حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 1

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وقع البحث في حقيقة العلم الإجمالي قبل البحث عن منجزيته، وفي حقيقة العلم الإجمالي عدة آراء: الرأي الأول ما نسب لصاحب الكفاية من أن متعلق العلم الإجمالي هو الفرد المردد، وتقريب كلامه يتم بذكر أمرين:

الأمر الأول: هناك فرق بين مفهوم الفرد المردد ومفهوم عنوان احدهما ومصداق احدهما، فهل المراد بالفرد المردد الأول أم الثاني أم الثالث، لا ريب انه لا يقصد منه المفهوم فان مفهوم الفرد المردد معين، لأنّ مفهوم الفرد المردد أي الفرد المردد بالحمل الأولي هو الفرد الذي لا تعيّن له، وهذا المفهوم معين لا مردد نعم هذا المفهوم لا معنون له خارجا، نظير مفهوم شريك الباري او مفهوم اجتماع النقيضين، حيث ان مفهوم اجتماع النقيضين موجود وان كان اجتماع النقيضين ممن لا وجود له، ومفهوم شريك الباري موجود وإن كان شريك الباري معدوماً ممتنعاً، ايضاً مفهوم الفرد المردد مفهوم معين ولكن هذا المفهوم لا معنون لك اذ لا يوجود الفرد المردد في العالم الخارج.

لذلك لا يصح الاشكال على صاحب الكفاية بانه لو كان متعلق العلم الإجمالي هو الفرد المردد لصحّ ابدال الأحد بالفرد المردد، مثلاً يصح لنا ان نقول احد الانائين معلوم النجاسة ولكن لا يصح ان نبدل ذلك بأن نقول الفرد المردد معلوم النجاسة، فلو كان متعلق العلم الاجمالي هو الفرد المردد لصح ان نوقعه موقع الأحد مع انه لا يصح فان هذا الاشكال انما يبتني على ان يقصد بالفرد المردد مفهومه، وهذا مما لا يقول به صاحب الكفاية.

كما انه ليس المقصود بمتعلق العلم الاجمالي مفهوم احدهما فان مفهوم احدهما كلي صالح للانطباق على كل واحد منهما غاية ما في الباب انه كلي انتزاعي وليس كلياً متأصلا فعنوان الانسان كلي متأصل لوجود ما بحذائه خارجا بينما عنوان احدهما كلي انتزاعي لأنّه لا يوجد ما بحذائه وانما الموجود منشأ انتزاعه ومنشأ انتزاع احدهما كل فرد على سبيل البدل، وهذا ما يحتاج الى التامل فان ما هو موجود خارجا هو الفرد كالاناء الابيض والاناء الازرق اما البدلية فليست موجودة خارجا، ما هو الموجود خارجاً نفس الاناء الابيض والازرق واما البدلية أي هذا او هذا المعبر عنها باو فليست من الموجودات الخارجية. إذن من هنا يتضح وهذا ينفع في بعض الكلمات الآتية أن منشأ انتزاع عنوان احدهما وان كان واقعيا ولكنه ليس خارجيا لان ما هو الخارجي هو النفس الانية اما البدلية فهي وان كانت امراً حقاً وصادقاً ولكنها ليست موجودة في الخارج فما هو الموجود بالخارج هو نفس الاناء اما هذا او هذا المعبر عنه بالبدلية فهذا من ما لا وجود له خارجاً وان كان امراً صادقا وواقعاً نظير ان يقال ان استحالة اجتماع النقيضين امر صادق وواقعي مع انه في الخارج لا يوجد استحالة اجتماع النقيضين، اذن فبالنتيجة قد يكون المفهوم واقعيا وان لم يكن خارجيا.

فاستحالة اجتماع النقيضين امر واقعي لأنه صادق لكن لا صدق عليه خارجاً كذلك البدلية عندما نقول هذا او هذا فإن الموجود خارجاً هذا والموجود خارجاً هذا واما البدلية المعبر عنها بأو فإنها وإن كانت أمراً واقعياً لا نشك فيه ولكنها ليست متحققة في الخارج.

فبذلك يتبين لنا ان منشأ انتزاع عنوان احدهما وان كان واقعيا لكنه ليس خارجيا، فهذا الكلي الانتزاعي المعبر عنه باحدهما ليس هو متعلق العلم الاجمالي بل متعلق العلم الاجمالي واقع احدهما والذي عبر عنه في الكفاية احدهما المصداقي. والمقصود ب ”واقع احدهما“ ان عنوان احدهما تارة يلحظ على نحو الموضوعية وتارة يلحظ على نحو المرآتية والمشيرية، فان لوحظ على نحو الموضوعية بمعنى ان يقف اللحاظ عليه من دون ان يتعدى منه الى غيره فهذا كلي كسائر الكليات وليس متعلق العلم الاجمالي.

اما اذا لوحظ على نحو المشيرية لما ورائه كان هذا الملحوظ على نحو المشيرية لما ورائه هو متعلق العلم الاجمالي، توضيح ذلك، كما ان الكليات المتأصلة تارة تلحظ على نحو الموضوعية واخرى على نحو المشيرية، مثلاً ما مثل به بعض الفقهاء في قراءة البسملة في الصلاة اذ تارة يقصد المصلي تلاوة طبيعي البسملة التي هي آية من القران حيث يعلم المصلي ان من الآيات النازلة في القران اية البسملة فقصد بالقراءة ذلك الطبيعي الذي نزل في القران وتارة يقصد بالبسملة ما هو جزء من سورة يس مثلا او ما هو جزء من الجزء ال 30 من القران، فعندما يقرا البسملة قاصدا ما هو اية فقد قصد الطبيعي وان قيده بخصوصية وهو ما كان في القران واما اذا قصد البسملة التي هي جزء من سورة او جزء من سور الجزء ال 30 مثلا فقد قصد حينئذ واقع البسملة فكان عنوان البسملة في الفرض الثاني ملحوظ على نحو المشيرية لفرض من البسلمة وواقع البسملة فكما يتصور هذان اللحاظان في الكلي المتأصل مثل كلي البسملة يتصور هذان اللحاظان في الكلي الانتزاعي وهو عنوان احدهما، اذ تارة يأتي المشتري للبائع وقد عرض البائع مثلاً البطاطس بين يدي المشتري فتارة يقول المشتري بعني احد الكيلوات من البطاطس فيكون مصب المعاملة الكلي الكيلوات من البطاطس، وتارة يكون مصب المعاملة الكيلو الخارجي بما ان هذه الكومة من البطاطس متعدد الكيلوات فهناك ما هو على يمين وهناك ما هو على الشمال فهناك ما هو رديء وهناك ما هو جيد، فمصب المعاملة الاحد الخارجي الكيلو الخارجي المتشخص من بين هذه الكيلوات، وثمرة تعلق المعاملة بالكلي ان يقول المهم ان تبيعني كيلو من البطاطس انه لو وقع التلف خارجا فتلفت كومة البطاطس تعين ان يكون للمشتري فالتلف لا يعرض عليه لمَ؟ لان مصب المعاملة هو الكلي والكلي لا يتلف وليس مصب المعاملة هو الجزئي حتى يقع التلف عليه فبما ان مصب المعاملة هو الكلي والكلي لا يعقل فيه التلف اذن أي تلف يعرض هو في ملك البائع لا في ملك المشتري.

غاية ما في الباب لما كان المبيع على نحو الكلي في المعين يعني من هذه الكومة تعين الكيلو الباقي في ان يكون مصداقا لما ملكه المشتري اما اذا كان مصب المعاملة الكيلو الخارجي اصبح مملوك المشتري كسرا مشاعا من هذه الكيلوات، فأي تلف يعرض على الكومة يعرض عليهما بالنسبة «يعني على ملك البائع والمشتري» فلو فرضنا انها 10 كيلوات كان كل تلف تلفاً لعشر على مملوك المشتري.

فالنتيجة ان عنوان الأحد تارة يلحظ بما هو كلي بنحو الموضوعية فيقف اللحاظ عليه وهذا ليس متعلقا للعلم الاجمالي وتارة يتعلق به العلم بما هو مشير لاحد واقعي فاذا كان كذلك كان ذلك المشار اليه هو متعلق العلم الاجمالي، وهذا هو المقصود بالفرد المردد او احدهما المصداقي، وبناءً على ذلك فان صاحب الكفاية قدس سره يقول ان المشار اليه بعنوان الأحد واقع الأحد لا خارج الأحد، اذ قد يكون مصداق الأحد خارجيا وقد يكون غير خارجي مثلاً تارة يكون الأحد جزئيا كما اذا علمت بنجاسة احد هذين الانائين فهنا مصداق الأحد جزئي خارجيا، وتارة يكون مصداق الأحد اصلا كليا كما لو قلت علمت بأحد الكليات الخمسة «الجنس، والنوع، والفصل والخاص والعرض العام» علمت بأحد هذه الكليات، فان المشار اليه بعنوان الأحد هنا ايضاً كلي وليس جزئيا خارجيا اذن فالمقصود بواقع الأحد يعني ما وراء عنوان الأحد سواء كان ما وراءه جزئيا خارجيا ام كان كليا، لا ان المقصود بما وراء الاحد هو خصوص الجزئي الخارجي كي يشكل على صاحب الكفاية بان العلم الاجمالي كما يتعلق بالجزئيات يتعلق بالكليات فإن هذا الاشكال لا يرد عليه هذا بيان الامر الاول في تقريب كلامه.

الأمر الثاني: ان الأحد الملحوظ على نحو الموضوعية أي طبيعي الأحد تتعلق به الارادة التكوينية والتشريعية بلا مانع فقد تتعلق الارادة التكوينية بالاحد كما اذا قال مشيت نحو احد الرجلين واردت احد الكاسين وما اشبه ذلك. فان المقصود هو تعلق الارادة بالجامع بأي منهما وكذلك الارادة التشريعية سواء كانت الارادة التشريعية حكما وضعيا او حكما تكليفيا فمثلا الحكم الوضعي اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين فان ايجاد علقة الزوجية بالجامع مع تخيير الطرف الآخر في ان يطبق هذا الجامع على أي منهما امر ممكن او كانت الارادة التشرعية حكما تكليفيا كما في الواجب التخييري فان مصب الوجوب التخييري على مسلك بعضهم كسيدنا الخوئي قدس سره هو عنوان الأحد الملحوظ على نحو الموضوعية بان يقول من افطر متعمدا في نهار شهر رمضان فليخرج احد الخصال والخيار بيده، فان متعلق الحكم التكليفي وهو الوجوب هو عنوان الأحد على نحو الموضوعية، فعنوان الأحد الملحوظ على نحو الموضوعية قابل لتعلق الارادة التكوينية والتشريعية به.

وانما الكلام في مصداق الأحد فهنا افاد في الكفاية بان مصداق الأحد لا يقبل تعلق الارادة التكوينية والتشريعة به لكن يقبل تعلق العلم الاجمالي فالارادة التكوينية سواء فسرناها بالشوق المؤكد المحرك للعزولات او فسرناها بمسلك النائيني اعمال القدرة فانه لا يعقل تعلقها بما لا تعين له لأن مصداق الفرد المردد لا واقع له لا وجود له فاذا كان مصداق الفرد المردد لا تعين له يستحيل تعلق الارادة به، فإن الارادة فرع كون المراد معيناً فما لا تعين له وهو الفرد المردد او مصداق الاحد بعبارة اخرى يستحيل تعلق الارادة التكوينية بأي معناً وكذلك يستحيل تعلق الارادة التشريعية به لأنه لا يعقل البحث نحو ما لا تعيين له، فإن الارادة التشريعية بعث ولا يقبل البعث عما او نحو ما لا تعين له، لكن هذا المصداق الذي لا تعين له حتى في علم جبرئيل هو متعلق العلم الاجمالي.

فنتيجة كلام الاخوند قدس سره على ما نسب اليه ان المائز بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي في المتعلق حيث ان متعلق العلم التفصيلي الفرد المعين ومتعلق العلم الإجمالي الفرد المردد والمقصود بالفرد المرد ليس هو مفهوم الفرد المردد ولا مفهوم احدهما ولا عنوان احدهما على نحو الموضوعية بل احدهما المصداقي أي عنوان احدهما بما هو مشير لواقع ورائه لا تعين له.

هذا تمام تقريب كلامه زيد في علو مقامه، وقد أشكل عليه بإشكالات منها إشكال المحقق الاصفهاني قدس سره الذي تعرض له سائر الأعلام من تعرض لمطلب صاحب الكفاية ومن أجيب عن إشكال الاصفهاني في كلمات السيد المنتقى والبحوث وغيرهم يأتي التعرض له إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين