الدرس 84

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وصلنا إلى الملاحظة الخامسة على ما أفاده سيد المنتقى «قدّس سرّه»:

وحصل هذه الملاحظة أنه أفاد في ص50 ج2 من المنتقى أن الدليل المتكفل لإثبات موضوع ظاهري بلحاظ أثر معين تارة يكون له ضد ذو أثر مناقض نظير استصحاب الملكية للبائع المقتضي لجواز النقل والانتقال فإن له ضدا ذا أثر مناقض ألا وهو الوقف حيث إن أثر الوقف مناقض لأثر الملكية فإن أثر الوقف هو حرمة الوقف حرمة وضعية قال: وأخرى لا يكون للموضوع الظاهري ضد ذو أثر مناقض نظير أصالة الطهارة بلحاظ الشرطية للصلاة فإنه ليس للنجاسة الواقعية أثر مناقض لأثر الطهارة إذ تقرر - كلامنا في هذه النقطة - أن أحد الضدين إذا اخذ شرطا امتنع اخذ الضد الآخر مانعا فمقتضى هذه الكبرى التي أفادها في آخر كلامه أنه لا يعقل الجمع بين جعل الضد شرطا وجعل ضده الآخر مانعا، فبناء على هذه الكبرى إذن لم يوجد لنا مورد يكون للموضوع الظاهري أثر ويكون له ضد ذو أثر مناقض إذ لا محالة متى ما كان لهذا الضد شرطية لم يكن لضده مانعية فإذا لم يكن لضده مانعية فكيف نتصور وجود ضد ذو أثر مناقض مثلاً إذا شككنا في أن زيدا الذي باع الدار هل هو مالك للدار حين البيع أم لا؟ وكان سابقا مالكا، فهنا يقول السيد «قدّس سرّه»: يجري استصحاب ملكية استصحاب ملكية زيد إلى حين البيع وباستصحاب ملكية زيد إلى حين البيع يتحقق موضوع الشرطية حيث إنه يشترط في صحة البيع أن يكون المبيع ملكا للبائع كما في قوله لا بيع إلا في ملك أو قوله إنما يشتريه منه بعدما يملكه.

ولكن مع ذلك يقول: لا يترتب على استصحاب الملكية جواز البيع واقعا وإنما جواز البيع ظاهريا والسر في ذلك أن لاستصحاب الملكية هنا ضدا وهذا الضد هو الوقف إذ قد تكون هذه الدار وقفا واقعا واثر الوقف هو حرمة النقل وهو مناقض للملكية فنقول يأتي على هذا الكلام الكبرى وهو أنه إذا جعل الشارع الشرطية للملكية فلا يمكن أن يجعل المانعية للوقفية فمتى ما كانت ملكية البائع شرطا في صحة البيع لم يعقل أن تجعل الوقفية مانعا من صحة الوقف إذ لا يمكن جعل الشرطية لضد وجعل المانعية لضده الآخر فلا يبقى لهذا التقسيم الذي أفاد مورد إذا كان أحد الدليلين متكفلا لجعل الشرطية لضد الموجب لعدم جعل المانعية لضده.

الملاحظة الأخيرة على كلامه أنه ما أفاده «قدّس سرّه» في دفع النقوض على كلام الكفاية لا يتم في جميع النقوض فإن بعض النقوض لا محالة وارد مثلاً استصحاب الطهور فلو أن شخصا كان على طهور ثم لما دخل في الصلاة شك في أنه باق على طهوره أم لا فمن الواضح هنا أن ما جعله الشارع هو شرطية الطهور لصحة الصلاة لا أن الحدث مانع فما هو المجعول شرعا أن الطهور شرط لا أن الحدث مانع إذن فالطهارة هنا ليس لها ضد ذو أثر مناقض فإذا لم يكن للطهارة ضد ذو أثر مناقض إذن يجري استصحاب الطهارة وباستصحاب الطهارة يثبت الشرط واقعا بناء على مبناه فمقتضى كلام الكفاية أن هذه الصلاة صحيحة وان انكشف أنه محدث فإن هذا النقض وارد وهذا لم يقل به أحد.

كما أن النقض الذي أورده السيد الشهيد «قدّس سرّه» إذن يبقى واردا حيث إن السيد الشهيد نقض على صاحب الكفاية باستصحاب الكفاية وقال: لو فرضنا أن هذا الماء كان نجسا سابقا وشككنا أنه ما زال نجسا أم لا فإن كان نجسا يحرم شربه ولا يجوز الوضوء به فنحن نستصحب النجاسة فمقتضى استصحاب النجاسة أنه لو توضأ به لكان وضوء فاسدا فلو توضأ به المكلف رجاء ثم انكشف في الواقع أنه طاهر فبناء على مبنى صاحب الكفاية يكون وضوءه باطلا وان انكشف أنه في الواقع طاهر؛ لأن ما جعله الشارع هو مانعية النجاسة من صحة الوضوء ولم يجعل شرطية الطهارة في صحة الوضوء فإذا كان المجعول هو مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة إذن فاستصحاب النجاسة محقق واقعي للمانعية وليس لهذا الاستصحاب ضد ذو أثر مناقض فإذا لم يكن له أثر ذو ضد مناقض فمقتضى استصحاب النجاسة فساد الوضوء واقعا ولو انكشف أن الماء طاهر وهذا لا يقول به أحد.

والنتيجة هي أن ما نقض به المحقق النائيني وسيدنا الخوئي قدس سرهما على مطلب صاحب الكفاية وارد لا مدفع عنه.

هذا تمام الكلام في الإشكال الثاني.

أما الإشكال الثالث الذي أورد على كلام الكفاية فهو أن المحقق النائيني أفاد أن صاحب الكفاية «قدّس سرّه» ذهب إلى أن مفاد كل شيء لك نظيف حتّى تعلم أنه قذر مفادها أمرين:

الأمر الأول: جعل الطهارة الظاهرية والأمر الثاني توسعة الشرط في قوله صل بساتر طاهر توسعة هذا الشرط بحيث يشمل الطهارة الظاهرية فمفادها أمران جعل الطهارة الظاهرية وتوسعة الشرط في قوله صل بثوب طاهر فيقول المحقق النائيني: إن المجعول الثاني وهو توسعة الشرط في طول المجعول الأول فإنه لابد أن تجعل الطهارة ظاهرا وفي طول ذلك يتم توسيع دليل الشرطية لما يشمل هذه الطهارة المجعولة فبما أن المدلول الثاني في طول المدلول الأول فلا يعقل أن يتكلف دليل واحد بهما حتّى لو قلنا بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى فإن ذلك إنما يتصور في المعاني العرضية وأما إذا افترضنا أن أحد المعنيين في طول الأول فلا يتأتى من اللفظ بيانهما بإنشاء واحد.

إذن فما ادعاه صاحب الكفاية «قدّس سرّه» من أن مفاد دليل أصالة الطهارة جعل الطهارة الظاهرية وتوسعة الشرط لما يشمل هذه الطهارة الظاهرية غير تام.

هذا إشكال المحقق النائيني.

أجيب عن ذلك بأجوبة ثلاثة:

الجواب الأول ما ذكره السيد الشهيد «قدّس سرّه» من أن هذا الإشكال الوارد لو كان مدعى صاحب الكفاية الحكومة، بمعنى أن الدليل المحكوم وهو قوله صل بثوب طاهر يدل على اشتراط الطهارة الواقعية لكن جاءنا الدليل الحاكم وهو قوله كل شيء لك نظيف فتكفل أمرين: جعل طهارة ظاهرية وتوسعة الطهارة في الدليل الأول لما يشمل الطهارة الظاهرية فهنا يرد إشكال المحقق النائيني أنه كيف يمكن لدليل واحد أن يبين أمرين بإنشاء واحد مع الطولية بينهما.

لكن مدعى صاحب الكفاية - يقول السيد الشهيد - هو الورود لا الحكومة، فهو يقول: الدليل الثاني وارد وليس حاكم يعني أن الدليل الأول بنفسه واسع لا أن التوسعة مكتسبة من الدليل الثاني فالدليل الأول وهو قوله صل بساتر طاهر هو في نفسه يدل على أن الشرط الطهارة المجعولة سواء كانت واقعية أو ظاهرية الشرط هو الطهارة المجعولة، والدليل الثاني ليس دوره إلا أمرا واحدا وهو جعل طهارة ظاهرية وأما التوسعة فهي مستفادة من الدليل الأول فليس للدليل الثاني إلا إيجاد فرد من أفراد موضوع الدليل الأول. وبالتالي لا يرد إشكال النائيني من أنه كيف يتكفل دليل واحد بيان أمرين طوليين بإنشاء واحد.

لكننا ذكرنا فيما سبق أن ما نسب إلى صاحب الطفاية مخالف لظاهر عبارته فإن ظاهر عبارة الكفاية هو دعوى الحكومة لا دعوى الورود.

الوجه الثاني لدفع الإشكال: أن يدعى الحكومة الثبوتية في المقام وهذا ما ورد في بعض كلمات المحقق النائيني كأن للحكومة قسين ثبوتية واثباتية ومثل للحكومة الثبوتية بقوله في دليل لا تقف ما ليس لك به علم، المفيد أنه جواز الإخبار وجواز الإفتاء منوط بالعلم لأن الإخبار والإفتاء اقتفاء ولا تقف ما ليس لك به علم، وقال في دليل آخر: خبر الثقة علم، فهنا ذهب المحقق النائيني إلى أن الدليل الثاني حاكم على الدليل الأول حكومة ثبوتية، ومعنى أنه حاكم حكومة ثبوتية أنه بالدليل الثاني توسع في الموضوع في الدليل الأول وإلا في الدليل الأول ما كان موسعا في حد نفسه، فالدليل الثاني وسع الموضوع لما يشمل العلم التعبدي، فنحن لو كنا والدليل الأول لقلنا باختصاص جواز العلم بالإفتاء وجواز العلم بالأخبار بالعلم الوجداني لكن ببركة الدليل الثاني توسع المدلول أي مدلول المدلول الأول بما يشمل العلم التعبدي.

وحينئذ لا يرد عليه أنه كيف يتكفل دليل واحد بيان أمرين طوليين بإنشاء واحد، لأن مفاد الدليل الثاني من الأصل هو التوسعة، أي أن المجعول فيه هو توسعة العلم لما يشمله.

ولكن يلاحظ على هذا المدعى هو إنكار أو عدم تمامية هذا المبنى وهو مبنى الحكومة الثبوتية، بيان ذلك:

إذا قال الشارع: خبر الثقة علم فإما أن يكون الملحوظ في جعل العلمية لخبر الثقة ترتب الأثر العقلي وهو انتفاء موضوع قبح العقاب بلا بيان فإن بجعل خبر الثقة علما يتحقق البيان فينتفي موضوع قبح العقاب بلا بيان الذي بحثه العلماء في قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي هل أن جعل خبر الثقة قطعا علما يقوم مقام القطع في نفي موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، أم لا؟

وإما أن يكون الملحوظ في جعل العلمية لخبر الثقة الأثر الشرعي وهو جواز الإفتاء وجواز الإخبار فإن كان الموضوع هو الأثر العقلي فمن الواضح أن الأثر العقلي لا يتحقق إلا إذا تحقق موضوعه بنظر العقل فما لم يتحقق موضوعه وجدانا بنظر العقل لا يجدي فمليار مرة يقول الشارع: خبر الثقة علم مازال البيان لم يتحقق وجدانا؛ إذ موضوع قبح العقاب بلا بيان هو انتفاء البيان الوجداني فمليون مرة يقول الشارع: خبر الثقة بيان، لا زال العقل يقول: ما زلت حاكما على قبح العقوبة حيث لم يتحقق الموضوع النافي أو الرافع لموضوع حكمي؛ لذلك ذهب السيد الشهيد هناك وقلنا أن كلامه متين: أن الموضوع الرافع لقبح العقاب بلا بيان إبراز الشارع اهتمامه بالحكم المشكوك فإن العقل إنما يحكم بقبح العقاب ما لم يبرز الشارع اهتمامه بالحكم المجهول فإنه ما لم يبرز اهتمامه يكون عقاب العبد عليه قبيحا فإنه ظلم للعبد ولكن إذا ابرز الشارع اهتمامه بالحكم المجهول سواء أبرزه بجعل الحكم أو بجعل الاحتياط أو بجعل خبر الثقة علما أو بجعل خبر الثقة منجزا ومعذرا فإن هذه الصياغات مجرد اختلاف في الألسنة ولا أثر لها فسواء قال الشارع: خبر الثقة علم، أو قال: خبر الثقة منجز، أو قال: خبر الثقة حجة فإن اختلاف الألسنة لا يغير من موضوع حكم العقل شيئا فإن موضوعه ما لم يبرز الشارع اهتمامه بالحكم المجهول فمتى ما ابرز الشارع اهتمامه بالحكم بصيغة خبرية أو إنشائية أو بجعل العلية أو بجعل الحجية فإن ذلك رافع لموضوع قبح العقاب بلا بيان فإذا كان موضوع حكم العقل بقبح العقاب ليس هو البيان بما له من موضوعية وإنما هو عدم إبراز الشارع اهتمامه إذن لم يكن لجعل العلمية دخل في رفع هذا الأثر العقل فجعل العلمية وغيره على حد سواء في هذه الجهة وإن كان الملحوظ هو الأثر الشرعي أي جواز الإفتاء وجواز الإخبار.

فلنرجع إلى الدليل الأول فما هو ظاهره فعندما قال: لا تقف ما ليس لك به علم، هل هو ظاهر في العلم الوجداني أم هو ظاهر في العلم الأعم، فإن قلنا بأنه ظاهر بالأعم كما يقول به السيد الإمام وان المقصود من قوله ولا تقف ما ليس لك به من علم يعني ما ليس لك به حجة والعلم كناية عن الحجة إذن فلا محالة الدليل الثاني وهو قوله خبر الثقة علم يكون واردا وليس حاكم، أصلا من باب الحكومة في شيء لأن ذلك يقول: لا تقف ما ليس لك به حجة وهذا حجة، وأما إذا كان الدليل الأول وهو قوله ولا تقف ما ليس لك به علم ظاهر في العلم الوجداني وهو الصحيح أن المسوغ للإخبار والإفتاء العلم الوجداني فالشارع عندما يقول: خبر الثقة علم وغرضه من قوله خبر الثقة علم هو توسعة جواز الإفتاء وجواز الإخبار لما يشمل العلم التعبدي فإنه تكون هذه الحكومة من باب الحكومة الظاهرية لا من باب الحكومة الواقعية، لم؟ لما ذكره النائيني «قدّس سرّه» من أن كل دليل اخذ في موضوعه الشك في الواقع فمفاده الحكومة الظاهرية ومن الواضح أن هذا الدليل اخذ في موضوعه الشك في الواقع لأن الشارع إنما جعل خبر الثقة علما في فرض عدم انكشاف الواقع فحيث اخذ في الموضوع وهو جعل العلمية لخبر الثقة عدم انكشاف الواقع فلا محالة تكون هذه الحكومة حكومة ظاهرية فلا تنفعنا في المقام شيئا إذن - هذا بالنسبة إلى المثال نطبقه على كلامنا - ويأتي نفس الكلام في قوله صل بثوب طاهر ثم يقول: كل شيء لك نظيف حتّى تعلم أنه قذر فإنه إما أن يكون الدليل الأول شاملا في نفسه للطهارة الظاهرية فالدليل الثاني وارد وإما أن يكون الدليل الأول خاصا بالطهارة الواقعية فحينئذ حيث إن الدليل الثاني وهو قوله كل شيء لك نظيف اخذ في موضوعه الشك فلا محالة تكون الحكومة فيه حكومة ظاهرية لا واقعية وهذا خلف مراد صاحب الكفاية، فكيف يكون دفاعا عنه.

الجواب الثالث: ما ذكره السيد الشهيد «قدّس سرّه» سلمنا أن المقام من باب الحكومة لا من باب الورود مع ذلك يمكن إثبات الحكومة الواقعية بمعنى أن يكون الموضوع في أصالة الطهارة ليس هو الطهارة الظاهرية وإنما الموضوع في أصالة الطهارة المشكوك وبيان ذلك لو قلنا بأن مفاد أصالة الطهارة أمران جعل الطهارة الظاهرية وتوسعة الشرط لجاء الإشكال بأن الدليل الواحد لا يتكفل أمرين طوليين بإنشاء واحد لكننا ندعي بأن مفاد أصالة الطهارة شيء واحد وهو المشكوك طهارته تترتب عليه آثار الطاهر واقعا فقط هذا هو مفاده، كل ما هو مشكوك الطهارة تترتب عليه أحكام الطهارة واقعا نظير قوله الطواف بالبيت صلاة فهو يرد كل طواف تترتب عليه آثار الصلاة واقعا فهنا يقول: كل مشكوك تترتب عليه آثار الطهارة واقعا لا أنه يجعله طاهرا ثم يقوم بالتوسعة بل ما يجعله من الأساس هو أن المشكوك محكوم بالطهارة واقعا أو محكوم بآثار الطهارة واقعا.

وبناء على هذا فما تكفل به الدليل أمر واحد لا أمران طوليان كي يقال باستحالة بيانهما بإنشاء واحد.

فإن قلت: فأين الطهارة الظاهرية إذن والمفروض أن مفاد دليل أصالة الطهارة أو الطهارة الظاهرية فأين اختفت الطهارة الظاهرية.

يجيب السيد الشهيد، قلت: والطهارة الظاهرية هي المنتزعة من هذا الجعل فإن الشارع إذا قال: مشكوك الطهارة طاهر واقعا انتزع من جعله هذا عنوان الطهارة الظاهرية فما جعله الشارع بالأصالة ليس هو الطهارة الظاهرية وإنما الذي جعل الشارع بالصلاة هو أن المشكوك محكوم بالطهارة واقعا ولكن انتزعت الطهارة الظاهرية من هذا الجعل فهي مجعولة بالعرض لا بالأصالة.

ويأتي الكلام حول كلامه «قدّس سرّه» إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين