حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 19

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم ان سيد المنتقى ذهب الى التفصيل في موارد العلم الاجمالي أي أنّ المعلوم بالإجمال تارة يكون جزئياً واخرى كلياً بحسب اختلاف الاسباب وهذا ما ذكره في ص 55 من ج 5 من المنتقى وان كان في ص 92 من ج5 مال الى مسلك آخر وهو أنّ المعلوم بالإجمال الفرد المعين، أي ان العلم الاجمالي عبارة عن الكشف عن فرد معين واقعا وهو مسلك المحقق العراقي.

وهذا التفصيل الذي ذهب اليه صِيغ في بعض البحوث بصياغة اخرى ومحصل هذه الصياغة أنّ المعلوم بالإجمال ثلاثة انواع:

النوع الأول

سبق الصورة الشخصية على العلم الاجمالي فلأجل سبق الصورة الشخصية على العلم الاجمالي يكون المعلوم بالإجمال جزئيا لا محالة، مثلاً اذا كنت تعلم بزيد وصفاته وملامحه ولكن لطول المدة من البعد بينكما رأيت شخصين امامك فترددت هل ان زيد المعلوم عندك هو الاول منهما ام الثاني فصورة زيد السابقة على العلم الاجمالي صورة شخصية لأنها صورة اقترنت بإشارة الى وجود متشخص فهذه الصورة التي اقترنت بإشارة الى وجود متشخص عنوانه زيد هي صورة شخصية وهذا المفهوم جزئي ولكنك الان ترددت في ان منطبق تلك الصورة الشخصية هل هو الرجل الواقف على اليمين ام الواقف على الشمال فالمعلوم بالإجمال جزئي لا كلي، والتردد في انطباقه لا يوجب كونه كلياً فان الشخصي قد يتردد في انطباقه اذ الميزان في الشخصية والكلية الاقتران بالإشارة الى الوجود وعدمه وليس الميزان في الفرق بين الشخصية والكلية الجزم بالانطباق او عدم الجزم به فصورة زيد حيث اقترنت بالإشارة الى وجود فهي شخصية، وان ترددنا في ان منطبقها من على اليمين او من على الشمال، وكذلك ما مثل به سيد المنتقى من انه اذا علمنا تفصيلاً بأن الاناء الابيض تنجس ثم اختلط الاناء بآنية بِيض ونتيجة الاختلاط حصل العلم الاجمالي فالمعلوم هو صورة شخصية أي نجاسة الاناء الابيض الكذائي واختلاط هذا الاناء بغيره لم يحول الصورة من شخصية الى كلية وان تردد منطبقها.

النوع الثاني

ان يكون المعلوم بالإجمال ”صرف الوجود“، لأجل ان السبب اقتضى اليقين بصرف الوجود... مثلاً اذا رأيت قطرات الدم تتساقط على المكان وكان هناك انية فنتيجة اليقين بتساقط القطرات حصول يقين بصرف وجود نجاسة غاية ما في الباب هل ان صرف الوجود ضمن واحدٍ او ان صرف الوجود ضمن متعددٍ فان كان ضمن واحد كان جزئيا، وان كان ضمن متعدد كان كلياً، فهنا قد يقال  كما قيل في لسان الاصوليين  ان المعلوم ”كليٌّ“ لقابليته للانطباق على أكثر من واحد.

ولكنّ الصحيح في نظر صاحب هذا التفصيل انه لا كلي ولا جزئي، فان صرف الوجود القابل لان يتصف بالوحدة والتعدد جامع بين الكلية والجزئية.

النوع الثالث

ان يكون المعلوم صورة شخصية لا لسبقها على العلم الاجمالي كما في النوع الأول بل لأجل ”اقترانها بصفة تستلزم الاشارة الى موجود معين“، مثلاً اذا علم بقطرة دم معينة مشخصة قد وقعت، وحتما وقعت في اناء، فهنا يقول بما ان السبب الحسي وهو رؤية قطرة دم مشخصة اقتضى هذا السبب الحسي ان يكون المعلوم بالإجمال هو الصورة المشار بها الى وجود فأقول ما علمته اجمالا نجاسة اناء بتلك القطرة المشخصة، فالمعلوم هنا شخصي لا كلي، والسبب في شخصيته انّ هناك صفة حسية استوجبت الاشارة الى وجود مشخص..

ولا يصح ما ورد في لسان القائلين بالجامع ان هذه الصورة تارة تكون بشرط لا عن الزيادة، وتارة لا بشرط، فما دامت هذه الصورة وهي تنجس اناء بتلك القطرة قابلة لان تنحصر في واحد وقابلة لان تنطبق على اكثر فهي كلية، وهذا غير صحيح.

والسر في ذلك: ان القابل للاتصاف بالوحدة والتعدد هو ”صرف الوجود“ الذي هو النوع الثاني واما في هذا النوع هو صورة شخصية من الاصل أي من حين حصولها فما حصل في الذهن تنجُس اناء بقطرة معينة التي لا تكون متعددة، واحتمال تنجس الاناء الآخر اما بقطرة اخرى او بانقسام تلك القطرة الى قسمين لا يوجب ان تكون الصورة السابقة كلية، فإنها صورة اخرى أي ان ما ارتسم في الذهن صورتان صورة تنجس اناء بتلك القطرة وهذه شخصية لاقترانها بإشارة لموجودة وصورة وهي احتمال تنجس الاناء الآخر بقطرة اخرى او بنصف هذه القطرة وهذه صورة اخرى فانضمام الصورة الثانية للأولى لا يوجب كون الاولى كلية، بل قد انعقدت شخصية.

فتلخص من هذا البيان أنّ العلم الاجمالي ليس على نسق واحد بل المعلوم بالإجمال قد يكون صورة شخصية وقد يكون صرف الوجود.

والسيد السيستاني استظهر من عبائر المحقق النائيني في بعض الموارد من فوائد الاصول انه يميل الى القول بالتفصيل، فلذلك نسب القول بالتفصيل اليه ايضاً، وسجل مناقشتين على القول بالتفصيل...

الاولى: ان ما اعتمد عليه القائل بالتفصيل سبق الصورة الشخصية كما لو علم بنجاسة اناء معين ثم اختلط بغيره فهنا قد يقال المعلوم بالإجمال شخصي فأفاد انه فرق بين السبب والمسبب، وان المسبب لا يتحصص بسببه.

فكون السبب جزئياً وهو اختلاط اناء متشخص بغيره من الانية البيض لا يعني ان ما انتزع منه وما تولد عنه صورة شخصية، بل ما تولد عنه ”نجاسةُ اناءٍ“، ونجاسة اناء في نفسها مفهوم كلي، قابل للصدق على كثيرين، والشاهد على ذلك، انه لو تبين للعالم وجود النجاسة ولكن بسبب اخر، فان معلومة مطابق للواقع.

مثلاً اذا علم بسقوط قطرة دم مشخصة في اناء فحصل له بذلك العلم بنجاسة اناء فالمستشكل يقول ان الصورة شخصية لان سببها جزئي حسي، فيقال له، لو انكشف للمكلف بعد ذلك انّ هذا الاناء لم يتنجس بتلك القطرة وانما تلك القطرة كانت موهومة كأن كانت قطرة عطرٍ لا دمٍ وان قطعه كان جهلا مركبا ولكن هذا الاناء نفسه الذي اعتقد المكلف نجاسته بتلك القطرة هو متنجس بقطرة دم وردت عليه من طرف اخر ومن جهة اخرى.. فهنا هل ان المعلوم وهو نجاسة الاناء تبين خطأوه او تبين صدقه؟

فلو كان المعلوم بالإجمال يتحصص بالسبب لكان انكشاف خطأ السبب انكشافا لخطأ المسبب ولكن حيث تبين ان خطأ هذا السبب لا يعني شيئاً، لأنّه نجس من طريق آخر انكشف ان المعلوم صادق مطابق للواقع، فهذا شاهد على انّ المعلوم بالإجمال لا يتحصص بالسبب، فكون السبب جزئياً لا يعني ولا يستلزم ان الصورة المتولدة من هذا السبب هي صورة شخصية، بل هي كلية.

وربما يشكل عليه أنّ الصورة الشخصية قد انعقد وهي نجاسة اناء معين، ثم اختلط الاناء بغيره وحيث انعقدت الصورة شخصيةً فلا تنقلب عما وقعت عليه والاختلاط بالغير لا يقلب تلك الصورة عما وقعت عليه فان الاختلاط والاشتباه ليس من عوامل وجود الكلي.

والحمد لله رب العالمين