الدرس 11

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وصل بنا الكلام إلى أنّه إذا لُوحظ المأمور به ولُوحظ المسمى كلاهما بالنسبة إلى الخصوصية على نحو إرادة الجامع الصادق على القليل والكثير، فهل يمكن أن تتصور الزيادة حينئذ أم لا؟

وقد أفاد المحقق العراقي بأنّه يمكن تعقل الزيادة حينئذ وذلك لأن الجامع ينطبق على أول فرد، وبعد انطباقه على أوّل فرد فالتكرار لا محالة زيادةٌ.

وقلنا: بأنّ كلام المحقق العراقي يحتاج إلى تفصيلٍ بين الجامع الحقيقي والجامع الانتزاعي، فإنّ الجامع الحقيقي كعنوان «الغسل» مثلاً، وعنوان «الركوع» مثلاً، حيث أنُه يُنتزع الجامع الحقيقي من خصوصيات ضمنية؛ فلأجل ذلك لا يقبل الصدق على الخصوصيات المتباينة، مثلاً:

ركوع المريض، الركوع في المسجد، الركوع في البيت، الركوع من المرأة، الركوع من الرجل، إنما يصدق الركوع على الحيثية المشتركة بين هذه الركوعات لا على خصوصية كونه من رجل أو كونه من امرأة، أو كونه حال اختيار أو حال اضطرار، فإذاً الجامع الذاتي حيث يُنتزع من خصوصية ضمنية فلا يقبل الصدق إلا على الحيثية المشتركة، بينما الجامع العرضي حيث يصح انتزاعه من العوارض فيمكن أن يصدق على الخصوصيات العرضية ولو كانت متباينة، مثلاً: عنوان «الفرد» يمكن أن يصدق على الخصوصية التي بها صار زيدٌ فرداً، وعلى الخصوصية التي صار بها بكرٌ فرداً، مع أنّ الخصوصية المفرّدة لزيد غير الخصوصية المفرّدة لعمر وبكر، فما دام هذا الجامع العرضي وهو عنوان «الفرد» أو عنوان الشيء منتزع من العوارض، فحينئذ لا مانع من صدقه على الخصوصيات المختلفة، فلأجل ذلك بالنسبة إلى الجامع الذاتي كعنوان «الركوع» أو «الغسل» أو عنوان «الإنسان» لا يُتصور فيه التخيير بين المتباينين، بل ينحصر فيه التخيير بين الأقل والأكثر؛ لأنه لا يصدق على الخصوصيات المتباينة، فلو قال مثلاً: المطلوب منك غسلة او غسلتان او ثلاث، فإنّ النسبة بين الغسلة والغسلتين نسبة الأقل والأكثر.

أمّا؛ إذا كان الجامع عرضياً انتزاعياً، فإنه قابل للتخيير بين المنتباينين، أن يقال: «اتني بفرد إمّا زيد وإمّا بكر»؛ لأنه مقتضى انتزاعه من الخصوصيات المتباينة نفسها أن يكون هناك تخيير في تطبيقه بين فرد أو فرد مباين.

وبناءً على ذلك، نقول في المقام: إذا كان المأمور به والمسمى ملحوظاً على نحو الجامع الانتزاعي بأن قال: «صلّ بصلاة مشتملة على ركوع فأزيد» فإنّ ضميمة هذه الكلمة «فأزيد» جعلته جامعا انتزاعياً، فحينئذ يُتصور التخيير فيه بين المتباينين، يعني بين ركوع بشرط الوحدة او ركوع بشرط التعدد، ومن الواضح أن التخيير بين البشرط لا - أي بشرط الوحدة - وبشرط شيء - أي بشرط التعدد - تخيير بين المتباينين، فإن عنوان «ركعة فازيد» كما يُنتزع منه الركعة بشرط لا يُنتزع من الركعتين على حدّ سواء، وبالتالي إذا انطبق عنوان ركوع فأزيد على ركعة واحدة فإن هذا لا يمنع انطباقه على ركعتين، ولا يمنع انطباقه على ثلاث، إذا ما دام منتزعاً من نفس هذه الخصوصيات المتباينة فهو قابلٌ للانطباق عليها ولو في طول؛ لأنه اتى بالركعة ثم أتى بالركعة الثانية فصدق ركعتان أو ركوعان، فبالنسبة للجامع الانتزاعي ما دام صادقاً على الخصوصيات المتباينة وقابلاً للتخيير بين المتباينين، فالنتيجة فيه قابلٌ للانطباق الطولي على القليل والكثير معاً.

أمّا؛ بالنسبة للجامع الذاتي، كعنوان «الركوع» في نفسه أو عنوان «الغسل» في نفسه، بأن يقول: «صلّ صلاة مشتملة على ركوع او على طبيعي الركوع» فإن طبيعي الركوع بالنسبة إلى أفراده جامع ذاتي وليس جامعا انتزاعياً، ففي مثل هذا الفرض لا يقبل الجامع الذاتي الانطباق الطولي، فبمجرد أن يتحقق صرف الوجود منه وهو أوّل ركوع فلا محالة يكون ما بعده تكراراً وإضافة، فإن الركوع الركوع المسمى هو الطبيعي، أو الركوع المأمور به هو الطبيعي، والطبيعي يتحقق بصرف الوجود، فانتهى.

إذاً؛ فكلام المحقق العراقي «قده» الذي أفاده: بأنه يُتصور الزيادة إذا كان المأمور به والمسمى هو الجامع منظوره إلى الجامع الذاتي لا إلى الجامع الانتزاعي، فإنه إذا كان المسمى والمأمور به هو الجامع الذاتي والجامع الذاتي هو الطبيعي، والطبيعي متقوم بصرف الوجود في مقام الصدق، فبمجرد حصول أو فرد من الركوع انطبق الطبيعي، يعني حصل المأمور به وحصل المسمى، فما يكون بعد ذلك فهو زيادة في المسمى أو زيادة في المأمور به.

وبناءً على ما أفاده - أي على التقريب الذي ذكرناه لكلامه - يُتصوّر الزيادة الحقيقية في المسمى والزيادة الحقيقية في مصداق المأمور لا في المأمور به من حيث هو مأمور به؛ لأننا ذكرنا فيما سبق لا يُعقل الزيادة في المامور به من حيث هو مأمور به، ولكن تُعقل الزيادة في مصداقه، هذا تمام الكلام في هذه الجهة.

وهناك تنبيهٌ تعرّض له المحقق العراقي «قده» وسيّدنا الخوئي «قده»، ومحصله:

أنّ الزيادة قد قسّمها بعض الأعلام إلى قسمين: زيادة حقيقية، وزيادة تشريعية، أي زيادة تتحقق بمجرد التكرار - ان يكرر الركوع - وزيادة لا تتحقق إلا بقصد الجزئية - وهذا ما ذهب إليه السيّد الصدر «قده».

ولكنّ العراقي والسيّد الخوئي «قدهما» يقولان: المركبات الحقيقية تختلف عن المركبات الاعتبارية، ففي المركبات الحقيقية تُتصور الزيادة الحقيقية من دون قصد الجزئية، كما لو بنى البيت بأربع غرف وكان المطلوب غرفتين، فهنا يُتصور أن تكون الغرفتان زيادة وإن لم يقصد الجزئية من هذا البيت فإن هذا مركب حقيقي، ولكن في المركبات الاعتبارية كالصلاة والطواف وأمثال ذلك، لا يتصوّر زيادة حقيقية إلا مع القصد.

فهنا في هذه النقطة في المحور، نقول: هل أنّ الزيادة الحقيقية في المركبات الاعتبارية تتوقف على القصد أم لا؟ وما هو القصد الذي تتوقف عليه هل هو قصد الجزئية أو قصد الصلاة الصلاتية؟ فهنا ثلاثة آراء.

الرأي الأوّل: رأي المحقق العراقي وسيّدنا الخوئي «قدهما» أنّ الزيادة الحقيقية في المركبات الاعتبارية تتوقف على قصد الجزئية، والوجه في ذلك يبتني على مقدمتين:

المقدمة الأولى: أنّ المركبات الاعتبارية مؤلفة من مقولات متباينة كالصلاة مثلاً، فإنها مؤلفة من مقولة الركوع وهو من مقولة الوضع، والقراءة وهي مثلاً من مقولة الفعل، والقيام وهو من مقولة الأي مثلاً، فهناك مقولات متباينة لا جامع بينهما بحيث تُشكل المركب الاعتباري إلّا القصد، فما لم يقصد بهيئة الركوع أو القراءة أو القيام أنّه جزء من هذا المأمور به لا يكون جزءاً، فالمركبات الاعتبارية قوامها أصلاً بقصد الجزئية وإلّا لا يكون الفعل جزءاً من المركب وداخلاً ضمن المركب، هذه المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية: كما أنّ الجزئية منوطة بالقصد فلا يقع الركوع جزءاً من الصلاة إلّا بقصد الجزئية، كذلك الزيادة في الصلاة منوطة بقصد الجزئية، فكما أنّ الركوع الأول مثلاً لا يقع جزءاً من هذا المركب الذي شرع فيه إلا لأجل قصد أنه منه، كذلك الركوع الثاني لا يقع زيادة في الصلاة التي هي مركب اعتباري إلا إذا اعتبرته جزءاً منها، إذا ما لم تقصد أنه جزء منها لا يكون مزيداً فيها. وعلى هذا الأساس فالزيادة الحقيقية هي: الاتيان بالفعل بقصد الجزئية. والزيادة التشريعية هي عبارة: أن تأتي به بقصد الجزئية ملتفتا إلى أنّه ليس جزءاً، فتكون بذلك قد قصدت التشريع، هذا ما ذكره العلمان.

الرأي الثاني: ما ذهب إليه جمعٌ من الأعلام ومنهم السيّد الأستاذ «دام ظله» من أنّ هناك فرقاً بين المسانخ وغير المسانخ، فالمسانخ مثل الركوع حيث إنّ له مسانخاً في الصلاة، مثل السجود حيث إنّ له مسانخاً في الصلاة، فالمسانخ تتحقق زيادته حقيقة وإن لم يقصد الجزئية، المهم أن يقصد أصل العنوان بمعنى أنّه صدر منه العمل بقصد الركوع، لم يصدر منه بقصد أن يتناول شيء من الأرض فإنّ هذا ليس ركوعاً، فلو انحنى لتناول شيءٍ من الأرض هذا ليس ركوعاً واضح، لكن لو انحنى بقصد الركوع فهو زيادة وإن لم يقصد الجزئية، فيقال: «زاد في صلاته ركوعاً» وإن لم يقصد الجزئية من المركب، بأن قال: «أنّ الركوع الأوّل محققٌ للمسمى وللمأمور به ولكنني أتيت بالركوع الثاني زيادة في التقرب» مثلاً.

وأمّا غير المسانخ، فحتّى لو اتى به بقصد الجزئية لا يكون زيادة في الصلاة؛ لأنّ هذا أجنبي عن الصلاة حتى لو قصد به أن يكون جزءاً من الصلاة، فلذلك تكون مبطليته لا من حيث الزيادة، فيشمله قوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» بل مبطليته من حيث ضائريته بهيئة الصلاة - ما لو كان يقفز في كل ركعة قفزتين - لا من حيث كونه زيادة، أو من حيث التشريع إذا قلنا بأن التشريع مبطلٌ، كما لو التفت إلى أنّه ليس جزءاً فاتى به بقصد الجزئية مشرّعاً وقلنا بأن التشريع مبطلٌ.

الرأي الثالث: أنّ المدار في الزيادة الحقيقية في المركبات الاعتبارية على قصد الاقحام، سواءً قصد الجزئية أم لم يقصد الجزئية، بيان ذلك:

إذا جاء المكلف أثناء صلاته بركوع آخر، فتارة يقصد بهذا الركوع أنه جزءٌ من صلاته، ولا كلام في أنّ هذه زيادة، يقال: زاد في الصلاة؛ لأنه ادخل جزءاً ليس جزءاً، وتارة يقصد به الظرفية لا الجزئية، فهو اتى بالركوع بقصد أنّ ظرفه الصلاة وإن لم يقصد أنّه جزءٌ منها، فإذا قصد تظريف الصلاة لهذا الركوع، أي جعل الصلاة ظرفاً لهذا الركوع وإن لم يقصد الجزئية فقد أقحم في ظرف الصلاة ما ليس في ظرفها، وهذا أيضاً يُعد زيادة فيها، فالزيادة في الصلاة - نتكلم عن الزيادة الحقيقية - صحيح تتقوم بالقصد وفاقاً للعراقي والسيّد الخوئي؛ لأنها مركب اعتباري فلا معنى أن يقال كما في الرأي الثاني متى ما اتى بالمسانخ وإن لم يكن بقصد الصلاتية فقد زاد في صلاته، فإنه لم يزد في صلاته؛ إذ ما دامت الصلاة عنوانا قصدياً فلا يتحقق زيادة فيه إلا بقصده؛ لأنه اساسا هو عنوان قصدي، فما دامت الصلاة عنواناً متقوماً بالقصدية، إذاً لا يُتصور زيادة فيه إلّا مع قصد الإلحاق في الصلاة، سواءً كان قصد الالحاق على نحو الجزئية أو على نحو الظرفية.

أمّا إذا لم اقصد الحاق شيء بالصلاة ولا إقحام شيء في الصلاة وإنما تذكرت أنّني نذرت لله نذراً أن اركع إذا رأيت زوجتي، فأتيت بهذا الركوع غافلاً عن الصلاة بالمرة وأنّها جزءٌ ظرف غافل عن ذلك بالمرة، هذا لا يُعد زيادة بالصلاة ما لم اقصد إلحاقه بها.

وبالتالي - أي بناء على المطلب الذي نحن ذكرناه أو الرأي الأخير -: لا فرق بين المسانخ وغير المسانخ، فالمدار على قصد الصلاتية، سواء كان هذا القصد بنحو الجزئية او الظرفية.

ولكن تشبث أرباب الرأي الثاني الذين يقولون بأن تكرار المسانخ زيادة قُصد به الصلاتية أم لا؟ قُصدت به الجزئية أم لا؟ مضافاً للمرتكز العرفي كما يقولون، رواية القاسم بن عروة عن أبي عبد الله :

«لا تقرأ في الصلاة بشيء من العزائم - أي لا تقرأ سورة من سور العزائم الأربع - فإن السجود زيادةٌ في المكتوبة»، مع أنّ المكلف إذا قرأ سورة العزيمة وسجد سجود التلاوة فهو لم يقصد الصلاتية بل قصد عنواناً أجنبيا عن الصلاة ألا وهو سجود التلاوة، كما لو قصد سجود الشكر الذي محله بعد الصلاة فأتى به أثناء الصلاة، فإنّه قصد عنواناً أجنبيا، فمع أنّ المكلف قصد عنواناً أجنبيا عن الصلاة مع ذلك اعتبره الإمام زيادةً في الصلاة، فقال: «فإن السجود زيادة في المكتوبة» ممّا يؤكد على أنّ تكرار المسانخ زيادةٌ قُصد به الجزئية أم لا، قُصد به الصلاتية أم لا، «زيادة في المكتوبة».

ولكن الاستدلال بالمرتكز العرفي سبق الكلام فيه، والاستدلال برواية القاسم بن عروة - بناء على تمامية سندها وهو محل كلام - يبتني على أنّ الإمام في مقام الإرشاد إلى ما هو المرتكز العرفي، وإمّا لو قلنا أنّه في مقام بيان حكم تعبدي فلعل الإمام اعتبر أنّ تكرار السجود زيادةً في المكتوبة وإن لم يكن زيادة حقيقية، كما إذا اتى به بقصد سجود التلاوة، وهذا ما احتمله سيّدنا «قده» وهو في محله، بأن نقول: من المحتمل أن قوله «السجود زيادة في المكتوبة» أنني اعتبر تكرار السجود زيادة مبطلة، قصدتم الجزئية أم لم تقصدوا، قصدتم الصلاتية ام لم تقصدوا، هذا اعتبار شرعي، وإذا تمّ هذا الاعتبار الشرعي في السجود تمّ في الركوع لعدم احتمال الخصوصية للسجود مقابل الركوع. لكنه لا يُشكل قاعدة نلتزم بها في كل مسانخ، كما لو كرر قراءةً او كرر تشهداً أو كرر سلاماً أو ما أشبه ذلك.

إذاً فالنتيجة: ما دام لا ظهور في هذه الرواية في كونها إرشادا إلى المرتكز العرفي وأنّ المرتكز العرفي يرى أصلا أن تكرار المسانخ زيادة، وهذه الرواية جاءت إمضاءا وإرشادا له، فما لم تكن هناك قرينة على ظهور الرواية في إمضاء المرتكز أو الإرشاد إليه واحتمالها احتمالاً عرفيا أن تكون حكماً تعبدياً، إذاً فلا يُرفع بها اليد عمّا ذكرناه من أنّ الزيادة الحقيقية في المركبات الاعتبارية منوطة بالقصد إلّا في السجود والركوع لو تمت الرواية سنداً.

ونتيجة البحث الذي ذكرناه: شمول قوله : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» بالزيادة الحقيقية وهي تكرار المأمور به إذا كان المأمور به والمسمى ملحوظا على نحو الجامع الحقيقي، والزيادة التشريعية، وهو ما إذا أتى به بقصد الجزئية تشريعاً، إلّا أنّ الأوّل وهو ما إذا كرر الركوع مثلاً، كرر السجود مثلاً، إنما يصدق عليه زيادة حقيقية في الصلاة إذا أتى به بقصد الصلاتية، فإذا أتى به بقصد الصلاتية تحققت السنخية، وهذا هو الشرط الأول من شروط الزيادة الحقيقية، وحيث إنّ المأمور به هو الطبيعي الذي ينطبق على أول فرد، يكون هذا الانطباق حدّاً يجعل ما قبله امتثالاً وما بعده زيادةً.

والحمد لله رب العالمين