حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 10

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين

ويلاحظ عليه اولا ان العلم بواقعية احدى النسبتين وهما وجوب الجمعة او وجوب الظهر لا يمنع أن يتعلق العلم الإجمالي بجامع متأصل وهو وجوب فريضة في يوم الجمعة، فانّ ما تعلق به العلم وجدانا هو صدور وجوب مشخص لا كلي الوجوب وانما فعلية وجوب مشخص اما متشخص بالظهر او بالجمعة، فهناك علم وجداني بوجوب شخصي اما الظهر او الجمعة، فدعوى ان المعلوم واقعية احدى النسبتين لا ينفي تعلق العلم بجامع متأصل وهو وجوب فريضة يوم الجمعة.

وثانيا، بأنّ دعوى ان الجامع المتأصل معلوم بالتفصيل لا بالإجمال، كما اذا علم ان في الدار زيد او بكرا فالنتيجة انه علم بإنسان في الدار فدعوى ان العلم بإنسان علم تفصيلي ممنوعة، والوجه في ذلك انّ المنظور اليه ليس هو العلم الاجمالي بعد التحليل العقلي كما افاده المحقق الاصفهاني حيث قال ان العلم بوجود زيد او بكر ينحل الى علم تفصيلي بإنسان وعلم تفصيلي بانّ ذلك الانسان لا يخرج عن هذين الفردين، وشك بدوي فان هذا تحليل للعلم الاجمالي لا انه هو المراد بنظر العالم وما هو المرئي بنظر العالم العلم بإنسان متخصص في احد الفردين، والانسان المتخصص في احد الفردين معلوم بالإجمال وليس بالتفصيل.

فالنتيجة ان ما افاده لإثبات ان المعلوم بالإجمال جامع انتزاعي لا متأصل غير تام.

الوجه الثالث لإثبات ان المعلوم بالإجمال عنوان انتزاعي مؤلف من مقدمتين:

الاولى ان العلم الاجمالي من قبيل التصديق لا من قبيل التصور، لان العلم مساوق للاذعان وبما انه تصديق وهو انما يتعلق بالنسب لا بالمفردات كالعلم التصوري فلا محالة متعلق العلم الاجمالي نسبة وليس مفردا فاذا علم اجمالا بوجوب الظهر او الجمعة فالمعلوم احدى النسبتين.

المقدمة الثانية فرغ في بحث المعنى الحرفي انه لا يوجد جامع حقيقي بين النسب فإنها متباينة تباينا ذاتيا والوجه في ذلك ان حقيقة كل نسبة بطرفها لان النسبة معنى حرفي متقوم بطرفين فحقيقة كل نسبة متقومه بطرفها وبما ان الاطراف متباينة ذاتا فلا محالة النسب متباينة تباينا ذاتيا وحيث لا جامع حقيقي بين النسب اذا فما يتعلق به العلم الإجمالي ليس جامعا حقيقيا وانما ما يتعلق به عنوان انتزاعي وهو عبارة عن احدى النسبتين او احدى النسب.

ويلاحظ عليه على فرض تمامية كبرى ”انه لا جامع حقيقي بين النسب“ انه عدم وجود جامع بين النسب لا يؤدي الى ان يكون متعلق العلم الاجمالي عنوانا انتزاعيا، اذ عدم وجود جامع حقيقي بين النسب لا يعني عدم وجود جامع حقيقي بين اطراف النسب اذ يمكن وجود جامع حقيقي بيان لموضوعين او المحمولين ومتى تأتى جامع حقيقي بين الموضوعين او المحمولين او كليهما كان متعلق العلم الاجمالي ذلك الجامع الحقيقي مثلا اذا علم المكلف بوجوب الظهر او الجمعة فلنفترض ان لا جامع حقيقي بين النسبتين بما هما نسبتان ولكن هناك جامع حقيقي بين الفرضين وهو عنوان الفريضة او هناك جامع حقيقي بين المحمولين وهو عنوان الوجوب.

والنتيجة انه مع فرض وجود جامع حقيقي بين الموضوعين فذلك الجامع هو متعلق العلم الاجمالي، فمن علم بوجوب الظهر او الجمعة فقد علم بوجوب فريضة في يوم الجمعة، والمعلوم حينئذٍ جامع متأصل وليس جامعا انتزاعيا.

فتخلص مما مضى ان هذا المدعى من ان متعلق العلم الاجمالي لا يعقل ان يكون جامعا حقيقيا بل يتعين ان يكون جامعا انتزاعيا وهو عنوان الأحد هذا المدعى غير تام، ثم انه قد سبق في اول ما دخلنا في شرح المسلك الثاني من مسالك حقيقة العلم الاجمالي وهو مسلك المحققين النائيني والاصفهاني من تعلق العلم الاجمالي بالجامع ان قلنا هنا امور 4 الامر الأول كان في بيان الفرق بين الجامع بنحو الموضوعية والجامع بنحو المشيرية، والثاني كان في شرح اختلاف بيان المحقق الاصفهاني عن بيان النائيني، وما يرد على البيانين.

الامر الثالث انهم عندما يبحثون عن الجامع، فهم يتحدثون عن العلم الاجمالي مع غمض النظر عن عالم المنجزية، أي سواء قلنا انه منجز ام لا فان حقيقته انه متعلق بالجامع ولأجل ذلك لو كان هذا المتعلق هو الجامع مشتملا على خصوصية لا دخل لها في المنجزية فهذا لا يضر بان حقيقية العلم الاجمالي هي التعلق بالجامع، بيان ذلك ان المحقق الاصفهاني ذهب الى تحليل العلم الاجمالي.

قال العلم ينحل الى علم تفصيلي بالوجوب وعلم تفصيلي بعدم خروج الواجب عن احد هذين الفردين فاشكل عليه سيد المنتقى ان هذه الخصوصية السلبية وهي عدم خروج الواجب عن هذين الفردين لا دخل لها في المنجزية فان هذه الخصوصية السلبية مما لا تدخل في عهدة المكلف اذ لا يترتب عليها بعث او زجر اذا فما ذكره المحقق من هذه الخصوصية عنصر لا ربط له بمنجزية العلم الاجمالي فان العلم الاجمالي انما يتنجز بخصوصية وجودية تدخل في عهدة المكلف لا بخصوصية سلبية عدمية.

والتأمل في كلامه انه لو فرضنا ان هذه الخصوصية العدمية مما لا دخل لها في المنجزية الا ان هذا لا يمنع من منجزية العلم الاجمالي بلحاظ عناصره الاخرى وهو انه علم بوجوب ذلك الواجب لا يخرج عن احد الفردين فالمجموع من هاتين الخصوصيتين قابل للدخول في عهدة المكلف واستلزامه للمنجزية فان ما يقوم المحقق بصدد بيانه هو حقيقة العلم الاجمالي وليس العلم الاجمالي المنجز بتمام عناصره وخصوصياته كي يقال ان هذه الخصوصية مما لا دخل لها في المنجزية.

كما ان دعوى ان العلم الاجمالي متعلق بالجامع الانتزاعي كما في كلمات النائيني لا بالمتأصل ما هو المقصود بذلك المقصود بذلك ان الجامع المتأصل ما كان له ما بإزاء سواء كان ما بإزائه في الخارج كعنوان ما وقع فيه الدم او كان ما بإزائه في وعاء الاعتبار لا في الخارج كعنوان الوجوب والحرمة فانه ليس لهما ما بإزاء في الخارج وانما ما بازائهما في وعاء الاعتبار فكلاهما من الجامع المتأصل كما ان العنوان الانتزاعي يراد به حصة من العناوين الانتزاعية وهي العنوان المتنزع من الافراد بضميمة حيثية البدلية، حيث ان العنوان الانتزاعي قد يكون خاصا كعنوان الفوقية والعالمية أي انه منتزع من منشأ معين ويكون منتزعا من مجموعة من الافراد بضميمة حيثية البدلية كعنوان الأحد والفرد وعنوان الشيء وما اشبه ذلك وانما بينّا هذا المطلب لرفع اللبس عما في بعض الكلمات حيث ذكروا كأشكال على كلام النائيني ان العلم الاجمالي قد يتعلق بالوجوب والوجوب ليس عنوانا متأصلا بل هو عنوان اعتباري فتوهم ان المراد بالمتأصل خصوص ما له بإزاء في الخارج بينما المراد بالمتأصل ما له بإزاء سواء كان في الخارج او في وعاء الاعتبار كما حصل اصرار في بعض الكلمات على ان مقصود النائيني من العنوان الانتزاعي هو خصوص عنوان الأحد والحال انه ليس كذلك وانما مقصود النائيني ان متعلق العلم الاجمالي عنوان انتزاعي عام، أي منتزع من افراد بضميمة البدلية سواء عبرنا عنه بالأحد او فرد من هذين او شيء من هذين او ما اشبه ذلك فلا خصوصية لعنوان الأحد.

الامر الرابع الايرادات التي اوردها العلمان سيد المنتقى والسيد الصدر على هذا المسلك، وهو تعلق العلم الاجمالي بالجامع مع غمض نظر عن صياغة النائيني او الاصفهاني، وهي مجموعة من الإيرادات:

الاولى لا شك ولا ريب ان بعض صور العلم الاجمالي عبارة عن تعلق العلم الاجمالي بالجزئي لا بالجامع فالصورة المنقدحة جزئية لا كلية، مثلاً اذا علم المكلف ان هذا الاناء الابيض نجس ثم جاء شخص اخر ووضع مع الاناء الابيض انية اخرى فحصل الاشتباه ونتيجة اختلاط ذلك الاناء الابيض بالآنية الجديدة حصل علم اجمالي فيقال ان المعلوم بالإجمال في هذه الصورة جزئي لا كلي لان ما يعلم به النجاسة المتشخصة في ذلك الاناء المختلط فكيف يدعى بان المعلوم بالإجمال هو الجامع.

والمثال الآخر اذا علم المكلف ابتداءً بنجاسة احد الإناءين ولكنه يحتمل نجاس الآخر فهنا قد يدعى ان المعلوم هو الجامع لأنّه يحتمل نجاسة الآخر فما دام يحتمل نجاسة الآخر اذا ليس له يقين ان مصداق النجس متعين ولعل مصداق النجس كليهما فليس هناك مصداق متعين للمعلوم بالإجمال فهنا قد يقال متعلق العلم الاجمالي كلي اما اذا قطع المكلف ان النجس احدهما لا الآخر فانا اعلم بنجاسة احدهما واعلم ان النجس واحد والثاني قطعا طاهر فهنا لا محالة المعلوم بالإجمال جزئي وليس كليا فكيف يدعي المحققان ان متعلق العلم الاجمالي الجامع لا محالة مع انه في بعض صوره جزئي.

فهل هذه الجزئية وهي اشارة الذهن الى متشخص في الخارج نابعة من نفس المعلوم بالإجمال ام من خارج دائرة المعلوم بالإجمال كي يتم كلام المحققين؟

والحمد الله رب العالمين