أصالة التخيير

الدرس 41

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الكلام في المانع العقلائي من شمول ادلة البراءة لفرض دوران الامر بين المحذورين، وبيان ذلك بذكر مقدمتين:

الاولى: ان تلازم النقيضين الفعل والترك في الخطور في الذهن بحيث لا يصدق الذهن اجتماعهما في صفة من الصفات، يؤدي الى انه لا يعقل ان يكون الفعل والترك موردا لحكم واقعي كالوجوب مثلاً او الحرمة، او لحكم ظاهري الزامي بان يكون المكلف مأمورا بالاحتياط الالزامي في الفعل والترك معاً فان هذا غير محتمل.

انما الكلام في ان دليل الاحتياط هل له شمول لفرض دوران الامر بين المحذورين ام لا؟

فتارة نتكلم هل ان المولى يمكن ان يجعل وجوب الاحتياط في مورد دوران الامر بين المحذورين، بان يجعل الوجوب في هذا المورد، نقول هذا غير معقول لا يمكن ان يتصف النقيضان بصفة 1، سواء كانت حكما واقعيا ام ظاهريا اذا كان الحكم الزاميا.

ولكن كلامنا ليس في جعل وجوب الاحتياط في فرض دوران الامر بين المحذورين، وانما كلامنا على فرض وجود دليل الإحتياط في رتبة سابقة بان فرضنا ان المولى قال متى حصلت شبهة حكمية تحريمية او وجوبية فالوظيفة الشرعية هي الاحتياط، فلو فرضنا ان هناك دليل يدل على وجوب الإحتياط شرعا في الشبهة الحكمية التحريمية والوجوبية والكلام في شمول ذلك الدليل لدوران الامر بين المحذورين لا في وجوب الاحتياط مباشرة فهذا غير معقول جزما

فان قلنا بالانحلال في مرحلة الجعل، بمعنى ان كل دليل ينحل الى وجوبات عديدة بعدد الموارد فينحل من دليل وجوب الإحتياط وجوب في هذا المورد فيرجع الاشكال مرة اخرى بان الذهن لا يعقل ولا يصدق انبساط وجوب الاحتياط في هذا المورد، وهو مورد دوران الامر بين المحذورين، فالاشكال هو الاشكال ويصير المانع مانعا ثبوتيا.

واما اذا افترضنا ان الادلة لا تنحل في مرحلة الجعل، اذا فعندنا دليل يقول اذا حصلت شبهة حكمية تحريمية او وجوبية فالوظيفة هي الاحتياط ونحن لا ندري هل ذلك الدليل مطلق فيشمل فرض دوران الامر بين المحذورين ام لا، فنقول سواء فسرنا الاطلاق بعدم لحاظ القيد الذي هو مبنى السيد الصدر او فسرنا الاطلاق بلحاظ عدم القيد الذي هو مبنى السيد الخوئي على كل تفسير هذا الاطلاق ليس له اثر عملي في فرض دوران الامر بين المحذورين، لان شمول هذا الاطلاق لكلا الطرفين الفعل والترك غير معقول، وشمول هذا الاطلاق لاحد الطرفين بعينه ترجيح بلا مرجح، وشمول هذا الاطلاق لاحد الطرفين لا بعينه لا اثر له لان غاية ذلك الموافقة الاحتمالية فان الشارع لو قال احتط بأحدهما أي غاية ذلك انك لو اخذت جانب الفعل، فقط او اخذت جانب الترك فقط فلم يحصل ازيد من الموافقة الاحتمالية التي هي حاصلة من الاول قال الشارع ام لم يقل، فالنتيجة ان اطلاق دليل الاحتياط لفرض دوران الامر بين المحذورين لا اثر له.

هذه هي المقدمة الاولى

المقدمة الثانية ان مفاد ادلة البراءة الشرعية الرفع أي رفع الحكم في مرحلة الظاهر وانما يصح الرفع لدى المرتكز العقلائي اذا صح الوضع وحيث ان شمول دليل الاحتياط لهذا المورد مما لا اثر له اذا هو غير عقلائي فحيث لا يصح الوضع عقلائيا في هذا الفرض لا يصح الرفع، فالنتيجة ان المانع من شمول دليل البراءة لفرض دوران الامر بين المحذورين مانع عقلائي.

هذا بناءً على ان الادلة ليس فيها انحلال في مرحلة الجعل والا لكان المانع ثبوتيا لا عقلائيا

اما المانع الاثباتي

اذا افترضنا انه لا يوجد مانع عقلي من شمول دليل البراءة لدوران الامر بين المحذورين، ولا يوجد مانع عقلائي من الشمول بقي الامر هل ان الادلة اثباتا لها شمول ام لا، فهنا افاد السيد الشهيد وجهين لبيان المانع الاثباتي أي صور الادلة اثباتا عن الشمول لفرض دوران الامر بين المحذورين.

الوجه الأول: قال ان المنساق من ادلة البراءة سواء كان مفادها الحلية بالمدلول المطابقي كقوله كل شيء حلال ام مفادها الحلية بالمدلول الالتزامي كقوله ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فان قوله موضوع عنهم ظاهر في الترخيص وارخاء العنان «فلا يصغى الى ما اشكل عليه من ان ما افاده لا يشمل حديث الحجب فانه يدل على الترخيص بمقتضى قوله انه موضوع عنهم».

فسواء كان مفادها الحلية بالمدلول المطابقي او بالالتزامي، فان المنساق من جعل الحلية انها علاج للتزاحم بين الغرض الترخيصي والغرض الالزامي، فان كان هناك احتمال لغرضين، غرض ترخيصي والزامي فان الشارع يرجح الغرض الترخيصي على الالزامي بجعل الحلية، فلا شمول لها لحال التزاحم بين غرضين لزوميين، وجوب وحرمة، ففرض دوران الامر بين المحذورين خارج موضوعا عن مفاد ادلة البراءة،

فان قلت: اذا الشارع ضحّى بالغرض اللزومي الوجوبي لأجل غرض ترخيصي فمن باب اولى لأجل غرض تحريمي.

قلت: هذه الاولوية ممنوعة لان كلامنا انه اذا تقابل غرض لزومي وترخيصي كان الترخيصي ارجح هذا لا يعني انه لو تقابل غرضان لزوميان كان احدهما مرجوحا بالنسبة للاخر فلا ملازمة بين الامرين.

وما ذكره يتم اذا سلمنا ان المنساق من ادلة البراءة انها في علاج التزاحم بين الغرض الترخيصي والغرض اللزومي، واما اذا قلنا ان المنساق من ادلتها هو بيان المعذريّة، وانه متى احتمل الالزام فهو معذور، ولو كان في جعل المعذرية غرض أي الغرض في الجعل نفسه وهو غرض التسهيل على العباد فاذا كان هذا هو المنساق منها فلا قصور فيها في الشمول للغرضين اللزومين، بان يقول الشارع كل احتمال على حده معذور من جهته فانت معذور من جهتهما.

الوجه الثاني للمانع الاثباتي، قال الوجه ال 2 في حديث الرفع حيث قال رفع عن امتي ما لا يعلمون، الموصول وهو ما هل يراد به العنوان المجهول او يراد به واقع الحكم المجهول، فهنا مطلبان الاول: لو اريد بما لا يعلمون العنوان المجهول فدليل الرفع يشمل دوران الامر بين المحذورين فان عنوان الوجوب مجهول وكذا عنوان الحرمة فلا مانع من الشمول

اما لو اريد بالموصول ما لا يعلمون واقع الحكم المجهول فان واقع الحكم هنا 1 وليس متعدد لأننا نعلم بوجود الزام 1 اما بالفعل او بالترك فليس لدلينا رفعان بل 1 فلا معنى لإجراء البراءة عن الوجوب واجرائها عن الحرمة وانما يصح اجراء البراءة عن ذلك الالزام ال 1 وحيث ان ذلك الإلزام ال 1 المجهول لا يمكن وضعه على المكلف لأنّه لا يمكن موافقته القطعية ولا يمكن مخالفته القطعية، وموافقته الاحتمالية حاصلة بالضرورة اذا فذاك الالزام الواقعي ال 1 مما لا يمكن وضعه وعليه لا يمكن رفعه، واذا حيث ان المستفاد من دليل البراءة رفع الحكم الواقعي لا رفع عنوانه فلا يشمل دوران الامر بين المحذورين.

المطلب ال 2 أي التفسيرين اصح ان نقول ان مراد بالموصول العنوان المجهول ام واقع الحكم المجعول قال الثاني هو الاصح، من جهة ان ما هو موطن الادانة من قبل المولى هو واقع الحكم لا عنوانه، وحيث ان سياق دليل البراءة التامين مما هو موطن الادانة فمنصرفها التامين عن واقع الحكم.

وثانيا ان حديث الرفع لم يقل رفع عن امتي ما لا يقطعون به، قال ما لا يعلمون وفرق بين العلم والقطع فان القطع يشمل الجهل المركب ولكن العلم هو خصوص انكشاف الواقع وبالتالي فحديث الرفع ناظر الى الواقع المجهول لا لعنوانه فكونك غير قاطع بعنوانه لا ربط له بحديث الرفع المهم انك جاهل بالواقع فما يكون مقسما للعلم والجهل هو واقع الحكم واما العناوين هي مقسم للقطع او الشك، وقد لا تكون مما لا واقعية لها في نفسها فالنتيجة ان منظور حديث الرفع لواقع الحكم، وحيث ان واقع الحكم وضعه فلا يمكن رفعه.

ولكن يلاحظ على كلامه بانه سواء قلنا بان منظور حديث الرفع الواقع او العنوان على أي حال نحن نعلم بالزام ولا ندري ان ذلك الالزام واقعا ينطبق على الوجوب او على الحرمة، فالشك ذو طرفين وليس طرفا 1، فواقع الانطباق مجهول لدينا، وواقع الانطباق مردد بين طرفين ان ينطبق على الوجوب او الحرمة فحتى لو فسرنا ما لا يعلمون بانه ناظر الى واقع الحكم فان واقع الحكم مردد بين طرفين لأنّه يحتمل انطباق ذلك الحكم الواقعي على الوجوب ويحتمل انطباقه على الحرمة فتجري البراءة عن الاول وعن ال 2، فما ذكره من الوجهين لبيان المانع الاثباتي محل تأمل.

والصحيح ما اخترناه من المانع العقلائي بناءً على عدم انحلال الادلة الاحكام والا فبناءا على الانحلال فيكون المانع ثبوتيا كما ذكرنا ذلك في البراءة العقلية.