الدرس 112

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

أفاد سيّدنا «قده» بأنّه إنّما يجب تحديد العنوان إذا كان التكليف متعددا، وكان لكل من الواجبين عنوان يمتاز به عن الآخر، فمثّل لذلك بالظهرين بلحاظ أنّ ما ورد في قوله «إلّا أنّ هذه قبل هذه» دال على أنّ للظهر عنوانا يمتاز به عن العصر والعكس.

وأمّا ما ورد في الصحيحة الأخرى وهي إنّما هي أربع مكان أربع، فظاهر سياق الرواية أنّه بيان لعدم المانع من العدول، فإنّه لمّا ذكر العدول فقال: «إذا نسيت الظهر فذكرتها وأنت في العصر أو بعد فراغك منها فانوها الأولى»، فهنا يأتي السؤال كيف ينويها الأولى والحال بأنّه قصد بها العصر؟ فقال: لا مانع من العدول بها لما سبق فإنّها أربع مكان أربع، فالمقصود بهذه الفقرة ليس بيان أن لا مائز بينهما واقعا وإنما بيان أن لا مانع من العدول من اللاحقة إلى السابقة، ما داما متحدين في الصورة، فإنّ اتحادهما صورة لا يُشكل مانعا من العدول، بخلاف ما لو كانت اللاحقة أربعا والسابقة اثنتين او ثلاثا، كما أنّ سيّدنا الخوئي «قده» استدل بنفس العدول من اللاحقة إلى السابقة على أنّ للسابقة تميزا وِإلّا لو لم يكن للسابقة أي تميز فلا وجه للعدول إليها، فالأربعة سوف تقع قبل الأربع جزما، كما أنّ العنوان الخاصّ الذي لابد من قصده معتبرٌ في فريضة الفجر ونافلته، والشاهد على اختلافهما عنوانا هو عدم جواز الإتيان بالنافلة لدى ضيق وقت الفريضة، ومن هذا القبيل أيضا الأداء والقضاء، حيث استفدنا من النصوص الدالة على لزوم تقديم الحاضرة على الفائتة حتّى لو كانا صلاتي ظهر، أو افضليته، حسب الاختلاف في المسألة أنّ لكل منهما عنوانا.

والمهم أنّ ظاهر كلام سيّدنا «قده»: أنّه إنّما يجب التعيين إذا اجتمعا أمران، إذا كان التكليف متعددا وكان لكل من الواجبين عنوان، وظاهر هذا الكلام أنّه لو كان التكليف واحدا، وكان المتعلّق ذا عنوان خاصّ وأنّه لا يجب تعيينه؛ لأنّه إنما يجب إذا تعدد التكليف وكان لكل منهما عنوان؛ إذاً: لو كان التكليف واحدا، وكان متعلّق التكليف ذا عنوان خاصّ، فظاهر كلامه أنّه لا يجب التعيين، فلو فرضنا أنّ المكلف لا يجب عليه إلّا صلاة الظهر، لِمَ؟ لأنّه ليس له من الوقت إلّا مقدار أربع ركعات من أوله وبعد هذه الأربع ركعات يُغمى عليه، فلا يجب عليه إلّا صلاة الظهر، فهنا لا يجب التعيين، بحيث لو صلّى غافلا عن وجوب ظهر وعصر ولم يقصد امتثال الأمر الفعلي؛ لأنّه لو قصد امتثال الأمر الفعلي لكان قصد امتثال الأمر الفعلي تعيينا اجماليا لما عليه وهو الظهر؛ لكننا نفترض أنّ المكلف غافل عن وجوب ظهر وعصر، ولم يقصد امتثال الأمر الفعلي، بل اتى بأربع ركعات شكرا لله، أو أتى بأربع ركعات رجاء، فإنّها فعلى كلامه أنّها تقع ظهرا، لأنّه لا يجب التعيين إذا كان التكليف واحد وإن كان المتعلق ذا عنوان خاص، مع أنّ هذا مناف لصريح كلامه في بحث الصوم كما سيأتي الإشارة إليه في كلامه الآتي، أي عند البحث حول كلامه الآتي، بأنّه يجب تعيين ما كان له عنوان وإن كان التكليف واحدا، فإذاً النتيجة ليست دائرة مدار تعدد التكليف، بل ينبغي أن يُقال متى ما كان متعلّق التكليف ذا عنوان معين وجب التعيين، سواء كان التكليف واحدا أو متعددا، ومتى لم يكن له عنوان معين وتعدد التكليف وتوقف امتثال التكليف المتعدد على التعيين وجب التعيين وإلّا فلا.

العبرة في لزوم التعيين بتعدد الواجب وأن يكن لكل منهما عنوان يمتاز به عن الآخر، فلو لم يكن تعدد أو كان تعدد ولم يكن له عنوان لم يلزمه التعيين، ظاهر كلامه أنّه لو يكن هناك تعدد لا يلزم التعيين وإن كان الواجب ذا عنوان.

المسألة الثانية: لا يجب قصد الاداء ولا القضاء، ولا القصر والتمام، ولا الوجوب والندب إلّا مع توقف التعيين على قصد أحدهما، بل لو قصد احد الامرين في مقام الآخر صّح إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق، هذه عبارة صاحب العروة «قده»، كأن قصد امتثال الامر المتعلّق به فعلا، وتخيل أنّه ادائي فبان قضائيا او بالعكس، او تخيل أنّه وجوبي فبان ندبيا او بالعكسِ، وكذا القصر او التمام فإنّه يصح في هذه الصور، وأمّا إذا كان على وجه التقييد فلا يكون صحيحا كما إذا قصد امتثال الأمر الادائي ليس إلّا، او الامر الوجوبي ليس إلّا فبان الخلاف، فإنّه باطل، هذه المسألة من جملة فروع الخلل في النية وسيّدنا «قده» علّق على هذه المسألة، أي على كلام صاحب العروة فيها.

فأفاد «قده» أمورا في البين:

الأمر الأوّل: إنّ الخصوصية تارة تكون من خصوصيات الأمر، وتارة تكون من خصوصيات المأمور به، وتارة تكون من خصوصيات مقام الامتثال من دون أن تكون مأخوذة لا في الأمر ولا في المأمور به.

ونحن نبدأ بالعكس: فإن كانت الخصوصية من شؤون مقام الامتثال، من دون أن تكون ماخوذة شرعا في الأمر او المأمور به مثل: خصوصية كون اليوم من رمضان، فإنّ كون اليوم من رمضان خصوصية من شؤون مقام الامتثال، أي متى ما صام المكلف في رمضان كان الصوم من شهر رمضان، لكنّ كونه في رمضان لم يؤخذ لا في الأمر ولا في المأمور به؛ إذ المطلوب هو الصوم القربي في نهار رمضان، التفت إلى أنّه من رمضان أو ظن أنه من شعبان لا يخصنا، فكونه من رمضان ليس خصوصية مأخوذة لا في الأمر ولا في المأمور به، إذاً فلا يجب قصد هذه الخصوصية ولا تعيينا، أو كونه اليوم الأول من رمضان، أو كونه الركعة الاولى من الصلاة، فإنّ كون الركعة أولى من شؤون مقام الامتثال، فإن متى ما اتى بأوّل ركعة صدق عليها أنّها ركعة أولى، لكن لم يؤخذ كونها اولى لا في الأمر ولا في المأمور به؛ لذلك لا يجب تحديد ما هي الركعة، وأمّا إذا كانت الخصوصية من خصوصيات الأمر لا المأمور به، كما مثّل لهذا في هذا المثال، كما «في اتصاف الأمر في كونه وجوبيا او كونه ندبيا» يقول: فإنّ الوجوب والندب من صفات الامر لا من صفات المأمور به، وإنما يتصف المأمور به بكونه واجبا او ندبا بالتبع لا بالاصالة، وإلّا فالذي يتصف بالاصالة بالوجوب أو الندب نفس الأمر، امر وجوبي او امر ندبي، فإذا كانت الخصوصية من صفات نفس الأمر لا يجب قصدها، فيكفي أن يقصد امتثال أمر المولى، التفت إلى كونه وجوبيا أو ندبيا أو لم يلتفت، فإنّ الامر أمر سواء كان وجوبيا أو ندبيا، وأمّا إذا كان الخصوصية من صفات المأمور به فهنا يجب قصدها كعنوان «الظهرية» و«العصرية» وعنوان فريضة الفجر ونافلة الفجر، وعنوان الأداء والقضاء، فإنّ العنوان إذا كان مأخوذا في المأمور به حيث إنّ الأمر ما تعلّق بالأربع بما هي أربع بل تعلّق بالأربع بما هي ظهر، وبالتالي فلابد من قصد الظهرية؛ إذ ما لم يقصد الظهرية لم يقع ما أتى به مصداقا للمأمور به، فإنّ المأمور به عنوان الظهرية.

هذا هو الأمر الأوّل وهو التقسيم الذي ذكره، هنا اختلف تعبيره في أحد تقريريه - يعني تعليقنا على هذا المطلب - ِأنّه اختلف تعبيره في احد تقريره عن تقرير الآخر، ففي أحد التقريرين قال: الوجوب والندب من صفات الأمر، ولأجل أنّهما من صفات الأمر فلا يجب قصدهما، ولكنه أفاد في تقرير بحث الصوم أنّ الوجوب والندب أصلاً ليس من صفات الأمر، يعني الوجوب والندب مثله مثل كون اليوم من شهر رمضان، لم يؤخذ الوجوب والندب لا في المأمور به ولا في الأمر أصلاً، قال في تقرير باب الصوم جزء 21 من الموسوعة في صفحة 25: وكيف ما كان فليس الوجوب والاستحباب مثل الأداء والقضاء، فإنّهما من خصوصيات الأمر - يعني الوجوب والندب من خصوصيات الأمر - وهذان - أي الأداء والقضاء - من خصوصيات المأمور به وهذا هو الفارق الموجب للزوم تعلّق القصد بالثاني، يعني الأداء والقضاء دون الأوّل يعني الوجوب والندب فلا يُقاس أحدهما بالآخر، هذا مسلك على المشهور - يعني كون الوجوب والندب من صفات الأمر على مسلك المشهور - من كون الوجوب والاستحباب مجعولين شرعا، وأمّا على ما هو التحقيق من أنهما بحكومة العقل - لا يوجد وجوب ولا ندب - غاية ما في الأمر إن ورد ترخيص في الترك العقل يقول لا يلزم لأنّه رخصّ، حكم العقل بأنّه لا يلزم سُمي ندب، وإذا لم يرد ترخيص في الترك العقل يقول يلزمك قضاء لحق المولوية، وسُمي هذا الحكم العقلي بالوجوب، فالوجوب والندب ليسا إلّا حكمين عقليين وليسا من المجعولات الشرعية، وبالتالي هما ليس من صفات الأمر، فعدم وجوب قصدهما اوضح لأنّهما اصلا ليسا مجعولين شرعيين؛ إذ ليسا من خصوصيات الامر ولا من خصوصيات المأمور به. هذا الامر الاول في كلامه.

الأمر الثاني: قال ومنه تعرّف الحال في الأداء والقضاء، وأنّ المأمور به فيهما - أي في الاداء والقضاء - حقيقة واحدة، غاية الامر أنّ الاول - أي الاداء - مشروط بالوقوع في الوقت، وبعد خروجه تلغو الخصوصية أي خصوصية الوقت ويبقى الامر بالطبيعية ولو بامر جديد من غير أن يتقيد بالوقع خارج الوقت، يعني ليس المطلوب بعد انقضاء الوقت الصلاة بقيد كونها خارج الوقت، كيف وهو - أي كونها خارج الوقت - لازم عقلي وامر ضروري غير اختياري، لابد منه فلا موقع لمراعاة التقييد فيه.

وبالجملة: فالاداء شرط مأخوذ في الطبيعة كسائر الشرائط كالطهارة من الخبث والاستقبال وهي برمتها شروط توصلية لا يجب قصدها، فلا يجب قصد الاستقبال ولا يجب قصد... المهم أن تقع، كذلك كون الصلاة في الوقت خصوصية توصلية لا يجب قصدها، وأمّا القضاء فالامر فيه اوضح؛ لما عرفت من أنّ خصوصية الوقوع خارج الوقت لم تكن قيدا شرعيا في المأمور به ليلزم قصده فإنّما هو عقلي محض، فتحصل: أنّه لا تُعتبر مراعاة شيء من الخصوصيات المزبورة لا الاداء ولا القضاء، ولا القصر ولا التمام، ولا الندب، إلّا إذا توقف التعيين عليه كما لو تعدد الأمر.

ظاهر كلامه هنا أنّ الاداء والقضاء لا يجب قصدهما، أمّا الاداء فلأنه قيد توصلي وأمّا كون الصلاة خارج الوقت فلأنه لازم عقلي ضروري وهذا ما ذكره صفحة 14 في جزء 14 من الموسوعة، بقلم شيخنا الشهيد المرحوم استاذنا الشيخ مرتضى البروجردي «قده»، نفس الشيخ مرتضى البروجردي في جزء 23 من كتاب الصوم يقول تعليقا على كلام صاحب العروة فصاحب العروة لم يختلف كلامه هناك قال لا يجب قصد الاداء والقضاء وهنا في الصوم قال لا يجب قصد الاداء والقضاء فلم يختلف كلامه، أما السيّد الخوئي فقال: أمّا التعرض للاداء والقضاء فمما لا بد منه، لابد أن يقصد الاداء او القضاء، ضرورة اختلاف متعلّق احدهما عن الآخر، فإنّ الأوّل يعني الاداء، هو العمل المأتي به في الوقت المضروب له، والثاني هو العمل خارج الوقت وقد تعلّق به أمر آخر على تقدير ترك الأوّل فهنا متعددان أمراً ومتغايران متعلّقا، وإذا تعدد المأمور به فلا مناص من قصده؛ ليمتاز عن غيره.

فلو صام وهو لا يدري أنّه أداء او قضاء، مثلاً: لا يدري اليوم شهر رمضان أو لا فلا يدري اداء او قضاء، أو أنّ العيد صار أو لم يصر لا يدري عن شيء، فإن قصد الأمر الفعلي فهذا يُعتبر تعيين للمأمور به أداء أو قضاء، أمّا لو قصّد أحدهما مرددا او معينا ثم انكشف الخلاف بطل لعدم تعلّق القصد بالمأمور به، لازم هذا الكلام أنّه لو أنّ شخصا غافل عن مسألة القضاء والأداء واتى بالصوم شكرا لله أو رجاء فإنّه لا يقع لا اداء ولا قضاء إذ لابد من قصدهما ولو اجمالا وهو لم يقصد أي منهما ولو إجمالا، وكرر هذا السيّد الخوئي حيث قال في صفحة 25: «وكيف ما كان فليس الوجوب والندب مثل الأداء والقضاء فإنهما - الوجوب الندب - من خصوصيات الأمر وهذان من خصوصيات المأمور به، وهذا هو الفارق الموجب للزوم تعلّق القصد بالثاني - أي الأداء وا لقضاء - دون الأول فلا يُقاس أحدهما بالآخر.

إذاً بالنتيجة: ما هو الصحيح هل ما ذُكر في الجزء الرابع عشر من أنّ الأداء والقضاء أي أن المتعلق للأمر الأدائي والقضائي واحد حقيقة وليس متعد؟ غاية ما في الباب اُعتبر فيه إيقاعه في الوقت، كقيد توصلي إنّ لم تأتي بذلك فاتي به خارج الوقت، فكونه في الوقت مجرد قيد توصلي وكونه خارج الوقت لازم عقلي، أو أنّ المتعلّق للأمر القضائي والأدائي مختلف حقيقة، فهذا مقيد شرعا بأن يكون في الوقت وذاك مقيد أن يكون خارج الوقت.

والحمد لله رب العالمين