أصالة التخيير

الدرس 52

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ارود على كلام الكفاية، اولا بان نسبة الاحتمال كما تقوى بفرض قيام الحجة بخبر الثقة مثلاً، حيث ان نسبة احتمال الاصابة في خبر الثقة اقوى من نسبة احتمال الاصابة في الخبر الضعيف، فكذلك تقوى نسبة الاحتمال اذا كان الاحتمال مستندا الى العلم الاجمالي فانه اذا كان العلم الاجمالي متعلقا بشبهة محصورة كانت نسبة الاحتمال في اطرافه اقوى من نسبة الاحتمال في الشبهات البدوية، او الشبهة غير المحصورة، وثانيا، كما ذكر المحقق الاصفهاني ان هناك فرقا بين الموضوع وبين الشرط، وصاحب الكفاية جعل ما هو الشرط مقتضيا

بيان ذلك انه اذا اراد الشارع جعل الحجية لخبر الثقة فان حجية خبر الثقة لها مقتضي وشرط فالمقتضي لحجية خبر الثقة هو حفظ مصلحة الواقع، بناءً على الطريقية اما احتمال اصابة الواقع لكون المخبر ثقة فهذا شرط وليس هو المقتضي فما هو المقتضي لجعل الحجية للخبر هو حفظ مصلحة الواقع، واما كونه يحتمل الاصابة للواقع معتدا به فهذا شرط في جعل الحجية وعليه اذا تعارض الخبران وكلاهما خبر ثقة فلا معنى لان نقول بان المقتضي لجعل الحجية موجود فيهما، حيث قال في الكفاية اذا تعارض خبرا الثقة فهنا مقتضيان والمقتضيان هما احتمال اصابة الواقع في كل منهما، فحيث وجد مقتضيان لزم على المكلف ان يلتزم بكليهما، وحيث لا يمكنه الالتزام بكليهما تعين الالتزام باحدهما فإنما وجب الالتزام باحدهما لوجود مقتضيين وهذا غير متوفر في دوران الامر بين المحذورين، لأنّه لا يوجد مقتضيان بل لا يوجد الا احتمال الوجوب واحتمال الحرمة، فالمحقق الاصفهاني يشكل عليه بان المتوفر في كل من الخبرين المتعارضين هو الشرط لان احتمال الاصابة شرط وليس مقتضيا واما المقتضي لجعل الحجية فهو حفظ مصلحة الواقع، وحيث ان مصلحة الواقع في الخبرين المتعارضين واحدة اذ لا يعقل صدقهما معا مع تعارضهما فلا محالة لا يوجد الا مقتضي واحد فلا فرق حينئذٍ بين الخبرين المتعارضين ودوران الامر بين المحذورين، في انه لا يوجد في كلا الطرفين الا مقتضي واحد، فلا معنى لتعليل التخيير في الخبرين المتعارضين بوجود مقتضيين.

هذا تمام الكلام في الاستدلال بما ورد من وجوب الالتزام باحد الخبرين المتعارضين لإثبات وجوب الالتزام باحد المحتملين عند دوران الامر بين المحذورين.

وهناك وجه اخر وهو سحب التخيير العملي بين الخبرين المتعارضين لدوران الامر بين المحذورين حيث ذكرنا فيما سبق ان الاعلام اختلفوا في مفاد روايات التخيير فقال بعضهم بان مفادها التخيير الاصولي، ومعناه وجوب الالتزام باحد الخبرين، وبناءً على ذلك جاء الكلام السابق والمناقشة فيه، وهناك من حمل روايات التخيير، على التخيير الفقهي بمعنى ان للمكلف ان يطبق عمله على احدى الفتويين، او احد الخبرين المتعارضين، فيقال كما ان اخبار التخيير دلت على انه في فرض تعارض الحجيتين فللمكلف ان يطبق عمله على أي منهما فيسري هذا الحكم الى دوران الامر بين المحذورين فنقول بان ملاك التخيير العملي الموجود في الخبرين المتعارضين موجود في دوران الامر بين المحذورين،

فان قلت ان العقل حاكم في دوران الامر بين المحذورين بالتخيير فبعد حكم العقل بالتخيير اذا فجعل التخيير من قبل الشارع في مورد دوران الامر بين المحذورين كما جعله في تعارض الخبرين يكون لغوا وتحصيلا للحاصل اذ ما دام العقل حاكما بالتخيير في فرض دوران الامر بين المحذورين، فجعل التخيير شرعا كما هو المستفاد من اخبار التخيير لغوا فالنتيجة هي انه لا معنى لتسرية التخيير العملي من الخبرين المتعارضين الى دوران الامر بين المحذورين.

قلنا بانه بما ان الملاك 1 الا وهو الحيرة بعد قيام حجة على احد المحتملين ففي الخبرين المتعارضين قامت حجة على احد الحكمين اما وجوب الجمعة تعيينا او وجوب الظهر تعيينا فلأجل قيام الحجة على احد المحتملين حينئذٍ تعين على المكلف ان يطبق عمله على أي منهما وفي المقام ايضا حيث قام العلم الاجمالي وهو حجة عقلية على احد المحتملين اما الوجوب او الحرمة كان للمكلف ان يطبق عمله على أي منهما، ومسالة ان ان التخيير الشرعي في مورد التخيير العقل لغو لا صحة لها لأنّه يكفي في رفع اللغوية التاكيد وتقوية التامين، فانه وان كان امنا بالتخيير العقلي الا انه يزاد امنا بالتخيير الشرعي

ولكن يلاحظ على هذه المحاولة اولا ان التخيير في دوران الامر بين المحذورين ليس من قبيل التخيير الشرعي ولا من قبيل التخيير العقلي اصلا.

بيان ذلك ان التخيير الشرعي بين طرفين هو عبارة عن الالزام بالجامع فمتى ما خيرك الشارع بين طرفين كالتخيير بين خصال الكفارة فمعنا انه يلزمك بالجامع فمرجع التخيير الشرعي في أي مورد الى الإلزام بالجامع وانه ليس لك الخروج عن هذه المحتملات الى غيرها بل انت ملزم بالجامع بينها وهنا الإلزام بالجامع منتف في دوران الامر بين المحذورين لأنّه مضطر اليه.

والتخيير العقلي ايضا منتفي لان التخيير العقلي له موردان

الاول من باب التزاحم بين المتساويين فاذا وقع تزاحم بين واجبين متساويين فحيث لا يمكن للمكلف الجمع بينهما الزمه العقلي باحدهما.

والمورد الثاني فرض منجزية العلم الاجمالي، لحرمة المخالفة القطعية، لعدم القدرة على الموافقة القطعية كما لو علم المكلف اجمالا بانه نذر هذه السنة اما الحج او زيارة الحسين في عرفة، فبعد ان علم اجمالا فهذا العلم الاجمالي لا يمكن موافقته القطعية ولكنه بما انه يمكن مخالفته القطعية، فيكون العلم الاجمالي منجزا لحرمة المخالفة القطعية، وان لم ينجز وجوب الموافقة القطعية لعدم القدرة عليها،

فلأجل تنجز حرمة المخالفة القطعية يحكم العقل بانه لابد من احدهما، تخلصا من محذور المخالفة القطعية،

وكلا الموردين لا ينطبقان على محل الكلام وهو دوران الامر بين المحذورين

فليس المقام من باب التزاحم ولا ان العلم الإجمالي في المقام منجز لحرمة المخالفة القطعية اذ لا قدرة على الموافقة القطعية فلا قدرة على المخالفة القطعية، والنتيجة ان دوران الامر بين المحذورين ليس موضوعا لا للتخيير العقلي ولا للتخيير الشرعي اذا، فحكم العقل في دوران الامر بين المحذورين بانه يجوز لك هذا او هذا من باب اللاحرجية لا من باب التخيير الذي مرجعه للاباحة، فكان العقل يقول بما انك مضطر لارتكاب الجامع ودفع الاضطرار باحدهما بدون مرجح فلا حرج عليك بارتكاب ايه منهما فهو ليس من باب التخيير في شيء كي يقال باننا نؤكد هذا التخيير او نقول بالتخيير الشرعي المستفاد من روايات التخيير في الخبرين المتعارضين

وثانيا لا موجب للتسرية أي تسرية التخيير من الخبرين المتعارضين لمحل الكلام ما لم نحرز وحدة الملاك، بيانه ذكر في باب التعارض انه ما افاده الاعلام من استحالة جعل الحجية للمتعارضين انما يتم بناءً على ان الحجية بمعنى العلمية فلا يعقل جعل العلمية للمتكاذبين او ان تكون الحجية بمعنى المنجزية اذ لا يعقل منجزية المتعارضين في حق المكلف.

واما ان كانت الحجية بمعنى الاخبار عن المعذرية، فكان الشارع يقول خبر الثقة حجة أي لو عملت به كنت معذورا فاذا كان مرجع الحجية لبيان المعذرية فلا مانع من جعلها للمتعارضين بان يقول الشارع أي منهما عملت به كنت معذورا اذا فمن المحتمل ان ملاك التخيير في الخبرين المتعارضين راجع الى ان الحجية فيهما بمعنى المعذرية وبما ان الحجية مرجعها الى بيان المعذرين فالعمل باي منهما على وفق القاعدة، وهذا الملاك لا يتوفر في المقام وهو دوران الامر بين المحذورين لعدم وجود حجيتن في البين كي يقال العمل باي منهما معذر

فتلخص ان جر التخيير سواء كان اصوليا او فقهيا من روايات التخيير بين الخبرين المتعارضين الى محل الكلام وهو دوران الامر بين المحذورين غير صناعي.

هذا تمام الكلام في دوران الامر بين المحذورين التوصليين مع وحدة الواقعة

التنبيه ال 2 هل يجري الاستصحاب عند دوران الامر بين المحذورين أم لا، حيث افاد السيد الشهيد بان الاستصحاب لا محذور في شموله لدوران الامر بين المحذورين لا ثبوتا ولا اثباتا اذ ليس لسانه لسان التسهيل كما هو لسان اصالة الاباحة او البراءة كي يقال بانه منصرف عن دوران الامر بين الزامين وان ظاهره دوران الامر بين الالزام والترخيص فان لسان الاستصحاب ليس كذلك وانما لسانه عدم نقض اليقين بالشك فلا يوجد مانع ثبوتي او اثباتي لدوران الامر بين المحذرين فمقتضى استصحاب عدم جعل الحرمة او الوجوب ان المكلف مطلق العنان ولكن اشكل على جريان الاستصحاب في دوران الامر بين المحذورين بوجوه

الوجه الأول ما افاده المحقق النائيني تبعا للشيخ الانصاري بان دليل الاستصحاب مذيل باليقين حيث قال لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين مثله فمقتضاه انه متى ما حصل اليقين انتفى موضوع الاستصحاب ولا فرق بين اليقين التفصيلي والإجمالي فاذا علم اجمالا بكذب احد الاستصحابين لأننا نعلم بالالزام في المقام اما الوجوب او الحرمة فاحدهما لا محالة كاذب فقد انتفى موضوع الاستصحاب لحصول العلم بالانتقاض.

الا ان الاعلام فهموا ان اليقين الناقض هو اليقين التفصيلي فلذلك اجروا الاستصحاب حتى في موارد العلم بكذب احد الاستصحابين،

الوجه الثاني ما يبتني على مسلك المحقق النائيني من ان الاستصحاب امارة والامارات المتعارضة متكاذبة في مدلولها الالتزامي فاستصحاب عدم الوجوب يتعارض بحسب المدلول الالتزامي مع استصحاب عدم الحرمة لأننا نعلم من الخارج بوجود الزام فاستصحاب عدم الوجوب يقول الكاذب هو الاستصحاب الآخر واستصحاب عدم الحرمة يقول الكاذب هو الاستصحاب الأول، فحيث يتعارضان بالمدلول الالتزامي فلا يشملهما دليل الاستصحاب لأنّه لا يمض الاستصحابين المتكاذبين فلا يجري الاستصحاب في أي من الطرفين

الا ان هنا الاشكال مبنائي فاننا اذا قلنا بان الاستصحاب اصل محرز سواء قلنا بان مفاد دليل الاستصحاب جعل المرجعية لليقين السابق كما هو مسلك السيد اصدر او قلنا مفاد دليل الاستصحاب النهي عن النقض العملي لليقين او قلنا ان مفاده جعل العلمية بقاءا كما هو راي السيد الخوئي فعلى كل حال هي مباني 3 كلها بناءً على ان الاستصحاب اصل وليس امارة وعليه حتّى لو قلنا بمسلك سيدنا وهو ان الاستصحاب جعل العلمية انما هو جعل للعلمية في حدود المدلول المطابقي فليس حجة في مدلوله الالتزامي كي يقع التعارض بين الاستصحابين في المدلول الالتزامي

الاشكال الأخير على جريان الاستصحاب في دوران الامرين بين المحذورين ما ذكرناه من المانع العقلائي فكما ان هذا المانع العقلائي مانع من جريان ادلة البراءة أو ادلة اصالة الاباحة في دوران الامر بين المحذورين كذلك هو مانع من جريان الاستصحاب الترخيصي في دوران الامر بين المحذورين

والسر في ذلك ان مفاد دليل الاستصحاب هو النفي الظاهري اذ استصحاب عدم الوجوب ليس بمعنى استصحاب عدمه واقعا وانما مرجعه الى النفي الظاهري ومرجع النفي الظاهري الى نفي المنجزية فلا فرق من هذه الجهة بين دليل البراءة ودليل الاستصحاب كما ان مفاد دليل البراءة كحديث الرفع هو نفي منجزية الواقع كذلك مفاد دليل الاستصحاب اذا كان مفاده عدميا ليس الا نفي منجزية الواقع صحيح ان مدلوله المطابقي نفي الواقع الا ان الالتزامي لكونه حكما ظاهريا هو نفي تنجز الواقع.

وهذا انما يصح لو كان تنجز الواقع محتملا اما اذا كان تنجز الواقع غير محتمل لما ذكرناه سابقا لأنّه اما ان يتنجز الجامع او يتنجز كلا الطرفين او يتنجز احدهما بعينه، وتنجز الجامع محال لاضطرار المكلف الى ترك هذا الجامع وتنجز كليهما محال لعدم قدرة المكلف على الموافقة القطعية وتنجز احدهما بعينه ترجيح بلا مرجح فحيث ان احتمال تنجز الواقع منتف بحسب المرتكز العقلائي شكل ذلك مانعا من جريان الاستصحاب لنفي تنجز الواقع بحسب مدلوله الالتزامي

فتلخص بذلك عدم جريان الاستصحاب خلافا لما ذهب اليه السيد الصدر في باب دوران الامر بين المحذورين والنتيجة اذا دار الامر بين المحذورين التوصليين مع وحدة الواقعة فليس عندنا الا حكم العقل باللاحرجية في الفعل او الترك.