حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 9

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في ان متعلق العلم الاجمالي هل هو العنوان الانتزاعي ام يمكن ان يكون المتعلق عنوانا متأصلاً، وقد ذكرنا ان السيد الاستاذ أفاد بان المقوم للعلم الاجمالي مقابل العلم التفصيلي هو ان يكون المتعلق عنوانا انتزاعيا، حيث افاد بأنّ الفرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي هو الفرق بين الواجب التخييري والواجب التعييني، غاية ما في الباب ان هذا في مقام الاخبار وذاك في مقام الانشاء، وبيان ذلك: أنه اذا قال المولى مثلاً جئني برجلٍ او اكرم عالماً فانّ هذا واجب تعييني بينما اذا قال جئني برجل من هذين او اكرم عالما من بين هؤلاء كان واجبا تخييرياً فما هو الفارق حيث عدّ الاول تعيينيا والثاني تخييريا، فأفاد ان الفارق ان متعلق الأول عنوان متأصل كعنوان الرجل والعالم وان كان في نفسه كليّا لا جزئيا بينما في ال 2 اذا قال جئني بأحد هذين الرجلين او اكرم احد هؤلاء العلماء فان المتعلق عنوان الأحد وهو عنوان انتزاعي لولا وجود افراد ومصاديق في رتبة سابقة لما امكن تعقل عنوان الأحد، فعنوان الأحد عنوان منتزع من مفهوم اخر تلقاه الذهن اولا، كمفهوم الافراد والمصاديق بخلاف عنوان العالم والرجل فلذلك قال ان متعلق العلم الوجوب التخييري هو عنوان الأحد المعبر عنه بأو أي ان هذا العنوان الانتزاعي اذا اردنا التعبير عنه بالمعنى الاسمي عبرنا عنه بالأحد، واذا اردنا التعبير عنه بالمعنى الحرفي عبرنا عنه باو، واو مفادها التحويل لا الترديد او التنويع، أي تحويل المسند اليه من الفرد الى الجامع مثلا اذا قلت اكرم زيدا فالمسند اليه فرد وهو زيد فاذا جئت باو وقلت اكرم زياد او بكرا، تحول المسند اليه من كونه الفرد الى كونه الجامع بين الفردين وهو عنوان الأحد فمفاد او الأحد، اذا مفادها تحويل المسند اليه من كونه فردا الى كونه جامعا بين الفردين، وهذا هو مصب الوجوب التخييري، ويترتب على ذلك اختلافه مع سيدنا في الرجوع الى البراءة عند دوران الامر بين التعيين والتخيير فقد افاد سيدنا وتبعه الشيخ التبريزي انه اذا تردد الواجب بين التعيين والتخيير، هل ان الواجب خصوص اطعام 60 مسكينا ام ان الواجب الجامع بين الخصال، فعلى مبنى سيدنا أن هذا الدوران ينحل لعلم تفصيلي بالجامع وشك بدوي في الخصوصية اذ اننا على يقين سواء وجب الفرد ام وجب احدهما ان احدهما واجب، ونشك في تعين خصوصية الاطعام مثلاً فنجري البراءة عن الخصوصية والنتيجة هي التخيير.

لكن الاستاذ افاد ان هذا الانحلال الى علم تفصيلي بالجامع وشك بدوي في الخصوصية انما يتصور لو كان الجامع حقيقيا كما لو علمنا بوجوب الاطعام وشككنا في ان الواجب هل هو اطعام خاص في شهر معين هنا نجري البراءة اما اذا كان الجامع عنوانا انتزاعيا كعنوان الأحد فان هذا الجامع، مما لا يقع التجزئة بالنسبة اليه بان نقول هناك يقين بنفس الجامع وشك في الخصوصية باعتبار ان هذا الجامع وهو عنوان الأحد مما لا تحصل له في الجامعية ولا تمحض له في الجامعية اذ قد يكون الأحد حاكيا عن الفرد وقد يكون حاكيا عن الخيط الجامع بين الفردين، فلا معنى لان يقال نحن على يقين بالأحد، أي احد؟ المعين ام المخير؟ فلا معنى لان يقال نحن على يقين بالأحد وشك في الخصوصية كي يكون مجرى للبراءة فالنتيجة انه لما كان المائز بين الواجب التعييني والتخييري ان متعلق التعييني جامع حقيقي متأصل كعنوان العالم والرجل واشباه ذلك، ومتعلق التخييري عنوان انتزاعي كعنوان الأحد او الشيء او الامر من العناوين الانتزاعية العامة، فحينئذٍ اذا دار الامر هل ان ما وجب علينا هو الاول او ال 2 فالدوران بين متباينين ومما لا يمكن تحليله الى يقين بالجامع وشك في الخصوصية وهذا الفارق هو الفارق بين العلم الاجمالي والتفصيلي، فاذا علمت بوجود انسان فهذا علم تفصيلي لأنك علمت بوجود انسان في الدار في مقابل وجود قطة مثلاً واما اذا علمت بان الموجود في الدار زيد او عمرو فمتعلق العلم الاجمالي ليس عنوانا متأصلا وهو عنوان الانسان بل متعلقه عنوان انتزاعي وهو الأحد، غاية الامر ان في العلمين التفصيلي والاجمالي يكون من باب الاخبار، لان هناك شيئا متحققا في رتبة سابقة فتارة اعلم به تفصيلا واخرى اعلم به اجمالا واما في الفرق بين التعييني والتخييري فهو في مقام الانشاء حيث لا يوجد في رتبة سابقة ما يحكى ويعلم وانما المراد ايجاده بالأمر هل هو عنوان متأصل ام هو عنوان انتزاعي، والا فلا فرق بينهما من هذه الجهة أي بين العلم التفصيلي والواجب التخييري، ولأجل ان هذا المعنى مرتكز عنده معتقدا ان هذا ما يدور في ذهن المحقق النائيني استدل على ذلك بوجوه مضى الكلام في الوجه الأول.

الوجه الثاني يبتني على مقدمتين الأولى حينما يعلم المكلف بان هناك في يوم الجمعة اما وجوب الظهر تعيينا او الجمعة تعيينا، فالأصفهاني وغير الاصفهاني قالوا بان هناك يقينا بالوجوب، وشك في طرف الوجوب، ولكن هذا غير صحيح، فليس هناك يقين بوجوب 1، بل ما علم به المكلف او ما خطر في ذهنه نسبتان وجوب للجمعة ووجوب للظهر وبما ان نسبة الوجوب لمتعلقه نسبة الوجود للماهية فان الوجوب يتعدد بتعدد متعلقه، ويتباين بتباين متعلقه كما ان الوجود للإنسان مباين للوجود للحيوان وسر المباينة الماهية، حيث ان طرف هذا الوجود أي حده غير حدّ هذا الوجود حيث ان نسبة الماهية الى الوجود نسبة الحد للمحدود فلا محالة كما يتعدد الوجود بتعدد الماهية يتعدد الوجوب بتعدد الواجب والمتعلق فهناك وجوبان متباينان وعلى ذلك فكيف يعقل ان حصل لك يقين بوجوب واحد مع ان ما خطر في ذهنك وجوبان متباينان، فالصحيح ان ما علم به المكلف واقعية احدى النسبتين لا انه علم يقينا بوجوب أي ان المكلف يعتقد ان احدى النسبتين نسبة الوجوب للجمعة او نسبة الوجوب للظهر هي الواقع فما علم به احد الوجوبين لا وجوب الأحد اذ لو كان متعلق العلم وجوب الأحد لكان المتعلق عنوانا متأصلا وهو الوجوب بينما الوجوب احد الوجوبين أي العنوان الانتزاعي فلم يتعلق اليقين بوجوب واحد وشككنا في طرفه بل تعلق بواقعية احد الوجوبين، واحدى النسبتين فان مرجع العلم الاجمالي الى منفصلة مانعة الخلو وهي اما وجوب الجمعة او الظهر، نظير موارد النقيضين والضدين الذين لا 3 لهما حيث ينحل التناقض الى منفصلة مانعة الخلو وهو انه اما في الدار وجود للإنسان او لا.

المقدمة الثانية ان قلت اذا علم الانسان بوجود زيد او عمرو في الدار فقد علم بوجود انسان والنتيجة ان مردّ العلم الاجمالي بالاحد الى علم بعنوان متأصل وهو العلم بوجود انسان فكيف تصرون على ان الفارق بين العلمين ان متعلق العلم الاجمالي العنوان الانتزاعي؟

قلت العلم بوجود انسان هذا علم اخر غير الاجمالي متولد منه فاذا علم بزيد او بكر فما علم به هو الأحد وتولد منه علم بوجود انسان والعلم بوجود انسان تفصيلي لا اجمالي. ومن الواضح ان متعلق العلم التفصيلي عنوان متأصل نظير ان تعلم بان هذا الذي امامك عالم اذ لا شك ان هذا علم تفصيلي، ومع ذلك تقول هل هذا عربي او أعجمي عالم بالشعر او بالهندسة؟ فهل نتيجة التردد في نوع هذا ونوع عالم ان يكون العلم اجمالي؟ نقول لا بل هو تفصيلي وان كان هناك تردد في نوعه او صنفه، فكذلك الامر في المقام فلا ينبغي الخلط بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي في هذه الموارد، فما ذكره الاشتياني في شرح المنظومة من ان العلم الاجمالي ما كان متعلقه غير منكشف تماماً ليس دقيقا اذ قد يكون المعلوم بالتفصيل كذلك غير منكشف تماما بل ينبغي ان يكون المائز ان متعلق التفصيلي متأصل ومتعلق العلم الاجمالي انتزاعي.

والحمد الله رب العالمين