الدرس 24

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أنه يمكن تصحيح صلاة العامد الذي اخل بجزء أو شرط عن عمد بإطلاق لا تعاد مع تصوير أن في الصلاة قصرا ملاكين: ملاكا في الجامع، وملاك في خصوصية القصر، وفي الصلاة تماما ملاكا للجامع، وان خصوصية التمام مانع عن استيفاء ملاك القصر وهذا الذي ذكره صاحب الكفاية «قدس سره» أورد عليه في الكفاية بأنه إذا كان التمام مانعا من استيفاء ملاك القصر فالتمام مبغوض والمبغوض لا يصلح للمقربية فلا محال يقع التمام فاسدا والحال بأن المتسالم عليه فقهيا صحة التمام في موضع القصر إذا كان عن جهل بالحكم.

ثم قلنا: إن تقريب هذا الإشكال بوجوه، مر الكلام في الوجه الأول.

الوجه الثاني: أن يقال: إن التمام مانع من ترتب الأثر على القصر وعدم المانع من أجزاء العلة فلا محال يكون عدم التمام من أجزاء العلة المحققة لأثر القصر، فإذا كان عدم التمام من أجزاء العلة المحققة لملاك القصر، كان عدم التمام واجبا، وإذا كان عدم التمام واجبا، كان التمام مبغوضا لأنّه ترك للواجب وعصيان للواجب ومقتضى كونه مبغوضا عدم صلاحيته للمقربية.

ولكن صاحب الكفاية نفسه أجاب عن هذا التصوير، فقال: ذكرنا في بحث الضد وهو هل أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده أم لا؟ ذكرنا هناك بأنه لما كان الضدان في عرض واحد فلا يعقل أن يكون عدم احدهما جزء علة لوجود الأخر، فإن عدم الضد في رتبة وجود ضده لا أنه سابق عليه في الرتبة، فإذا كانت هناك مضادة بين القيام والقعود بحيث لا يستوعبهما الجسم في آن واحد نتيجة للمنافرة التامة بينهما فلا محال يكون القعود مقارنا لعدم القيام وعدم القيام مقارنا للقعود لا أن عدم القيام سابق للقعود بحيث يقال: إن وجود القعود متوقف على عدم القيام لأنّه لا معنى لأنَّ يتوقف الضد على عدم ضده بحيث يكون عدم الضد من أجزاء العلة ما داما في رتبة واحدة، فلأجل ذلك غاية ما يقال: إن الضدين نتيجة للنفرة التامة بينهما يتزاحمان فلا يستوعبهما الموجود الخارجي في آن واحد، لا أن عدم أي منهما علة أو جزء علة لوجود الآخر، بل عدم كل منهما في عرض وجود الآخر وليس متقدما عليه بحسب الرتبة.

وبناء على ذلك فإذا قلنا: إن التام والقصر متضادان؛ لأنَّ للتمام أثرا مانعا من القصر وللقصر أثراً لا يجتمع مع اثر التمام فإذا كان القصر والتمام ضدين لا يجتمعان في آن واحد فلا محال لا يعقل أن يكون عدم التمام جزء علة لوجود القصر كي يكون عدم التمام واجب لأنّه جزء العلة فإذا وجب صار التمام مبغوضا وإذا كان مبغوضا كان مانعا من مقربيته فإن كل ذلك يتوقف أن يكون عدم التمام علة وليس بعلة.

ولكن المحقق العقل الفعال الأصفهاني «قدس سره» تنظر في كلام أستاذه فقال: بأننا ذكرنا في بحث الضد أن التمانع له معنيان وقد ذكره المضفر في أصول المضفر إن التمانع له معنيان المعنى الأول: التزاحم في الوجود بمعنى أن الجسم والوجود الخارجي ليست له بالسعة بأن يشمل الضدين المتنافرين في آن واحد فمعنى التمانع ليس إلا التزاحم وعلى هذا المعنى يأتي كلام صاحب الكفاية أنه لا يعقل أن يكون عدم احد الضدين علة لوجود الآخر فإن هذا خلف عرضيتهما، والمعنى الثاني للتمانع هو التمانع في التأثير بين مقتضيي الضدين.

فمثلا إذا قلنا بأن النار مقتض للإحراق وقلنا بأن الرطوبة مقتض لعدم الإحراق مثلا فبين الإحراق وعدمه تمانع بالمعنى الأول وهو عدم إمكان اجتماعهما في التحقق، ولكن بين النار المقتضية للإحراق وبين الرطوبة المقتضية، بين المقتضِيين لا بين المقتَضيين بين المؤثرين لا بين الأثرين، بين المقتضِيين يوجد تمانع في التأثير بمعنى أنه لا يمكن لأحد المقتضيين أن يؤثر أثره إلاّ إذا كان قاهرا على المقتضي الآخر فالتمانع هنا لا بمعنى التزاحم في الوجود لأنَّ المقتضيين موجودان معا إنما التمانع هنا التنافي في مرحلة التأثير حيث إن فعلية الأثر لكل منهما ممانعة بوجود المقتضي الآخر اذن بالنظر إلى المعنى الثاني يعقل العلية فنقول: إن تأثير المقتضي الأول وهو تأثير النار في الإحراق يتوقف على عدم قاهرية المقتضي الثاني. وحينئذ يعقل الطولية بينهما لأنَّ المقتضِيين لليس في رتبة واحدة وإن كان بين المقتضَيين تمانع عرضي لكن حيث إن المقتضِيين ليسا في رتبة واحدة لا مانع أن نقول: إن تأثير المقتضي الأول ألا وهو تأثير النار في الإحراق يتوقف على عدم المانع وعدم المانع عبارة عن عدم المقتضي الثاني، وهذا ذكرناه في بحث الضد وانه يتصور الطولية بين المقتضِيين وان لم يتصور الطولية بين المقتضَيين والأثرين.

وإذا أردنا أن نطبق على محل كلامنا فنقول: قد فرض صاحب الكفاية «قدس سره» أن التضاد ليس بين القصر والتمام بل بين أثريهما حيث قال: في القصر ملاك، وفي التمام خصوصية تمنع من ملاك القصر، فالمضادة والممانعة بين اثر القصر واثر التمام لا بين القصر والتمام، فنسبة القصر والتمام نسبة المقتضِيين للضدين لا نسبة الضدين، فمن اجل ذلك لا مانع من أن يقال: إن تأثير القصر في تحقيق ملاكها متوقف على عدم التمام لأنَّ التمام مقتضي لأثر مضاد فيتصور التوقف بحيث يكون عدم التمام جزء علة لأثر القصر يتصور ذلك بين القصر والتمام.

فما ذكره صاحب الكفاية من أن الكبرى لا تنطبق على المقام نعم تنطبق على المقام وهي توقف احد المقتضِيين في تأثيره أي فعلية مقتضاه على عدم المقتضي الآخر.

إلاّ أن هذا الذي ذكره المحقق الأصفهاني أعلى الله مقامه يتوقف على توضيح الصورة وهو أن نقول: المقتضي يعني ما منه الأثر هو نفس القصر والتمام، وأما إذا قلنا بأن المقتضي هو إرادة القصر وإرادة التمام وأما نفس القصر ونفس التمام شرط في التأثير حيث إن أجزاء العلة ثلاثة فالجزء الأول المقتضي وهو ما منه الأثر يعني هو مبدأ الترشح والفيض والجزء الثاني وهو الشرط وهو ما كان مصححا لفاعلية الفاعل أو متمما لقابلية القابل والجزء الثالث هو عدم المانع وهو ما به فعلية الأثر.

وحينئذ إذا قال المحقق الآخوند: إن الذي ذكر في بحث الضد من تصور الطولية بحيث يتوقف احد الوجودين على عدم الآخر إنما هو بين المقتضِيين لأنَّ الاقتضاء موطنه الإرادة وليس موطنه نفس الفعل، وإنما الفعل بمثابة الشرط إذن فحينئذ لا تنطبق هذه الكبرى وهي توقف أحد الوجوديين على عدم الآخر على مسألة القصر والتمام لأنهما ليسا من قبيل المقتضِيين فهذا بحث صغروي.

هذا بالنسبة إلى هذا الوجه من التصوير.

الوجه الثالث: ما ذكره سيد المنتقى «قدس سره» وبيان ذلك أنه لا حاجة في إثبات مبغوضية التمام إلى الوجه الأول الذي يعتبر عدم التمام مقدمة لوجود القصر ولا إلى الوجه الثاني الذي يعتبر عدم التمام جزء علة من باب عدم المانع لا نحتاج إلى هذين الوجهين كي يأتي النقاش الفلسفي بأن عدم الضد ليس مقدمة لوجود ضده وعدم الضد ليس جزء علة بل نقول ببيان عرفي واضح: ما دام التمام دخيلا في فوت الملاك فإنه متى ما أتى بالتمام فات ملاك القصر فما دام التمام دخيلا في فوت الملاك، فوته على نحو مانع أو عدم الشرط، فما دام التمام دخيلا في فوت ملاك القصر فهو مبغوض، فإنه يقع مصداقا عرفا لما هو المبغوض فيقال: المفوت لملاك القصر التمام فالتمام مبغوض فإذا كان مبغوض لم يكن صالحا حتى لو لم يثبت أن عدم التمام مقدمة أو جزء علة على أية حال التمام دخيل في فوت الملاك إذا التمام مبغوض.

أقول: ولا يبتني البحث على ما ذكر في بحث مقدمة الواجب من أنه هل أن مقدمة الحرام حرام أم لا بحيث يقال: أن قلنا بأن مقدمة الحرام حرام فالفوت حرام ومقدمته التمام فيكون التمام حراما أو لم نقل بذلك بأن قلنا بأن مقدمة الحرام ليست حراما فإن البحث لا يبتني على البحث هناك، بل نقول: على أية حال كانت مقدمة الحرام حرما أم لم تكن فإن الارتكاز العرفي يرى أن التمام هو المفوت للملاك فبما أنه مصداق للمفوت للملاك فهو مبغوض فهو بنظر العرف تمرد وعصيان لأمر المولى لأنّه مفوت لملاكاته فهو مبغوض في نفسه والمبغوض لا يصلح للمقربية مع غض النظر عما ذكر في مقدمة الحرام أنها حرام أم لا؟

وللسيد الشهيد كلام لم يذكره في هذا الموضع لكننا نربطه به فإنه قال بأن مثل هذه الموارد تبتني على أن هل يمكن اجتماع الأمر والنهي بين الأمر بالجامع والنهي عن الخصوصية أم لا؟ لا إشكال في نظره هو أنه لا يمكن اجتماع الأمر بالجامع والنهي عن الجامع المتخصص بالخصوصية كما لو قال مثلا: أقم الصلاة هذا أمر بالجامع، وقال: لا تصل معجبا بصلاتك، فإنه لا يمكن اجتماع الأمر والنهي هنا لأنَّ مصب الأمر هو الجامع ومصب النهي الجامع المتخصص بالخصوصية، لا تصل معجبا، فحينئذ يلزم أن تكون نفس الصلاة محلا للأمر ومحلا للأمر الضمني لأنَّ النهي عن المتخصص بالخصوصية ينحل إلى نهيين ضمنيين احدهما يتعلق بذات الصلاة يعني بذات الجامع، فلا يعقل اجتماع الأمر والنهي إذا كان الأمر منصبا على الجامع والنهي منصبا على الطبيعي المتخصص بخصوصه هذا غير معقول.

ولكن لو كان مصب الأمر هو الجامع ومصب النهي نفس الخصوصية، لا الجامع المتخصص بها كما لو قال: أقم الصلاة، وقال: لا تكن في الحمام، وقال: أقم الصلاة، ولا تكن في مواطن التهمة، فمصب الأمر طبيعي الصلاة، ومصب النهي خصوصية أن يكون في الحمام، وخصوصية أن يكون في مواطن التهمة، فهنا لا مانع من اجتماع الأمر والنهي فيقال: لو صلى في مواطن التهمة فصلاته صحيحة ولو ارتكب مخالفة تكليفية في الخصوصية فالخصوصية مبغوضة والصلاة محبوبة، ولا تسري مبغوضية الخصوصية للصلاة بحيث توجب فسادها، فلا مانع من اجتماع الأمر والنهي إذا كان احدهما متعلقا بالجامع والآخر بالخصوصية، وفي المقام كذلك فلصاحب الكفاية أن يقول: إن مصب الأمر طبيعي الصلاة الأعم من القصر والتمام ومصب المبغوضية خصوصية التمام لا الصلاة تماما فإذا كان مصب المبغوضية خصوصية التمام فلا مانع من اجتماع الأمر والنهي فيقال: الصلاة تماما صحيحة؛ لأنها امتثال للأمر بالجامع وإن كانت خصوصية التمام مبغوضة فإنه لا تسري مبغوضية الخصوصية إلى ذي الخصوصية.

فهذا طرحه السيد الشهيد «قدس سره» الشريف كتنظّر في المقام وهو أنه على أية حال يمكن تتميم كلام صاحب الكفاية بأنه وإن كان التمام مبغوضا إلاّ أن الصلاة صحيحة.

ولكن ذكرنا في بحث اجتماع الأمر والنهي بانا وان كنا جوازيين ونقول بأنه يكفي في اجتماع الأمر والنهي أن يكون بين المتعلقين عموم من وجه بحيث يمكن أن ينفك في مرحلة الوجود، وليس المدار على ما ذهبت إليه مدرسة النائيني «قدس سره» ومشى عليه سيدنا الخوئي «قدس سره» من أن المدار في التركيب الاتحادي والانضمامي وانه إن كان بين متعلق تركيب اتحادي امتنع اجتماع الأمر والنهي كما في السجود الغصبي، وإن كان بين المتعلقين تركيب انضمامي فلا باس باجتماعهما في الركوع الغصبي نحن نختر هذا المبنى.

وقلنا: سواء كان بينهما في الخارج تركيب اتحادي أو تركيب انضمامي على اية حال إذا كان بين المتعلقين في نفسهما عموم من وجه بحيث يمكن أن ينفكا في مرحلة الوجود ولو في بعض الصور فهذا كاف في جواز اجتماع الأمر والنهي.

إلاّ أن هذا كله على مستوى البحث العقلي ولكن بالنسبة لمقام المقربية ومقام التعبد فالمدار على النظر العرفي والوجه في ذلك: أن ما ورد صحيح لا يطاع الله من حيث يعصى يرجع في تحديد مفهومه من المرتكز العرفي يفهم من هذا الخطاب أن الحيث «وليس من حيث» المحقق للمعصية لا يكون محققا للطاعة فلا تجتمع الطاعة والمعصية في حيث، والحيث بالنظر العرفي هو الوجود الحسي سواء كان ينحل عقلا إلى وجودين لأنَّ التركيب بين المتعلقين تركيب انضمامي، أو كان لا ينحل إلى وجودين بل هو وجود واحد عرفا وعقلا لأنَّ التركيب اتحادي لا يهمنا ما دام في نظر العرف وجودا واحدا فهو حيث واحد والحيث المحقق للمعصية ليس محقق للطاعة، وبالتالي قلنا في محل الكلام: أنه لو ركع في الدار المغصوبة فإنه وإن كان هذا الركوع في الرتبة العقلية ينحل إلى وجودين وجود لمقولة «الوضع» وهو المسمّى ب «الركوع»، ووجود لمقولة «الأين» وهو المسمّى «الكون في الدار المغصوبة» والمبغوضتان متباينتان ماهية فهما مختلفتان وجودا لأنَّ لكل وجود ماهية حاقيا بها، إذن فالتركيب بين الوجودين تركيب انضمامي وليس اتحاديا، مع ذلك بالنظر العرفي الركوع الغصبي حيث واحد، وما كان حيث محققا للمعصية لا يكون محققا للطاعة.

وبناء على هذا النظر العرفي نقول في المقام: لا فرق بين أن تتعلق المبغوضية بالطبيعي المتخصص أو تتعلق المبغوضية بالخصوصية، إذا كانت الخصوصية مقومة للحيث بالنظر العرفي لا أنها خصوصية مستقلة، مثلا إذا قال الشارع: أقم الصلاة، وقال: لا تكن في جانب أهل المعصية، فإن العرف يعرف أن خصوصية الكون في جانب أهل المعصية خصوصية مستقلة وليست مقومة للحيث الصلاتي، وأما إذا قال الشارع: أقم الصلاة، وقال: لا تتم الصلاة، أو لا تكن صلاتك تماما، فإن هذه الخصوصية يراها العرف من مقومات الحيث الصلاتي لا أنها خصوصية مستقلة عن الصلاة بحيث لو كانت مبغوضية لم تسر مبغوضيتها لنفس الصلاة.

إذن حتى لو سلمنا مع السيد الشهيد «قدس سره» أن الأمر بالجامع يجتمع مع مبغوضية الخصوصية فإن ذلك إنما يتم لو كانت الخصوصية بنظر العرف خارجة عن الحيث المحقق لامتثال الأمر كما في الكون بجوار أهل المعاصي وأما إذا كانت خصوصية بنظر العرفي مقومة لنفس الحيث الصلاتي، كما في خصوصية الرياء أو خصوصية الإعجاب أو خصوصية كون الصلاة تماما أو ما شابه فهنا في هذه الموارد تسري مبغوضية الخصوصية إلى المتخصص بها فيقال: هذه الصلاة التي وقعت تماما حيث أنها وقعت حيث مبغوض لأنَّ التمام مفوت لملاك القصر فلا تقع حيثا للطاعة، وبالتالي فالوجه الأخير الذي ذكر في كلمات سيد المنتقى «قدس سره» لبيان عدم مطلب الكفاية وهو الجمع بين صحة التمام من جهة ومبغوضيتها من جهة أخرى تام، فما ذكره في الكفاية كتصحيح غير تام.

والحمد لله رب العالمين