ينفك عنه وجود الطبيعي وإن لم يؤخذ في مرحلة الجعل كخصوصية متعلّقة بالخطاب ألا أنها من مقومات الفرد، لا توجد الصلاة إلا في مكان أو زمان.

ولكن ما أُفيد محل تأمل:

أولاً: وقوع الصلاة في مكان او زمان وإن كان لا ينفك عنها لكنه لا ينفك عنها لا بلحاظ كونها صلاة، أي لا بلحاظ خصوصيتها الجعلية الاعتبارية وإنما بلحاظ خصوصيتها التكوينية الواقعية، وهذا ليس محل اشكال الاصفهاني، فإنّ محل نظر الاصفهاني أنّ الخصوصية بما هي اعتبارية لا يتصور فيها أن تكون مقومة للفرد، وأما بلحاظ أنّ هذه الخصوصية منتسبة لأمر تكويني حقيقي فتصبح بالنظر إليه إما مقومة للماهية او مقومة للفرد، هذا خارج عن محل كلامنا وبحثنا.

وثانيا: على البيان الذي افاده سيد المنتقى «قده» يقال أيضا: كما أن الوجود خارجا لا يقع إلا في مكان كذلك لا يقع إلا بكيفية وتلك الكيفية إما جماعة او فرادى مع قنوت او لا مع قنوت ونحو ذلك، وبعبارة أخرى: أننا إما أن نلحظ في مقام الميزان، الميزان كون الخصوصية مكونة للفرد، إمّا أن نلحظ الجامع أو نلحظ العنوان الخاص، فإن لاحظنا الجامع كجامع المكان، او جامع الزمن، فكما لا ينفك الوجود عن الزمان والمكان لا ينفك عن جامع الكيف، وإن لاحظنا العنوان الخاص وهو عنوان «الجماعة» او عنوان «ذات القنوت» فهذا العنوان وإن كان مفارقاً؛ إذ ليس من لوازم وجود الصلاة، كذلك عنوان كونها في المسجد ليس ملازماً، إذاً إما يكون المنظور في الميزان الجامع فهذا يشمل حتى الكيفيات، وإما أن يكون المنظور في الميزان العنوان الخاص حتى في الزمن والمكان بالعنوان الخاص لا يكون مقوما للفرد،، فلابد من البحث عن جواب آخر لإشكال الأصفهاني.

الجواب الثاني: - ما ذكره الاصفهاني «قده» نفسه - وبيانه بتقريب منّا:

أنّ مراد صاحب الكفاية «قده» من مقوم الفرد ليس هو ما لا ينفك عنه الوجود حتّى يُقال أنّ هذا لا يتصوّر في الامور الاعتبارية، بل مقصود صاحب الكفاية من مقوم الفرد ما يكون محصصاً للوجود لو وُجد وإن كان قد ينفك عنه الوجود.

وبعبارة الاصفهاني: إنّ هذه الخصوصيات ك «كون الصلاة جماعة» كون الصلاة ذا قنوت، كون الصلاة في المسجد، حيث إنّ هذه الخصوصيات كمالٌ للصلاة وكمال الشيء من اطواره لا من مقابلاته، فخصوصية المسجدية او الجماعة ليست وجوداً مستقلاً مقابل وجود الصلاة، بل هي من اطوار وجود الصلاة والوانها، فالنتيجة: أنّ هذه الخصوصيات مقومة للفرد بهذا المعنى، أن لو وقعت الصلاة معها لكانت هي محصصة لوجود الصلاة وليست وجوداً مستقلاً عنها، لا أنها بمعنى لازم الوجود ولازم التشخص بحيث لا ينفك الوجود عنها.

إذاً فهذا الجواب ليس جواباً عن الاشكال نفسه؛ لأن الاشكال كان مبني على اصطلاح، وهذا الجواب صار توجيها وتبريراً لتقسيم صاحب الكفاية «قده».

والحمد لله رب العالمين