الدرس 52

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن الأمر الاضطراري كقوله: المريض يصلي جالسا هل يشمل الاضطرار غير المستوعب كما لو كان مريضا في جزء من الوقت فقط فاخترنا فيما سبق أن الأوامر الاضطرارية منصرفة للاضطرار المستوعب ومقتضى ذلك عدم إجزاء من صلى صلاة اضطرارية ثم ارتفع اضطراره أثناء الوقت إذ لا أمر بهذه الصلاة ولكن بناء على أن الأمر الاضطراري مطلق يشمل الاضطرار المستوعب وغيره فهل أن الأمر الاختياري مطلق أيضاً أم لا، لانا إذا قلنا: إن الأمر الاضطراري مطلق يشمل من اضطر للصلاة جالسا طول الوقت أو بعض الوقت فنقول هل الأمر بالصلاة الاختيارية وهي الصلاة عن قيام مطلق يعني يشمل من صلى جالسا ثم ارتفع اضطراره فإن قلنا بأنه لا يشمل أي أن قوله: إذا قوي فليقم هذه الجملة لا تشمل من صلى جالسا لمرض وان ارتفع مرضه وحينئذ لا محال نقول بالإجزاء وأما إذا افترضنا أن الأمر الاضطراري مطلق.

فهنا إطلاقان:

إطلاق الأمر الاضطراري الذي يشمل من صلى جالساً ولو بعض من الوقت ومقتضى إطلاقه صحة هذه الصلاة.

وإطلاق الأمر الاختياري الذي يقول: صل عن قيام ومقتضى إطلاقه انه عليه أن يعيد الصلاة ما دام قد قدر على القيام، فيقع التعارض بين إطلاق الأمر الاضطراري الذي يقتضي الإجزاء، وإطلاق الأمر الاختياري الذي يقتضي الإعادة، فهل هناك وجه لتقييد إطلاق الأمر الاختياري بإطلاق الأمر الاضطراري حتى تصل النتيجة إلى الإجزاء؟

ذكرنا فيما سبق وجوها عن العراقي والنائيني والأصفهاني ووصل الكلام إلى من بعدهم فنقول:

الوجه الرابع: ما ذكره سيدنا الخوئي «قدس سره» ومحصل كلامه في أمرين:

الأمر الأول: أن المحتملات في الأمر الاضطراري كما سبق بيانها أربعة لأن الأمر الاضطراري إما مستوف لتمام ملاك المأمور به ومقتضاه الإجزاء أو مستوف لمعظمه مع كون الباقي من الملاك ندبياً لا لزومياً ومقتضاه الإجزاء أيضاً أو مستوف لبعض الملاك ولكن بمجرد الإتيان بالأمر الاضطراري يتعذر استيفاء بقية الملاك فمقتضاه الإجزاء أيضاً أو انه مستوف لبعض الملاك ولكن الباقي لزومي يمكن استيفاؤه فاحتمال الإجزاء فقط في المحتمل الرابع.

هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: أفاد «قدس سره» أنه عندنا برهان عقلي على أن الأمر الاضطراري لا يكون من المحتمل الرابع أصلاً، أي لا يتصور أن يكون الأمر الاضطراري مستوفيا لبعض الملاك والباقي لزومي يمكن استيفاؤه هذا أمر غير معقول فإذا كان المحتمل الرابع غير معقول فيتعين المحتملات الثلاثة والنتيجة انه متى ما كان عندنا أمر اضطراري فهو مساوق للإجزاء لأن احتمال عدم الإجزاء لا يكون إلا بالمحتمل الرابع والمحتمل الرابع غير معقول في نفسه.

والسر في ذلك: أنه لو كان الأمر الاضطراري بالكيفية الرابعة لكانت النتيجة التخيير بين الأقل والأكثر والتخيير بين الأقل والأكثر غير معقول وبيان ذلك: أنه إذا افترضنا أن هناك ملاكا استوفي بعضه بالأمر الاضطراري وبقي بعضه لا يستوفى إلا بالفرد الاختياري فمعناه أن المولى اصدر أمراً بالجامع وهو أن المكلف مخير بين أن ينتظر إلى أن يرتفع الاضطرار ويأتي بالفرد الاختياري وهذا هو الأقل أو يأتي بالفرد الاضطراري ثم يعقبه بالفرد الاختياري وهذا هو الأكثر فلو كان مبنى الأمر الاضطراري على الأمر الرابع لكان مقتضاه التخيير بين الأقل والأكثر بأن يقول المولى للمكلف أنت مكلف بين أن تأتي ببعض الملاك في الفرد الاضطراري وبعضه بالفرد الاختياري أو تنتظر إلى أن يرتفع الاضطرار فتاتي بتمام الملاك بالفرد الاختياري والتخيير بين الأقل والأكثر غير معقول لم؟ لأن لازمه أن لا يكون الأكثر مصداقا للواجب فمثلا لو قال المولى: أنت مخير بين أن تكرم زيدا أو تكرم زيدا وأخاه فيقال بأنه ما دام أكرام زيدا على أية حال محققا للملاك إذا فما زاد عليه لا دخل له في الملاك ولا دخل له في مسقطية الأمر فالتخيير بين الأقل والأكثر مع أن الأقل محقق للملاك ومسقط للأمر مستلزم لكون الأكثر لغوا فلا معنى لكونه مصداقا للمأمور به وفي المقام كذلك لأنه إذا قلنا: ما دام الفرد الاختياري وافيا وكافيا فلا معنى لإقحام الفرد الاضطراري بأن يقال: أنت مخير بين الفرد الاختياري أو الفرد الاختياري والاضطراري، فمقتضى ذلك حيث إن الأمر الاضطراري لو كان بالمحتمل الرابع لكان من باب التخيير بين الأقل والأكثر وهو غير معقول إذن فالأمر الاضطراري لا يشمل الفرض الرابع، ويختص بالفروض المساوقة للإجزاء تم كلامه رفع مقامه.

وأشكل السيد الشهيد «أعلى الله مقامه» على أستاذه بإشكلات:

الإشكال الأول: قال: لا ينحصر حمل الأمر الاضطراري على الفرض الرابع بأن نقحمه في مسالة التخيير بين الأقل والأكثر بل يمكن لنا تصوير الفرض الرابع من دون أن ندخل في مسالة التخيير بين الأقل والأكثر وذلك بتصوير أمرين:

الأمر الأول: الأمر بالجامع بين الفرد الاضطراري والاختياري.

والأمر الثاني: الأمر بخصوص الأمر الاختياري.

فيقول المولى للمكلف أنت مخاطب بأمرين أمر بالجامع بين اضطراري أو اختياري فإذا أردت أن تمتثل الأمر بالجامع فأنت مخير بين أن تأتي بالأمر الاضطراري وهو امتثال للجامع أو تأتي بالأمر الاختياري وهو امتثال للجامع. وأمر بخصوص الأمر الفرد الاختياري لمن ارتفع اضطراره أثناء الوقت فيأتي بالأمر الاختياري.

والسر في جعل أمرين: أن للمولى مرتبتين من الملاك: مرتبة تتحقق بالأمر بالجامع بين الاضطراري والاختياري، ومرتبة لا تتحقق إلا بالفرد الاختياري، فمقتضى تعدد المرتبتين أن يصدر أمرين، فإن انتظر المكلف وأتى بالفرد الاختياري فقد امتثل الأمرين معاً: الأمر بالجامع، والأمر بخصوص الاختياري، وإن أتى بالأمر بالفرد الاضطراري، فقد امتثل الأمر بالجامع، وبقي عليه الأمر الخاص بالفرد الاختياري.

فتوصلنا إلى نفس الفرض الرابع وهو: أن من أتى بالفرد الاضطراري فقد تحصل على بعض الملاك وبقي بعض لزومي يمكن استيفاؤه بالفرد الاختياري، فقد توصلنا إلى هذا الفرض عبر تعدد الأمر لا عبر التخيير بين الأقل والأكثر الذي هو ممتنع.

فإن قلت: أن الأمر بالجامع لغو لأنه ما دام الفرد الاختياري لابد منه على كل حال وهو واف بالملاكين والمرتبتين فالمكلف إما آت به فلا يحتاج الفرد الاضطراري لأنه واف بالجامع أيضاً وإما غير آت به فلا ينفعه ذلك في الوصول إلى ملاكات المولى وتحقيقها فالأمر بالجامع لا محالة لغو.

قلت: لا إشكال ولا ريب في تعدد الأمر فإن تعدد الأمر ضروري قطعا لأن المكلف لو كان مضطرا اضطرارا مستوعبا الم يكن مأمورا بالفرد الاضطراري؟ فلو فرضنا أن المكلف مريض طول الوقت أليست صلاته حينئذ مأمورا بها إذن لا إشكال في وجود أمر بالفرد الاضطراري وهذا الأمر كاشف عن وفاء الفرد الاضطراري لبعض الملاك فوجود أمر بالاضطرار مما لا كلام فيه كما أن الفرد الاختياري لا إشكال في وجود أمر به لأنه هو الوافي بتمام الملاك فتعدد الأمر أمر مقطوع به إنما الكلام في كيفية الأمرين، هل أن الأمرين هما أمر بالفرد الاضطراري وأمر بالفرد الاختياري أو هما أمر بالجامع بين الاختياري والاضطراري وأمر بخصوص الاختياري فهذا اختلاف في كيفية الأمرين وإلا وجود الأمرين أمر مقطوع به لا بد منه، وحيث قد بنينا على الإطلاق فيهما أي أن الأمر الاضطراري مطلق يشمل الاضطرار غير المستوعب والأمر الاختياري مطلق يشمل من صلى جالسا ثم ارتفع اضطراره فمقتضى إطلاق الأمرين أن نقول أن هناك أمراً بالجامع لوجود ملاك في الجامع وهناك أمر بخصوص الفرد الاختياري لأن فيه الملاك التام فتحصل من هذه المناقشة كلها أن وجود أمر اضطراري مطلق لا يعني الإجزاء إذ يحتمل أن الفرد الاضطراري استوفى بعض الملاك وبقي بعض لزومي يمكن استيفاؤه وتصوير هذا المحتمل عن طريق تعدد الأمر.

الإشكال الثاني الذي ذكره السيد الشهيد «قدس سره»: قال بأنه يمكن لنا أيضاً أن نذهب إلى مسالة التخيير بين الأقل والأكثر في المقام بإرجاعه إلى التخيير بين المتباينين، فقد أفاد سيدنا «قدس سره» هو بنفسه انه لا مانع بأن يقول المولى: أنت مأمور في الركعة الثالثة بالجامع بين تسبيحة واحدة وثلاث فيكون الجامع بين فردين فرد بشرط لا يعني تسبيحة واحدة وفرد بشرط شيء يعني بشرط أن تضم إليها تسبيحتين أخريين فإذا رجع التخيير إلى التخيير بين البشرط لا وبشرط شيء كان تخييرا معقولا لأنه تخيير بين المتباينين فكذلك الأمر في المقام إذ يمكن أن يقال: إنه يمكن تصوير الفرد الرابع بالتخيير بين المتباينين ولا موجب لأن نصوره بالتخير بين الأقل والأكثر كي يقال بأنه ممتنع فنقول بأن المولى خاطب المكلف بأنك مأمور بالفرد الاختياري إما بشرط شيء يعني بشر أن تضم إليه الفرد الاضطراري قبله أو بشرط لا أي لا تضم إليه الفرد الاضطراري قبله فأنت مأمور بالفرد الاختياري على كل حال إما بشرط عدم سبقه أو بشرط سبقه فإن أتيت به بشرط سبقه فقد حققت بعض الملاك بالاضطراري وبعضه بالاختياري وان أتيت به بشرط عدم سبقه فقد حققت تمام الملاك بالفرد الاختياري فتوصلنا إلى الفرض الرابع عن طريق التخيير لكن ليس بين الأقل والأكثر بل بين المتباينين.

والحمد لله رب العالمين