حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 15

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم ان المسلك القائل بتعلق العلم الاجمالي بالجامع الكاشف عن الواقع مورد لإشكالين سبق عرضهما.

والاشكال الثالث مبني على ان صاحب هذا المسلك هل يرى ان الاشارة من مقومات الصورة المعلومة بالإجمال ام انه يرى خروجها عن دائرة الصورة. بيان ذلك: ان هذه الصورة المعلومة بالإجمال الكاشفة عن الواقع لا اشكال في مشيريتها للواقع وان مصداق ذلك الواقع مردد بين فردين فهذا التردد والابهام في المشيرية حيث يقال ان مشيرية الصورة مبهمة وغير واضحة، فاذا كان الابهام قائما بالمشيرية فهل المشيرية من مقومات الصورة ام هي خارجة عنها؟

فاذا قيل بان المشيرية من مقومات الصورة فلازم ذلك ان يكون الفارق بين العلمين التفصيلي والاجمالي فارقا في نفس العلم، واختلافهما حينئذٍ اختلاف في درجة الانكشاف اذ المفروض ان نفس العلم متقوم بالمشرية والمشيرية في العلم الإجمالي مبهمة لان المشار اليه هو الواقع والمفروض ان هذا الواقع مردد بين فردين فاذا كانت المشيرية مبهمة وهي مقومة للصورة فلا محالة العلم الاجمالي مختلف عن العلم التفصيلي في انّ ذات العلم الاجمالي أقل كشفا عن الواقع من العلم التفصيلي، فلا يجتمع هذا البيان مع ما افاده العراقي أولاً من انه لا فارق بين العلمين من حيث العلم نفسه وانما الفارق في المعلوم فان هذا البيان منه انما يتأتى لو قلنا ان المشيرية خارجة عن حريم الصورة، فهناك معلومان معلوم تصوري وهو الجامع كعنوان الأحد او عنوان اناء نجس ومعلوم تصديقي وهو عبارة عن الاشارة وهذه الاشارة قد تكون واضحة وقد تكون مبهمة، فالاختلاف في الاشارة بين الوضوح والابهام خارج عن ذات الصورة، فعلى هذا التحليل يمكن القول لا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي في ذات العلم، اما اذا قلنا ان الاشارة داخلة ضمن الصورة مقومة للعلم الاجمالي، والمفروض ان الاشارة مبهمة فلازم ذلك ان الفارق هو بين ذاتي العلمين. هذا تمام الكلام في المسلك الثالث.

المسلك الرابع وهو ان حقيقة العلم الاجمالي بكشفه عن الفرد المعين لا بتعلقه بالجامع كما سبق في المسالك الماضية. والفرق بين هذا المسلك ومسلك العراقي حيث ان العراقي يقول ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع الكاشف عن الواقع وهذا المسلك يقول متعلق العلم الإجمالي الصورة الكاشفة عن الفرد فما هو الفرق بين الواقع والفرد؟

والصحيح انّ العلم الإجمالي في كلا المسلكين محتاج الى ضميمة الاشارة الا ان الاشارة تارة تكون اشارة لكليّ واخرى لجزئي واذا كانت اشارة لكلي فقد يكون من الامور الواقعية وقد يكون من الامور الخارجية، فمجرد قول العراقي ان المعلوم كاشف عن الواقع لا يعني كشفه عن فرد خارجي بل ذلك اعم.

بيان ذلك: قد يحصل علم اجمالي بين عنوانين كليين منتقشين في ظرف الواقع لا الخارج كما اذا علمت اجمالاً انّ عنوان الانسان اما نوع او جنس فهذا علم اجمالي ولكن لم يتعلق بالخارج وانما تعلق بعناوين مرتسمة في الواقع، حيث ان النوعية والجنسية من المعقولات الثانوية، التي لا ظرف لها خارجا، كما ان المعلوم هنا كلي وليس جزئيا اذ المعلوم ان كلي الانسان اما نوع او جنس. وقد يكون متعلق العلم الاجمالي الواقع الخارجي، ومع ذلك لم يضع اصبعه على فرد معيّن مع كونه متعلقا بالخارج، مثلاً اذا تعلق العلم الاجمالي بقضية خارجية كلية، كما اذا قلت انا اعلم اجمالا ان كل عالم موجود بالفعل في مدينة قم اما تركي او فارسي، فهذا المعلوم بالإجمال تنويع لقضية كلية الا انها قضية خارجية، فمجرد نظر العلم الاجمالي للخارج لا يعني تعلقه بفرد معيّن. اذن ما ذكره العراقي من ان متعلق العلم الاجمالي الجامع الكاشف عن الواقع اعم من المسلك الرابع القائل بان مصبه الكشف عن الفرد أي الجزئي، فلأجل ذلك يكون الحاصل من المسلك الرابع أنّ متعلق العلم الاجمالي صورة شخصية، لا تصدق على كثيرين، وهو المعبر عنه بالجزئي، فلأجل ذلك كان هذا المسلك موردا لإشكالين رئيسين:

الاشكال الأول: انما نرى بالوجدان تعلق العلم الاجمالي بالكلي، ولا ينحصر ذلك بتعلقه بالجزئي، وقد سبق التمثيل لذلك فمثلا اذا علم اجمالاً انّ مقتضى المعارضة والمضادة بين الخبرين كذب احدهما بالجملة فالمعلوم بالإجمال هنا ليس كذب خبر معين في الواقع بل المعلوم عنوان جامع وهو خبر كاذب الذي قد ينطبق على احدهما بحسب احتمال العالم وقد ينطبق على كليهما معا، فلا يوجد في المقام مانعة جمع بل في نفس دائرة العلم الاجمالي هناك علم بجامع وهو كذب خبر هذا الجامع صالح لان ينطبق على واحد او متعدد. وكذلك اذا علم بنجاسة احد الأناءين ويحتمل نجاسة الآخر، فهو لو جزم بطهارة الآخر، لكان متعلق العلم فرداً معينا في علم الله، ولكنه يحتمل نجاسة كليهما فاحتمال نجاسة كليهما لا يجتمع عقلاً مع ان الصورة جزئية، يعني ان المعلوم فرد معين لا يقبل الصدق على كثيرين اذ ما دام يحتمل نجاسة الجميع فكيف يكون المعلوم جزئيا؟

إذن حيث ان بعض موارد العلم الإجمالي ما كان المنكشف لدى العالم بغض النظر عن الواقع كليا لا جزئياً فلا يمكن تحديد العلم الإجمالي بما كان المنكشف به الفرد، ودعوى ان العلم الاجمالي يختلف باختلاف موارده فقد يكون في بعضها منصبا على الكلي وقد يكون في بعضها منصبا على الجزئي خلف الوجدان، في ان العلم الاجمالي حقيقة واحدة فهو من حيث متعلقه واحد انما الاختلاف في مصداق ذلك المتعلق ومنطبق ذلك المتعلق في كونه جزئياً او كلياً بعوامل خارجية.

الاشكال الثاني على هذا المسلك ما ذكره المحقق الاصفهاني: حيث افاد ان تعلق العلم الاجمالي بالفرد المردد غير معقول لتردده في ذاته وتعلقه بالواقع بخصوصه أي بالجزئي غير معقول فانه خلف، فتعيّن ان يكون متعلق العلم الاجمالي هو الجامع بين المحتملين.

ومقصوده أنّ من يقول بان متعلق العلم الإجمالي الفرد يشكل عليه ان الفرد هو ما تخصّص بخصوصية تميزه عن غيره فتلك الخصوصية اما منكشفة او لا، فان كانت منكشفة كان العلم تفصيليا، وان لم تكن منكشفة وقف العلم على الجامع ولم يسر الى الفرد، اذ المفروض ان معنى تعلق العلم الاجمالي بشيء هو انكشافه به فلو تعلق بالفرد لكان الفرد منكشفا به فهل انكشفت الخصوصية المفرّدة ام لا؟

فان انكشفت كان تفصيلا وان لم تنكشف بقي المنكشف هو الجامع...

وبعبارة السيد الصدر ان الحد الواقعي لهذا المعلوم اما منكشف بالصورة فلازم ذلك ان يكون علما تفصيليا او غير منكشف فألف قيد يُضمّ الى الصورة لا يُخرجها عن كونها علما بكليّ وجامع لان الكليّ مهما اضيف اليه من القيود بان تقول ما علمت به اناء نجس صغير ابيض.. الخ فما دامت ليست هي الحد الواقعي للفرد فيبقى المعلوم كليا فكيف نجمع بين تعلق العلم الاجمالي بالفرد وبين كونه علما اجماليا لا تفصيليا؟

والحمد لله رب العالمين