حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 16

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام فيما اشكل به على القول بان متعلق العلم الاجمالي هو الفرد حيث اشكل على ذلك بانّ الحد المميز للفرد اما منكشف او لا فان كان منكشفا كان العلم به تفصيليا لا اجماليا وان لم يكن منكشفا فالمعلوم هو الجامع، فدعوى ان متعلق العلم الإجمالي هو الفرد ممنوعة.

وهنا وجهان للجواب الاول ما افاده سيد المنتقى ومحصله امران:

الاول ان المعلوم لا ينحصر في هذين الشقين، بل هناك شق 3 وهو أنّ المعلوم هو الجزئي ومع ذلك لم ينكشف حدّه المميز له وبيان ذلك: أنّه اذا تعلقت الرؤية مثلاً بشخص قادم كما لو رأيت شخصاً قادماً وترددت في أنه هل هو زيد ام هو اخوه التوأم لاشتراكهما في الصفات وان كانت بعض الملامح مميزة لزيد عن اخيه فهنا في هذا الفرض قد تعلقت الرؤية بشخص هذا الوجود فذلك المرأي جزئي لا كلي، اذ الرؤية من الحسيات فلا تتعلق الا بالمحسوس والمحسوس هو الجزئي وليس الكلي فلا محالة المرئي جزئي متشخص ومع ذلك فان هذا المرأي مردد ذهنا بين محتملين، هل هو زيد ام اخوه

فكون المرأي جزئيا لا ينافي التردد في بعض ملامحه لذلك يصح لنا ان نقول ان الرؤية اجمالية لا تفصيلية فالتفصيلية ما تعلقت بالملامح المميزة لزيد عن اخيه والاجمالية ما تعلقت بشخص الوجود والمشخصات المشتركة مع الجهل بالحدود المميزة هذا هو الامر الأول.

الامر الثاني: ان هذه الرؤية الحسية اصبحت منشأ لصورة في الذهن لهذا القادم وتلك الصورة صورة جزئي لا كلي اذ الصورة ناشئة عن الرؤية فكما ان المرأي جزئي لا يقبل الصدق على كثيرين فالصورة الناشئة عنه جزئي لا يقبل الصدق على كثيرين ومع ذلك ما علم من هذه الصورة مع كونها جزئياً المشخصات المشتركة واما الحد الخاص المميز لزيد عن اخيه لم ينكشف فلذلك نقول ان الصورة علم اجمالي اذ العلم الاجمالي علم ببعض المشخصات وجهل ببعض المميزات، فتبين لنا ان العلم الاجمالي بالجزئي وبالفرد ليس ممتنعا حيث قيل بان الحد الخاص بالجزئي اما منكشف فالعلم تفصيلي أو غير منكشف فالمعلوم الجامع فلا يعقل علم اجمالي بالجزئي.

والجواب ان هذا امر وجداني اصلا فانه لا ملازمة بين عدم انكشاف الحد الخاص وبين كون المعلوم هو الجامع بل المعلوم هو الجزئي علما اجماليا.

الوجه الثاني ما ذكره السيد الصدر وبذلك حرر مسلكه في حقيقة العلم الإجمالي حيث اختار المسلك الرابع، ان العلم الاجمالي ما كان كاشفا عن الفرد واعتبر بيانه صلحا وتوفيقا بين المسالك ال 4 التي سبق بيانها، وبيان مطلبه في عدة امور:

الامر الأول: أفاد ان ما اشتهر او ما يتصور في علم المنطق من ان الفارق بين الكلي والجزئي في المفهوم وان المفهوم ان صدق على الكثير فهو كليّ وان لم يصدق على الكثير فهو جزئي فهذا الذي اشتهر غير دقيق فان الفارق بين الكلي والجزئي ليس في المفهوم وانما في ”ضم الاشارة“ الى المفهوم والا فالمفهوم دائما كلي، مهما اضفت اليه من القيود والخصوصيات كما قلت اعلم برجل هاشمي في الدار يصلي وامثال ذلك فان كل قيد من هذه القيود قابل في نفسه للصدق على كثيرين فالمفهوم كلي مهما قيّدته وان انحصر مصداقه خارجا في 1، فان انحصار الصدق لا يخرجه عن كليته مثلاً مفهوم واجب الوجود كلي وان لم يكن له مصداق خارجا الا 1، فانحصار الصدق في 1 شيء واباء المفهوم في حد ذاته عن الصدق على كثيرين شيء اخر، اذا المائز بينهما بالإشارة الى الوجود.

الامر الثاني: ان الوجود الخارجي لا يمكن نيله لا بالمفهوم ولا يمكن نيله بالصور الذهنية وانما ينال الوجود الخارجي بالإشارة حيث ان الوجود لا رسم له ولا لون فليس كالماهية التي يمكن نيلها بالصورة فبما ان الوجود لا رسم له فلا يمكن نيله الا بالإشارة لذلك قد تكون الاشارة حسية كالإشارة بالإصبع الى وجود وقد تكون الاشارة ذهنية ومرجع الاشارة الذهنية الى استخدام المفهوم مقرونا بالوجود فعندما تتصور مثلاً الغول فليس مع الصورة اشارة للوجود لأنها ليست موجودة او يشك في وجودها اما اذا تصورت في ذهنك بلدة قم ضممت الى الصورة اشارة الى ان هذا المفهوم موجود فهذه الاشارة هي عبارة عن استخدام المفهوم واسطة لتعلق الاشارة بالوجود فيقال هذه الصورة موجودة خارجا لأجل ذلك ان الاشارة هي التي منع صدق المفهوم على كثيرين والا فالمفهوم في حد ذاته كلي فان صورة قم في حد ذاتها قابلة للصدق على كثيرين ولكن بضمّ الاشارة الى ان هذه الصورة متحققة خارجاً تصبح الصورة غير صادقة على كثيرين، فالجزئية حينئذٍ ناشئة بالإشارة.

الامر الثالث هناك فرق بين المرآتية وبين الاشارة فالمرآتية لا تعني الجزئية بينما قوام الجزئية بالإشارة، وبيان ذلك: ان مجرد كون الصورة مرآتا للخارج او حاكية عن الخارج او ما اشبه ذلك فانّ هذه المرآتية المعبر عنها بادراك الشيء على نحو ما به ينظر لا تمنع الصدق على كثيرين مثلاً اذا تصورت عنوان العالم فقلت اكرم العالم فلا محالة مرادك العالم ما كان مشيرا الى الخارج لأنك لا تريد اكرام الصورة، وانما تريد اكرام المشار اليه بهذه الصورة ولكن هذا لا يعني ان العالم جزئي بل يبقى عنوان العالم صالحا للصدق على كثيرين مع انه لوحظ مرآتا للخارج، بخلاف ما لو قلت اكرم ذلك العالم الذي رأيناه فهنا ضممت الى الصورة اشارة للوجود فمتى انضمت اشارة للوجود اصبح المفهوم جزئيا فليست المراتية كافية في الجزئية بل لابد من الاشارة، ولأجل ذلك حصل الفرق بين متعلق الوجوب التخييري وبين متعلق العلم الاجمالي، فاذا قيل يجب عليك يجب عليك في يوم الجمعة احدى الصلاتين أي انك مخير بينهما الظهر او الجمعة، فعنوان احدى الصلاتين مرآة لما في الخارج الا انه مرآة لصرف الوجود أي يجب عليك صرف وجود فريضة منهما، ولذلك فهذه المرآتية لا توجب الجزئية بخلاف ما اذا قلت حضرت عند الشيخ وسمعته يقول عن فريضة يوم الجمعة فعلمت انه يجب في يوم الجمعة واحدة من فريضتين فان المعلوم هنا جزئي والسر في ذلك ان مفهوم احدى الفريضتين انضمت اليه اشارة الى وجود متشخص في لوح التشريع أي ان في لوح التشريع فريضة معينة بانها هي التي وجبت يوم الجمعة فعنوان احدى الفريضتين في متعلق الوجوب التخييري وموجود في متعلق العلم الاجمالي الا انه ففي الاول ليس معه اشارة لوجود متشخص بل ليس معه الا المرآتية المحضة والمرآتية لا توجب الجزئية بينما في ال 2 حيث سمعت انّ الله اوجب فريضة معينة في يوم الجمعة انا مردد بين الظهر والجمعة فلا محالة ما انطبع في ذهني مفهوم احدى الفريضتين مع اشارة لوجود متشخص في وعاء التشريع فكان المعلوم جزئياً..

فتحصل من ذلك بعد هذه الأمور ال 3 ان الفارق بين العلم الاجمالي والتفصيلي ان متعلق العلم الاجمالي الأحد على نحو الاشارة الى واقع متشخص او الأحد على نحو الاشارة الى فرد فالمعلوم حينئذٍ جزئي، وبهذا يقع الصلح ين الاقوال المتنازعة في حقيقة العلم الاجمالي.

اما القول الاول

وهو ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع، وهو عنوان الاحد او اناء نجس او احدى الفريضتين، فنقول من قال بان المتعلق هو الجامع اراد المفهوم في حدّ ذاته مع غمض النظر عن الاشارة ومن الطبيعي ان المفهوم في حد ذاته كلي جامع، وقد اشكل على القول بالجامع كما مضى ان العلم الاجمالي علم بجامع وزيادة فما هي تلك الزيادة فقد تبين لنا تلك الزيادة وهو ان المعلوم الجامع بإشارة الى وجود متشخص.

اما القول الثاني:

ان المعلوم بالعلم الاجمالي الصورة الكاشفة عن واقع متعين كما في تعبير العراقي او الكاشفة عن فرد كما نسبه سيدنا الخوئي الى المحقق العراقي فان هذا المسلك قد تبين لنا ان الصورة في حد ذاتها لا تكشف عن الواقع المتعين وان الصورة في حد اتها لا تكشف عن الفرد بل الصورة في حد ذاتها مرآة لأصل الوجود والواقعية، واما التعين والتشخص فإنما هو ببركة الاشارة.

ومن هنا يتبين وجه المناقشة في كلام السيد الصدر لكلام سيد المنتقى حيث افاد سيد المنتقى انه قد يكون المعلوم أي الصورة جزئيا ومع ذلك فهو علم اجمالي لعدم انكشاف الحد الخاص والمميز وظاهر كلامه أنّ الفرق بين التفصيلي والاجمالي في المفهوم والصورة وان المفهوم ان تضمّن الحد الخاص كان تفصيليا وان لم يتضمن الحد الخاص كان اجماليا والا فكلامهما متعلق بالجزئي فان علمت بزيد كان تفصيليا وان علمت بالرجل فهو اجمالي..

ولكن تبين لنا ان الفرق ليس بالمفهوم بل المفهوم دائما كلي، غاية ما في الباب ان ضممت الى المفهوم اشارة للوجود الخارجي المتشخص كان المفهوم جزئيا والا فلا، فليست العبرة بان ينكشف الحد الخاص مع المفهوم او لا نكشف وانما العبرة ان تنضم الاشارة الى الوجود المتشخص اولا.

والحمد لله رب العالمين