حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 11

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين

لازال الكلام فيما اشكل على المسلك الثاني في حقيقة العلم الاجمالي وهو مسلك تعلق العلم الاجمالي بالجامع لا بالفرد، والاشكال الاول كان عبارة عن انه في بعض الموارد يُرى ان متعلق العلم الاجمالي هو الجزئي والصورة الجزئية لا الكلي كما اذا علم بنجاسة احد الأناءين مع علمه بطهارة الآخر فالمعلوم هنا جزئي وهو نجاسة اناء متشخص خارجا فكيف يدعى ان العلم الإجمالي متعلق بالجامع في تمام موارده؟

والجواب عن ذلك يرجع الى مسالة وجدانية وهي هل ان الوجدان في المقام شاهد على ان المعلوم بالإجمال صورة متقومه بإشارة الى جزئي خارجي فحينئذٍ لا محالة يكون المعلوم جزئيا وليس الجامع، اما ان الصورة المنتقش في ذهن العالم هي علم بالجامع بضميمة اشارة الى جزئي خارجي لا ان الصورة في نفسها متقومه بتلك الاشارة ومتحصلة بها وانما الاشارة لجزئي خارجي ضميمة للصورة لا انها جزء منها، فاذا ادعى شخص ان ما بوجدانه في هذا الفرض صورة جزئية أي صورة متقومه بإشارة لإناء متشخص فانه يرى ان المعلوم بالوجدان جزئي في هذا المورد ولكن ما نراه بوجداننا ان الاشارة الى الجزئي خارج عن حريم الصورة نفسها ودائرة الصورة نفسها فالصورة على ما هي عليه في سائر موارد العلم الاجمالي من تعلقها بالجامع، وهو نجاسة احد الأناءين وانما انضمت اليها اشارة لجزئي بسبب عامل خارجي، وذلك العامل الخارجي اما الاشتباه كما لو كان لديه اناء نجس مشخص ثم اختلط بغيره فالسبب في حدوث العلم الاجمالي وهو الاشتباه هو الذي اوجب ضميمة اشارة لجزئي مع هذه الصورة او ان السبب في وجود الاشارة علمه ان لا نجس الا اناء واحد، والا فمن حيث الصورة نفسها هي صورة لجامع وهو نجاسة احد الأناءين التي ترى بنظر العالم قابلة للصدق على كل منهما، ومما يوضح ذلك ما ذكره الاعلام في مورد استصحاب الكلي المنتزع من الفرد، فمثلاً في القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي اذا حدث بلل مردد بين البول او المني فقد يقول من حدث به الحدث ان ما أعلمه هو جزئي وهو بلل متشخص خارجا اما في بول او مني، فالمعلوم جزئي لا كلي ولكن عندما يدقق الذهن في هذه الصورة يقول ان لكل من الحدثين اثرا خاصا، وللجامع بينهما اثر أيضاً فلو كان الحادث منيا لكان الاثر المختص به وجوب الغسل ولو كان الحادث بولا لكان الاثر المختص به تطهير الموضع بالماء القليل مرتين لا مرة واحدة وهناك اثر للجامع بينهما وهو جامع الحدث أي لا يمس المصحف الا عن طهارة وهذا اثر مشترك فبمجرد ان يلتفت الذهن الى هذا الامر يقول بان الاثر الخاص لكل منهما مشكوك للشك في موضوعه بينما الاثر للجامع فهو ثابت ولذلك لو توضأ بعد حدوث هذا البلل وشك في بقاء جامع الحدث الذي علمه لجرى استصحابه على بعض المباني ومقتضى استصحاب جامع الحدث ان لا يمس المصحف الا بطهارة..

فالنتيجة انه لولا وجود علم بالجامع لما حصل يقين بالحدوث بحيث يجري استصحاب بقائه فالعلم بالجامع عند حصول سبب متعلق بجزئي ملحوظ وجدانا فلا يشكل هذا المورد نقضا على القائلين ان متعلق العلم الاجمالي العلم بالجامع.

الاشكال الثاني ما تعرض له سيد المنتقى واجاب عنه ومحصله ان ما تعلق به العلم الاجمالي ليس مجرد الجامع بل زيادة على الجامع لان المعلوم الجامع المتخصص بخصوصية فاذا علم بنجاسة أحد الأناءين فقد علم بنجاسة في اناء متخصص ذلك الاناء بخصوصية وان كان المكلف لا يعلمها فليس متعلق علمه مجرد الجامع او مجرد الأحد بل ما تعلق به جامع متخصص بخصوصية معينة وهذا يخرج المعلوم عن كونه كليا الى كونه جزئيا.

ولكن عندما يتأمل في هذا الاشكال يطرح هذا السؤال وهو ان الخصوصية التي انضمت الى الجامع اما خصوصية الصفة او الوجود فان كان المنظور خصوصية الصفة بمعنى ان المعلوم بالإجمال جامع متصف بصفة لا مطلق الجامع فمن الواضح ان هذه الصفة اما متعينة او غير متعينة فاذا كانت متعينة كان العلم تفصيليا وان لم تكن متعينة بمعنى انني اعلم ان هناك صفة لهذا الجامع المعلوم بالإجمال وان كنت لا استطيع ان اضع اصبعي على تلك الصفة فهذا لا يخرج الجامع عن كونه جامعا نظير موارد الكلي في المعين فاذا قال بعتك او ملكتك كيلو من كيلوات هذا الرز فان كون المملوك هو من هذه الكومة من الرز لا يحوله الى جزئي بل يبقى كليا لقابليته للصدق على أي ما يفترض من الكليوات من هذه الكومة فالف قيد ينضم للجامع لا يخرجه عن كونه جامعا.

وان كان المقصود خصوصية الوجود بمعنى ان ما علم به جامع موجود أي جامع متشخص خارجا فليس المعلوم نجاسة كلية بل المعلوم نجاسة متشخصة خارجا ضمن احد الأناءين فهذه الخصوصية وهي خصوصية الوجود هي التي نحتمل كونها في هذا او هذا.

الا انه مجرد العلم بان هناك وجودا وواقعية لهذا الجامع لكونه متشخصا خارجا ضمن احد الفردين لا يزيل الصورة المعلومة عن قابليتها في نظر العالم للصدق على أي منهما بحيث يكون تعيين صدقها على باء دون جيم او العكس ترجيحا بلا مرجح، من هذه الزاوية أي زاوية تعلق العلم الاجمالي بالصورة.

الاشكال الثالث ما تعرض له سيد المنتقى واجاب عنه ومحصله ان دعوى تعلق العلم الاجمالي بالجامع منقوضة بموارد تردد الامر بين المحذورين، مثلاً اذا علم المكلف بان هناك الزام اما بصوم عاشوراء او بترك صوم عاشوراء فهناك الزام مردد بين المحذورين الوجوب او الحرمة فصوم عاشوراء اما لازم او تركه لازم، ففي هذا المورد اما ان نرجع المعلوم الى الجامع او نرجعه الى الجزئي فان ارجعناه الى الجامع فهو غير معقول ولا معنى له لأنّه لا يعقل الإلزام بأحد النقيضين لان المكلف لا يخلو من احد النقيضين فكل انسان على وجه الارض اما صائم او تارك ولا يتصور خلوه من احد النقيضين فاذا كان المكلف مما لا يخلو واقعا من احدهما فإلزامه بأحدهما تحصيل للحاصل فاذا اذا ارجعنا الالزام المعلوم في هذه الموارد الى الإلزام بالجامع فقط لا الإلزام بشيء مشخص أي ان المكلف ملزم بواحد فإلزامه بواحد هو متلبس به لا محالة لا يعقل فلا يعقل في المقام الزامه بالجامع بما هو جامع حيث لا يخلو حاله من هذا الجامع فاذا كان الزامه بالجامع غير معقول لا يعقل تعلق العلم به جزما فلا محالة المعلوم بالإجمال في هذه الموارد هو الجزئي لا الجامع أي متعلق به علمي هو الزام بحكم متشخص في علم الله، لا الزام بالجامع فان هذا امر غير معقول.

واجاب عنه ان هناك فرقا بين العلم بالإلزام الفعلي والعلم بالإلزام الانشائي فما هو غير المعقول هو العلم بالإلزام الفعلي بان تعلم ان هناك الزاما يبعثك بالفعل نحو الجامع فلا يعقل الانبعاث نحو الجامع لتحققه على كل حال، فاذا لم يعقل البعث نحو الجامع فليس هناك علم بالزام فعلي أي باعث ولكن اذا نظرنا الى الالزام الانشائي بمعنى ان ما علم به المكلف ان المولى في عالم الانشاء والاعتبار اعتبر اللزوم لاحد الامرين فهذا امر معقول بان يتعلق علم المكلف ان المولى في عالم الاعتبار جعل اللزوم اما للصوم او لتركه لا ان هناك الزاما بالفعل كي يقال بعدم معقوليته فالموارد التي يكون دوران الامر بين المحذورين ذا اثر كما لو حصل في غير التوصليين مثل مثالنا لو ان احدهما تعبدي اذ تارة يدور الامر بين محذورين توصليين كما لو علم انه اما يجب عليه السفر ام يحرم هنا لا يخلو المكلف اما مسافر او تارك، اما لو علم انه اما يجب الصوم القربي او يحرم فان هناك واسطة وهو الصوم غير القربي وعليه لو اتى بالصوم غير القربي لخالف كلا المحتملين فارتكب مخالفة قطعية اذا فالعلم بالإلزام هنا وان كان مرددا بين المحذورين الا ان له اثرا فيعقل ان يكون فعليا فيمكن ان يقال ان العلم بالإلزام علم بالزام فعلي والشاهد على فعليته ترتب الاثر عليه وهو حرمة المخالفة القطعية فكيف نحل الامر حينئذٍ؟

فيقال انه لا مانع من القول في جميع موارد دوران الامر بين المحذورين ان المعلوم هو الجامع، غايته الجامع المشير لاحدهما وكون الجامع مشيرا لإلزام خارجي لا يخرجه عن كونه جامعا فان بنظر العالم ان ما دخل في عهدته والزم به احد الامرين الا انه لو اراد ان يطبق هذا المعلوم من حيث هو معلوم بالإجمال على احدهما دون الآخر لكان ترجيحا بلا مرجح وهذا معنى تعلقه بالجامع.

والحمد الله رب العالمين