حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 12

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

الإشكال الاخير على مسلك تعلق العلم الاجمالي بالجامع، ما اقتنصه السيد الشهيد من كلام المحقق العراقي ومحصله أنّه لو كان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع لكان منطبقا على الجزء التحليلي من الفرد، مع انه بالوجدان منطبق على الفرد بتمامه، مما يكشف عن عدم صحة تعلق العلم الاجمالي بالجامع.

وبيان ذلك: انه اذا علم المكلف بوجود اناء نجس من بين الإناءين وقلنا بان ما علم به هو الجامع، أي عنوان أو صرف وجود الاناء النجس، فمقتضى هذا المسلك ان المكلف اذا فحص ووجد النجاسة في اناء باء مثلاً فحينئذٍ لا يستطيع ان يقول هذا هو ما علمت بنجاسته اولا فان عنوان الاناء النجس لا ينطبق على اناء باء بتمامه وانما ينطبق على جزء منه، لان الفرد هو المركب من الجامع والخصوصية فإناء باء مركب من اناء + خصوصية ككونه ابيض فلو كان المعلوم اولا مجرد الجامع فمقتضى ذلك ان المعلوم جزء الفرد وليس تمام الفرد باعتبار ان الفرد مركب من الجامع والخصوصية والمفروض ان ما علم به المكلف الجامع لا الخصوصية اذا فما هو منطبق علمه هو جزء من الفرد لا تمام الفرد، مع ان الوجدان شاهد على ان المكلف اذا فحص فوجد ان النجاسة في اناء باء فانه يقول انما علمته من الاول هو هذا الاناء النجس الذي وجدته فعلا فينطبق المعلوم بالإجمال على الفرد بتمامه، مما يكشف عن ان المعلوم ليس هو الجامع والا لما انطبق على الفرد بتمامه بل المعلوم من اول الامر صورة جزئية، وهي هذا الفرد الذي لم يكن واضحا تفصيلا فاصبح واضحا.

فالمتحصل من كلام المحقق العراقي ان متعلق العلم الاجمالي ليس الجامع والا لم ينطبق على الفرد بتمامه مع ان الوجدان شاهد على التطابق بين المعلوم بالإجمال والفرد بتمامه.

واجيب عن هذا الاشكال بوجوه: الوجه الأول: ان الاستدلال مصادرة، فكون منطبق العلم الاجمالي هو الفرد بتمامه اول الكلام، وهذا هو محط النزاع بين المسلك القول بالجامع وبين مسلك كشف الواقع الذي هو مسلك العراقي، فالقائلون بتعلق العلم الاجمالي بالجامع كالنائيني والاصفهاني والخوئي يقولون متعلق العلم الاجمالي جزء الفرد وليس تمام الفرد، مثلاً لو علم بوجود زيد او بكر في الدار فالمعلوم هو الجامع أي وجود انسان في الدار، وهذا المعلوم لا ينطبق على الفرد بتمامه باعتراف القائلين بمسلك الجامع بل هذا المعلوم ينطبق على جزء الفرد لان الموجود في الدار لو كان في الواقع زيد لكان مركبا من الجامع وهو الانسانية والخصوصية وهي الزيدية فما علم به اجمالا من الاول هو الجامع لا الفرد بتمامه، وعليه لو علم ان الموجود هو زيد فلا يقال بان هذا هو نفس المعلوم بالإجمال عندي بل ما علمته بالإجمال هو الجامع الذي ينطبق على جزء المعلوم التفصيلي لا تمامه، الا اذا كان مع المعلوم بالإجمال اشارة الى فرد خارجي مشخص كما اذا اشتبه الاناء النجس بغيره كما لو احرزنا ان الاناء النجس هو هذا المرقم بباء فجاء احد ورقم الثاني بباء فاختلط علينا فحينئذٍ المعلوم بالإجمال وهو وجود اناء نجس قد انضمت اليه اشارة وهي ان الاناء النجس هو اناء خارجي له مميزات معينة نجهلها الان نتيجة الاختلاط فببركة الاشارة صار هناك صورة جزئية فاذا فحصت واكتشفت ما هو المرقم بباء اولا فانني اقول هذا ما علمته ببركة ضميمة الاشارة للمعلوم بالإجمال لا ان هذا نفس ما علم اجمالا، فما ارتكز عليه المحقق «قده» هو محل نقاش لدى القائلين بالجامع.

الوجه الثاني: ما ادعي من ان متعلق العلم الاجمالي لو كان هو الجامع لم ينطبق الا على جزء من الفرد لا على الفرد بتمامه ولا يطرد في سائر الجوامع فهناك بعض الجوامع تنطبق على الفرد بتمامه مع انه جامع وهذا ما اجاب به السيد الشهيد في المقام على دعوى المحقق العراقي ونفس الجواب هو مبنى العراقي في بحث الوضع العام والموضوع له خاص، حيث ذكر العراقي في بحث الوضع ان الجامع على قسمين قسم ينطبق على الجزء من الفرد وقسم على تمام الفرد فالجامع اذا قيس لما هو فرده بالذات انطبق على جزء منه مثلاً عنوان الانسان اذا قيس لزيد وبكر وعمرو فقد قيس لما هو فرده بالذات حيث ان زيد فرد بالذات لعنوان الانسان فنتيجة هذا القياس نقول ان الانسان لم ينتزع من زيد بتمامه كي يصدق عليه بتمامه وانما انتزع عن جزء منه حيث ان الذهن اذا لاحظ زيدا وبكرا وعمروا فرز الخصوصية المشتركة عن الخصوصية المختلفة وانتزع من الخصوصية المشتركة عنوان الانسان فالإنسان لم ينتزع من زيد بتمامه كي يصدق عليه بتمامه وانما انتزع عن الخصوصية المشتركة بين هذه الافراد فهو ينطبق على جزء الفرد لا على تمامه، بينما اذا قسنا عنوان الفرد الى زيد وبكر فان زيد ليس هو المصداق بالذات لعنوان الذات بل هو مصداق له بالعرض فعنوان الفرد مصداقه هو الفردية وليس زيد غاية ما في الباب لما عرضت الفردية على زيد صار مصداقا للفرد فزيد ليس فردا بالذات لعنوان الفرد انما هو فرد له بالعرض، يعني لخصوصية عرضت عليه وانما زيد حيوان ناطق ليس من قوامه الذاتي الفردية فزيد ليس فردا بالذات لعنوان الفرد وانما هو فرد بالعرض، فاذا قيس عنوان الفرد لزيد وبكر وعمرو فان هذا العنوان وهو الفرد منتزع من زيد بتمام شراره لان زيد فرد بكل ما عنده فهو بما هو ذو طول وعرض وابن فلان فرد فحيث ان الفردية انتزعت عن زيد بتمام شراره انطبق عنوان الفرد على زيد بتمامه لا مثل الانسان الذي ينطبق على حيثية من زيد لا تمامه.

ونتيجة ذلك وجود فرق بين ما ينطبق على جزء من الفرد وما ينطبق على الفرد بتمامه وفي بحث الوضع يذكر.

ان قلت: ان عنوان الفرد انتزع من حيثية تنطبق على زيد وعلى بكر وعلى خالد واذا رجعنا الى تلك الحيثية فانتم تقررون ان تلك الحيثية مندمجة مع زيد بتمام شؤونه وكذلك مع عمرو ومع خالد بتمام شؤونه فهل يعقل ان يكون المتباين بما هو متباين منشأ لحيثية مشتركة، فخصوصيات زيد مباينة لخصوصيات عمرو فكيف تكون هذه الخصوصيات مع تباينها وبما هي متباينة منشأ لحيثية مشتركة.

قلت: اولا بالنقض: فبعنوان الشيء فان عنوان شيء ينطبق على زيد بتمامه وعلى بكر بتمامه، فان زيدا شيء بكله فكيف انتزعت هذه الحيثية المشتركة وهي حيثية الشيئية منه الخصوصيات المتباينة بما هي متباينة.

واما الحل: فقد ذهب السيد الشهيد مذهبا اخر في الحل وهو انه هناك فرق بين علاقة المعلول بالعلة وعلاقة العارض الواقعي بمعروضه ففي علاقة المعلول بالعلة يتم هذا الكلام لا يعقل صدور الواحد من الكثير بما هو كثير فكما لا يعقل صدور الكثير بما هو كثير من الواحد لا يعقل صدور الواحد من الكثير بما هو كثير فهذا بعلاقة المعلول بالعلة تام اما اذا كانت العلاقة علاقة العارض الواقعي بمعروضه في الواقع مع غمض النظر عن عالم الوجود فان عالم الواقع اوسع من عالم الوجود فاذا كانت العلاقة علاقة عارض ومعروض في الواقع وليست علاقة معلول بعلة فلا مانع من ان يكون العارض الواقعي واحدا مع ان معروضه كثير، فيمكن القول ان الشيئية عارض واقعي على ماهيات متباينة كالإنسان والحيوان.. الخ فان هذه المتباينات بما هي متباينات واقعا معروضة للشيئية التي هي حيثية واحدة فلا وجه للإشكال على القسم الثاني من الجوامع بانه كيف تكون حيثية مشتركة منتزعة من خصوصيات متباينة، وبناءً على ذلك يجاب في المقام بان يقال نسلم مع القائلين بمسلك الجامع ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع ونسلم مع المشكلين بان بعض الجوامع انما تنطبق على جزء الفرد لا التمام ولكننا نقول ان متعلق العلم الاجمالي دائما ليس هو الجامع الذاتي الذي ينتزع من فرده بالذات كجامع الانسان كي يقال بانه لا ينطبق الا على جزء الفرد بل متعلق العلم الاجمالي جامع عرضي انتزاعي كعنوان الفرد والشيء وعنوان الأحد وما اشبه ذلك من العناوين فهي عناوين عرضية انتزاعية وهذه العناوين حيث تنتزع من المتباينات تنطبق على الفرد بتمامه، فيصح لنا القول اذا علمت بنجاسة اناء بين الانائين فقد علمت بنجاسة احد الانائين والأحد عنوان عرضي ينطبق على الفرد بتمامه فاذا فحصت ووجدت النجاسة فيصح ان اقول هذا هو معلومي من الاول فانطبق المعلوم بالاجمال على الفرد بتمامه فلا يكون هذا اشكال على القائلين بمسلك الجامع.

والحمد لله رب العالمين