الدرس 34

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في الاستدلال بموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، على كون الزيادة العمدية مبطلة للصلاة سواء كانت في الأركان أم في غيرها، وقد وقع البحث في مقامين:

المقام الأول: في شمول هذه الموثقة للزيادة في أفعال الصلاة.

والمقام الثاني: في النسبة بين حديث «لا تعاد» وهذه الموثقة، فكلامنا فعلاً في المقام الأول ألا وهو هل أن قوله : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، هل يشمل زيادة غير الأركان أم لا؟

وهنا مطلبان:

المطلب الأول: ما ذكره المحقق الحائري الشيخ عبد الكريم «قدّس سرّه» من عدم شمول هذه الموثقة بزيادة غير الأركان، والوجه في ذلك أن ظاهر قوله: «من زاد في صلاته» أي من جعل صلاته زائدة، وظاهر زيادة الصلاة زيادتها من حيث الصلاتية، وزيادة الصلاة من حيث الصلاتية إنما تتصور بزيادة صلاة على هذه الصلاة الذي هو أقل مراتبه أن يزيد ركعة على الصلاة، وأما إضافة تشهد أو سجدة واحدة أو ركوع فهذا ليس زيادة للصلاة من حيث الصلاتية، نظير ما إذا قيل: إن الصدقة تزيد في العمر فإنه لا يراد بالزيادة في العمر أن يحصل في عمره على مناصب أو على أموال، وإنما المراد بالزيادة أن يمتد عمره بأيام أخرى، فزيادة العمر باتساع مساحته في جهة العمرية، أو كما يقال مثلاً: إن التجارة تزيد في المال، فإنه ليس المقصود بزيادة المال أن التجارة تعطي الإنسان خبرة في التعامل بالأموال أو أن التجارة مثلاً تعطي الإنسان راحة، وإنما المقصود بزيادة المال الزيادة في فيه المالية بمعنى أنه يكبر حجمه وتتسع مساحته وهكذا، فظاهر زيادة لاشيء زيادته في هذه الماهية وزيادته في هذه الماهية هو في اتساعه وامتداده، فعندما يقول : «من زاد في صلاته»، يعني من زاد فيها بالصلاتية نفسها، وزيادتها بالصلاتية إنما هو بسعة هذه الصلاة وامتدادها بحيث تتلبس بصلاة زائدة ولو بزيادة ركعة، فهذه الموثقة منصرفة أساساً عن زيادة أو إضافة جزء، كإضافة ركوع أو سجود أو تشهد أو ما شاكل ذلك.

ولكن ما أفاده «قدّس سرّه» محل تأمل؛ والسر في ذلك: أن الزيادة أن المنصرف العرفي من الزيادة في الصلاة هو أنه لم يأت بالصلاة على النهج المأمور به، فإذا أضاف للنهج المأمور به ما ليس فيه فقد زاد في صلاته، فالمنصرف العرفي من متعلق النهي أو من متعلق البطلان وهو قوله : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، يعني من أضاف إلى النهج المأمور به في الصلاة ما ليس منه، لا أنه زاد الصلاة في جهة الصلاتية فان هذا مما لا يختص به ما هو المستفاد من الموثق، وعلى فرض التسليم بأن الزيادة الصلاتية هي عبارة عن السعة في الصلاة، فان هذا ربما يأتي هذا المعنى لو قال : من زاد صلاته، وأما إذا قال: «من زاد في صلاته»، فالمستفاد عرفا أنه أضاف إليها ما ليس منها، لا أنه أزادها بمعنى أنه أزاد عليها صلاة أخرى.

وأما ما ذكره من الأمثلة أن الصدقة تزيد في العمر وان التجارة تزيد في المال مثلاً وان صلاة الليل تزيد في الرزق وأشباه ذلك من الأمثلة فإنه إنما يكون المنصرف عرفا من هذه الأمثلة للزيادة بمعنى السعة؛ لأنّه لا معنى زيادة إلاّ ذلك، فهذه الأمثلة سنخ من الأمور لا يتعقل فيها زيادة إلاّ بالسعة والامتداد، وأما إذا كان محل الكلام من الأمور ذات نهج مقرر، بحيث يشك في أن العمل هل طابق النهج المقرر أم لا؟ فيتصور الزيادة فيه بمعنى أن يضيف إلى ما هو النهج المقرر ما ليس منه، فإذا كلف الولد من قبل أبيه بعمل معين فأقحم في العمل ما ليس منه، قيل: إنه زاد فيه عرفاً، وإذا أمر مثلاً بشرح لمسالة معينة فأقحم فيه ما ليس منه فقيل بأنه زاد فيه، فكل ما هو من هذا السنخ، يعني مما كان له نهج مقرر رسم له فإن تحقق الزيادة فيه عرفا بأن يضيف إليه ما ليس منه، ولا ينصرف النهي عن الزيادة فيه إلى اتساع الحجم كما أفيد في صلاة المحقق الحائري «قدّس سرّه».

المطلب الثاني: هل أن قوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، حيث دل على مانعية الزيادة فهل أن الزيادة عنوان انطباقي أو عنوان قصدي أم يفصل بين موارده، فهنا ثلاثة مسالك:

المسلك الأول: أن عنوان الزيادة عنوان انطباقي، والمقصود به أن كل من أضاف إلى الصلاة المأمور بها حيث الامتثال ما ليس منها فقد زاد في صلاته قصد الزيادة أم لم يقصد، فلو فرضنا أن شخصا غفل أثناء الصلاة عن أنه في الصلاة أو اعتقد أنه خرج من الصلاة فلأجل غفلته أو اعتقاده أنه خرج من الصلاة أتى بتشهد، فإنه يقال: زاد في صلاته، وإن كانت الزيادة غير عمدية، ليس الكلام الآن عن العمد والسهو، الكلام الآن عن أصل العنوان فإنه يقال: زاد في صلاته، بمعنى أضاف إليها ما ليس منها بلحاظ أن الزيادة عنوان انطباقي لا قصدي، وقد ذهب إليه بعض الأعلام «قدست أسرارهم».

المسلك الثاني: أن الزيادة عنوان قصدي بلحاظ أننا ليس بحثنا في الزيادة في المركبات الحقيقية كالبيت أو معجون الطماطم أو ما أشبه ذلك، وإنما بحثنا في الزيادة في المركبات الاعتبارية، وبما أن المركب الاعتباري ماهية قصدية فإن الصلاة ماهية قصدية، وإلا لولا القصد لم تأتلف هذه المقولات المتباينة ليصدق عليها عنوان الصلاة فالركوع من مقولة «الوضع» والكلام من مقولة «الفعل» والجلوس مثلاً من مقولة «الأين» وأشباه ذلك، فإن ائتلاف هذه المقولات مصداقا لعنوان الصلاة متقوم بالقصد، فلأجل ذلك ماهية الصلاة ماهية قصدية، فكما أن كون الفعل صلاة منوط بقصد أن يكون من الصلاة، فكذلك كون الفعل زيادة في الصلاة لا في غيرها، منوط بقصد أن يكون من الصلاة، فالزيادة عنوان قصدي، فلا يصدق أنه زاد في صلاته حتى يكون قاصدا لإلحاق ذالك بالصلاة، فلو فرضنا أن شخصا غفل أو اعتقد عدم كونه في الصلاة فأتى بتشهد أو بتسليم أو بسجدة فلا يقال: إنه زاد في صلاته لأنّه لم يقصد به الصلاتية، وهذا المسلك القائل بأن عنوان الزيادة قصدي أيضاً هو مسلكان أو مبنيان:

المبنى الأول: مبنى السيد الإمام «قدّس سرّه» من أن الزيادة عنوان قصدي بمعنى أن يقصد بالزائد الجزئية أو يقصد به الزيادة، بأحد نحوين، فإما أن يأتي بتشهد ثاني في الركعة الثالثة مثلاً بقصد أنه جزء من الصلاة فهذه زيادة، أو يأتي به بقصد الزيادة، كان يأتي يكون ملتفا إلى أن ما هو الجزء إنما هو بتشهد واحد ولكنه أتى بتشهد آخر لزيادة التقرب فقصد به الزيادة فيقال حينئذ: إنه زاد في صلاته، فعنوان زاد في صلاته عنوان قصد وهو منصرف إلى ما إذا أتى بما ليس من الصلاة بقصد الجزئية أو أتى بقصد الزيادة، فعليه كل ما لم يقصد به الجزئية أو الزيادة حتى لو كان ركوعا حتى لو كان سجودا فإنه ليس زيادة في الصلاة وإن كان زيادة على الصلاة لكنه ليس زيادة فيها. هذا هو المبنى الأول.

المبنى الثاني: ما اخترناه وذكرنا سابقاً من أن الزيادة تشمل قصد الظرفية وإن لم يقصد الجزئية ولم يقصد الزيادة، فلو أتى بعمل ملتفتا إلى أنه ليس جزءاً من الصلاة ولم يأت به بقصد الزيادة في الصلاة، وإنما قصد أن تكون الصلاة ظرفا لهذا العمل فقال: بدل أن آتي بسجدة الشكر بعد الصلاة آتي بها الآن، فمتى ما أتى بالعمل بقصد الجزئية أو بقصد الزيادة أو بقصد الظرفية صدق عليه أنه زاد في صلاته، فالزيادة عنوان قصدي لما يتسع لهذه المقاصد. هذا المسلك الثاني.

المسلك الثالث هو التفصيل وهنا تفصيلان:

التفصيل الأول ما ذكره المحقق النائيني «قدّس سرّه» في الفوائد وتبعه عليه «أنا ما كنت ادري أن السيد الأستاذ متبع النائيني كنت انسبه سابقا له ثم رايته عند النائيني» وتبعه السيد الأستاذ «دام ظله» من أن الزيادة في بعض الموارد عنوان انطباقي وفي بعض الموارد عنوان قصدي، فبالنسبة للمكرر... «عفوا هذا مبنى الهمداني».

المبنى الأول: بان الزيادة فيما هو المكرر عنوان انطباقي فتكرار السجود أو تكرار الركوع أو تكرار التشهد زيادة قصد أم لم يقصد، بل حتى لو قصد عنوانا أجنبياً، كما لو أتى بالسجود بقصد سجود التلاوة، أو أتى بالسجود بقصد سجدة الشكر، ولم يلتفت إلى الصلاتية، فإن تكرار ما هو من أجزاء الصلاة زيادة عرفا وإن لم يقصد به الجزئية أو الزيادة أو الظرفية التكرار الزيادة، وأما إذا لم يكن من أجزاء الصلاة كما لو كتف في الصلاة، أو كما لو أمم في الصلاة، فقال: آمين، أو كما لو صفق في الصلاة، فلو أتى بها بقصد الجزئية فهي زيادة، وإلا فلا، فالزيادة في موارد عنوان انطباقي وهو ما إذا كان تكرار لما هو الجزء، وفي موارد عنوان قصدي وهو ما لم يكن من الأجزاء.

المبنى الثاني: ما ذهب إليه المحقق النائيني «قدّس سرّه» وتبعه السيد الأستاذ «دام ظله» من أن المكرر زيادة قصد أو لم يقصد، وما ليس من أجزاء الصلاة ليس زيادة وان قصد به الجزئية، فحتى لو قفز بقصد الجزئية أو تكتف بقصد الجزئية أو لبس عمامة بقصد الجزئية من الصلاة، فإن كل ذلك ليس زيادة، لا يكون مصداقا للزيادة، قد يكون مضرا بعنوان آخر، ولكن بعنوان الزيادة ليس زيادة، وهذان المبنيان الذين ذكرناهما كما ترى من حيث ما ذكرناه سابقا أن المركبات الاعتبارية كما لا ينتسب الفعل إليها إلاّ بالقصد لا تصدق الزيادة فيها عرفا إلاّ بالقصد. ويمكن أن نلحق هذا المبنى بالمبنى الأول المسلك الأول وهو أن الزيادة عنوان انطباقي.

المبنى الثالث: ما ذهب إليه سيدنا «قدّس سرّه» من التفصيل بين الركوع والسجود على حدة وغيرها، ففي الركوع والسجود بالذات تصدق الزيادة وإن لم يقصد الجزئية للصلاة وذلك لرواية القاسم بن عروة: «لا تقرا في الصلاة بشيء من العزائم؛ فإن السجود زيادة في المكتوبة»، حيث دلت على أن سجود التلاوة مع كونه أجنبياً عن الصلاة دلت على أنه زيادة فمن باب أولى أن يكون الركوع الصلاتي المكرر زيادة، فبالنسبة للركوع والسجود قصد بهما الجزئية أم لم يقصد هما زيادة لا بالمفهوم العرفي، بل بمقتضى التوسعة التعبدية التي دلت عليها موثقة القاسم بن عروة.

وما ليس ركوعاً أو سجوداً سواء كان من أجزاء الصلاة كالتشهد، كجلسة الاستراحة، أم لم يكن من أجزاء الصلاة كالتكتّف والتصفيق، فكل ما ليس ركوعاً أو سجوداً إنما يكون زيادة في الصلاة إذا قصد به الجزئية.

وقد ذكرنا فيما سبق تأملاً في هذا المطلب وهو الاستدلال برواية القاسم بن عروة على التوسعة التعبدية في عنوان الزيادة، فإنه مضافا لضعف سندها عنده «قدّس سرّه» أنه إذا كان المراد ب «ال» في قوله: «فإن السجود زيادة في المكتوبة»، طبيعي السجود فحينئذ يصح الاستدلال بها على التوسعة التعبدية، أما لو أريد ب «ال» «ال» العهدية يعني السجود المعهود ألا وهو سجود التلاوة فإنه قال: فإن سجود التلاوة زيادة في الصلاة أو زيادة في المكتوبة، فحينئذ إن لم نحتمل خصوصية لسجود التلاوة فيصح التعميم حينئذ كما هو منظور استدلاله «قدّس سرّه»، وأما إذا احتملنا الخصوصية لسجود التلاوة بأن قلنا لعل الشارع حكم بالزيادة على سجود التلاوة مع أنه ليس بزيادة لكونه أجنبياً عن الصلاة، فلكونه أجنبياً قال بأن زيادته زيادة تعبدية، وإلا ليس هو زيادة، فمع احتمال ذلك لا يصح التعميم، كما ذكره بعض الإخوان أمس، وبالنتيجة الاستدلال بهذه الرواية متوقف على ظهورها إما في «ال» الاستغراقية أو الجنسية، وإما بدعوى إلغاء العرف لخصوصية سجود التلاوة، وكلاهما محل تأمل وتنظّر، فهذا التفصيل المفاد في كلامه «قدّس سرّه الشريف» غير تام.

فتلخص من ذلك أن الصحيح أن المنصرف عرفا من قوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» من أتى بالعمل سواء كان من سنخ الصلاة أو لم يكن من سنخها بقصد الجزئية أو الزيادة أو الظرفية. وأما ما ليس كذلك كما لو غفل واعتقد الخروج من الصلاة فأتى بعمل من أجزاء الصلاة أو من غير أجزاء الصلاة، فضائريته تحتاج إلى دليل آخر غير هذه الأدلة الدالة على مانعية الزيادة.

هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو شمول هذه الموثقة لزيادة الأجزاء غير الركنية عمدا.

ثم يقع الكلام في المقام الثاني ألا وهو النسبة بين «لا تعاد» وبين من زاد، فهل أن «لا تعاد» حاكم على موثقة أبي بصير، أم أن «لا تعاد» معارض لموثقة أبي بصير؟ فإن هذا يحتاج إلى بحث حيث ذهب الأعلام إلى الحكومة وذهب السيد الإمام إلى المعارضة وان هناك معارضة بين لسان «لا تعاد» ولسان «فعليه الإعادة» فقال بأن الحكومة فرع كون اللسان لسان المسالمة، وأما إذا لم يكن اللسان لسان المسالمة، بل كان لسان المصادمة، فالحكومة غير عرفية، وبين لسان: لا تعاد إلاّ من كذا، ولسان: من زاد أعاد، فاللسان لسان مصادمة لا مسالمة، فكيف يكون «لا تعاد» حاكماً على موثقة أبي بصير وأمثاله؟!

وهذا الكلام له جذر في كلام المحقق الأصفهاني لا يسع الوقت لذكره.

والحمد لله رب العالمين