الدرس 10

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

المطلب الثالث: الذي تعرّض له السيّد الصدر «قده» من أجل بيان تصور الزيادة الحقيقية في المأمور به أو في المسمى، هو أنّه لدينا صورتان:

الصورة الأولى: الزيادة في المسمى، فهل أنّ الصلاة بما هي صلاةٌ مع غمض النظر عن الأمر بها يُتصور فيها الزيادة أم لا؟ بحيث تكون الزيادة في مسمى الصلاة في الصلاة الواجبة.

فأفاد السيّد بأنّ هناك فروضاً ثلاثة:

الفرض الأوّل: أن يكون المسمى وهو ماهية الصلاة ملحوظا بالنسبة إلى الركوع الثاني على نحو البشرط لا، بمعنى أنه لا تصدق الصلاة إلّا مع عدم الركوع الثاني، فإذا أُخذ المسمى بالنسبة إلى التكرار على نحو البشرط لا، فالزيادة غير معقولة، والسرّ في ذلك أنّ الزيادة كما سبق في بيان المطلب الأوّل يُعتبر فيها أن يكون المزيد من سنخ المزيد فيه، فإذا كان المسمى مأخوذا على نحو البشرط لا عن المزيد، فلا مسانخة بينهما.

الفرض الثاني: أن يكون المسمى ملحوظاً بالنسبة إلى التكرار على نحو اللابشرط بمعنى عدم الدخل، فمسمى الصلاة قد لٌوحظ بالنسبة إلى الركوع الثاني على نحو اللابشرط، أي أنّ الركوع الثاني لا دخل له في مسمى الصلاة، لا وجوداً ولا عدماً، فلا وجوده محققٌ للمسمى، ولا عدمه ضائرٌ بالمسمى، فمعنى اللابشرطية عدم الدخل وجوداً أو عدماً.

وهنا اختلف الأعلام، فقد أفاد سيّد المنتقى «قده» كبيان لمطلب الشيخ الأعظم في الرسائل، بأنه في هذه الصورة تُعقل الزيادة، وهذا هو ظاهر كلام سيّدنا الخوئي «قده» في المصباح، من أنّه في هذه الصورة، وهي ما كان المسمى ملحوظاً على نحو اللابشرط من جهة التكرار، سيكون التكرار حينئذ زيادة.

ولكنّ المحقق العراقي في «نهاية الأفكار» وتبعه السيّد الصدر في بحوثه، قال: بأنّ هذا المرود لا يُعقل فيه الزيادة.

والصحيح: ما ذكره العراقي «قده»، فإنّه بعد أن يكون المسمى قد لُوحظ على نحو اللابشرط، فكأنه قال: «الصلاة ليس منوطة في صدقها بالركوع الثاني» والوضوء ليس منوطاً في صدقه في الغسلة الثانية، فالغسلة الثانية لا دخل لها في المسمى لا وجوداً ولا عدماً، فمعناه أنّ الغسلة الثانية أجنبية؛ إذ بعد بيان انّه لا دخل لها في المسمى، مقتضى ذلك أنها أجنبية عن مسمى الوضوء، أجنبية عن مسمى الصلاة، ومع فرض أنّه أجنبي عن المسمى فلم تتحقق المسانخة بين المزيد والمزيد فيه، وقلنا بأنه يُعتبر في صدق الزيادة الحقيقة أن يكون المكرر من سنخ المزيد فيه.

وأمّا ما ذكره في المنتقى من أنه في هذا الفرض - ونسبه للشيخ الأعظم، وربّما يظهر منه انه مطلب الكفاية أيضاً - يعقل الزيادة بلحاظ أنه ما دام ليس من المسمى فالمسمى يتحقق بصرف الوجود، أي بالغسلة الأولى أو بالركوع الأوّل، فأي ركوع يأتي فهو زائد على المسمى إذ المسمى تحقق بالركوع الأوّل بصرف وجود الركوع؛ إذاً فهو زائد عرفاً، فالزيادة تُعقل في هذا الفرض، وهو ما إذا المكرر أجنبياً.

ولكننا ذكرنا أمس، بأنه ليس البحث في صدق الزيادة بل البحث في صدق الزيادة فيه، فهناك فرق بين أن تكون الصلاة ظرفاً للزيادة وبين أن تكون الصلاة مزيداً فيها، فمثلاً:

لو أنّ الإنسان قفز أو رقص أثناء الصلاة، فالصلاة ظرفٌ للزيادة وهو الرقص لكنه لا يُقال زِيد فيها، هي ظرف للزيادة، يعني مكان للزيادة لا أنّه زيِد فيها بما هي صلاة. فالبحث فعلاً في الزيادة الحقيقية في المركب لا الزيادة على المركب أو كون المركب ظرفاً للزيادة، ولا يصدق على أنّه زِيد في الصلاة بما هي صلاة بما هو أجنبي عن مسمى الصلاة فلا دخل له لا وجوداً ولا عدماً.

إذاً؛ فما أُفيد في كلمات السادة «قدهم» من معقولية الزيادة في المسمى في مثل هذه الصورة محل تأمّل.

الفرض الثالث: أن يُلحظ المسمى بالنسبة إلى المكرر على نحو اللابشرط بمعنى أنّ المسمى هو الجامع الصادق على القليل والكثير، كما إذا قال: «الوضوء هو المشتمل على غسلة فأزيد، والصلاة هي المشتملة على ركوع فأزيد» فالمسمى أُخذ فيه الجامع وهو جامع الركوع جامع الغسل الصادق على الكثير والقليل.

فهنا أفاد سيّد المنتقى «قده» بل بيّن أنّ هذا هو مطلب الشيخ الأعظم والكفاية، أنّه هنا لا تُعقل الزيادة؛ إذا ما دام المسمى هو الجامع الصادق على القليل والكثير فأي ركوع يأتي به فهو مصداقٌ للمسمى وليس زائداً، فحتّى لو ركع مائة ركوع في ركعة واحدة فهو ضمن المسمى وليس زائداً، إذاً من قال بعدم معقولية الزيادة نظر إلى هذا الفرض وهو فرض ما إذا لُوحظ المسمى على نحو الجامع الصادق على القليل والكثير.

ثم أيّد مطلبه، بأنّ ممّا يؤيد ذلك أننا نبحث في الزيادة المبطلة؛ لما ورد «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، «من استيقن أنّه زاد في المكتوبة فعليه الإعادة» فحيث إننا نبحث عن الزيادة التي يُحكم عليها بالمبطلية أو بعدم المبطلية فلابد أن تكون الزيادة ممّا يُعقل فيها المبطلية، وهذا النوع من الزيادة لا يُعقل فيه المبطلية؛ لأنه إذا قال الشارع: «أنت مأمور بركوع جامع» إذاً مهما يأتي من ركوع فهو مصداق للمأمور به، فلا يكون مبطلاً.

فهنا في هذا الفرض حتّى لو قلنا بالزيادة جدلاً فهي ليست مبطلة جزماً لأنها مصداق للجامع، والبحث عن الزيادة التي تكون معروضاً للمبطلية وعدمها وهذه الزيادة قطعاً لا تكون مبطلة.

وهذا يؤكّد لنا أنّ الزيادة المنظور إليها هي القسم السابق هي الفرض السابق، يعني ما إذا أُخذ المسمى على نحو اللابشرط بمعنى عدم الدخل، فإنّه إذا كان مسمى الصلاة قائماً بذاته والركوع الثاني لا دخل له فيه، صحّ أن يُبحث أنّ الركوع الثاني الذي لا دخل له في المسمى مبطل او غير مبطل، فالزيادة التي يُتصوّر الحكم عليها بالمبطلية وعدمها الزيادة في الفرض السابق لا في هذا الفرض.

ولكن يُلاحظ على ما أُفيد المنتقى:

مضافاً إلى أنّ بحثنا في الزيادة من حيث، وهو أنّه يُتعقل زيادة في المسمى أم لا؟ أنّ هذه الزيادة ايضا يُتصوّر فيها المبطلية حتّى لو كانت مصداقاً للمسمى، بيان ذلك، لو فرضنا أنّ الصلاة من حيث المسمى والماهية أُخذت على نحو الجامع الصادق على القليل والكثير، فالركوع الثاني مصداقٌ للصلاة، ولكنّها من حيث المأمور به أُخذت بشرط لا، فالصلاة من حيث هي، يعني من حيث المسمى هي الجامع، لكن الصلاة من حيث مأمورٌ بها أُمر فيها بالركوع بشرط لا عن التكرار، فالتكرار وإن كان مصداقاً للمسمى لو حصل لكنه مبطلٌ؛ لأنّه بالنتيجة موجب لفقدان ما هو المأمور به ألّا وهو الركوع.

إذاً؛ دعوى أنّ الزيادة بهذا المعنى الثالث لا يُتصوّر فيها أن تكون مبطلة فهي خارجة عن محل الكلام، هذا أوّل الكلام؛ لأننا الآن نبحث في الزيادة من حيث المسمى، وهذا لا ينافي مبطليتها من حيث آخر، إذاً فالنتيجة أنّه لا يصلح هذا الوجه أن يكون مؤيداً إلى أنّ الزيادة لا تتحقق في القسم الثالث وتتحقق في القسم الثاني، يعني في الفرض الثالث دون الفرض الثاني.

نأتي الآن إلى ما ذكره السيّد الصدر «قده»: حيث أفاد بأنّ الزيادة هنا - أي في الفرض الثالث وهو ما إذا كان المقصود الجامع الصادق على القليل والكثير - معقولة؛ لتوفر الشرط الأوّل من شرطي الزيادة وهو المسانخة؛ لأنه إذا كان المكرر مصداق للمسمى فالمسانخة حاصلة بين المزيد والمزيد فيه.

لكن الكلام في الشرط الثاني حيث قلنا يُعتبر في صدق الزيادة وجود حدّ يُقاس عليه، فما هو الحدّ؟

لا يمكن أن يكون الحدّ في نفس المسمى؛ لأنّه يلزم التهافت، فإنّه إذا كان المسمى هو الجامع الصادق على القليل والكثير كيف يكون الجامع محدوداً بعدم الكثير؟ إذاً لا يُعقل أن يكون الحدّ موجوداً في نفس المسمى بعد أن كان المسمى هو الجامع.

إذاً لابد من البحث عن حدّ من جهة أخرى، وهذا الحدّ من جهة المأمور به، فنقول: بعد أن كان المسمى هو الجامع فما هو المأمور به؟ هل المأمور به بشرط لا؟ هل المأمور به لا بشرط؟ هل المأمور به هو الجامع أيضاً؟

فهنا فروض ثلاثة للمأمور به، لابد أن نعرف على أساس أي فرض يتحقق الحدّ؟

فنأتي ونقول: المسمى هو الجامع والمأمور به بشرط لا، فمع أنّ الركوع الثاني مسمّى للصلاة لكنّ الركوع المأمور به بشرط لا عن التكرار، فهنا أفاد السيّد الصدر تصدق الزيادة؛ لأن المناط في الزيادة المسانخة والمفروض أنّ الركوع الثاني مسانخ لأنه مصداق للمسمى، والحدّ موجودٌ صحيح ليس حداً في المسمى لعدم معقوليته لكنه حدٌ في المأمور به، فالركوع الثاني نقيصة في المأمور به زيادة في المسمى.

وكذلك الفرض الثاني؛ وهو ما إذا أُخذ المسمى على نحو الجامع وأُخذ المأمور به على نحو اللابشرط، بمعنى عدم الدخل، أي أنّ المأمور به الركوع الصادق على أول ركوع، والركوع الثاني اجنبي عن المأمور به، فبما أنّ المأمور به أوّل ركوعٍ والركوع الثاني أجنبي، إذاً هذا حدٌّ على أساسه يكون الركوع الثاني زيادةً.

وهذا الكلام كما ترى لا يناسب مقام هذا العلم ولذلك يذكره العراقي؛ فإنه لا محالة لم يحصل زيادة في المسمى وإن حصلت نقيصة في المأمور به، فإذا اُخذ المأمور به بشرط لا كان الركوع الثاني نقيصة في المأمور به، لكنه في نفس الوقت مصداقٌ للمسمى وليس زيادة، فما دام الحدّ لم يأتِ من نفس المسمى لا يصدق على أي تكرار أنه زيادة للمسمى، وكذلك الأمر بناءً على الفرض الثاني وهو أن يكون المأمور به أُخذ على نحو اللابشرط بمعنى عدم الدخل، فالركوع الثاني اجنبي من حيث المأمور به ولكنه ايضاً ليس زيادة في المسمى بل هو مصداق للمسمى، فكيف يُقال إذا وضعنا حداً في المأمور، فعلى أساس هذا الحد تتحقق الزيادة في المسمى.

النتيجة:

الفرض الثالث: أن نفترض أن المأمور به هو الجامع والمسمى هو الجامع، كلاهما جامع، فالصلاة التي وضع الشرع لها لفظ «الصلاة» هي الركوع الجامع بين القليل والكثير، والركوع الذي أمر به الشارع أيضا هو الجامع بين القليل والكثير، فهنا اختلف العراقي عن السيّد الصدر، فقال السيّد هنا: لا يصدق الزيادة لعدم وجود حدّ، لا حدّ في المسمى لا حدّ في المأمور به؛ إذ كلامهما نُظر فيه إلى الجامع الصادق على القليل والكثير.

ولكن العراقي قال: وبناءًَ على هذا الفرض تصدق الزيادة حيث إن الجامع يتحقق باول فرد، فإذا تحقق الجامع باول ركوع فالتكرار زيادةٌ لا حاجة إليه، فصدقت الزيادة، فكأنّ الحدّ قهري، وهو انطباق الجامع على أوّل فردٍ قهراً، فهذا الانطباق القهري اصبح بمثابة الحدّ الذي على أساسه كان الركوع الثاني زيادة.

ولكن يمكن تعميق كلام العراقي «قده» بما ذُكر في بحث المعنى الحرفي من أنّ الجامع تارة يكون ذاتياً وتارة يكون عرضياً، والجامع الذاتي لا يُعقل حكايته عن الخصوصيات المتباينة، مثلاً:

عنوان «الإنسان» جامع ذاتي بين افراده؛ فلأنه جامع ذاتي لا يحكي عن الخصوصيات وهو أنّ هذا بن فلان، هذا بن فلان، هذا بالشكل الفلاني، هذا بالكيفية الفلانية، لا ربط له بالخصوصيات، ولذلك اشتهر في كلمات أهل الحكمة: الجامع يحكي عمّا يطابقه لا عمّا ينطبق عليه، فالإنسان ينطبق على زيد وبكر وخالد، ولكن لا يحكي عمّا انطبق عليه بتمام شراشره، وإنّما يحكي عمّا طابقه، وما طابقه هو الخصوصية المشتركة بين الأفراد، فعنوان «الإنسان» إنّما يحكي عن خصوصية الانسانية المشتركة بين الأفراد، لا أنّه يحكي عن الخصوصيات المتباينة.

وأمّا الجامع العرضي، فقد يكون منتزعاً من نفس الخصوصيات المتباينة، ولا مانع ذلك في الجوامع العرضية أن تُنتزع من الخصوصيات المتباينة، مثلاً: عنوان «الفرد» فإن عنوان الفرد ينطبق ويُطابق زيد بتمام خصوصياته، ويُطابق بكر بتمام خصوصياته، فهو عنوان متنزعٌ من الخصوصيات المفرّدة لزيد والخصوصيات المفرّدة لبكر، أو عنوان «الشيء» مثلاً، أو عنوان «الأحد»، فإذا قيل مثلاً: «أتني بأحد هؤلاء الأفراد» وهو مخلتفون فإن عنوان «الأحد» يُنتزع عن كل فرد منهم بتمام خصوصياته، ففي الجوامع الذاتية لا يصدق الجامع، بمعنى لا يحكي عن الخصوصيات المتباينة؛ لأنّه منتزع عن خصوصية ذاتية وتلك الخصوصية الذاتية ضمنية، فحيث كانت ضمنية فلا تحكي عن الخصوصيات المتباينة.

وأمّا الجامع العرضي، حيث إنّه منتزع عن نفس هذه الخصوصيات المفرّدة والمشخصة لكل فرد فلذلك يصلح أن يكون مشيراً إليها بما لها من خصوصيات متباينة، ولذلك - يعني مضافا إلى أنّه ذكر هذا البحث في المعنى الحرفي ذُكر أيضا في بحث حقيقة العلم الإجمالي في الأصول - قيل: بناءً على أنّ العلم الإجمالي يتعلّق بالعنوان الانتزاعي وهو عنوان «الأحد» فإنه يحكي عن الفرد المبهم بتمام خصوصياته، فلو قال: «علمت بنجاسة أحد الانائين» فما علم به هو الإناء النجس الواقعي بتمام خصوصياته، بحيث لو انكشف له العلم بعد ذلك تفصيلاً، يعني انقلب علمه من إجمال إلى تفصيل لقال: هذا الإناء - بما هو هذا يعني بمفرّداته - هو كان معلومي سابقاً، غاية ما في الأمر علمت به أولاً إجمالاً والآن علمت به تفصيلاً، لا أنّ متعلّق علمي خصوصية مشتركة، بل متعلّق علمي فرد مشخصٌ بما له من مفرّدات ومشخصات، علمت به إجمالاً ثم علمت به تفصيلاً، ممّا يعني أنّ عنوان «الأحد» المتعلّق للعلم الإجمالي الذي كان عنواناً انتزاعيا مُنتزع عن الخصوصية المفرّدة أيضاً لا عن الخصوصية المشتركة، يأتي الكلام في تفصيل ذلك.

والحمد لله رب العالمين