حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 18

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم مسلك السيد الشهيد وهو ان متعلق العلم الاجمالي عنوان الأحد على نحو الاشارة به لوجود متشخص وذكرنا انه قد يشكل عليه ببعض الملاحظات سبق ذكر بعضها.

وهناك اشكال اورد على المحقق العراقي وهو صالح للورود على مسلك السيد الشهيد وبيان ذلك: ان المحقق العراقي افاد ان متعلق العلم الاجمالي الكاشف عن واقع متعيّن فاذا علم اجمالاً بنجاسة احد الإناءين فالمنكشف بهذا العلم الاجمالي واقع متعيّن في علم الله أي نجاسة اناء متعين في علم الله، فأورد عليه من قبل تلامذة المحقق النائيني ومنهم سيدنا بأنه لو فرضنا في هذا المثال انّ كلا الأناءين نجس واقعا، فما هو مصداق المعلوم بالإجمال؟ حيث علم المكلف ان احد هذين الأناءين نجس وفي الواقع كلاهما نجس فما مصداق المعلوم بالإجمال لا خلو عن احتمالات 3:

فأما مصداقه كلاهما او مصداقه احدهما المعين، كإناء باء مثلاً او مصداقه احدهما لا بعينه، فان كان المدعى هو الأول لم يكن علما اجماليا اذ ما علم به هو نجاسة كلا الأناءين وهذا ليس علما اجماليا وانما هو علم تفصيلي، وان كان مصداقه احدهما المعين فهذا ترجيح بلا مرجح اذ ما علم به هو نجاسة احدهما، ف”تطبيق”الأحد على باء دون الف او العكس ترجيح بلا مرجح.

فتعين الاحتمال الثالث وهو ان يكون المصداق المشار اليه بهذا المعلوم بالإجمال احدهما لا بعينه وهذا هو الجامع فان احدهما لا بعينه جامع وليس واقعا متعينا كما افاد المحقق العراقي.

ولكنّ السيد الشهيد كي لا يسري الاشكال الى مبناه دافع عن ذلك بالنقض والحل:

اما النقض فقال بان هذا الاشكال وارد حتّى على المسلك القائل ان متعلق العلم الاجمالي هو الجامع الذي هو مسلك المحقق النائيني.

بيان ذلك ان الجامع يتحصص بحصص افراده فكل حصة هي جامع وهذا ما ذكر في الحكمة بأنه ليس الطبيعي مع الافراد كالأب مع الاولاد بل كالإباء مع الاولاد فزيد حصة من جامع الانسان، وبكر حصة من جامع الانسان، ولذلك يقال الجامع مورد المتناقضات في آن واحد، فلو كان زيد موجوداً وكان بكر معدوما لصحّ ان تقول الانسان موجود والانسان معدوم في آن واحد..

فبلحاظ هذه النكتة وهي ”ان الجامع يتحصص بحصص افراده“ يقال في المقام اذا علم بالجامع وهو نجاسة اناء من بين هذين الإناءين، كما يقول النائيني وكان في الواقع كلاهما نجسا فما هو المشار اليه بذلك الجامع؟ ان قلتم المشار اليه كلاهما فهذا علم تفصيلي وان قلتم المشار اليه احدهما المعين أي جامع الاناء النجس ضمن باء دون الف او بالعكس فهو ترجيح بلا مرجح لان الجوامع يتعدد وجودها بتعدد الحصص، فهناك جامعان لقولنا اناء نجس فما هو المشار اليه؟

فما اشكلتم به على القول بكشف العلم الاجمالي عن واقع متعين يرد عليكم.

واما الحل: فانّ العلم لا يسري الى الخارج وانما مصب العلم على الصورة أي المعلوم بالذات والا فالخارج معلوم بالعرض أي مجازا، واما المعلوم حقيقة فهو الصورة، فلأجل ذلك، ما يراه المحقق العراقي عندما يقول العلم الاجمالي انكشاف لواقع متعيّن هل يقصد ما وراء الصورة، أي في الخارج؟

فلو كان ذلك مقصوده أي ان المعلوم ما في الخارج لصح الاشكال انما في الخارج كلا الأناءين لا احدهما فما هو مصداق المعلوم بالإجمال؟ ولكنه يقول نحن والصورة فما علم به المكلف اجمالاً صورة لفرد متعيّن بنظر العالم أي انه عندما علم بإناء نجس فهو يرى ان هناك اناءً متعينّا في الواقع قد تنجس فالصورة عند العالم صورة لفرد معيّن، واما نجاسة كليهما او قد يتبين خطا الصورة وانه لا نجاسة في البين بل لا اناء في البين فهذا لا يلغي وجود العلم الاجمالي بلحاظ وقوفه على الصورة وعدم سرايته للخارج.

فان قلت فاذا انكشف لديه ان كليهما نجس فما هو المصداق؟ يجيب كل منهما، فانه علم بنجاسة اناء متعين وباء اناء متعين والف اناء متعين فكل منهما صالح لان يكون مصداق ومشار اليه بتلك الصورة.

هذا ما اجاب به السيد الشهيد.

ولكن يمكن صياغة الاشكال بالنحو الذي يرد على مسلك السيد الشهيد أيضاً القائل ان متعلق العلم الاجمالي جزئي لا يقبل الصدق على كثيرين ببركة الاشارة الى الوجود المتشخص والوجود المتشخص جزئي لا يقبل الصدق على كثيرين فيقال، اذا علم المكلف بنجاسة أحد الإناءين، ومع غمض النظر عن الواقع قد لا يكون هناك واقع، ولكن يحتمل هذا المكلف  في وقت وآن علمه بنجاسة احدهما  نجاسة كليهما أي يحتمل ان معلومه ليس له مصداق متعين، فحينئذٍ على مسلك المحقق العراقي أنّ المعلوم بالإجمال صورة لفرد متعين او لواقع متعين فكيف تكون الصورة لواقع متعين وهو عند

ارتسام الصورة يحتمل عدم التعين اذ يحتمل نجاسة كليهما؟

او قلنا بحسب مسلك السيد الشهيد أنّه المعلوم بالإجمال جزئي لا يقبل الصدق على كثيرين فيقال اذا كان المعلوم بالإجمال مقترنا باحتمال تعدد النجاسة فيقال بانّ العالم من زاوية علمه يرى ان هذا العنوان الذي علمه قابل للصدق على هذا او على هذا على سبيل البدل، فان قلت: اذا علم بنجاسة احدهما فلا اقل هو متيقن بنجاسة واحد، قلنا ما يسمى بالقدر المتيقن هو جامع وليس فرد، لان معنى القدر المتيقن العلم ب ”صرف وجود اناء نجس“، فمن عمل بوجود نجس ودار الامر بين كونه واحدا او اكثر فالقدر المتيقن صرف وجود اناء نجس وهذا القدر المتيقن جامع لان صرف الوجود

في حد ذاته قابل لان ينطبق على هذا او هذا.

اذا غاية ما علمت به امر يصلح لان ينطبق على الواحد والمتعدد وهذا ما يعبر عنه بالجامع، أي ما علمت به هو اللابشرط كما ذكروا في باب دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين قالوا ليس المتيقن الاقل بحده بل الاقل لا بشرط، أيضاً لو علمت بصرف الوجود لابد ان يكون امرا قابلا لان يتصف بالوحدة وان يتصف بالمتعدد.

المسلك الخامس

ما ذكره سيد المنتقى وملخصه التفصيل بين موارد العلم الاجمالي فتارة يكون سبب العلم الاجمالي مختصاً بأحد الطرفين وتارة يكون سببه مشتركا بينهما، فان كان السبب في حدوث العلم الاجمالي مختصاً بأحد الطرفين فالمعلوم جزئي مثلاً اذا علمت ان اناء باء نجس تفصيلا ثم جاء ولدي وجعل اناءا اخر مع الاناء وكتب عليه باء ونتيجة هذا الاختلاط ان تحول المعلوم بالتفصيل الى معلوم بالإجمال ولكنني لازلت اقول ان ما علمته نجاسة اناء متعين خارجا والسبب في ان المعلوم جزئي هو الاختلاط الخارجي أي اختلاط الجزئي بغيره، أيضاً لو رأيت رجلا قادما من بعيد وتردد

بين زيد او اخيه التوأم لتشابههما، فانّ هذه الرؤية الحسية جزئية، لتعلقها بوجود جزئي فالمرئي جزئي لا كلي ولأجل ذلك فالصورة المنتزعة من الرؤية هي صورة جزئي فاستطيع ان اقول ان ما وقع في ذهني من صورة هي صورة لجزئي خارجي وان تردد انه زيد او غيره، وقد يكون السبب مشتركا بين الطرفين كما لو اخبرني ثقة ان زيدا قائم واخبرني اخر ان زيدا نائم، فانا اقول لا يعقل صدق الخبرين معا، ولكن هذا السبب وهو التضاد مشترك بين الطرفين فان سبب العلم بكذب احدهما المضادة بينهما والمضادة كما تصلح ان توجب كذب باء تصلح ان توجب كذب الف فما دام السبب مشتركاً

وهي المضادة فكل من الخبرين صالح لان يكون مصداقا لهذا المعلوم بالإجمال وما دام كل منهما على سبيل البدل صالحا لان يكون هو المصداق اذا فالمعلوم هو الجامع وليس الجزئي.

ومثال اخر باب التواتر الإجمالي كما لو فتحت بابا في الوسائل من ابواب الصلاة فرأيت في باب المواقيت 300 رواية متعددة الطرق فأقول نتيجة كثرة الروايات وتعدد الطرق فقطعا احدها صادق وان لم اميز معناه فالمعلوم هو صدق واحد من اخبار الباب وهذا المعلوم جامع وليس جزئيا لان سببه لا يختص بطرف دون اخر لأنني غاية ما علمت صدق واحد اما انه الف او باء او جيم كل منهما صالح لان يكون هو الصادق على سبيل البدل.

فتلخص من ذلك ان محصل هذا المسلك ان العلم الاجمالي ليس على وتيرة 1، فلا حاجة للمناقشة لمن قال بالجامع ان هناك علما بجزئي في بعض الموارد وتناقشوا من قال بالجزئي ان هناك علما بجامع في بعض الموارد بل العلم الاجمالي يختلف باختلاف اسبابه.

والحمد لله رب العالمين