الدرس 31

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أنه بناء على التنافي بين كون ترك الجزء غير ضائر بالامتثال، وبين استحقاق العقوبة على تركه، فمقتضى ذلك أنه لا يمكن أن يتكفل دليل واحد بعدم ضائرية ترك السنة وفي نفس الوقت يدل هذا الدليل على استحقاق العقوبة على ترك السنة؛ ولأجل ذلك وقع البحث بينهم في أنه هل نستدل بما يحكم به العقل من استحقاق العقوبة على التقصير على عدم شمول «لا تعاد» لفرض العمد، أم نستدل بالعكس وهو أن مقتضى شمول «لا تعاد» لفرض العمد عدم استحقاق العقوبة في فرض العمد.

فهناك اتجاهان:

الاتجاه الأول: الذي يقول: حكم العقل باستحقاق العقوبة على التقصير هو الذي جعلنا نضيق مدلول «لا تعاد» فنقول: بأنه لا شمول فيه لفرض العمد واتجاه يقول: لا، انظر ل «لا تعاد» أولاً، مقتضى شمول «لا تعاد» لفرض العمد أن لا استحقاق للعقوبة في فرض العمد فبالنسبة إلى الاتجاه الأول أفيد في تقريبه أنه لما كان خطاب «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» محفوفا بالمرتكزات العقلية والعقلائية، ومن هذه المرتكزات أن المقصر مستحق للعقوبة، فمقتضى احتفاف «لا تعاد» بهذا المرتكز وهو أن المقصر مستحق للعقوبة عدم شمول «لا تعاد» لفرض العمد فهي من الأصل منصرفة عن فرض العمد لأنّه لو شملت لفرض العمد لدلت على عدم استحقاق العقوبة وهذا يتنافى مع احتفافها بالمرتكز القائم على أن المقصر مستحق للعقوبة فلا محال مقتضى قرينية هذا المرتكز انصراف «لا تعاد» عن الشمول لفرض العمد.

الاتجاه الثاني: القائل بأن هذا الاستدلال خطأ والسر في ذلك أن قيام المرتكز على الكبرى لا يثبت الصغرى فما قام عليه المرتكز أن المقصر مستحق للعقوبة، هذا صحيح، لكن هل من أخل في جزء أو شرط في صلاته مقصر فيكون مستحقا للعقوبة أم لا؟ هذا أول الكلام، فما قام عليه المرتكز هو الكبرى أن المقصر مستحق للعقوبة، ونحن نسلم أن الخطاب «لا تعاد» محفوف بهذا المرتكز من حين صدوره نحن نسلم بذلك ولكننا نتأمل بالصغرى هل أن من اخل بجزء أو شرط عمدا حال صلاته مقصر فيكون مستحق للعقوبة فتنصرف «لا تعاد» عن الشمول له أم لا؟

بيان ذلك: أننا إذا جعلنا المنطلق هو «لا تعاد» نفسها لا أن المنطلق هو حكم العقل باستحقاق المقصر للعقوبة، فأننا قلنا: هذا الحكم حكم على الكبرى وليس على الصغرى، فلأجل تنقيح الصغرى لا بد من جعل المنطلق هو «لا تعاد» نفسه، هل أن «لا تعاد» في نفسه شاملا للعامد أم ليس شاملا للعامد؟ فإذا قلنا بأن مقتضى إطلاق «لا تعاد» - في نفسه طبعا - أنه شامل للعامد، وإن مفاد لا تنقض السنة الفريضة أن الإخلال بما هي سنة لا يوجب نقض الفريضة عمدا أو غير عمد. فحينئذ الذي استظهرناه من حديث «لا تعاد» كما سبق بيانه أن حديث «لا تعاد» ناظر للمركب من الفرائض والسنن أي أن هناك أمراً واحد بالمركب المشتمل على الفرائض والسنن وإن الإخلال بسننه غير ضائر بفرائضه، هذا الذي استظهرناه من مفاد «لا تعاد»، فلو شمل هذا المفاد «فرض العمد» أي بعد فرض أن الأمر واحد وإن الإخلال بسننه لا يوجب نقض فرائضه، فلو سلمنا أن هذا المفاد يشمل فرض العمد، فشموله لفرض العمد بأحد نحوين: إما أن يكون بنحو التصرف في مقام الامتثال أو يكون بنحو التصرف في مقام الجعل، فإذا بطل الأول تعين الثاني.

بيان ذلك: تارة يدعى أن مفاد «لا تعاد» التصرف في مقام الامتثال مع غض النظر عن مقام الجعل، بمعنى أن ما جعل هو الارتباطية بين الفرائض والسنن، فالفرائض بالنسبة للسنن قد أخذت بنحو بشرط شيء هذا في مقام الجعل فلا تصرف للمولى في مقام الجعل، المجعول هو المركب الارتباطي، ولكن لو أن المكلف في مقام الامتثال اخل بالسنن وقد أتى بالفرائض فالشارع امتنانا وتسهيلا بلحاظ مقام الامتثال اسقط الأمر، مع أن المأمول به المركب الارتباطي والشارع لم يتدخل في مرحلة الجعل، غايته أنه يقول: نعم المجعول هو المركب الارتباطي ولكن لو اخل بجزء أو شرط سنتي عمدا فالأمر ساقط، فيقال: إن هذا النحو غير معقول، إذ لا يعقل التدخل في مقام الامتثال إطلاقا؛ فما لم يرجع التدخل إلى مرحلة الجعل فإن التدخل في مقام الامتثال غير معقول؛ والسر في ذلك أن مقام الامتثال انعكاس لمرحلة الجعل فلا يصدق عنوان الامتثال حتى يكون متوافقا مع ما هو المجعول وبالتالي فالمجعول إما أن الفرائض أخذت على نحو اللابشرط بالنسبة للسنن أو أخذت على نحو بشرط شيء، فإن أخذت على نحو اللابشرط فليس هناك أي إخلال في مرحلة الامتثال كي يقال بأن المكلف حيث اخل بالسنن تدخل الشارع، لا حاجة لتدخل الشارع لأنَّ الفرائض من الأول أخذت على نحو اللابشرط، وإن أخذت الفرائض بالنسبة إلى السنن على نحو بشرط شيء يعني على نحو المركب الارتباطي فلا محال لا يسقط الأمر بالإتيان بالفرائض وحدها لأنَّ المفروض أن الأمر كان في المركب الارتباطي فلا يسقط بغير امتثاله، وحينئذ لا معنى لتدخل الشارع في مقام الامتثال بسقوط الأمر إلاّ أن يرجع إلى أنه إلاّ أن الفرائض أخذت بنحو لابشرط وهو خلف، فالتدخل في مرحلة الامتثال غير معقول، فلو كان التدخل في مرحلة الامتثال معقولا لقلنا بأن شمول «لا تعاد» لفرض العمد لا يعني أنه لا يستحق العقوبة، ف «لا تعاد» تشمل فرض العمد لأنَّ مؤداها سقوط الأمر لأجل تدخل الشارع في مقام الامتثال وإلا فالمجعول لم يأت به ومع ذلك فهو مستحق للعقوبة لأنّه لم يأت بما هو المجعول فلا مانع من شمول «لا تعاد» لفرض العمد مع القول باستحقاقه العقوبة.

أما إذا قلنا بأن التصرف في مقام الامتثال غير معقول إلاّ بتشريع جديد واستئناف بتشريع جديد، إذن فلا محال «لا تعاد» حاكمة على الأدلة الأولية، مبرزة لحدود مقام الجعل، وإن الفريضة من أول الأمر أخذت على نحو اللابشرط من حيث السنة، والنتيجة أنه مقتضى إطلاق «لا تعاد» شمولها لفرض العمد ومقتضى شمولها لفرض العمد حكومتها على أدلة الأجزاء والشرائط ومبينتها أن هذه الأجزاء والشرائط المندرجة تحت السنة من الأول وفي مقام الجعل ليست مرتبطة بالفرائض، لو أتى المكلف بالامتثال الناقص، ومقتضى ذلك أن من ترك الجزء عمدا فلا يستحق العقوبة؛ لأنّه توافق مع ما هو الجعل فلماذا يستحق العقوبة؟ إذن الاستدلال بحكم العقل على استحقاق العقوبة بالنسبة للمقصر لا يصلح قرينة على انصراف «لا تعاد» لفرض العمد، إذ ما دامت «لا تعاد» بإطلاقها شاملة لفرض العمد ومفادها هو الحكومة على الأدلة الأولية، إذن مقتضى «لا تعاد» أن العامد ليس مقصرا كي يكون مستحقا للعقوبة بل أتى بما هو المجعول في حقه، فلا طريق إلاّ ما ذكرناه سابقا من الوجوه التي على أثرها «اخترنا الوجه الثامن» ادعينا انصراف «لا تعاد» عن فرض العمد وإلا لو لقلنا بشمولها لفرض العمد فإن مقتضى شمولها عدم العقاب لا أن مقتضى حكم العقل باستحقاق العقاب على المقصر على شمولها، يعني هذا الاستدلال المعاكس غير صناعي غير فني.

هذا تمام الكلام في فرض الإخلال بالجزء أو الشرط عمدا بمعنى كون الإخلال بالنقيصة بأن ترك الجزء أو الشرط، ويقع الكلام فعلا بالإخلال بالزيادة عمدا، لا بالإخلال بالنقيصة عمدا، فنتعرض لكلام سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» في هذا المقام:

فقد أفاد «قدّس سرّه» أن الزيادة إما في جزء ركني أو جزء غير ركني، فإن كانت الزيادة في جزء ركني فهو مبطل للصلاة، من أي باب؟ إما استنادا لحديث «لا تعاد» بناء على شموله للزيادة والنقيصة، فيقال مفاد قوله: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة»، أن الإخلال بغير الخمسة نقصاً أو زيادة غير ضائر، والإضرار بالخمسة نقصاً أو زيادة ضائر، فهي بنفسها تدل على مبطلية الزيادة الركنية.

الوجه الثاني: لو افترضنا أن «لا تعاد» لا تشمل فرض الزيادة، أو تختص بفرض النقيصة، أو لا إطلاق لها لفرض الزيادة كما يرى السيد الإمام، فيلجا إلى هذه الصحيحة وهو قوله : لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة، بناء على أن هذه الصحيحة عامة أي لا يعيد الصلاة من إخلال بسجدة سواء كان الإخلال نقصا أو زيادة ويعيدها من إخلالها بركعة سواء كانت زيادة أو نقيصة، بل ادعى بعضهم أنها أصلاً واردة في الزيادة ولا تشمل النقيصة.

الوجه الثالث: على فرض أن هذه الرواية مجملة من هذه الجهة، ولم نحرز شمولها للزيادة أو احتملنا خصوصية لزيادة الركعات وقلنا أنه لا يتعدى من زيادة الركعة إلى زيادة أي ركن ولو كان تكبيرة الإحرام مثلا، لاحتمال خصوصية في الركعة، فتصل النوبة إلى موثقة أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله : من زاد في صلاته فإن عليه الإعادة، فإن القدر المتيقن من هذه الرواية الزيادة في الأركان، هذا القدر المتيقن منها، هذا هو القسم الأول.

القسم الثاني: ما إذا كانت الزيادة العمدية في غير الأركان، كما لو زاد تشهدا عمدا أو زاد سجدة عمدا، وقد استدل على مبطلية الزيادة العمدية في غير الأركان بوجوه:

الوجه الأول: الاستدلال بتوقيفية العبادة بأن يقال: إن مقتضى توقيفية العبادة أن المكلف مرهون بالكيفية المنصوصة فخروجه عن الكيفية المنصوصة خلف توقيفية العبادة، فيكون مفسدا لعمله، وقد أشكل سيدنا «قدّس سرّه» بأن هذه مصادرة واضحة إذ أن هذه الكيفية المنصوصة أن أخذت لابشرط من حيث الزيادة فلا ضائرية فيها وإن أخذت بشرط لا كانت الزيادة نقصا، لكن هذا أول الكلام، فمبطلية الزيادة حينئذ لا لأجل نكتة توقيفية العبادة بل لأجل أن الكيفية أخذت بنحو بشرط لا.

كل عمل اخذ بشرط لا عبادة أو غير عبادة فالإتيان بالزيادة يكون مبطلا له، فما علاقة بشرط لا بتوقيفية العبادة بينهما عمومية من وجه، الكلام أن المستدل يستدل بتوقيفية العبادة فما علاقتها بهذا، نقول له: هذه الكيفية المنصوصة إما أنها لابشرط فالزيادة غير ضائرة، وإما الزيادة بشرط لا، إذن العلة بالبطلان كونها بشرط لا، لا من باب توقيفية العبادة.

الوجه الثاني: أن الزيادة العمدية تشريع محرم فيكون مبطلا ويلاحظ عليه ما سبق وقلنا أن التشريع عبارة عن القصد ومبغوضية القصد لا تسري إلى العمل الخارجي كي يكون مبغوضا ومانعا من المقربية، وعلى فرض سرايته فهنا أفاد سيدنا «قدّس سرّه» بأن التشريع وإن كان محرماً ومنطبقاً على نفس الجزء الذي شرع به إلاّ أن حرمته لا تسري لبقية الأجزاء، فمبغوضية هذه الزيادة لا تعني مبغوضية المركب كي يكون مانعا من مقربيته، نعم لو أتى من الأول فمن الأول قصد أن يأت بهذا المركب المشتمل على الزيادة بقصد الأمر، بحيث لو لم يكن مأموراً بالمركب المشتمل على هذه الزيادة لما امتثل، فالعمل حينئذ العمل باطل لأنَّ ما أمر به لم يقصد وما قصده لم يؤمر به، ولكن هذا ليس وجها للبطلان من جهة الزيادة، بل من جهة عدم حصول الامتثال، وهذا الوجه الثاني أيضاً باطل.

الوجه الثالث: أن يقال: إن مقتضى قاعدة الاشتغال عدم الاجتزاء للعمل المشتمل على الزيادة، وهنا أورد سيدنا «قدّس سرّه» بأن المقام ليس من موارد قاعدة الاشتغال، بل من موارد أصالة البراءة؛ لأنَّ الزائد عمدا إذا شك في العبادة هل أخذت بشرط لا عن هذه الزيادة أم لا؟ فالجاري في حقه أصالة البراءة عن الشرطية، ومقتضى ذلك عدم ضائرية الزيادة، فيقول سيدنا «قدّس سرّه»: هذه الوجوه كلها ساقطة، والعمدة إنما هو الروايات الواردة في هذا المقام.

الرواية الأولى: صحيحة زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر قال: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا «يعني استأنفها» إذا كان قد استيقن يقينا، يعني استيقن أنه زاد.

ووجه الاستدلال بهذه الرواية: أن ظاهر قوله إذا استيقن أنه زاد، أن الزيادة وقعت سهوا، بمعنى أنه أوقع الزيادة سهوا، ثم التفت إلى أنه قد زاد، فإذا كان مفاد الصحيحة أن من زاد سهوا بطلت صلاته فبالأولوية تدل على مبطلية الزيادة العمدية، بهذا هو وجه الاستدلال.

والسيد «قدّس سرّه» أورد على الاستدلال بهذه الرواية إيرادين: إيراداً يتعلق بالمتن، وإيراداً يتعلق بالدلالة.

أما الإيراد الذي يتعلق بالمتن فقال: هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب كما ذكرناها إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، ومقتضاها شمولها للزيادة في الأركان وغير الأركان، ولكن الكليني في الكافي رواها في موضع كما ذكرناها وفي موضع آخر بزيادة «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة» فموردها زيادة الركعة، ولا شمول فيها لزيادة الجزء غير الركني «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها» وهكذا تابعه صاحب الوسائل يعني تابع الكافين ففي مورد باب الخلل ذرها بدون زيادة، وفي باب الركوع ذكرها مع هذه الزيادة لأنَّ صاحب الكافي ذكرها مع الزيادة، ثم يقول سيدنا «قدّس سرّه»: ومن المستبعد أن تكونا روايتين مستقلتين مع اتحادهما سندا ومتنا، بل المطمئن به أنهما رواية واحدة مرددة بين المشتمل على الزيادة وغير المشتمل، فلم يعلم ما هو الصادر من المعصوم هل الذي صدر من المعصوم الذي زاد ركعة أو الذي صدر عن المعصوم أنه مطلق الزيادة، فمن الجائز أن يكون الصادر ما هو المشتمل على لفظ الركعة، فلا تدل حينئذ على البطلان بزيادة ركن كالسجدتين فضلا عن زيادة غير الركن، أنها واردة في الركعة فلعل لزيادة الركعة خصوصية فلا تشمل زيادة الأركان فضلا عن زيادة غيرها، ولو أريد بالركعة الركوع، بأن يكون المقصود من زاد في صلاته ركعة، يعني من زاد في صلاته ركوعا؛ لإطلاقها عليه كثيراً في لسان الأخبار يطلق ركعة ويراد الركوع، فمع ذلك لا تدل على البطلان في مطلق الركن؛ إذ لعل للركوع خصوصية فلو زاد تكبيرة إحرام مثلا أو زاد سجدتين لو افترضنا أنه زاد ركنا غير الركوع فلا دلالة على شمول الرواية له فضلا عن زيادة غير الركن هذه هي المناقشة المتنية.

السيد الخوئي يقول: روايتين، رواية اشتملت على زيادة وهي كلمة «من زاد ركعة» ورواية لم تشمل عليها، والسيد الخوئي حكم بالتعارض، حكم بأن الخبرين متعارضان، ونتيجة هذا التعارض أننا لم نحرز ما هو الصادر من المعصوم ، فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية.

فهنا تقولون ثلاث إخبارات إخبار الكليني في باب الخلل وإخباره في باب الركوع وإخبار الشيخ، إخبار الكليني في باب الركوع معارض بإخبارين إخباره وإخبار الشيخ.

فهنا قد يقال بترجيح رواية الكليني في باب الركوع على روايته في باب الخلل ورواية الشيخ في التهذيب من باب أصالة عدم الزيادة، فإنه إذا دار الأمر بين أصالة عدم النقيصة وأصالة عدم الزيادة كان المقدم أصالة عدم الزيادة، ولكنها غير تامة؛ والسر في ذلك ما ذكرناه مرارا من أن مورد هذه القاعدة ما إذا انحصر منشأ التصرف في الغفلة، فإذا أحرزنا أن الراوي غافل لا محالة، لكن إما غفل فأنقص أو غفل فزاد، فهنا يقال: أصالة عدم الغفلة من ناحية الزيادة مقدم على أصالة عدم الغفلة في النقيصة، فإن من طبع الإنسان إذا غفل أن ينقص لا أن يزيد، فبمقتضى هذا الطبع هناك ارتكاز عقلائي أنه لو كان الراوي غافلا أو الكليني غافلا لكن دار أمره إما أن الغفلة قادته إلى النقص أو أن الغفلة قادته إلى الزيادة، فأصالة عدم الغفلة من ناحية الزيادة هي مقدم، أما إذا لم يحرز أن المنشأ هي الغفلة فلعل خطاه من الناسخ أو لعل الكليني اعتمد على اصلين، فالأصل الذي ورده في باب الخلل، يختلف عن الأصل الذي ورده في باب الركوع، فاعتمد على هذا في باب واعتمد على هذا في باب كما صنع صاحب الوسائل فإنه اعتمد في رواية في باب الخلل واعتمد على الرواية الأخرى في باب بالركوع، فما لم نحرز أن منشأ التصرف هو الغفلة، فليس المورد من موارد صغريات تقديم أصالة عدم الغفلة من ناحية الزيادة على أصالة عدم الغفلة من ناحية النقيصة.

نأتي إلى المبنى الثاني الذي أشار إليه السيد «حفظه الله»، وقد يقال: بأن التعارض يستحكم بين خبري الكليني ويسلم خبر الشيخ عن المعارض وتكون النتيجة عدم الزيادة وهذا ما ذكرناه في بحث تعارض الأدلة وطبقناه في الفقه عدة مرات وهو أنه إذا كان المناط في الحجية هو الإخبار، فهنا يتم مبنى السيد الخوئي؛ لأنَّ الإخبارات ثلاثة: إخباران من الكليني وإخبار من الشيخ، فيتعارض إخبار الكليني في باب الركوع مع إخبارين، وإن كان احد الإخبارين من فإن مناط الحجية هو الإخبار والإخبارات ثلاثة، وأما إذا قلنا بأن المرتكز العقلائي لا يرى للإخبار موضوعية إذ لا يرى للكاشف موضوعية والمدار عنده على المنكشف أي المعلومة الحسية التي للشيخ، فإن الشيخ له معلومة حسية في هذا المورد وهي إما الزيادة أو عدمها، وللكليني حسية في هذا المورد إما الزيادة أو عدمها، فما دام بناء المرتكز العقلائي على ملاحظة المنكشف لا الكاشف، ولا موضوعية للإخبار، إذن فالمعلومة الحسية التي للكليني لم تصل ألينا؛ إذ لا نعلم ما هي المعلومة الحسية هل هي اشتمال الخبر مع الزيادة أم عدم اشتماله عليها، فحيث إن الحجية علينا ما هو معلوم عند الكليني وليس الحجة علينا ما اخبر به الكليني، إذن فبالنتيجة حيث لم نحرز ما هو المعلوم حسا لدى الكليني في المقام نتيجة تعارض خبريه فيسقط خبراه بالتعارض ويسلم إخبار الشيخ، وتكون النتيجة أن المتن مطلق من هذه الجهة «من استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة فعليه الإعادة».

وأما المناقشة الدلالية فيأتي الكلام عنها إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين