حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 13

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم ان السيد الشهيد في تبنّيه لمسلك العراقي افاد ان العنوان يمكن انتزاعه من خصوصيات متباينة بما هي متباينة، فينتزع عنوان الفرد من خصوصيات متباينة كخصوصية زيد وبكر وخالد وما شابه.

ولكن يلاحظ على ذلك:

ان العنوان منتزع من حيثية قائمة بهذه الافراد المتباينة، وتلك الحيثية اما ان تكون نسبتها لهذه الافراد نسبة عوارض الوجود او نسبة عوارض الماهية، فهي اما من العوارض على وجود الافراد او على ماهيات هذه الافراد مع غمض النظر عن وجودها فاذا كان المدعى أن عنوان الفرد او عنوان الأحد او عنوان الخصوصية وامثال ذلك منتزع من حيثية قائمة بالافراد قياما وجوديا فيرد عليه ان عروض أي عرض على الموجود فرع اقتضاء في هذا الموجود له، مثلاً عروض النوم او الجهل على النفس لاستعداد فيها لهذه العوارض والا لكان عروض هذه العوارض على هذه الموجودات دون غيرها بلا مرجح، فالنتيجة ان الموجودات اذا كانت متباينة ذاتاً فلا يعقل اقتضائها لواحد فانه يرجع الى صدور الواحد من المتعدد فلا يعقل عليّة واقتضاء هذه الموجودات بما هي متباينة لعرض واحد.

وإما ان يكون قيام الحيثية بهذه الموجودات قياماً ماهوياً بمعنى انها من لوازم الماهية كما يقال بان الزوجية من لوازم الأربعة لا من لوازم وجودها فالأربعة بما هي اربعة من لوازمها الزوجية، فيدعى ان عنوان الفرد منتزع من حيثية وتلك الحيثية من لوازم عدة ماهيات متباينة مثلاً كماهية الانسان والفرس وان عنوان الفرد منتزع من حيثية لازمة لهذه الماهيات بما هي متباينة.

ولكن يلاحظ عليه

ان عالم تقرر الماهية بذاتها وذاتياتها ولوازمها هو عالم المسانخة كما ان عوارض الوجود مناطها الاقتضاء فعوارض الماهية مناطها المساخنة فيقال مثلاً لم لازم الأربعة الزوجية وليس الفردية؟ بمعنى ان ذات الأربعة وحقيقته تستبطن المسانخة لهذا اللازم، فلولا المسانخة بين الماهية وبين هذا العارض المعين لما اختصّ هذا العارض بهذه الماهية دون غيرها، فاذا كان المناط هو المسانخة عاد الاشكال اذ كيف يعقل المسانخة بين ماهيات متباينة بين عارض معين فمقتضى تبانيها عدم مسانختها فكيف يكون عروض واحد عليها مسانخا؟

فتحصل ان هذا المدعى في كلمات العراقي والسيد الصدر من ان العناوين العرضي الانتزاعية تنتزع من المتباينات بما هي متباينات محل تأمل بل منع.

نعم ما ينتزع من نفس الوجود كعنوان الموجود وعنوان الشيء او عنوان الامر بما انها عناوين منتزعة من الوجود والوجود يعرض المتباينات بما هي متباينات فان لكل ماهية نوعا من الوجود يكون منشأ لانتزاعها ومحدودا بها، فاذا كان العنوان منتزعا من نفس الوجود فحينئذٍ يمكن صدقه على ماهيات مختلفة الا ان هذا غير المدعى فان المدعى عند العلمين العراقي والسيد الصدر ان العناوين العرضية الانتزاعية تنتزع من المتباينات بما هي متباينات، فهذا الوجه الذي اريد به الدفاع عن مسلك القول بالجامع غير تام.

الوجه الاخير: ان يقال بان الامر راجع للإشارة

وبيان ذلك: كان اشكال العراقي ان متعلق العلم الاجمالي لو كان هو الجامع لم ينطبق على الفرد بتمامه، وانما ينطبق على جزء الفرد، فكان القوم بصدد دفع هذا الاشكال ومر جوابان وارتضينا الجواب الأول.

الجواب الثالث انما يصدق الجامع على الفرد بتمامه ببركة الاشارة، لا من نفس الجامع فمثلاً اذا علم المكلف جزما وبتاً ان في الدار اناءً نجساً وان كان لا يميزه فالمعلوم هو الجامع أي وجود اناء نجس ولكن حيث ان هذا الجامع مقترن بالإشارة وتلك الاشارة كالإشارة الحسية تتعلق بالوجود اذا فهناك عنوان جامع وهو اناء النجس واشارة كالإشارة الحسية تتعلق بالوجود ان هذا الجامع موجود فبما ان الاشارة الذهنية التي هي كالحسية تتعلق بالوجود والوجود عبارة عن وجود الفرد بتمامه لان الفرد ليس موجودا بعضه دون بعض، وقد تعلقت الاشارة بالوجود اوجب ذلك ان يصدق الجامع على الفرد بتمامه لا لذاته بل لاقترانه بالإشارة الى الوجود فما ذكره اصحاب هذا المسلك من ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع صحيح وما ذكره العراقي من ان الجامع في العلم الاجمالي ينطبق على الفرد بتمامه لا بجزئه الا ان انطباقه عليه بتمامه لعامل اخر وهو اقتران صورته بإشارة للوجود.

ولكن هذا الكلام ليس دقيقاً والسر في ذلك ان الاشارة لها معنى حرفي متعلق بطرفين احدهما الوجود والآخر العنوان نفسه وهو الجامع فان محصل الاشارة وجود هذا الجامع فلأجل ذلك وان كانت الاشارة متعلقة بالوجود ولكنها انما تشير الى وجود الجامع فان كان الجامع لا يعبر الا عن عنصر من عناصر الفرد وهي الحيثية المشتركة فلا تزيد الاشارة عن ذلك بشيء فهي انما تعيني وجود ذلك الجامع فاذا كان ذلك الجامع حاكيا عن جزء فلا تعني الاشارة الا وجود ذلك الجزء لا الفرد بتمامه، وان كان الجامع مما انتزع من الفرد بتمامه كانت الاشارة اشارة الى وجود الجامع للفرد بتمامه فمجرد تعلق الاشارة بالوجود لا يحل المشكلة ويبين لنا الجامع صادق على الفرد بتمامه فان الاشارة في ذلك تابعة لنوع الجامع.

فالصحيح هو الجواب الاول، وبهذا تم الكلام في مسلك العلم الاجمالي بالجامع وظهر انه مسلك تام وانه متطابق مع مسلك تعلق العلم الاجمالي بالفرد المردد بناءً على التوجيه الذي ذكرناه وهو انه عبارة عما كان بنظر العالم ليس له مصداق متعين سواء كان مصداقه متعينا واقعا ام لا.

المسلك الثالث: ما هو ظاهر كلمات المحقق العراقي من مسلك كشف الواقع، أي ان متعلق العلم الاجمالي وان كان هو الجامع فهو يسلم ان متعلقه هو الجامع، الا ان متعلقه الجامع الكاشف عن الواقع فالواقع منكشف بهذا الجامع، وبيان مطلبه في عناصر 3: مقالات ج 2 ص 230 نهاية الافكار ج 3 ص 299 المنتقى ج 5 ص 55، بحوث ج 4 ص 158.

العنصر الأول: قال ان الجامع على انحاء اذ قد يكون الجامع يراد به المفهوم في حد نفسه مع غمض النظر عن اشارته فالمفهوم لوحظ على نحو ما فيه ينظر، نظير ان تقول تصورت في ذهني عنوان احدى الصلاتين فانت لا تريد الاشارة الى شيء وانما تريد ان تقول العنوان في ذهنك، وهذا ما عبر عنه الآخوند بالأحد المفهومي أي الذي لا اشارة له الى شيء بل لوحظ على نحو الحمل الشائع وهو انه موجود ذهني.

وتارة الجامع يلحظ مشيرا ولكن قد يكون مشيرا الى منشأ انتزاعه وقد يكون مشيرا لخصوصية واقعية لا يميزها العالم ولكن يشير اليها فمثلا اذا قال لك المولى اقم احدى الصلاتين فهنا الجامع مشير ولكن المشار اليه هو الحيثية المشتركة بين الصلاتين وهذا معناه ان الجامع يشير الى منشأ انتزاعه أي كان المولى قال ما هو المطلوب منه صرف وجود صلاة فان صرف وجود صلاة هو منشأ انتزاع عنوان احدى الصلاتين وهذا هو متعلق الوجوب التخييري.

الصورة الثالثة: ان يكون الجامع مشيرا لا الى خصوص منشأ الانتزاع وهو صرف الوجود بل مشير الى خصوصية واقعية لها واقعية مع غمض النظر عن العلم بها وان الذهن يشير الى تلك الخصوصية وان كان لا يميزها كما لو قلت علمت بخلل في احدى الصلاتين فما هو المعلوم هنا ليس هو عنوان الأحد اي الأحد المفهومي لأنّه خال عن الاشارة كما ان المعلوم هنا ليس هو الأحد المشير الى صرف الوجود كما في الأحد المشير الى الوجوب التخييري، بل الأحد المشير الى صلاة خارجية متعينة في حد ذاتها وان كنت لم اميزها فمتعلق العلم الاجمالي جامع وهو احدى الصلاتين ولكن جامع كاشف عن الواقع ومشير اليه ولذلك كان العلم الاجمالي منجزا للواقع لا الجامع، لو كان العلم الاجمالي متعلقا بالجامع وكفى لكان المتنجز به الجامع فقط فاذا علم المكلف انه يجب عليه احدى الصلاتين يوم الجمعة وقلتم ان العلم الإجمالي متعلق بالجامع فقط فيكفي في امتثال الجامع ان تأتي بصلاة واحدة بخلاف ما اذا قلنا ان التنجز تابع للعلم وحيث ان المعلوم هو الواقع عبر الجامع فقد انكشف لك الواقع انكشافا اجماليا وحيث انكشف لك تنجز في حقك ومقتضى تنجزه الاتيان بكلا الفردين.

والحمد لله رب العالمين