حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 17

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

اما مسلك الفرد المردد فلان المشار اليه بالعلم الاجمالي من حيث هو مشار اليه غير متعين، فليس المقصود بالفرد المردد انه غير متعين خارجاً او مردد خارجاً كي يشكل على ذلك بأنّ المردد لا هوية له ولا ماهية كما ذكر الاصفهاني بل المقصود بذلك ان هذا العنوان وهو عنوان أحد الأناءين ليس متعيناً من حيث انه مشار اليه بالعلم الاجمالي لا انه ليس متعيناً خارجاً والسر في انّه ليس متعينا من حيث الاشارة اليه بالعلم الاجمالي ان هذه الاشارة متعلقة بواقع الوجود وحيث ان الوجود في ذهن من علم اجمالاً مردد بين محتملين فلا محالة كان المشار اليه بهذه الاشارة غير متعيّن وصالحا للانطباق على أيّ من الأناءين على البدل.

والنتيجة ان السيد الصدر يرى ان بمسلكه حصل الصلح والتوفيق بين المسالك المختلفة، سواء من قال ان متعلق العلم الإجمالي الجامع او من قال متعلقه الفرد او من قال ان متعلقه الفرد المردد فان جميع المسالك تصح بضميمة الاشارة الى واقع الوجود.

والملاحظة على مسلك السيد الشهيد الذي ادعي به التوفيق بين المسالك المختلفة ان يقال ان الاشارة الى الوجود التي تقتضي ان يكون المفهوم جزئيا لا ينطبق على كثيرين، هل هذه الاشارة مقومة لموضوع القضية المعلومة؟ أم ان هذه الاشارة خارجة عن الموضوع مضيقة له في رتبة لاحقة؟

مثلاً: اذا علمت اجمالاً انّ احد الفرضين اما الظهر او الجمعة واجب يوم الجمعة فالسيد الصدر يرى ان هنا اشارة الى واقع معيّن وفرد معيّن فيقال هنا قضية مكونة من موضوع ومحمول، الموضوع احد الفرضين والمحمول واجب فهل الاشارة الى الفرد مقومة للموضوع وهو الأحد بمعنى ان الأحد منذ تصوره تُصوِّر وهو ضيق في ذاته فالأحد الواقع موضوعاً للقضية هو المشير لفرد او الأحد المشير لواقع متعين خارجا، فالإشارة مقومة للموضوع نفسه ام ان الموضوع انعقد كليا وعلى نحو الجامع، فعنوان الأحد جامع صالح للانطباق على الجمعة او الظهر غاية ما في الباب ان هذا الجامع ”متعقَب“ بإشارة الى وجود متشخص وهذا التعقب اوجب ضيقه في رتبة لاحقة بحيث لا ينطبق على كثيرين.

فان كان مقصوده المحتمل الاول، فعنوان الأحد متقوم بالإشارة، فهذه الفكرة ممنوعة بالوجدان لوضوح ان عنوان الأحد الواقع متعلقا للعلم الاجمالي ليس متقوما بإشارة تجعله جزئياً.

وبيان ذلك: لا فرق في هذا الأحد بين ان يقع متعلقاً للوجوب التخييري او يقع متعلقا للعلم الإجمالي فهو في حد ذاته 1 مثلاً تارة يقول لي الشارع احد الفرضين من قصر او تمام واجب عليك في مكة فمتعلق الوجوب التخييري هنا عنوان الأحد احد من هذين واجب عليك في المواطن ال 4.

وتارة يشك من كانت دراسته في السفر هل ان وظيفته المتعينة في علم الله القصر او التمام فهو يعلم ان احد الفرضين واجب في حقه فمن حيث عنوان الأحد هو واحد في كليهما، عنوانٌ جامع صالح لان ينطبق على أيٍ من الفردين على سبيل البدل، فهو ينطبق على هذا او هذا، فمن حيث كونه واحدا جامعا صالحا لان ينطبق على أي منهما على سبيل البدل يتعلق به الوجوب التخييري ويتعلق به العلم الاجمالي، وهو في كلا الفرضين مشير لانّ عنوان الأحد لا يلحظ على نحو الموضوعية، أي صورة ذهنية بما هي صورة ذهنية، بل لامحالة انما يتعلق به الوجوب التخييري او العلم الاجمالي بما هو مشير لما ورائه لا بما هو مفهوم، وانما المشار اليه اذا كان متعلقاً للوجوب التخييري هو صرف الوجود لان المولى عندما يقول له ائتني بأحد الفرضين في المواطن الأربعة فمطلوبه صرف الوجود الا انّ استفادة صرف الوجود لم تأت من عنوان الأحد فهو جامع، وانما جاءت من مناسبة الحكم للموضوع، فاستفادة ان المشار اليه صرف الوجود انما هي من المقايسة بين الوجوب والموضوع، وكذلك اذا علمت اجمالاً بأنه من كانت دراسته في السفر فهو لا يمكن ان يكون مطلوبا بالقصر والتمام معا فلا محالة مطلوب بأحدهما فالأحد هنا مشير لواحد متعين في وعاء التشريع، لا الى صرف الوجود واستفادة ان المشار اليه واحد متعين لم تأتِ من نفس الأحد فهو في حد ذاته جامع وانما استفيدت من سبب هذه القضية حيث ان سببها انه مسافر وحكم المسافر بالأصل القصر ولكن حيث ان له دأبا في السفر وهو الدراسة فلا يدري ان هذا الدأب يُعد عملا فوظيفته التمام ام لا فهذا السبب الجزئي المعيّن هو الذي جعل المشار اليه واحد متعين في وعاء التشريع.

والنتيجة ان دعوى ان الأحد متقوم بإشارة لفرد خارجي تجعله جزئيا مما لا وجه لها فالأحد المتعلق للعلم الاجمالي من حيث تعلق العلم الاجمالي به جامع، ولذلك العالم اجمالا بأحد الفرضين يرى ان الأحد صالح لان ينطبق على هذا أو على هذا على سبيل البدل، وهذه علامة كليّته وجامعيته في حد ذاته اذ لو كان في حد ذاته ضيقا لم ينعقد تصوره الا على نحو المشيرية لفرد معين بحيث لم يتصور الا غير منطبق على كثيرين لم يكن في ذهن العالم اجمالا صالحا للانطباق على أي منهما على سبيل البدل.

ومما يؤكد ذلك انه قد يكون المشار اليه كليا لا جزئيا انه كيف يجتمع ذلك مع عدم كون المفهوم جزئيا اذ قد يستمع الطالب لمعلم المنطق يقول ان الكليات الخمسة ونتيجة ما سمعه انه حصل لديه علم اجمالي ان الانسان اما نوع او جنس فهل المشار اليه متشخص خارجا؟

اذا فالمحتمل الاول وهو موضوع القضية متقوما بإشارة لواقع يجعله جزئيا ممنوعة.

المحتمل الثاني:

ان السيد يرى انّ الأحد انعقد تصوره على جامعيته، هو جامع، غاية ما في الباب ان تصوره متعقب بإشارة والاشارة الذهنية كالإشارة الخارجية بالأصبع فهو بأصبعه الذهني اشار لهذا الأحد فقال بان هذا الأحد الذي فرغ عن جامعيته موجود، متشخص، فأشار الى تشخصه ووجوده وهذه الاشارة المتعقبة هي التي ضيقت الأحد في رتبة لاحقة فانه لا يمكن ان يصدق على كثيرين بعد ان اشير الى كونه متشخصا خارجا.

فاذا كان هذا المحتمل هو الذي يراه السيد، فانه يرد على ذلك ما اوردناه على كلام المحقق العراقي وهو ان العلم الاجمالي نوعان نوع مشتمل على مانعة خلو ومانعة جمعة أي منفصلة حقيقية ونوع مشتمل على مانعة خلو فقط لا مانعة جمع، ففي القسم الاول يمكن تتميم الكلام بان يعلم ان احد الأناءين نجس ويقطع بان الآخر طاهر فعندما علم ان احدهما نجس كان عنوان الأحد جامع ولكن عندما قطع بان النجس واحد متشخص لا غير كانت هذه اشارة الى وجود متشخص منع من صدق الأحد على كثيرين، انما هو يرى ان المجموع منهما أي من العلم بالأحد والاشارة الى الوجود المتشخص المجموع منهما هو العلم الاجمالي لا خصوص الأول، ولكن عندنا قسم اخر وهو ان العلم الاجمالي مجرد مانعة خلو وليس مانعة جمع مثلاً ان يعلم بنجاسة واحد ويحتمل نجاسة الآخر، ففي هذه الصورة هل توجد اشارة لواقع متشخص ام لا؟

فان قلتم لا توجد فهذا خلف المبنى وان قلتم توجد اشارة لواقع متشخص فهذه الاشارة هل جعلت المفهوم السابق وهو عنوان احد الأناءين هل ابقته على كليته ام حولته الى جزئي فان لم تغير من كليته فهذا خلف المبنى وان قلتم ان لحوق هذه الاشارة به حبسه وضيقه ومنع صدقه على كثيرين فهي اوجبت كونه جزئيا فالجواب ان الجزئي ما يمتنع صدقه على كثيرين والذهن عندما يحتمل نجاسة الآخر فهو يحتمل صدق الأحد على كثيرين ولا يجتمع احتمال الصدق على كثيرين مع امتناع الصدق على كثيرين فلو كان الأحد بلحوق الاشارة جزئيا لما احتمل العالم صدقه على اكثر من واحد اذ كيف يجتمع احتمال الصدق على اكثر من واحد.

فتلخص ان تصوير حقيقة العلم الاجمالي بان متعلقه الأحد على نحو الاشارة به لفرد متعيّن بحيث يكون جزئياً هذا المسلك محل تأمل بل منع.

والحمد لله رب العالمين