حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 6

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم ان الفرد المردد المتعلق للعلم الاجمالي متقوم بصفتين، الاولى انه لا تعين له والثانية انه متقوم بالبدلية في مقام الصدق.

اما بالنسبة الى الصفة الأولى فالمقصود بها انه لا تعين له من حيث تعلق العلم الاجمالي لا من حيث عالم الثبوت والواقع،

بيان ذلك: ان متعلق العلم الاجمالي تارة ينظر اليه من زاوية الواقع وعالم الثبوت مع قطع النظر عن تعلق العلم الاجمالي به، وتارة ينظر اليه من زاوية تعلق العلم الاجمالي به، فاذا نظر اليه من زاوية الواقع وعالم الثبوت فقد يكون متعينّا ولكن هذا ليس لازما وليس عنصرا ضروريا في حقيقة المعلوم بالإجمال كما ذهب اليه في المنتقى بل قد يكون متعينا ثبوتا وقد لا يكون، واما اذا نظر اليه من زاوية تعلق العلم الاجمالي فهو مما لا تعين له، بمعنى ان العالم بالإجمال والناظر الى هذه الصورة وهي صورة احد الأناءين نجس او احد الخبرين كاذب لا يرى مصداقا معينا بل يرى ان انطباق هذه الصورة على احدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فاللاتعين هو بنظر العالم بالإجمال، لا انه من حيث الواقع وعالم الثبوت لا متعين، فما يراه العالم بالإجمال من ان انطباق هذه الصورة على كل من الفردين محتمل لا يتكفل ان الواقع متعين ام غير متعين، ومنشأ اللا تعين بنظر العالم بالإجمال: اما الجهل. واما تراكم الاحتمالات. واما البرهان العقلي.

وكل سبب من هذه الاسباب غاية ما يقتضي اللا تعين من زاوية تعلق العلم الاجمالي وقد يقتضي بعضها اللاتعين حتّى واقعا، بيان ذلك، اذا رأى شخص قطرة دم تقع على احد الأناءين اما اناء باء او اناء جيم ولكن لخطأه في الحس يجهل ما وقعت فيه قطرة الدم، فلأجل جهله صار عنوان ما وقع فيه الدم ليس له مصداق معيّن بنظره بل من حيث الجهالة والابهام يكون تطبيق هذا العنوان على احد الأناءين ترجيحا بلا مرجح فمن هذه الزاوية وهي زاوية انه يجهل ما وقعت فيه قطرة الدم حصل اللا تعين، الا ان هذا السبب وهو الجهل والاجمال والابهام لا يقتضي اللاتعين حتّى ثبوتا وواقعاً بل قد يكون ما وقعت فيه قطرة الدم متعينا واقعا.

والسبب الثاني هو تراكم الاحتمالات مثلاً نتيجة كثرة الاخبار والاقوال بأنّ في المدينة الفلانية قتالا نتيجة كثرة هذه الاخبار حصل له قطع بوجود قتيل على الاقل في هذا اليوم فما علم به اجمالا وهو وجود قتيل ناشئ عن سبب تراكم الاحتمالات وهذا السبب يقتضي اللاتعين في المعلوم بالإجمال فمن هو القتيل؟ فيقول العالم بالإجمال بما ان قطعي بوجود قتيل انما نشأ عن تراكم الاحتمالات لا عن اخبار ولا عن اطلاع فغاية ما يقتضي هذا السبب هو ان هذا الامر تحقق في واحد ولكن لا تعين لمصداقه بل قد لا تعين له واقعا كما لو كان هناك اكثر من قتيل، السبب الثالث هو برهان التضاد كما تقدم نظير ما اذا قام خبران احدهما يدل على وجوب الجمعة تعيينا والآخر على وجوب الظهر تعيينا، قطعا احدهما كاذب وهذا القطع ليس سببه الاطلاع عن الواقع بل لا سبب له الا المضادة والمعارضة اذ لا يعقل صدق المتعارضين فبلحاظ هذا السبب وهو التضاد قطعت ان احدهما كاذب أي غير مطابق للواقع الا ان برهان التضاد كما يقتضي اللاتعين من زاوية العلم الاجمالي يقتضي اللاتعين حتّى واقعا وفي علم الله، ولذلك لو انكشف لنا ان ما دل على تعين الجمعة كاذب، فهنا لا يصح لي ان اقول هذا هو الكاذب فان الكاذب منهما او كلاهما متعين لكن معلومي الناشئ عن التضاد مما لا تعين له حتّى في علم الله لأنّه الكاذب لأجل التضاد لا لأجل عدم مطابقة الواقع، لا، الكاذب لأجل عدم المطابقة متعين اما الكاذب لأجل التضاد قد يكون صادق لكن التضاد يجعله كاذب، فلا تعين له بمعنى ان انطباقه على احدهما واقعا بغض النظر عن العلم الاجمالي ترجيح بلا مرجح فاقول ان الخبر الأول وان كان صادقا واقعا ولكن كاذب بالمضادة، فان التضاد يفترض كذب احدهما، فالجامع بين هذه الموارد الثلاثة هو ان المعلوم بالإجمال من زاوية تعلق العلم الاجمالي به لا تعين له مصداقا سواء كان منشأ اللاتعين بنظر العالم بالإجمال سبب يقتضي التعين واقعا ام لا او يقتضي اللاتعين حتّى واقعا فالتعين واقعا وعدمه راجع الى مقتضيات السبب لا الى نفس المعلوم بالإجمال من حيث انه معلوم بالإجمال، ولأجل ذلك نقول ان الصفة الاولى من صفات الفرد المردد المتعلق للعلم الإجمالي ان يكون مما لا تعين له مصداقا بنظر العالم بالإجمال، لاقتضاء سببه ذلك.

الصفة الثانية البدلية بمعنى ان هذا العنوان لا يصدق على اثنين بل مصداقه واحد على سبيل البدل، وقد يتصور ان منشأ انتزاع هذا العنوان وهو الأحد على سبيل البدلية هو الافراد الخارجية ولكن هذا غير تام والسر في ذلك ان هناك منشأ الانتزاع وهناك مصحح الانتزاع فمنشأ الانتزاع ما يحمل عليه العنوان الانتزاعي حمل هوهو، ومصحح الانتزاع ما كان حيثية تعليلية للانتزاع، مثلاً انتزاع الفوقية للسقف، منشأ الانتزاع هو السقف بمعنى ان السقف هو الذي يحمل عليه العنوان الانتزاعي فيقال السقف فوق ولكن مصحح الانتزاع أي الحيثية التعليلية له ليس هو السقف فان لو لاحظت السقف مرارا لم تتنزع عنوان السقفية وانما المصحح للانتزاع المقارنة بين السقف والارض، فالمقارنة حيثية تعليلية للانتزاع عنوان يحمل على السقف حمل هوهو فبناءً على هذه الكبرى نقول في المقام ان عنوان الأحد بما هو احد ينتزع من الافراد الخارجية ولكن المنتزع من الافراد الخارجية الأحد الجامع بين الأحد المعين والاحد البدلي غير المتعين، فما ينتزع من الخارج جامع الأحد أي الجامع على نحو اللابشرط المقسمي ومحط كلامنا في الأحد البدلي الذي هو قسم منهما فهو متعلق العلم الإجمالي، والأحد البدلي وان كان منشأ انتزاعه بمعنى ما يحمل عليه هو الافراد الخارجية ولكن مصحح الانتزاع هو السبب في تعلق العلم الاجمالي بعنوان الأحد الذي قلنا بان السبب خطا الحس وقد يكون تراكم الاحتمالات وقد يكون البرهان العلقي فهذه الاسباب الثلاثة كل واحد منها كما يقتضي ان ينظر العالم لعنوان الأحد على نحو اللاتعين فانه يقتضي ان يكون منطبق هذا العنوان واحدا على سبيل البدل والا فالبدلية مما لا تنتزع من الخارج بشكل مباشر لان البدلية من النسب الثانوية لا من النسب الاولية، فهناك فرق كما ذكر العراقي بين النسب الاولية وهو ما يقتنصه الذهن من الخارج بشكل مباشر مثل الظرفية والابتداء والعلو، فان الذهن يقتنص ظرفية الكوز للماء من الخارج بشكل مباشر ولكن نسبة الاستثناء والاضراب والبدل مما لا وجود لها خارجا مثلاً اذا قلت جاء الطلبة الا فلان، ما هو موجود في الخارج هو الطلبة الاتون وليس في الخارج مدلول الا، لا وجود في الخارج الا لهؤلاء الطلبة العشرين مثلاً، وليس في الخارج سواء او غير او الا فلان، انما الذهن اذا تصور ما في الخارج وقارن بينه وبين امر اخر كفلان انتزع هذه النسبة الثانوية سماها نسبة الاستثناء فهو نسبة ثانوية وسمية تصورها في طول تصور النسبة الاولية فكذلك نسبة البدلية في مصادق عنوان الأحد، وبناءً على ما ذكرنا فما افاده صاحب الكفاية من ان الفرق بين متعلق العلم التفصيلي والعلم الاجمالي ان متعلق الأول الفرد المعين ومتعلق الاثنين الفرد المردد صحيح، أي ان متعلق الاول مما يرى الناظر له مصداقا معينا ومتعلق الثاني مما لا يرى الناظر له مصادقا معينا بأحد الاسباب التي ذكرناها وهي كما تقتضي اللاتعين بنظر العالم بالإجمالي تقتضي البدلية في مقام الصدق.

ذكرنا فيما سبق ان العنوان المنتزع من العلم الاجمالي مما لا تعين له حتّى واقعا فاذا علمت بنجاسة احد الأناءين فالأحد النجس لا تعين له بنظر العالم ولكن عندما اقول معلوم النجاسة اجمالا هذا العنوان الاثنين لا تعين له حتّى في علم الله.

وهذا العنوان وهو عنوان معلوم النجاسة بالإجمال الذي لا تعين له حتّى في علم الله قد يكون هذا العنوان نفسه موضوعا لأصل عملي كما تقدم.

اما الفرد المردد في عالم الاستصحاب وقع البحث في صحة استصحابه وهو يختلف عن الفرد المردد في بحثنا ففي بحثنا المراد ما لا تعين له في نظر العالم، اما الفرد المردد في بحث الاستصحاب فهو الفرد الخارجي المبهم، يعني ما كان متعينا واقعا مردد اثباتاً نظير ان يقال لدينا حيوان مذكى ولدينا شاة ميتة ووقع بيدنا جلد لا ندري انه من الشاة المذكاة او من الميتة هذا الجلد يسمى بالفرد المردد. فهل يجري الاستصحاب فيه بان يقال صاحب الجلد عندما كان حيا لم يكن مذكى فنشك عندما طرأه الموت هل طراه الموت هل هو مذكى ام لا فنستصحب عدم تذكيته.

والحمد لله رب العالمين