الدرس 96

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

بحث الخلل في النية فيه جهات، الجهة الأولى: كان في تحقيق معنى النية المعتبرة في صحة الصلاة، وذكرنا أنّ الصحيح هو ما ذهب إليه سيّدنا «قده» أنّ النية المعتبرة في صحة الصلاة هي إضافة الصلاة إلى المولى إضافة تذللية المعبر عنه ب «قصد القربة».

الجهة الثانية: في فصول النية المعتبرة، حيث إنّ النية المعتبرة في صحة الصلاة تنحل لعناصر ثلاثة: قصد الصلاة، والتقرب بالصلاة، وتعيين نوع الصلاة: كونها ظهرا أو عصرا، أداء أو قضاء، أو نحو ذلك، فيقع الكلام في كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة، لذلك لدينا مطالب ثلاثة؛ إذ تارة نتكلم في أصل القصد للصلاة، وأخرى في التقرّب، وثالثة في تعيين نوع الصلاة.

الكلام في المطلب الأوّل: وهو أصل القصد، وفيه عدّة أمور:

الأمر الأوّل: إنّ اعتبار القصد في الصلاة عقلي وليس شرعيا؛ لأنّ الصلاة عنوان قصدي والعناوين القصدية متقومة بالقصد عقلاً، سواء اعتبر الشارع ذلك أو لم يعتبر، فاعتبار القصد عقلي لا شرعي وبالتالي فلو ورد عندنا دليل يدل على اعتبار القصد فما هو إلّا إرشاد إلى هذه الملازمة العقلية.

الأمر الثاني: لا يجب التلفظ بالنية، أي بقصد الصلاة؛ إذ لا دليل على وجوب التلفظ، بل وقع الكلام في مشروعية التلفظ بالنية في موردين:

المورد الأوّل: في صلاة الاحتياط، والمورد الثاني: في النية بعد الإقامة، أي بعد الإقامة للصلاة.

أمّا المورد الأول، وهو صلاة الاحتياط، فهل يشرع من المكلف المطالب بصلاة الاحتياط قبل أن يدخل في صلاة الاحتياط أن يتلفظ بالنية لصلاة الاحتياط أم لا؟ فإنّ ظاهر كلام صاحب العروة «قده» أنّه لا إشكال في ذلك، حيث قال في المسألة السادسة من مسائل النية: «الأحوط ترك التلفظ في النية بالصلاة خصوصا في صلاة الاحتياط للشكوك وإن كان الأقوى الصحة معه» يعني التلفظ بها عند الشروع في صلاة الاحتياط ممّا لا ينافي صحّة الصلاة.

فالكلام فعلاً في جواز التلفّظ بالنية لصلاة الاحتياط، والبحث هنا يقع في ناحيتين:

الناحية الأولى: هل أن صلاة الاحتياط صلاة مستقلة أم أنّها جزء متمم للصلاة على فرض النقيصة؟

والناحية الثانية: هل أنّ التلفظ بالنية كقوله: «اصلِّ صلاة الاحتياط قربة إلى الله تعالى» من كلام الادمي بحيث يقع منافيا للصلاة أم لا؟

فأمّا البحث في الناحية الأولى؛ فقد ذُكر قولان:

القول الأول: بأن صلاة الاحتياط صلاة مستقلة، وإن وجبت بنفس الوجوب المتعلّق بأصل الصلاة، وهذا القول نُسب إلى ابن ادريس، نظير ما لو نذر المكلف صوم يومين، فإنّ صوم كل يوم من اليومين المنذورين واجب مستقل، مع أنّهما وجبا بوجوب واحد، ألّا وهو وجوب الوفاء بالنذر الواحد، فقد يُقال: صحيح إنّ هناك وجوبا واحدا للصلاة ولصلاة الاحتياط، إلّا أن صلاة الاحتياط مع ذلك واجب مستقل، ويترتب على كون صلاة الاحتياط واجبا مستقلاً جواز المنافيات بينها وبين الصلاة، فيجوز له مثلاً الالتفات والتكلم وما اشبه ذلك، بين الانتهاء من الصلاة البنائية وبين الشروع في صلاة الاحتياط.

والقول الثاني: أنّ صلاة الاحتياط جزء من الصلاة المشكوك فيها على فرض النقيصة، وهذا القول هو الظاهر من النصوص، كما في صحيحة الحلبي في الشك بين الاثنين والأربع، قال : «فإن كنت إنّما صليت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع» فصلاة الاحتياط على فرض النقيصة هي جزء متمم للصلاة، «فإن كنت إنّما صليت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع»، فظاهر هذه الرواية أنّ ركعة الاحتياط على تقدير النقص جزء.

إنّما الكلام وقع في أنّ الانقلاب في الوظيفة انقلاب واقعي أو ظاهري، بمعنى أنّ المكلف حين الشك بين الثلاث والاربع مثلاً تغيّر تكليفه الواقعي، فبعد أن كان مكلفا باربع ركعات موصولة، اصبح مكلفا باربع ركعات مفصولة، أي أنّه مكلف واقعا بثلاثة ركعات مع سلام ثم ركعة رابعة، فانقلب تكليفه الواقعي من المطالبة برابعة موصولة إلى رابعة مفصولة بسلام، وهذا ما يُعبر عنه بالانقلاب الواقعي، وهذا ما اختاره سيّدنا «قده»؛ وسيأتي ان شاء الله لأنّ هذا من جملة بحوث مباحث الخلل في الصلاة، أو أنّ الانقلاب ظاهري، أي في مقام تفريغ الذمّة ليس إلّا، بمعنى أنّ المكلف ما زال مطالبا واقعا برابعة موصولة، غاية ما في الباب، من اجل تحصيل اليقين بفراغ ذمته ممّا كُلف به قيل له: إذا شككت فابني على الأكثر وأتي بركعة الاحتياط، فالامر بركعة الاحتياط لم يُغير التكليف الواقعي، ولذلك لو أتى بأربع موصولة واقعا وكانت ركعة الاحتياط زائدة فقد امتثل التكليف الواقعي، فالتكليف بأربع موصولة لم ينقلب واقعا، إنّما حيث لا طريق للمكلف لإحراز فراغ ذمته ممّا كُلف به إلّا بهذه الطريقة وهو أن يُسلّم على الرابعة البنائية ثم يأتي بركعة الاحتياط، فصار انقلابا في الوظيفة إلّا أنّه انقلاب ظاهري، وفي مقام تفريغ الذمة،

وقد أفاد سيّدنا «قده»: أن لا أثر عملي لهذا البحث، وهو أنّ الانقلاب واقعي أو ظاهري، فالنتيجة: أنّه مطالب بركعة الاحتياط، غاية الأمر، إن قلنا: بان الانقلاب واقعي كما هو مسلك سيّدنا «قده» إذاً هو ما زال في الصلاة واقعا، وبما أنّه ما زال في الصلاة واقعا فمانعية الكلام ومانعية الالتفات مانعية واقعية، أي أنّ مقتضى إطلاق أدلّة مانعية الالتفات ومانعية مثلاً الكلام شاملة لهذا المورد، لمورد الشك بين الثلاث والأربع قبل أن يشرع في صلاة الاحتياط.

وأمّا إذا قلنا: بأن الانقلاب ظاهري؛ فلعل المكلف خرج واقعا من الصلاة، فلعل المكلف ليس في الصلاة بعد أن بنى على الرابعة وسلّم، وحينئذ فالجاري في حقه استصحاب عدم الخروج من الصلاة، أو الجاري في حقه قاعدة الاشتغال، ومقتضى هذين الأصلين الشرعي والعقلي هو اجتناب المنافي، فمانعية المنافي في هذا الفرض مانعية ظاهرية وليست واقعية، مبنية على استصحاب عدم الخروج من الصلاة أو على قاعدة الاشتغال. فالنتيجة: هي أنّ مانعية التكلم بين الصلاة البنائية وصلاة الاحتياط ثابتة سواء كانت مانعية واقعية أو مانعية ظاهرية.

وأمّا من الناحية الثانية؛ على فرض أنّ صلاة الاحتياط متمّمة في فرض النقيصة وأنّ مانعية التكلّم بكلام الآدمي شاملة لهذا المورد إمّا مانعية واقعية أو ظاهرية، فهل أنّ التلفظ بالنية من كلام الآدمي أم لا؟ حيث يُحتمل أن قول صاحب العروة: «الاحوط ترك التلفظ بالنية خصوصا في صلاة الاحتياط للشكوك وإن كان الأقوى» معناه أنّ الاحتياط احتياط استحبابي لأنّه ملحوق بالفتوى، «وإن كان الأقوى الصحة معه» يحتمل أنّ صاحب العروة لا يرى أن الصلاة صلاة مستقلة، كما نسب إليه السيّد الخوئي هنا، حيث قال: «لما يرتأيه «قده» من أنّها صلاة مستقلة وإن شُرعت لتدارك النقص المحتمل»، لا دليل على أن صاحب العروة يرى أنّ صلاة الاحتياط صلاة مستقلة، فمن المحتمل أن صاحب العروة إنما يرى الصحة بلحاظ أنّه لا يرى التلفظ بالنية من كلام الآدمي، هذا ليس كلاما آدميا لأنّه من جملة شؤون الصلاة أن يقول: «أصلي صلاة الاحتياط صلاة قربة لله تعالى».

فعلى أية حال، فتارة نقول: بأنّ مفاد الدليل مانعية كلام الآدمي، وتارة نقول: بأن مفاد الأدلة هو مانعية ما ليس بذكر، أو اشتراط أن يكون الكلام ذكراً، فإن قلنا: بأنّ مفاد الأدلة مانعية كلام الآدمي، فمع الشك في أنّ هذا من كلام الآدمي أم لا؟ تجري البراءة عن مانعيته، فيصح التكلم به في الصلاة، وأمّا إذا قلنا: بأن مفاد الأدلة اشتراط الذكر، فحينئذ يُشك في كونه ذكراً، ومع الشك في كونه ذكراً فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم التلفظ به في الصلاة.

والإنصاف أنّه غير واضح، هذه الموارد هل هي من كلام الآدمي أم هي من الذكر.

المورد الثاني الذي سنبحث عنه غدا في أنّه هل يجوز التلفظ به أم لا؟ التلفظ بعد الإقامة، وهذا يبتني على أنّ الإقامة جزء من الصلاة أم لا؟ نتكلم عنه غدا إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين