حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 7

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

الكلام في المسلك الثاني من المسالك المذكورة في بيان حقيقة العلم الاجمالي، وهذا المسلك ما ذهب اليه المحقق النائيني والاصفهاني، ومن تبعهم من اكثر المتأخرين، من ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع وان كان لكل من العلمين النائيني والاصفهاني بيان للجامع يختلف عن بيان الآخر، ومن اجل شرح هذا المسلك نذكر امورا ثلاثة:

الامر الاول: ان الجامع أي الصورة الكلية القابلة للانطباق على اكثر من مصداق كصورة الاناء النجس او صورة الأحد او صورة الخبر الكاذب وما اشبه ذلك فان هذا الكلي تارة يلحظ على نحو الموضوعية وتارة يلحظ على نحو المشيرية، فاذا لوحظ على نحو الموضوعية أي لم يقصد التوصل به الى فرد معين في الخارج، نظير متعلق الوجوب التخييري، ففي متعلق الوجوب التخييري ذُكر ان المتعلق هو الجامع ولكن على نحو الموضوعية لا المشيرية، مثلاً اذا قال من افطر متعمدا فليخرج احدى الخصال من العتق او الصوم او الاطعام فمصب الامر هنا وهو احدى الخصال عنوان كلي ولكن لم يقصد الاشارة به الى فرد خارجي وانما قصد به ان يوجد المكلف أيّ مصداق لهذا الكلي فالجامع هنا لا يحكي عن موجود بل يراد به تحقيق الوجود فلذلك يقال بان الجامع هنا لوحظ على نحو الموضوعية، وتارة يكون الجامع ملحوظا على نحو المشيرية، أي المرآتية لموجود وهذا على قسمين:

اذ تارة يكون الجامع مشيرا لفرد معين خارجا فالمشار اليه بهذا الجامع فرد معين في رتبة سابقة لأجل ذلك تكون الصورة حينئذٍ جزئية لا كلية، لان الفارق بين الكلي والجزئي في مقام التصور هو بالإشارة الى المعين، والا فالصورة دائما كلية وليست جزئية اذ الجزئية انما تتحقق بالوجود والتشخص فما دامت في حيز التصور فهي كلية، غاية ما في الباب ان انضم الى هذه الصورة الكلية اشارة لفرد معين في رتبة سابقة على التصور سمي هذا المفهوم المتصور جزئيا، وان خلى عن هذه الاشارة سمي كليا والا فالصورة دائما كلية فمن تصور صورة السيد الخوئي فتارة تنضم الى هذه الصورة اشارة لذلك الفرد المتشخص في رتبة سابقة على التصور فهنا يقال ان المفهوم جزئي لان هذه الصورة ببركة ضميمة هذه الاشارة لا تصدق على اكثر من 1 واما اذا لم تنضم اشارة ولو كانت ملامح هذه الصورة هي ملامح ذلك الفرد الا ان هذه الصورة في حد ذاتها قابلة لان تصدق على كل من وجدت فيه هذه الملامح سواء كان هذا الفرد ام غيره فالمفهوم المتصور حينئذٍ كلي لا جزئي فبناءً على ذلك من ذهب الى ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع كالنائيني والاصفهاني هل مقصودهما الصورة المشيرة ”لواقع معين“ في رتبة سابقة على التصور فتصبح الصورة جزئية أي ان المفهوم جزئي ام ان المقصود الصورة المشيرة ”لما يطابقها“ لا لفرد معين في رتبة سابقة وهذا هو الصحيح الظاهر من كلماتهم.

ولتوضيح المطلب نقول عندما يتصور الذهن اناءً نجسا في هذا المكان او المحل فتارة يشير بهذه الصورة لإناء مشخص في رتبة سابقة على هذا التصور كما لو رأى الاناء النجس في هذا المكان سابقا بعينه ولكنه الان ضمّ اليه عدة آنية فاشتبه عليه فعندما يقول اعلم بإناء نجس بهذا المكان فهو يشير الى ما وقع عليه بصره وحسه في رتبة سابقة على هذا التصور فالمفهوم حينئذٍ جزئي لا يصدق على كثيرين.

وهذا ليس مراد النائيني والاصفهاني لأنّه يخرج المتعلق حينئذٍ عن كونه الجامع الى المفهوم الجزئي بل مقصودهما ان المكلف عندما علم بوجود اناء نجس كما لو تقاطر البول على ساحة الغرفة وفيها آنية فيقول الذهن انّ هناك اناءً تنجس قطعا فالصورة المنقدحة في الذهن وجود اناء نجس والمحكي بهذه الصورة اناء نجس في الجملة لا الاناء المشخص المعين في الخارج.

فهذا المفهوم ليس متضمنا لإشارة لمشخص في رتبة سابقة، نعم لو كان في البين آنية وكان اناء باء هو النجس فهل ينطبق عليه هذا الجامع، نقول نعم ينطبق عليه ولكن ذكر في الحكمة ان الكلي يحكي عما يطابقه لا عما ينطبق عليه.

مثلاً كلي الانسان ينطبق على زيد وعلى بكر ولكنه لا يحكي عن خصوصيات زيد المائزة بينه وبين بكر وان كان ينطبق على زيد بتمام خصوصياته فيقال زيد بما هو زيد انسان فالجامع يحكي عما يطابقه لا عما ينطبق عليه، وما يطابقه هو الصورة التي انقدحت في الذهن أي العنصر المشترك بين زيد وغيره من الانسانية فاذا تصور الذهن اناء من الانية فما تصوره كلي وما اشار اليه ليس الا هذا المقدار وهو اناء نجس في الجملة لا الاناء المتشخص في رتبة سابقة فهذا هو متعلق العلم الاجمالي بناءً على مبنى النائيني والاصفهاني.

الأمر الثاني ذكرنا ان بيان الاصفهاني يختلف عن بيان النائيني، فلكل منهما بيان لذلك المتعلق للعلم الاجمالي.

اما بيان المحقق الاصفهاني: فقد افاد في نهاية الدراية ج 4 ص 237 بأنّ العلم الاجمالي عند التأمل مركب من علم تفصيلي بالجامع، وعلم تفصيلي بعدم خروج هذا الجامع عن الدائرة وشكين تفصيليين.

فمثلا لو علم المكلف بوجوب احد الفرضين يوم الجمعة اما الظهر او الجمعة فهذه الصورة التي تبدو بسيطة هي في الواقع مركبة من صور، الاولى العلم بالوجوب وهذا علم تفصيلي لا اجمالي فالوجوب لا شك فيه في يوم الجمعة، وعلم بأنّ الواجب لا يخرج عن احد هذين الطرفين فما هو الواجب ليس شيئا 3 وراء الظهر والجمعة.

وهناك شك تفصيلي في ان هذا الواجب هو الظهر ام لا، وشك تفصيلي اخر في ان هذا الواجب هو الجمعة ام لا.

فالنتيجة عند التأمل تفكك المعلوم بالإجمال الى 4 صور وهذا ما وقع محلا للكلام بين من تأخر عنه من الاعلام، وهنا عدة تأملات.

الاول: هل ان العلم بالوجوب علم تفصيلي ام اجمالي كما يقول العراقي فقد افاد الاصفهاني ان الوجوب معلوم تفصيلا فكما ان العلم التفصيلي ينحل الى علم بالوجوب وعلم بالواجب فلو علم المكلف بوجوب الظهر عند دخول الزوال فهذه الصورة تنحل الى علم تفصيلي بوجوب والى علم تفصيلي اخر ان متعلق هذا الوجوب الظهر بعينها، كذلك العلم الاجمالي، فانه على قياسه ينحل الى علم تفصيلي بالوجوب وعلم ان الواجب لا يخرج عن هذه الدائرة، وانما قلنا بان الوجوب معلوم بالتفصيل لان الفارق بين الصورة المفصلة والمجملة ان المفصلة لا ابهام فيها والمجملة ما كانت مشتملة على ابهام ومن الواضح ان العالم بالوجوب ليس لديه أي ابهام في ناحية الوجوب نفسه فلا محالة الوجوب معلوم تفصيلي.

ولكن العراقي في المقالات ج 2 افاد بان العلم بالوجوب ليس علما تفصيليا والوجه في ذلك ان العلم الاجمالي سنخان متباينان من العلم بتمام اجزائهما وقيودهما، فالعلم بوجوب احد الفرضين اجمال بتمام قيوده والعلم بوجوب الظهر بعينها تفصيلي بتمام قيوده، فهناك علمان متباينان فكيف مع التباين والتضاد ينحل الضد لما يشتمل على ضده بحيث ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصلي والحال انه مباين للعلم الإجمالي.

بل العلم الاجمالي صورة مشوشة والتفصيلي صافية كلاهما يحكي عن معلوم واحد كالمرآة فلو كان عندنا مرآتان تحكيان عن شخص واح الا ان احدهما معكرة ومشوشة واخرى صافية فالفارق بين الصورة الاجمالية والتفصيلية فارق واضح وهو التباين بين الصورتين.

ولكن ما قصده الاصفهاني هو التحليل لا ما هو المرئي وجدانا فالمرئي وجدانا كما يقول العراقي صورة بسيطة وليست صورا فما يراه العالم عندما يعلم بنجاسة أحد الأناءين صورة وحدانية بسيطة يعبر عنها بانها علم اجمالي، لان متعلقها او المشار اليه بهذه الصورة مما لا تعين له مصداقا، ولكن العقل بطبيته يحلل الصور فعندما يقوم العقل بتعمل وتحليل لهذه الصورة يرجعها الى صور 4 صورة تفصيلية للوجوب وصورة بعدم خروج الواجب عن الدائرة وشكين تفصيلين لا ان المرئي وجدانا هو 4 صور كي يعترض على الاصفهاني.

التأمل الثاني ان الاصفهاني افاد بان الواجب لا يخرج عن الدائرة فما هو المقوم للمعلوم بالإجمال عنصر سلبي وهو عدم خروج الواجب عن هذه الدائرة، كما انه اذا علم بنجاسة احد الأناءين فما علم به عنصر سلبي وهو عدم خروج النجس عن هذين الأناءين فهذا هو المقوم للمعلوم بالإجمال والمائز بينه وبين المعلوم بالتفصيل.

ولكن يلاحظ عليه ان المرئي وجدانا عند تشّكل العلم الاجمالي هو العنصر الايجابي لا السلبي فان ما يراه العالم بالوجدان ان معلومة احد الأناءين لا ما لا يخرج عن احد الأناءين.

نعم العنصر السلبي لازم لا انه هو المتعلق للعلم، فمن علم بوجود اناء نجس فقد علم ان النجس احددهما ولازم علمه ان النجس احدهما عدم خروج النجس عن هذه الدائرة لا ان مصب العلم ابتداءً هو العنصر السلبي أي عدم خروج المعلوم عن هذه الدائرة.

التأمل الثالث: ان الاصفهاني افاد ان هناك شكين تفصيليين شكا ان الواجب هو الظهر ام لا، وشكا في ان الواجب هو الجمعة ام لا مع غمض النظر عن الظهر ولكن هذه الشكوك أثر للعلم الاجمالي ام مقومة له، وبعبارة اخرى ان الصورة المعلومة بالإجمال متقومه بالمشيرية لشيء فهل المشيرية نفسها متقومه بهذه الشكوك ام ان الشكوك التفصيلية اثر لهذه المشيرية والمرآتية،

قد لوح من كلام الاصفهاني ان من اثار العلم الاجمالي ومقتضياته الشك التفصيلي فهو خارج عن حده أثر له، ولكن عند التأمل فان نفس الصورة متقومه بالمشيرية، أي متقومه بإشارة وتلك الاشارة المقومة للعلم الاجمالي هي اشارة لمردد أي ان الصورة المعلومة بالإجمال من قوامها الاشارة لمردد لا انّ وراء العلم الاجمالي أثرا يترتب عليه وهو الشك التفصيلي بل نفس الاشارة المقومة للصورة المعلومة بالإجمال هي المتحيثة بهذه الحيثية وهي الاشارة لمردد.

والحمد لله رب العالمين