الدرس 12

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الجهة الأولى، وهي البحث عن معقولية الزيادة الحقيقية في المركبات الحقيقية والاعتبارية، ويقع الكلام فعلاً في:

الجهة الثانية: وهي تصور مبطلية الزيادة، فإذا أراد الشارع أن يعتبر الزيادة في الصلاة مثلاً مبطلة، فما هو الطريق لجعل المبطلية للزيادة؟ وهنا طرقٌ ثلاثة تعرض لها الأعلام «قدهم»:

الطريق الأوّل: أن يجعل الشارع عدم الزيادة جزءاً من أجزاء الصلاة.

الطريق الثاني: أن يجعل الشارع عدم الزيادة شرطاً في الصحة.

الطريق الثالث: أن يجعل مستقلاً المانعية للزيادة، فيقول: «الزيادة مبطلة» فتكون المبطلية بمعنى المانعية مجعولةً للاستقلال، فهل هذه الطرق جميعها ممكنة وصحيحة أم لا؟

فالكلام فعلاً عن:

الطريق الأولّ: بأن يقول الشارع: الصلاة المأمور بها مؤلفة من أجزاء وجودية كالركوع والسجود وأجزاء عدمية كعدم التكرار، فعدم الزيادة جزءٌ عدمي للصلاة المأمور بها، وبالتالي فمتى أتى بالزيادة فهو لم يصلي؛ لأنه انقص جزءاً من أجزائها ألا وهو عدم الزيادة.

ولكنّ المحقق الأصفهاني «قده» أشكل على هذا الطريق ألا وهو كون عدم الزيادة جزءاً من الصلاة: بأنّه لازم ذلك تأثير العدم في الملاك وهو غير معقول؛ لأنّ جزء المركب الاعتباري كجزء الصلاة والطواف هو المقتضي للتأثير في وجود الملاك، فمثلاً ملاك الصلاة الداعي للأمر بها هو النهي عن الفحشاء والمنكر، أو استعداد المكلف للانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وهذا الملاك أمرٌ وجودي فلأجل ذلك لا يُعقل أن يكون المقتضي لحدوثه أمراً عدمياً، فلا يُعقل أن يكون عدم الزيادة جزءاً من الصلاة، أي مقتضياً لحدوث الملاك.

وما ذكره المحقق الأصفهاني محل تأمّل، والسرّ في ذلك: أنّ هذا إنما يصح في الملاكات التكوينية، ولكن ملاكات الأحكام الشرعية لا تنحصر في الملاكات التكوينية؛ إذ ربّما يكون الملاك من صغريات المستقلات العقلية، وربّما يكون الملاك من الامور الاعتبارية، فإذا كان من المستقلات العقلية فلا مانع أن يكون قيده قيداً عدمياً، مثلاً: عندما نقول: الخيانة عملٌ قبيحٌ عقلاً، والخيانة عبارة عن عدم ملكة أي عدم اداء الأمانة ممن شأنه الأداء، فهنا أُخذ في موضوع القبح قيدٌ عدمي وبالتالي قد يكون ملاك الحكم الشرعي هو هذا الحكم العقلي الذي موضوعه قيدٌ عملي.

وقد يكون الملاك من الأمور الاعتبارية، كملاك الوهن والهتك والتعظيم والتحقير، فيقال مثلاً: ردّ الحكم الصادر عن الفقيه وهنٌ لمقامه، وهذا الوهن ملاكٌ للحرمة، مع أنّ الوهن أمر اعتباري عقلائي ليس من الأمور الحقيقية التكوينية، أو يقال مثلاً: التقدم على المعصوم موجبٌ لهتك مقامه في نظر الناس، وهذا الهتك موضوع ملاك للحرمة، والهتك ملاك اعتباري، فما دام ملاك الحكم الشرعي لا ينحصر بالملاك التكويني فمن الممكن أن يكون هذا المناط منوطاً بملاك عدمي، فلا مانع عقلاً من أن يكون عدم الزيادة جزءاً من المركب الاعتباري بلحاظ دخل عدم الزيادة في ملاك، سواء كان ذلك الملاك من المستقلات من العقلية أو كان ذلك الملاك من الأمور الاعتبارية، فالطريق الأوّل لجعل مبطلية الزيادة وهو اعتبار عدم الزيادة جزءاً أمر معقول وإن كان هذا الطريق غير مألوف ومأنوس.

الطريق الثاني: أن يُجعل عدم الزيادة شرطاً، وهذا ما ذهب إليه المشهور، بأن يقال: معنى كون الزيادة مبطلة، يعني أنّ عدمها شرطٌ فالمبطلية من باب انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

ومعنى كون عدم الزيادة شرطاً، يُتصور على نحوين:

النحو الأوّل: أن يكون عدم الزيادة شرطاً للصلاة بلحاظ مجموع أجزائها، نظير أن يُستفاد من صحيح محمد بن مسلم: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» أنّ عدم الزيادة شرطٌ في صحة الصلاة، فهل يمكن بعد ذلك أي مع جعل عدم الزيادة شرطاً للصلاة أن يُلاحظ الجزء، يعني جزء الصلاة كالركوع مثلاً، أن يلاحظ بالنسبة إلى الزيادة على نحو اللابشرط، فإذا لُوحظ مجموع الاجزاء بالنسبة إلى الزيادة، يعني زيادة الركوع على نحو البشرط لا، فهل يمكن أن يُلاحظ نفس الجزء وهو الركوع بالنسبة إلى الزيادة على نحو اللابشرط؟

لا ريب أنّه ما يكون قيداً لمجموع الأجزاء فهو قيدٌ لكل جزء؛ إذ ليس المركب إلا الاجزاء بالاسر، فما يكون قيداً للمجموع فهو قيدٌ لكل جزءٌ، وحينئذ إذا كان الركوع ايضا بما هو جزءٌ من الصلاة مشروطاً بعدم الزيادة لاشتراط المجموع بعدم الزيادة، فهل يمكن أن يكون الجزء في حدّ ذاته على نحو اللابشرط من جهة الزيادة؟

ذكر الأصوليون في بحث المطلق والمقيد، أنّه إذا تقيّد تقيداً ذاتياً بقيدٍ بطل محل الإطلاق اللحاظي في ذلك القيد، فإنّ التقيد الذاتي يرفع محل الإطلاق اللحاظي.

بيان ذلك:

مثلاً: إذا كان القيد قيداً للوجوب كما إذا قال: «إذا زالت الشمس فصلّ» فالزوال قيدٌ في وجوب الصلاة، فما هو قيدٌ في الوجوب يكون قيداً في الواجب، لكن لا على نحو التقييد اللحاظي بل على نحو التقيد الذاتي القهري، بمعنى أنّ المولى بعد أن يلحظ الوجوب مشروطاً بالزوال، فلا محالة مقتضى هذا التقييد اللحاظي أن يكون متعلّق هذا الوجوب هو الحصة الخاصة، يعني الصلاة بعد الزوال، فتقيّد الواجب بقيد الوجوب تقيّد ذاتي قهري، بلا حاجة إلى أن يقوم المولى بتقييده تقييداً لحاظياً، وهذا التقيد الذاتي يرفع موضوع الاطلاق والتقييد اللحاظيين، بمعنى: أنّ نسبة الواجب وهو الصلاة إلى الزوال، يعني هذه النسبة ليست محلا للاطلاق اللحاظي ولا للتقييد اللحاظي، أصلاً موضوعه ينتفي، فإنّ موضوع الإطلاق والتقييد اللحاظيين ما كانت الماهية في نفسها على نحو اللابشرط المقسمي من كليهما، فإذا كانت الماهية في رتبة سابقة لا بشرط من جهة التقييد لا بشرط من جهة الإطلاق أيضاً، فهي لا بشرط من جهة الإطلاق والتقييد اللحاظيين معاً، أي أنّها ماهية خلو، فهنا سوف تكون الماهية موضوعا إمّا للتقييد او للإطلاق.

أمّا إذا كانت الماهية بعد تقيد الوجوب بالزوال هي عبارة عن حصّة من الطبيعة وهي الصلاة ما بعد الزوال، فلا محالة قد ارتفع موضوع الإطلاق والتقييد اللحاظيين، فانتفاء اللابشرطية - يعني اللابشرط القسمي الذي هو عبارة عن الإطلاق اللحاظي - بانتفاء موضوعه، وكذلك الأمر في المقام، فإنّه بعد تقييد مجموع الأجزاء بقيد لحاظي ألا وهو عدم الزيادة فلا محالة يتقيد الجزء تقيداً ذاتياً بعدم الزيادة، ومع تقيده تقيداً ذاتياً بعدم الزيادة لا يكون محلاً للإطلاق اللحاظي ألا وهو اللابشرط القسمي من حيث الزيادة.

النحو الثاني: أن يكون عدم الزيادة شرطاً في الجزء نفسه وليس المجموع، بأن يقول المولى: «صلّ» وفي الصلاة أنت مأمور بركوع مشروط بعدم الزيادة، فعدم الزيادة شرطٌ في ذات الجزء لا في الصلاة، وبالتالي لو لم يحقق ذلك بمعنى أنّه بركوع آخر فهو لم يأتِ بالجزء.

فهنا يأتي السؤال السابق، حيث هنا قد تترتب ثمرة على هذا السؤال، وهو أن يقال: هل يمكن أن يكون عدم الزيادة شرطاً في الجزء وشرطاً في الصلاة؟ لأننا كما ذكرنا في النقطة السابقة أنّه إذا تقيّد الجزء تقييداً لحاظيا بعدم الزيادة فلا يُعقل أن يكون مجموع الأجزاء بالنسبة إلى الزيادة لا بشرط، لكن هل يمكن أن يكون مجموع الأجزاء أيضاً مقيداً بعدم الزيادة؟ فيكون عدم الزيادة شرطاً في الجزء وشرطاً في الصلاة.

هنا قد يُطرح إشكالان:

الإشكال الأوّل: هو اللغوية فيقال: لا أثر لذلك؛ لأنه بعد تقييد الجزء بعدم الزيادة فالزيادة حينئذ نقصٌ للجزء ونقص الجزء نقص للصلاة فتكون الصلاة باطلةٌ لنقص جزئها، فما هي الثمرة من أن نجعل عدم الزيادة أيضاً شرطاً للصلاة.

ولكن قد يُقال بأنّ اللغوية مرتفعة لوجود أثر ولو على بعض المباني فمثلاً، سوف يأتِ البحث في حديث «لا تُعاد» هل أنّ لا تعاد الصلاة خاصّ بالنقص أم يشمل الزيادة؟ إذ ربما يُقال بأنّ «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» خاصٌ بالنقص؛ لأن المستثنى كالوقت والقبلة ممّا لا يُتصور فيه زيادة، فهذه قرينة على نظر حديث «لا تُعاد الصلاة إلى فرض النقص»، ومقتضى ذلك أنّه لو كان الخلل نقصاً في الجزء وقد صدر هذا النقص عن نسيان أو جهل قصوري كان مشمولاً لحديث «لا تُعاد» بخلاف ما إذا كان الخلل زيادةً فحديث «لا تُعاد لا يشمل الزيادة» ولا يوجد حديث آخر مؤمن، فمقتضى ذلك أن تكون الزيادة ولو عن نسيان أو جهل قصوري مبطلة، وبناءً على ذلك:

إذاً لو فرضنا أنّ المكلف كرر التشهد ناسياً جاهلاً كرر التشهد، وقلنا بأن التكرار نقصٌ في الجزء لأن الجزء مشروط بعدمه، لكن زيادة في الصلاة؛ إذ مرّ عندنا على بعض المباني معقولية ذلك، أنّ بعضهم يرى أنه قد يكون التكرار نقصاً للجزء زيادة في الصلاة، إذاً فالتشهد الثاني نقصٌ للجزء على هذا المبنى زيادة في الصلاة، ولو فرضنا أن المكلف أتى بتشهدين ولم يذكر ذلك أو لم يعلم إلا بعد الركوع في الركعة الثالثة بحيث فات المحل، فهذه الصلاة صحيحة من حيث نقص الجزء لأنه ما أتى بالتشهد حيث إنّ التشهد هو التشهد المشروط بعدم التكرار وهو لم يأت به، إذاً فهي صحيحة من حيث نقص الجزء، لكنّها باطلةٌ من حيث الزيادة؛ لأن الزيادة ليست مندرجة على هذا المبنى تحت حديث «لا تُعاد»، إذاً فمن الممكن حينئذ أن يقال: بأنّه لا مانع من حيث اللغوية أن يُقال عدم التكرار شرطٌ في الجزء وفي نفس الوقت شرطٌ في الصلاة، فهو من حيث كونه شرطاً في الجزء يكون الإتيان بالزائد نقصاً، وهو من حيث كونه شرطاً في الصلاة يكون الإتيان به زيادةً؛ لأن الصلاة اشترطت بعدم الزيادة.

الإشكال الآخر: وهو إشكال عقلي، ما ذكره المحقق الأصفهاني «قده»، من أنّه إذا أُخذ عدم الزيادة في الجزء كان متمما للمقتضي لأن الجزء مقتضي لحدوث الملاك، فإذا أُخذ عدم الزيادة في الجزء كان متمما للمقتضي، ولو أُخذ شرطاً الصلاة كان بمثابة المانع؛ لأنّ الاشتراط بعدم الشيء يعني أنّ وجوده مانعٌ، والمانع متأخرٌ رتبةً عن المقتضي، إذاً فالنتيجة كيف يكون عدم الزيادة جزءاً من المقتضي وهو الركوع وفي نفس الوقت مانعٌ من تأثيره، والحال بأنّه لا تصل النوبة للمانع إلّا بعد تمامية المقتضي.

والجواب عن هذا الإشكال الذي أفاده المحقق الأصفهاني «قده» يبتني على:

أولاً: أن يكون عدم الزيادة جزءاً من الجزء لا شرطاً، وإلّا لو أُخذ عدم الزيادة شرطاً في الجزء او شرطاً في المجموع، أو أُخذ عدم الزيادة جزءاً من الجزء وجزءاً من المجموع لم يكن هناك اشكال، إنما يبتني اشكاله على أنّ عدم الجزء الزيادة لُوحظ في الجزء جزءاً، يعني الركوع المأمور به مكوّن من جزئين، ركوع وعدم زيادة، بينما عدم الزيادة لُوحظ في المجموع شرطاً، فاختلفت الرتبة؛ لأن رتبة المقتضي متقدمة على رتبة الشرط، أمّا لو كان عدم الزيادة مأخوذاً في كليهما بنسبة واحدة، فعدم الزيادة بالنسبة إلى الجزء جزءٌ، بالنسبة إلى المجموع جزءٌ، أو عدم الزيادة بالنسبة إلى الجزء شرطٌ بالنسبة إلى المجموع شرطٌ، هذا أولاً في كلام الأصفهاني.

وثانيا: إنّ كلامه مبني على السريان، بمعنى أنّ ما أُخذ في المجموع من حيث هو مجموع يسري إلى الجزء من حيث ذاته، فيقال: إذا أُخذ عدم الزيادة شرطاً في المجموع فمقتضى ذلك أن يكون عدم الزيادة شرطاً في الجزء من حيث ذاته، فلا يجتمع اخذه في الجزء من حيث ذاته مع أخذه في الجزء نفسه جزءاً.

أمّا إذا أنكرنا وقلنا: لا، هذان لحاظان مختلفان، فعدم الزيادة، يعني عدم تكرار الركوع، لُوحظ في الجزء، يعني في الركوع من حيث ذاته، وعدم الزيادة لُوحظ شرطاً في المجموع بما هو مجموع، من دون سرايته لكل جزء في حدّ نفسه، إذاً فأي مانع من أن يكون وجود الزيادة، يعني لو احدث ركوعاً، كان هذا الركوع مبطلاً من جهتين في عرض واحد، فهو مبطلٌ لكونه نقصاً في الجزء، وهو مبطلٌ لكونه زيادة في المجموع، فمع اختلاف الجهة واللحاظ فلا مانع عقلاً من أن يكون عدم الزيادة متتماً للمقتضي شرطاً في المركب، شرطاً في المجموع.

فتلخص بذلك: أنّ هذا الطريق الثاني، ألا وهو جعل المبطلية بمعنى الشرط، يعني شرط العدم، من حيث هذين الإشكالين هذا الطريق تام، أمّا يبقى إشكال السيّد الإمام على هذا الطريق وذهابه إلى طريق ثالث في جعل المبطلية نتكلم عنه إن شاء الله غداً.

ملاحظة: ذكر السيّد الإمام هذا المبحث في كتاب الخلل في الصلاة وذكره في كتاب البيع في بحث شرطية القدرة على التسليم بالمناسبة، وهناك في كتاب البيع تعرّض له بأفضل وأوسع مما تعرض له في بحث كتاب الخلل.

والحمد لله رب العالمين