أصالة التخيير

الدرس 38

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في جريان البراءة العقلية عند دوران الامر بين المحذورين الوجوب والحرمة، وذكرنا انه في منع البراءة العقلية وجوها ووصل الكلام الى الوجه الالثالث وهو ما افاده سيد المنتقى ومحصله بذكر امور ثلاثة:

الامر الأول: ان المقوم للحكم هو الداعوية الاقتضائية فلا يكون الخطاب حكما حتّى يكون واجدا لاقتضاء الداعوية والباعثية، وعليه لا حكم في موارد العجز لان الخطاب في موارد العجز ليس واجداً لاقتضاء الداعوية.

وفي المقام وهو دوران الامر بين المحذورين، أي الزام منهما سواء كان الزاما بالفعل او بالترك فهو فاقد لاقتضاء الداعوية، والوجه في ذلك اقتران احتمال كل منهما باحتمال ضده، فاحتمال الوجوب مقترن باحتمال الحرمة، والعكس ايضا، فحيث ان احتمال كل من الالزامين مقترن باحتمال ضده وجدانا، فكل من المحتملين لا داعوية له حتّى اقتضاءً لاقتران احتماله باحتمال ضده، وحينئذٍ فكل من المحتملين لو كان موجودا واقعا فهو خطاب لا داعوية له حتّى اقتضاءً لاقتران احتماله باحتمال ضده،

الامر الثاني، ان عدم منجزية هذا الحكم سواء كان وجوبا او حرمة، لا لوجود المانع بل لفقد المقتضي، والسر في ذلك ان هذا الحكم لا اقتضاء فيه للداعوية نظير المصلحة والمفسدة المتساويتين.

مثلاً لو فرضنا ان شرب الماء واجد لمصلحة ومفسدة متساويتين، فان كلا منهما لا اقتضاء فيه للجعل، لا انه يوجد المقتضي ولكن المانع موجود بل من الاصل لا اقتضاء فيه فان مساواة المصلحة للمفسدة رافع لاقتضائها لجعل الحكم فيقال في مورد تساوي المصلحة والمفسدة ان عدم الحكم لا لأجل المانع بل لأجل عدم المقتضي فكذلك في المقام فان عدم منجزية الحكم لأجل ان لا اقتضاء للداعوية لا لأجل وجود المانع.

الامر ال 3 ان ما لا اقتضاء فيه للداعوية لا يعقل جعله اصلا، فلا حكم واقعي في هذه الموارد فضلا عن ان نبحث في منجزيته وعدمها او نبحث في معذريته وعدمها، فان العاقل الملتفت اذا التفت الى ان هذا الخطاب فاقد لاقتضاء الداعوية لم يتأتى منه القصد الجدي للجعل، نظير من كان ملتفتا الى ان الطيران ممتنع في حقه فلا يعقل ان يحصل منه قصد جدي للطيران مع التفاته الى امتناعه.

فكذلك المولى اذا التفت الى ان هذا الخطاب الذي يريد ان يجعله خطاب ليس بحكم لأنّه فاقد لاقتضاء الداعوية فلا يتصور منه قصد جعله قصدا حقيقيا، والنتيجة انه لا حكم واقعي اصلا في موارد دوران الامر بين المحذورين، فكما لا منجز لانتفاء موضوع المنجزية لا معذر، بمعنى ان جريان البراءة العقلية لأنها معذر عما يمكن ان يكون منجزا، فجريان المعذر فرع وجود مقسم يمكن ان يكون منجزا ومعذرا والمفروض ان المقسم منتف اذ لا حكم في البين، فالبراءة العقلية منتفية بانتفاء موضوعها كمنجزية العلم الاجمالي فإنها منتفية بانتفاء موضوعها.

ولا يرد عليه انه كيف يخلو الواقع من المنجز والمعذر اذ الجواب انه هذا من موارد القطع بالواقع وموارد القطع بالواقع أي موارد القطع بانتفاء الحكم واقعا لا منجز فيها ولا معذر عقليا.

فكما ان العقل لو قطع بحلية شرب التتن مثلاً فانه مع قطعه بذلك لا معنى للمنجز والمعذر بالبراءة العقلية، وهنا ايضا العقل قاطع بانتفاء الحكم وعليه لا منجز ولا معذر عن طريق البراءة العقلية.

هذا هو الوجه ال 3 الذي افاده في المنتقى.

الوجه ال 4 ما ذكره سيد المنتقى نفسه ومحصله مقدمتان:

الاولى ان المصحح للحكم أي الغرض العقلائي الذي بواسطته يكون جعل الحكم حسنا بنظر العقلاء، هو ترتب اثر على الحكم اما تحصيل ثواب او ترتب عقاب او تحصيل مصلحة او دفع مفسدة، فالحكم الذي ليس له اثر لا مصحح لجعله والحكم في المقام ليس له اثر اذ المفروض ان لا داعوية له حتّى اقتضاءً فلا يترتب عليه اثر.

المقدمة ال 2 ان ما لا اثر له لا مصحح له فجعله لغو لا اننا نقول كما قلنا في الوجه ال 1 ان جعله محال، بل نقول جعله لغو تنزلا.

والخلاصة، ان هذه المسالة أي ان الحكم هل هو منجز او معذر بلا وجه، لأنّه لا يوجد حكم واقعا في موارد دوران الامر بين المحذورين، فالمسالة منتفية بانتفاء موضوعها.

وهنا تعليقان يرتبطان بكلامه:

التعليق الاول: ان ما افيد محل تأمل نقضا وحلا، اما نقضا فبموارد قيام الامارة الملزمة على الخلاف، فلو فرضنا ان صلاة الجمعة واجبة واقعا فقامت الامارة على حرمتها او بالعكس، فان الحكم الواقعي هنا لا اقتضاء فيه للداعوية لقيام امارة ملزمة على خلافه بحيث يتعين على المكلف ان يعمل بالأمارة لأنها حجة شرعية على الالزام، فاذا كان الحكم الواقعي لا اقتضاء فيه للداعوية، فهل يلتزم بارتفاع الحكم واقعا فلا حكم في حقه الا طبق ما قامت عليه الامارة.

واما حلا فتارة يكون مقصود السيد ان جعل حكم خاص بدوران الامر بين المحذورين أي جعل حكم في هذا الفرض ممتنع، او لغو، فربما يكون له وجه اذا كان هذا مقصوده وان كان سيأتي التأمل فيه.

واما ان كان مقصوده ان الحكم الواقعي لا يشمل هذا الفرض، أي ان الحكم الواقعي لوجوب النفقة على الاولاد لا يشمل فرض ما اذا دار امر النفقة بين الوجوب والحرمة، فلو فرضنا ان الولد قد ارتد واحتمل الوالد ان النفقة حرام او واجبة، فان الحكم الواقعي لا يشمل هذا الفرض.

فاذا كان هذا المقصود فالإشكال عليه بانه لا مانع من اطلاق الحكم الواقعي لمثل هذا الفرض، لان الاطلاق اما عبارة عن عدم لحاظ القيد بلحاظ ان التقابل بين التقييد والاطلاق تقابل السلب والايجاب فالإطلاق ليس فعلا للمولى اصلا وعليه لا معنى لان نقول عنه انه ممتنع او لغو اذ الاطلاق هو عدم لحاظ القيد أي ان المولى لمّا لاحظ وجوب النفقة على الولد لم يلحظ تقيد ذلك بفرض عدم دوران الامر بين المحذورين.

واما اذا قلنا ان الاطلاق كما ذهب اليه السيد الخوئي هو لحاظ عدم القيد لان الاطلاق هو رفض التقييد في مورد قابل للاطلاق والتقييد.

فاذا كان الاطلاق امرا وجوديا أي الرفض ولحاظ عدم القيد، فيكفي في صحته ترتب اثر من الآثار ولعل ذلك الاثر وجوب القضاء اذا انكشف له الحكم الواقعي وكان قابلا للقضاء، كما في مورد النفقة فاذا احتمل وجوب النفقة على المرتد واحتمل حرمتها، فيكفي في فعلية وجوب النفقة واقعا انه لو انكشف ان الحكم هو الوجوب لكان الامر قابلا للقضاء، فاذا كان مقصود السيد ان جعل حكم في خصوص هذا الفرض ممتنع ربما يكون له وجه، واما ان كان مقصوده ان الاحكام الواقعية المفروغ عن جعلها لا اطلاق له لهذا الفرض فهذا ممنوع.

الامر الثاني هناك فرق بين ما ذكرناه وذكره المحققان العراقي والاصفهاني وبين ما ذكره سيد المنتقى فالمحققان افادا ان العلم الاجمالي أي العلم اما بالوجوب او بالحرمة ليس منجزا لا لعدم بيانيته، هو بيان!، بل لأجل قصور القدرة فان منجزية العلم فرع القدرة على الموافقة القطعية او المخالفة القطعية، فاذا كان المكلف عاجزا عنهما فالعلم الاجمالي ليس منجزا والا فهو بيان في حد ذاته.

واما الوجه الذي اخترناه فهو ان العلم الاجمالي ليس بيانا من الاصل، لا انه بيان لكنه ليس منجزا لعدم القدرة على الموافقة والمخالفة بل العلم الاجمالي المتعلق باحتمال النقيضين ليس بيانا.

والسيد الروحاني يقول اصلا لا حكم فضلا عن كون العلم الاجمالي بيانا له او لا.

الا ان هناك فرقا ذكر في بحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بين الفعلية بمعنى فعلية الداعوية وبين الفعلية بمعنى ترتب الاثر، فمثلا افاد صاحب الكفاية في بعض عبارات الكفاية ان الحكم الواقعي فعلي لكن لا من تمام الجهات فهو فعلي من جهة ليس فعليا من جهة، واختلف في بيان مقصود، ومن التفسيرات لمقصوده ان الفعلية تارة بمعنى وجدان الحكم للداعوية والباعثية، واخرى بمعنى ان الحكم له اثر ام لا.

فالفعلية بمعنى واجدية الحكم لاقتضاء الداعوية منفية في فرض دوران الامر بين المحذورين، او منتفية في فرض قيام امارة ملزمة على خلاف الحكم، ولكن هل هذا يعني انتفاء الفعلية بمعنى ترتب الأثر؟ أي لا اثر لهذا الحكم ولذا ذهب الشيخ الانصاري في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ان الحكم الواقعي انشائي بمعنى انه لا فعلية له لا بمعنى عدم الداعوية بل بمعنى عدم الاثر.

واشكل عليه هناك ان الفعلية المنتفية في الحكم الواقعي، الفعلية بالمعنى ال 2 وهو انتفاء الداعوية لا بمعنى عدم الاثر، والا فيكفي في فعلية الحكم الواقعي عند قيام حكم ظاهري بمعنى ترتب الاثر اما امكان الاحتياط في موارد امكانه فيكفي حسن الاحتياط اثرا او ترتب الثواب لعل هذا المكلف في موارد دوران الامر بين المحذورين يختار جانب الفعل ويكون مصيبا للواقع فيترتب عليه الثواب.

او يكفي في فعلية الحكم الواقعي انه لو انكشف وكان قابلا للقضاء تعين عليه القضاء.

اذا فلا معنى لدعوى امتناع جعل الحكم واقعا ما دام له فعليه بمعنى الاثر وان لم يكن له فعليه بمعنى الداعوية.

فلذلك لما نقول ان العلم الاجمالي ليس بيانا لأنّه لم يتعلق بحكم فعلي المراد الفعلية أي الداعوية الاقتضائية لا انه لم يتعلق بحكم ذي اثر.