رِفْقاً بالمؤمنين..

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين...

قال تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[1] 

إنَّ مفاد الآية الشريفة: أنَّ لكلِّ مؤمنٍ الولاية على المؤمن الآخر في مجال الأمر بالمعروف، ولذلك قال فقهاؤنا: أنه لا ولاية للمؤمن على غيره إلاّ في هذا المورد، فإنَّ له الولاية على غيره بأمره أو نهيه، مع أنَّ أمر الغير أو نهيه تصرُّفٌ في شأنه، ولكن هذا التصرُّف مما أُعطي للمؤمن الولاية عليه: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

والأمر بالمعروف لا فرق فيه بين أن يكون المعروف فكريّاً أو سلوكيّاً، فقد يأمره بالنافلة، أو الصدقة، وهذا معروفٌ سلوكيٌّ، وقد يأمره بتعلّم معتقدات أهل البيت - صلوات الله عليهم أجمعين - وهذا معروفٌ فكريٌّ.

كما أنَّ المنكر يشمل المنكر السلوكيَّ: كالكذب، والمنكر الفكريَّ: كالضلال.

وقد اعتنت الروايات الشريفة بطرق الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي هو حق للمؤمن على المؤمن، ونحن نختار منها طريقين:

الطريق الأول: التربية على السُّنَّة الحسنة

فمن خصال المؤمن، ومن صُوَر الأمر بالمعروف؛ ترسيخ المعروف عن طريق جعله سنة، فهذا فضلٌ زائدٌ على أصل الأمر بالمعروف، خصوصاً مع العائلة..

فإنَّنا نجد أنَّ كثيراً من المؤمنين يقوم بفعل المعروف بنفسه، ولكن لا يُرسِّخ المعروف في عائلته وأسرته، مع أنَّ من شأننا - كمؤمنين - أنْ نُربِّي عوائلنا على قراءة القرآن، والنافلة، وصلاة الجماعة.

وفي ذلك وردت رواياتٌ شريفةٌ:

1 - كصحيحة أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: ”مَنْ عَلَّمَ بَابَ هُدًى فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِه، ِ وَ لَا يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَ مَنْ عَلَّمَ بَابَ ضَلَالٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِه، ِ وَ لَا يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً[2] .

2 - وعَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ”قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَا يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِكَلِمَةِ حَقٍّ يُؤْخَذُ بِهَا؛ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَخَذَ بِهَا، وَ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةِ ضَلَالٍ يُؤْخَذُ بِهَا؛ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ أَخَذَ بِهَا[3] .

3 - وكذلك ما: عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ”لَيْسَ يَتْبَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا ثَلَاثُ خِصَالٍ: صَدَقَةٌ أَجْرَاهَا فِي حَيَاتِهِ، فَهِيَ تَجْرِي بَعْدَ مَوْتِهِ، وَ سُنَّةُ هُدًى سَنَّهَا، فَهِيَ يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ[4] .

فمن الصور الرائعة للسُّنَّة الحسنة داخل الأسرة:

- ما نجده في بعض بيوت أهل العلم، من إقامة صلاة الجماعة داخل الأسرة المؤلّفة من: الأب، والأم، والأولاد.

- وما نجده في كثيرٍ من الأسر؛ التي تضع صندوقاً وتشجع كلَّ فردٍ من العائلة على أن يضع جزءاً من أمواله في الصندوق، وإن كان طفلاً صغيراً من أجل التشجيع على الخير، وإحياء روافد البرِّ والإحسان، قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ.

ومن السُّنن الحسنة أن تشجع أصدقاءك، والشلّة التي تأوي إليها على: زيارة عاشوراء في كل يوم، وأن لا يتركوا النافلة في كل يوم.

بل إنَّ من أفضل صفات المؤمن، وأهل العلم بالخصوص: أن لا يترك النافلة، وإذا لم يكن مستديماً على نافلة الليل؛ فلا أقلَّ أن يأتي بنافلة الفجر، ونافلة المغرب والعشاء، ولا أقل أن يتميز المؤمن على غيره بالتزام النافلة في كل يوم، ولو نافلة من نوافل إحدى الفرائض.

وكان بعض أساتذتنا «رحمه الله» يقول: من الضروري - يوميّاً - لطالب العلم، أو المؤمن، ثلاثة أمور:

1 - قراءة سورة من القران.

2 - والنافلة.

3 - والصدقة.

فهذه السنة الحسنة إذا أشاعها المؤمن بين أصدقائه؛ يكون قد رسَّخ الأمر بالمعروف.

الطريق الثاني: التعامل مع الناس برفق

إنَّ المؤمن من يتعامل مع الآخرين برفقٍ، وينقلهم إلى الإيمان بالرفق، لكي ينغرس الإيمان في قلوبهم بحبٍّ، لأنّك لا تريد أن يكونوا مؤمنين فقط، بل مقبلين على الإيمان، فلا بدَّ أن يكون النقلُ برفقٍ.

وهذا ما أشارت إليه هذه الرواية: عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ”يَا عُمَرُ لَا تَحْمِلُوا عَلَى شِيعَتِنَا، وَ ارْفُقُوا بِهِمْ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَحْتَمِلُونَ مَا تَحْمِلُونَ[5] .

والرفق في الأمور العملية، وفي الأمور الفكرية..

- ففي الأمور العملية: بنقلهم إلى الإيمان بحب وقناعة.

- وفي الأمور الفكرية: بأن يطرح على المؤمنين ما تتحمله عقولهم، وتنجذب إليه نفوسهم، لكي يكون ذلك حملاً للإيمان برفق.

وهذا ما جاء النظر إليه في الأخبار:

1 - عن عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَرَاطِيسِيِّ قَال: ”قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ إِنَّ الْإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ، يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاة، ٍ فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الِاثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَاحِدِ لَسْتَ عَلَى شَيْ‌ء، ٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَاشِرِ، فَلَا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَك، َ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَك، َ وَ إِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرِفْقٍ، وَ لَا تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لَا يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ، فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ[6] .

2 - وكذلك ما عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ قَالَ: ”مَا أَنْتُمْ وَالْبَرَاءَةَ يَبْرَأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ صَلَاةً مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَنْفَذُ بَصَراً مِنْ بَعْضٍ، وَهِيَ الدَّرَجَات[7] .

إلا أنَّنا إذا نظرنا إلى واقعنا العملي؛ لم نجد هذه الأنفاس الشريفة متجسدة في الواقع، فهناك بعض المظاهر غير النقية، منها:

أن يحتقر بعض المؤمنين أشخاصاً آخرين، لأنَّهم قد يرتكبون بعض المعاصي، أو لأنَّهم لا يواظبون على المستحبات، كصلاة الجماعة، والحضور في المآتم - مثله -، أو لا يحضرون مجالس العلماء مثله، مع أنَّه ينبغي له أن ينفتح عليهم بالتواضع، ورحابة الصدر، ويدعوهم بالأساليب الجذابة لدرب الإيمان والصلاح.

ومن هذه المظاهر؛ البراءة من الشيعة الموالين، لوجود خطأ في بعض أفكارهم وهذا غريب!!

فالبراءة من أعداء الله، أو مَنْ لهم منهجٌ في الابتداع، لا من الشيعة الموالين، وبالتالي فليست البراءة من الشيعة الموالين من مبادئ أهل البيت ، وإنما المطلوب عند أهل البيت :

أنَّه إذا أخطأ الأخ المؤمن في فكره فانقله للفكر الصحيح، بالأسلوب المقنع، وبالرفق لا بالبراءة.

فينبغي لمن حمل الدرجة الأعلى من الصلاح أن ينقل صاحب الدرجة الأدنى برفق، فمن يحمل فكرةً خاطئةً انقله إلى الفكرة الصحيحة برفقٍ.

وكذلك العاصي؛ فتارة يكون صاحب منهج في المعصية، فلا بُدَّ أن يُتعامل معه بأسلوب آخر، وأما من عصى الله، لزللٍ، أو خطلٍ، فهذا مؤمنٌ ابتُليَ بغلبة النفس، فإنَّ المعصية ابتلاءٌ ومرضٌ، وينبغي معالجة هذا المريض برفق، حتّى يكون علاجه مؤثراً ومفيداً، ولأجل ذلك: ”وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ صَلَاةً مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَنْفَذُ بَصَراً مِنْ بَعْضٍ، وَهِيَ الدَّرَجَات“.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بترسيخه، والرفق بالمؤمنين فيه.

والحمدلله رب العالمين

[1]  سورة التوبة، الآية 71.
[2]  الكافي، ط - الإسلامية، ج‌1، ص: 35‌.
[3]  وسائل الشيعة، ج‌16، ص: 173.
[4]  الكافي، ط - الإسلامية، ج‌7، ص: 56.
[5]  الكافي، ط - الإسلامية، ج‌8، ص: 334.
[6]  الكافي، ط - الإسلامية، ج‌2، ص: 45.
[7]  الكافي، ط - الإسلامية، ج‌2، ص: 45.