الخلل الواقع في الصلاة

الدرس 3

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن المكلف إذا شك بعد الصلاة بأنها هل كانت في الوقت أم أن الوقت لم يدخل بعد، تجري قاعدة الفراغ لإثبات صحة الصلاة أم لا، وهنا مسلكان:

المسلك الأول: أن مقتضى إطلاق صحيح محمد بن مسلم «كل شيء شككت فيه مما قد مضى فأمضه» هو جريان قاعدة الفراغ عند الشك في الصحة لأي عمل، حيث إن المراد في الإمضاء ترتيب آثار الصحة فلا يجب على المكلف الاعتناء بالشك، بل وظيفته أن يمضي، بمعنى أن يرتّب آثار الصحة على المشكوك، ومقتضى هذا المسلك عدم الفرق في جريان قاعدة الفراغ بين إحراز الغفلة حال العمل أو عدم إحرازها وبين احتمال استناد الصحة إلى فعل المكلف أو عدم احتماله، وبين رجوع الشك للشك في الامتثال أو رجوعه للشك في الأمر نفسه، فإن الرواية مطلقة.

نعم بما أن قاعدة الفراغ أصل عملي فمقتضى ذلك إضافة جريانها في الأثر العملي، فإذا ترتب على جريانها أثر عملي جرت حتّى لو كان الشك في الأمر، إذ المهم أن لا يكون التعبد بها لغواً ويكفي في رفع اللغوية ترتب أثر عملي على جريانها وتفصيلها في الموارد.

مثلاً إذا شك المكلف بعد أن اغتسل أنه هل كان جنباً فغسله مشروع أم لا؟ فتارة يكون الشك بعد الصلاة فهنا يكون للشك أثر عملي بأن مرجعه إلى أن الصلاة صحيحة أم أنه لابد من استئنافها، فهو مع كونه شاكاً في الأمر «أي أنه شاك في كونه جنباً أم ليس بجنب، والشك بالجنابة شك في الأمر، هل هو مأمور أصلا بالغسل أم ليس بمأمور»، بما أن الشك بعد الصلاة فلهذا الشك أثر عملي وهو استئناف الصلاة أو البناء عليها، فبما أن للشك أثراً عملياً فمقتضى إطلاق أدلة قاعدة الفراغ جريانها في المقام، نعم يلزم عليه إحراز الطهارة في الصلوات الآتية وهذا أمر آخر.

أما إذا وقع الشك في غسل الجنابة قبل الصلاة «أي بعد أن اغتسل شك في أن هذا الغسل صحيح أم لا نتيجة للشك بأنه جنب أم لا»، إذ قد يحرز أنه جنب ويشك في صحة الغسل من جهة أخرى كالترتيب بين الرأس والبدن، هنا لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ في الغسل لدى الكل، لأنّه شك في الصحة وليس شكاً في الأمر، أما إذا شك في صحة غسل الجنابة لأجل الشك بأنه جنب أم لا، أي لأجل الشك بأنه مأمور بغسل الجنابة أم لا، فهنا لا تجري قاعدة الفراغ في الغسل. لا لأنّه يعتبر في جريان القاعدة إحراز الأمر، بل لأن جريانها في هذا الفرض لغو، لأنّه أما أن يحرز أنه جنب اولاً، وإذا لم يحرز أنه جنب فلم يحرز أن الغسل مشروع فلا يمكنه أن يدخل في أي عمل منوط بالطهارة، لأنه لا يحرز مشروعية هذه الطهارة.

فعدم جريان قاعدة الفراغ في الغسل قبل الصلاة لعدم الأثر لا لأن إحراز الأمر شرط في جريانها.

فبناء على هذا المسلك في أدلة قاعدة الفراغ إذا شك في أن الصلاة وقعت مع الوقت سواء كان يحرز غفلته أثناء الصلاة أم يحتمله وسواء كان الشك في كون الصلاة مع الوقت للشك في الأمر أصلا أو لم يكن للشك في الأمر على أية حال تجري قاعدة الفراغ.

المسلك الثاني: ما ذهب إليه سيدنا قدس سره تبعاً لشيخه محقق النائيني قدس سره ومحصل هذا المسلك أنه يعتبر في جريان قاعدة الفراغ أن يحتمل استناد صحة العمل إلى فعله، وهذا الشرط مستفاد من التعبير بالأذكرية في موثق بكير: «سألته عن الرجل يشك بعدما يتوضأ، قال: هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك» وظاهر بيان الجواب بالأذكرية أن للاذكرية دخلاً في جريان القاعدة، وإلا لكان بيان الجواب بالأذكرية لغواً إذا لم يكن للاذكرية دخل في جريان القاعدة، ومعنا الأذكرية عرفاً أنه إذا شك بعد الفراغ من العمل فإن احتمل أنه كان ملتفتاً أثناء العمل وان تمامية العمل استندت إلى التفاته وفعله متى أحتمل ذلك صح أن يقال أنه حين عمل اذكر منه حين يشك.

فهذا الشرط وهو أن يحتمل استناد تمامية العمل إلى التفاته وفعله هذا الشرط يوجب خروج ثلاث صور عن جريان قاعدة الفراغ فلا تجري فيها قاعدة الفراغ.

الصورة الأولى: ما إذا أحرز الغفلة وهو يقول أنا صليت صلاة الظهر لكن كنت غافلاً جزماً ولا ادري هل راعيت الوقت أم لم أراعِ الوقت فحيث أنه لا يحتمل أنه التفت فلا يحتمل استناد وقوع الصلاة في الوقت إلى التفاته فهذه الصورة خارجةٌ موضوعاً عن جريان القاعدة، وهذا أيضا مما ذهب إليه سيد العروة قدس سره.

الصورة الثانية: أن تكون صورة العمل محفوظة ومعنى كون صورة العمل محفوظة ما يعبر عنه في منهاج الصالحين: «أن يتساوى حال العمل وما بعده بالنسبة لمنشأ الشك» فإذا قارنّا بين منشأ الشك وبين العمل وبين أنه لا فرق بين حال العمل وما بعده بالنسبة إلى منشأ الشك فهو بالنسبة إلى منشأ الشك يقول لو حصل لي هذا المنشأ حال العمل لكنت أيضا شاكاً، وهذا ما يعبر عنه في مصباح الأصول «بأن صورة العمل محفوظة» ويعبر عنه بالمنهاج «بتساوي حال العمل وما بعده بالنسبة لمنشأ الشك».

بيان ذلك: إذا علم المكلف أنه صلى في الساعة الثانية عشر جزماً هو لا يدري أن هذه السنة هي بعد دخول وقت الصلاة أم قبله فهنا لا تجري قاعدة الفراغ لتصحيح صلاته.

وبعبارة أخرى لو التفت إلى أن الساعة الثانية عشر هل هي قبل الوقت أم لا، أثناء العمل لكان أيضا شاكاً، فحال العمل وما بعده على حد سواء بالمقارنة، ففي هذا الفرض لا تجري قاعدة الفراغ، إذا علم أن الساعة الثانية عشر وقت وهو لا يدري صلى قبل الساعة الثانية عشر أم بعدها فهذا مجرى لقاعدة الفراغ، لمَ؟ لأن صورة العمل غير محفوظة.

وكذلك لو شك في أن هذا المائع الذي توضأ به هل هو مطلق أم مضاف، فأنه جازم أنه توضأ بهذا المائع لكنه لا يدري أن هذا المائع هو مضاف لأنّ له رائحة فهنا يقال صورة العمل محفوظة ومنشأ الشك في حال الوضوء وما بعده القاعدة، وأما لو توضأ بمائع لكن لا يدري أن المائع الذي توضأ به هو ماء أو هو الثاني الذي هو مضاف فصورة العمل حينئذ غير محفوظة.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى القبلة إذ تارة يحرز أنه صلى إلى جهة الباب جزماً ولكن لا يدري أن جهة الباب قبلة أم لا فهنا لا تجري القاعدة، وتارة يعلم أنه صلى إلى جهة لكن هل الجهة التي صلى إليها من الجنوب الغربي أم لا فتكون قبلة فحينئذ تجري قاعدة الفراغ.

فبناء على أن الأذكرية شرط في جريان القاعدة ومعنى الأذكرية أن يحتمل استناد تمامية العمل إلى فعله لا أنه العمل فإن تماميته من باب الصدفة والاتفاق فهو صلى إلى جهة الباب جزماً لعل جهة الباب هي القبلة صدفة واتفاقاً فهنا لو تمّ العمل بأن كانت جهة الباب قبلة واقعة فإن هذه التمامية لم تكتمل إلى التفاته وفعله مستندة إلى توفيق من الله عز وجل ما هي القبلة، فهذه الصورة ليس مجرى لقاعدة الفراغ إذ لا يحتمل استناد تمامية العمل إلى فعله والتفاته.

قد يفصل في هذه الأمثلة التي ذكرناها وهي مثال الوقت ومثال الوضوء بالمائع ومثال القبلة قد يفصل بين الشك بالمراعاة والشك في التغيير فتارة يحرز المكلف أنه أي أنه كان ملتفتاً حين صلاته إلى قيودها فهو أنه يشترط في صحتها أن تكون بعد الوقت وان تكون إلى القبلة فهو حينما أشاع بالصلاة كانت مراعية لكن بعد الصلاة حصل له شك على نحو الشك التالي وهو هل أن مراعاته كانت في محلها أم لا، وهو يقول أنا توضأت بهذا المائع عن مراعاة وصليت إلى هذه الجهة عن مراعاة والتفات ولكني اشك الآن في أن مراعاتي كانت متطابقة مع الواقع أم لا فالشك شك في شأن من شؤوني وفعل من أفعالي وهو المراعاة وعدمها أي أن هذه المراعاة تطابقت مع الواقع أم لم تتطابق، فقد يقال حينئذ بجريان القاعدة، حيث إن مرجع الشك حينئذ من الشك في فعله الاختياري أي في تمامية مراعاته وعدم تماميتها فليس الشك في أمر خارج عن دائرة فعله عند الشك.

فالنتيجة أنه قد يفضل بناءً على هذا الشرط بين فرض الشك في القيد والشك في تمامية المراعاة.

الصورة الثالثة: التي أخرجها صاحب العروة وسيدنا قدس سره وتلامذته عن مجرى قاعدة الفراغ ما إذا رجع الشك للشك في الأمر فإنه إذا رجع الشك للشك في الأمر لم يكن شكاً في فعلي قد فكيف يكون ذلك مجرى وموضوعاً لقاعدة الفراغ فمثلاً إذا شك بعد صلاة الظهر في أن الوقت دخل أم لم يدخل فإن الشك في الوقت شك في المشروعية لأنه لو لم يدخل وقت الصلاة الظهر فإن الصلاة أصلا غير مشروعة في حد ذاتها فمرجع الشك إلى الشك في المشروعية ومشروعية الصلاة وليس شأناً من شؤوني وفعلاً من أفعالي كي يكون قاعدة الفراغ فهنا لم تجري القاعدة.

مع بيان بعض الأمور التي تتوقف عليها النتيجة في المسألة الأمر الأول، ذكرنا في الدرس السابق أن المراد بالشك في الأمر ليس هو الشك في الوجوب المراد بالشك بالأمر الشك في ولذلك قلنا لا فرق بين أن نبني على الواجب المعلّق أو الواجب المشروط، فسواءً قلنا بمبنى الشيخ الأعظم من أن الزوال دخيل في الواجب لا في الوجوب وان الوجوب يعني وجوب صلاة الظهر فعلي من أول اليوم وإن كان الواجب لا يصح إلا بعد الزوال وهنا يعبر عنه بالواجب المعلّق، أو قلنا بالواجب المشروط بمعنى أن الزوال قيدٌ للوجوب فلا فعلية للوجوب قبل فعليته، فعلى كلا المبنيين إذا شك المكلف الذي صلى في أن صلاته كانت بعد الزوال أم قبله فهو يشك في المشروعية حتّى بناء على كلام الشيخ الأعظم فإن علم المكلف بأن الوجوب فعلي شيء وان صلاة الظهر مشروعة أم غير مشروعة شيء آخر، فما لم يدخل الزوال فإن صلاة الظهر غير مشروعة أصلا فضلاً عن كونها صحيحة أم غير صحيحة، فبما أن الشك في دخول الوقت وعدم دخوله يرجع إلى الشك في المشروعية وإنها مشروعة أم لا فليست مجرى لقاعدة الفراغ، وإذ أن لفعلية الوجوب.

الأمر الثاني: أن المراد بعدم جريان قاعدة الفراغ عند الشك في الأمر هو أن يكون حين الشك أيضا غير محرز حتّى حين الشك غير محرز للأمر مثلاً كما أشار إليه صاحب العروة شك في أن صلاة الظهر وقعت بعد الوقت أم لا وما زال شاكاً في أن الوقت دخل أم لم يدخل حتّى حين الشك هو، أن مجرى قاعدة الفراغ أن تحترز استناد تمامية العمل إلى فعله والتفاته وأنت الآن لا تحتمل استناد كلامية العمل إلى فعله والتفاته لأنّه لو كان قد دخل الوقت واقعاً فإنما هو من باب الصدفة وإنما لو أنت كنت شاكاً في أن الوقت قد دخل أم لم يدخل.

فالنتيجة: أنه في مثل هذا الفرض لا تجري القاعدة.

أنه حين الشك أحرز الأمر وإن كان لا يحرزه حين الصلاة فالمكلف فرغ من صلاته وبعد الفراغ شك في أن الوقت دخل أم لم يدخل لا حين الشك حين الصلاة أي أن الوقت كان دخل جزماً لكن هل وقعت الصلاة بعد الوقت أم قبله وإلا الآن وهو وقت الشك قد دخل الوقت جزماً، ففي مثل هذه الصورة قد أحرز الأمر لأنّه يحرز حين الشك دخول الزوال وهو يحرز الأمر بالصلاة وبما أنه يحرز الأمر بالصلاة ويشك في امتثاله وعدم امتثاله تجري قاعدة الفراغ بإثبات امتثاله..

والحمد لله رب العالمين