الدرس 71

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن السيد الشهيد «قدّس سرّه» أفاد بأنه إذا كان لدينا طرفان من الأدلة متعارضان فلا يشمل دليل الحجية كلا الطرفين في عرض واحد إلا إذا كان الطرفان متساويين من حيث المحذور واما إذا افترضنا أن دليل الف واجد لمحذورين بينما دليل باء واجد لمحذور واحد فمقتضى ذلك تعين شمول دليل الحجية لطرف باء دون الف فإن هذا ترجيح بمرجح وليس ترجيحا بلا مرجح وذكرنا أن هذه القاعدة بنى عليها السيد الصدر في عدة موارد:

المورد الأول: نسبة لا ضرر إلى الأدلة الأولية حيث أفاد بأن حديث الحجية وهو حجية خبر الثقة هل يشمل الإطلاقات أي اطلاقات دليل الاحكام ويشمل لا ضرر أيضاً في عرض واحد؟ فاجاب: بالنفي والسر في ذلك: أن هذا الدليل ألا وهو دليل حجية خبر الثقة لو شمل لا ضرر دون الإطلاقات لم يلزم إلا محذور واحد وهو ترجيحها على الإطلاقات بينما شموله للاطلاقات مبتلى بمحذورين: المحذور الأول أن تقديمها على لا ضرر ترجيح بلامرجح والمحذور الثاني انها متعارضة في نفسها تعارضا بالعرض، فلوجود مانعين في الإطلاقات ينصرف دليل الحجية عنها ويقتصر شموله على دليل لا ضرر.

والجواب عن ذلك: سلمنا بأن المناط في تعارض الأدلة الترجيح بلا مرجح أي أن شمول دليل الحجية لكلا الطرفين تعبد بالمتعارضين وهو قبيح وشموله لاحدهما المعين ترجيح بلا مرجح فالسر في التعارض هي هذه النكتة أن تعين احدهما للحجية ترجيح بلا مرجح، ولكن نقول: بأن المناط هو الترجيح بلا مرجح في موطن التعارض لا الترجيح بلا مرجح بلحاظ سائر الملابسات التي لا ربط لها بموطن التعارض.

بيان ذلك: أن لدينا طرفين الف وهو اطلاقات أدلة الاحكام وباء وهو دليل لا ضرر واطلاقات أدلة الاحكام مبتلاة بمانعين: المانع الأول انها في حد ذاتها متعارضة بالعرض والمانع الثاني أنها لو قدمت على لا ضرر لكان ترجيحا لها بلا مرجح، فنقول: في شمول دليل الحجية لهما يعني للاطلاقات ولدليل لا ضرر يلحظ نكتة الترجيح بلا مرجح في موطن التعارض فيقال: يحتمل شمول دليل الحجية لكل منهما في حد ذاته فإنه كما يحتمل حجية لا ضرر في حد نفسه يحتمل أيضاً حجية اطلاقات الأدلة الأولية في حد نفسه فما دام يحتمل حجية كل منهما في حد نفسه يعني مع غض النظر عن الآخر إذن فتعين الف دون باء في موطن التعارض ترجيح بلا مرجح هذا هو المقصود بنكتة الترجيح بلا مرجح وهذا ينطبق على كل طرف ولو كان هذا الطرف مبتلى بمانع أو اكثر فليكن، فإن مجرد كون طرف الف مبتلى بثلاثة موانع بينما طرف باء مبتلى بمانع واحد فهذا لا يعني تعين الحجية في طرف باء لأن مقصود الترجيح بلا مرجح أنه ما دام يحتمل حجية كل واحد منهما في نفسه في موطن التعارض فتعين احدهما دون الآخر في هذا الموطن ترجيح بلا مرجح حتّى لو كان هو واجد لمانع آخر إلا أنه واجد لمانع آخر لا ربط له بموطن التعارض. إذن فوجود مانعين أو عشرة في موطن لا يوجب انصراف دليل الحجية للطرف الآخر ما دام هذا الطرف الواجد للموانع مما يحتمل حجيته في نفسه في موطن التعارض فما دام يحتمل حجيته في نفسه في موطن التعارض، أي حتى مع وجود هذه الموانع مع ذلك نحتمل حجيته في نفسه في موطن التعارض إذن فتعين الآخر للحجية دونه ترجيح بلا مرجح.

هذا من ناحية المورد الأول الذي أفاد «قدّس سرّه».

المورد الثاني: ذكره ص219 ج5: وهو مثلاً إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين وكان لاحد الماءين حالة سابقة محرزة وهي الطهارة فهنا يقولون يوجد أصل طولي بمعنى أنه في الرتبة الأولى يتعارض استصحاب الطهارة في الماء الف لكونه له حالة سابقة محرزة مع أصالة الطهارة في الماء باء لأنّه لا تحرز حالته السابقة فلا يجري فيه استصحاب الطهارة فتجري فيه أصالة الطهارة فاستصحاب الطهارة في الف يعارض أصالة الطهارة في باء فيتساقطان، ولكن يوجد في الف أصل طولي آخر وهو أصالة الطهارة حيث سقط استصحاب الطهارة فيه بالمعارضة ففيه أصالة الطهارة فهل أصالة الطهارة أصل باق يعني لا يدخل ضمن المعارضة، إذن فاصالة الطهارة في ماء الف هل هي سليمة من المعارضة فيقال: تعارض استصحاب الطهارة في اناء الف مع أصالة الطهارة في اناء باء فتساقطا فصارت أصالة الطهارة في اناء الف بلا معارض فيجوز الوضوء منه وشربه، أو نقول: بأن أصالة الطهارة في اناء الف داخلة ضمن المعارضة أي أن أصالة الطهارة في اناء باء تعارض اصلين في اناء الف وهما استصحاب الطهارة واصالة الطهارة، وهذا ما يبحث عنه في بحث العلم الإجمالي وسياتي الدخول فيه وهو أنه هل ينحل العلم الإجمالي بالأصل الطولي أم لا؟ فإذا قلنا بأن أصالة الطهارة في اناء الف تبقى بلا معارض يعني العلم الإجمالي ينحل بالأصل الطولي واما إذا قلنا بأن هذا داخل في المعارضة يعني العلم الإجمالي لم ينحل بالأصل الطولي والسيد الشهيد «قدّس سرّه» يقول عندنا بيان وتخريج تام صناعي لانحلال العلم الإجمالي بالأصل الطولي:

قال: الوجه السادس - طبعا ذكر وجوه ثم اختار هذا الوجه - أن تعارض الاصلين إنما يكون إذا كانا متساويين بحيث يلزم من مجموعهما - يعني جريان الأصل هنا وجريان الأصل هنا - الترخيص في المخالفة القطعية ومن اجراء احدهما المعين دون الآخر ترجيح بلا مرجح واما إذا وجد في احدهما محذور مستقل يمنع من جريان الأصل وراء محذور الترجيح بلا مرجح فليس الاصلان متساويين هذا الأصل فيه محذوران وهذا فيه محذور واحد إذن ليسا متساويين.

ثم يقول: ففي محل كلامنا جريان أصالة الطهارة في طرف باء ليس فيه إلا محذور واحد وهو الترجيح بلامرجح، بينما جريان أصالة الطهارة - الذي هو أصل طولي - في طرف الف مبتلى بمحذورين المحذور الأول الترجيح بلامرجح والمحذور الثاني: كيف يجري مع وجود أصل حاكم عليه ألا وهو استصحاب الطهارة فسواء اجريتموه مع غمض النظر عن وجود الأصل الحاكم أو اجريتموه مع وجود الأصل الحاكم مقتضى الحكومة وكونه أصلا طوليا أن لا يجري ففيه محذوران محذور أنه ترجيح بلا مرجح ومحذور هو في نفسه محكوم بأصل آخر فكيف يجري مع وجود أصل حاكم عليه.

النتيجة عبارة السيد: وهذا يعني أن اجراء الأصل الطولي يعني أصالة الطهارة في اناء الف واجد لمحذور زائد على محذور الترجيح بلا مرجح وبذلك يكون الأصل العرضي وهو أصالة الطهارة في اناء باء في الطرف الآخر مقدما عليه، بل ان دليل أصالة الطهارة: كل شيء لك نظيف، لا ينظر إلى أصل الطهارة هنا بل نظره متجه إلى أصالة بالطهارة في الطرف الآخر اناء باء وبذلك يكون الأصل العملي الآخر مقدما عليه ونتيجة ذلك عدم امكان ايقاع المعارضة بين الأصل الطولي يعني أصالة الطهارة في اناء الف والاصل العرضي يعني أصالة الطهارة في باء، وإذا لم توجد معارضة شمل دليل أصالة الطهارة لاصالة الطهارة في اناء باء وشمل دليل الاستصحاب لاستصحاب الطهارة في اناء الف وتعارضا، أي: تعارض دليل الاستصحاب هنا مع دليل أصالة الطهارة هناك فتساقطا، فوصلت النوبة إلى شمول دليل أصالة الطهارة لاصالة الطهارة في اناء الف بلا معارض فانحل به العلم الإجمالي.

هذا كلام السيد.

ولكن نفس النكتة التي لاحظناها هناك تأتي هنا وهي: أن وجدان أحد الاصلين لمحذورين لا يمنع من شمول دليل أصالة الطهارة له والسر في ذلك: أنه لم يؤخذ في شمول دليل أصالة الطهارة لمورد شك فيه في الطهارة أن لا يكون هناك محذور، فكلامه أنه لو كان بين المحذورين ترتب يعني أحد المحذورين سابق رتبة على الآخر لصح أن يقال أن شمول دليل أصالة الطهارة له إنما هو في رتبة متاخرة عن المحذور الأول ففي رتبة المحذور الأول لا تصل النوبة إلى شمول دليل أصالة الطهارة له، اما إذا لم يكن بين المحذورين ترتب وطولية بل كان المحذوران في عرض واحد ورتبة واحدة فأي مانع من شمول دليل أصالة الطهارة لكلا الاصلين وإن كان احدهما واجدا لمحذورين والآخر واجدا لمحذور واحد.

ولذلك - هذا من باب النقض - لم يستشكل أحد في التعارض في اطراف العلم الإجمالي إذا كان أحد الطرفين طرفا لعلم إجمالي ثاني مثلاً: علمت اجمالا اما بنجاسة الكاس الابيض أو نجاسة الكاس الازرق وفي نفس الوقت في عرض هذا العلم الإجمالي عندي علم إجمالي اما بنجاسة الاناء الازرق بدم آخر أو نجاسة الاناء الاحمر فعندي عمان اجماليان في عرض واحد علم إجمالي بنجاسة الابيض أو الازرق وعلم إجمالي بنجاسة الازرق أو الاحمر فأصبح الاناء الازرق مشتركا بين علمين اجماليين إذن الاناء الازرق موضع تعارض أصل ثاني غير هذا التعارض يعني أصالة الطهارة في الاناء الابيض لها معارض واحد وهو أصالة الطهارة في الاناء الازرق واصالة الطهارة في الاناء الاحمر ليس لها إلا معارض واحد وهو أصالة الطهارة في الاناء الازرق بينما أصالة الطهارة في الاناء الازرق لها معارضان فهل يقال حينها: لا يشمل دليل أصالة الطهارة الاناء الازرق لأنّه مبتلى بمعارض آخر وهو معارضته باصالة الطهارة في الاناء الاحمر؟ هذا لا يختلف فيه أحد بل يقولون ما دامت المعارضتان في رتبة واحدة وعرض واحد فالتعارض ثلاثي أي أن أصالة الطهارة في الاناء الازرق في وقت واحد تصادم اصالة الطهارة في الاحمر والابيض.

إذن فبالنتيجة مجرد وجدان أحد الاصلين لمحذورين لا يمنع من شمول دليل الأصل له ما دام المحذوران في عرض واحد ورتبة واحدة.

هذا المورد الثاني الذي افاده.

المورد الثالث: ما ذكره في بحث تعارض الأدلة ج7 ص244، من كتاب البحوث يأتي.

والحمد لله رب العالمين