حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 20

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم مسلك التفصيل في حقيقة العلم الاجمالي وهنا عدة ملاحظات:

الملاحظة الاولى: ان سيد المنتقى «قده» افاد بان السبب في حدوث العلم الاجمالي اما خاص بأحد الطرفين ولازمه كون المعلوم صورة لفرد واما مشترك بينهما فلازمه ان المعلوم هو الجامع.

ويلاحظ على ذلك: بانه في فرض كون السبب خاصا بأحد الطرفين كما لو كان يعلم بنجاسة اناء معيّن تفصيلاً ثم اختلط بغيره فان السبب هنا خاص بأحدهما ولكن هل ان اختصاص السبب يستوجب كون المعلوم جزئياً او كونه صورة لفرد متعيّن ام لا.

فنقول: لاملازمة عقلية بين كون السبب مختصاً وبين كون المعلوم جزئيا او صورة لفرد متعين والوجه في ذلك: انّ غاية ما يقتضيه اختصاص السبب بأحدهما انّ مصداق المعلوم بالإجمال منحصر في فرد، ومن الواضح أن هناك فرقا بين الجزئي والكلي الذي ينحصر مصداقه في فرد معين، فمثلا عنوان الخالق كلي وعنوان واجب الوجود كلي وان انحصر مصداقه خارجا في فرد فمجرد اختصاص السبب بأحدهما غايته أنّ مصداق المعلوم بالاجمال مما ينحصر مصداقه في فرد معيّنٍ.

وبعبارة اخرى: انّ اختصاص السبب بأحدهما أو كون السبب حسياً جزئياً غايته انّ القضية المعلومة بالإجمال مانعة جمع، وكون القضية مانعة الجمع شيء وان المعلوم فرد متعيّن واقعا شيء اخر، مثلاً لايوجد شكّ في الوجود إلا ويرجع الى قضية مانعة الجمع، كما نبه عليه المحقق النائيني مثلاً لو شككت في ان العنقاء موجودة أم لافمرجع ذلك الى علم اجمالي ذي منفصلة حقيقية وهي مانعة خلو ومانعة جمع فلا يخلو الواقع من النقيضين ولا يجتمع النقيضان ولكن هذا لايعني انك عندما تعلم هل العنقاء موجودة ام لافان هذه الصورة تشير الى فرد معين، فمجرد كون القضية مانعة جمع اعم من ان تكون الصورة مشيرة لفرد متعين واقعاً فلا ملازمة بين الامرين. نعم صحيح ان العلم الاجمالي ينقسم الى قسمين اذ تارة يكون المعلوم مقترنا بما يوجب انحصار مصداقه في معين وتارة لايكون مقترنا بذلك، الا ان هذا لايوجب اختلافاً في حقيقة العلم الاجمالي لانّ انقسامه انقسام حينئذٍ راجع لسبب خارج عن دائرة المعلوم بالإجمال والا فذات المعلوم بالإجمال واحدة.

الملاحظة الثانية: ما ذكر في الصياغة الثانية للتفصيل من انه اذا سبقت الصورة الشخصية انعقاد العلم الاجمالي كما لو علم بأنّ زيدا المشار به الى وجود خارجي ثمّ نتيجة بُعد العهد عنه او كون المرأي بعيد المسافة تردد في أنّ زيداً المشار به لوجود خارجي هل ينطبق على الرجل الذي على اليمين ام الرجل الذي على الشمال فيقال بان المعلوم بالإجمال جزئي اذ مجرد الاشتباه وتردد المعلوم بينَ انطباقه على من باليمين او بالشمال لايخلع الصورة عن كونها جزئيةً.

ويلاحظ على ذلك: انه بعد الاعتراف أنّ الصورة في حد ذاتها كليّة وانما يعبر عنها بالجزئي بضميمة الاشارة الى وجود متشخص والا فالصورة كلية في حد ذاتها، فبعد الالتفات لذلك نقول: ان هذه الصورة لها لحاظان، لحاظ بما هي مشيرة لوجود خارجي معهود لدينا، ولحاظ بما انها مجملة الانطباق على من على اليمين او على من على الشمال، وباللحاظ الاول جزئية ولكنها باللحاظ الثاني هي قابلة للانطباق على كليهما اذ ربما يكون كلاهما يحمل هذه الصورة المعينة، فمجرد لحاظ الصورة مشيرة لواقع لايعني ان الصورة المجملة في مقام الانطباق هي الجزئي بل أنّ هذه الصورة باللحاظ الاول هي جزئي لانها باللحاظ الاول لاتنطبق على أكثر من وجود بينما هي باللحاظ الثاني نظرت الى ذاتها أي صورة ذات ملامح وقيل انها مجملة الانطباق على أي منهما والا فلا يتجمع الاشارة بالصورة الاولى لوجود متشخص والاشارة بها الى وجودين اخرين مع الترديد في الانطباق على أيّ منهما.

والمتحصل: ان مجرد سبق الصورة الشخصية على العلم الاجمالي لايوجب انسحاب الاشارة الى الوجود لنفس المعلوم بالإجمال.

الملاحظة الثانية على الصياغة الثانية: باللتفصيل حيث قيل لو اقترن العلم الاجمالي منذ انعقاده بإشارة لوجود خارجي كما لو علمَ بقطرة من دم معينة حسية انها وقعت على احد الإناءين فالمرئي وهو قطرة دم حسية متشخصة اوجب ان ينعقد العلم الاجمالي مع اشارة الى واقع متعين، وهو الاناء الذي تلقى هذه القطرة ومع هذا فالمعلوم بالإجمال جزئي، واحتمال انطباقه على فرد آخر صورة اخرى لاتؤثر في واقع الصورة الأولى على ما وقعت عليه.

ويلاحظ على ذلك ان الصورة الاولى منذ ان انعقدت اما ان تنعقد معها حين انعقادها صورة اخرى وهي العلم بعدم انطباق الصورة الاولى على غير فرد او تكون الصورة المنعقدة معها في آن واحد احتمال الانطباق على اكثر فنحن نسلم بان هناك صورتين، ولكن المفروض ان الصورتين في عرض واحد وفي آن واحد فاذا انعقدت صورة لاناء تلقى تلك القطرة المعينة ومعها صورة ”ان لااناء غيره“ فمن الواضح حينئذٍ ان انحصار المصداق في اناء متعين او ان نعبر تسامحا ان الصورة الاولى جزئي يمتنع صدقها على كثيرين انما تم ببركة الصورة الثانية اذ لولا اقترانها معها لما قلنا ان مصداق الاولى واحد متعين في الواقع.

فاذا كانت الصورة المقترنة معها هي الاحتمال بان اقترنت صورة اناء نجس مع صورة احتمال ان ما تلقى القطرة اكثر من اناء فكما في الفرض الاول اوجب اقتران الصورة بالثانية انحصار المصداق فانه في الفرض الثاني اوجب اقتران الصورة قابلية الصدق في الاولى على اكثر من واحد ومن الواضح ان الصورة التي تقبل في حد ذاتها ان ينحصر مصداقها في فرد ببركة صورة اخرى فهي في حد ذاتها قابلة للصدق على كثيرين وليس الكلي الا هذا.

فان قلت حتّى في الفرض الثاني وهو التردد بين الواحد او اكثر نتيقن ان المتلقي للقطرة المعينة واحد ونشك في الاكثر.

قلنا ان هذا المتيقن ليس الا صرف الوجود أي صرف وجود اناء تلقى النجاسة، واما دعوى ان صرف الوجود لاكلي ولا جزئي فهذه الدعوى غريبة جدا اذ مادام صرف الوجود قابل لان ينطبق صدقه على كثيرين وقابل لان يصدق بالفعل على كثيرين واذا فهو في حد ذاته قابل للصدق على كثيرين وهذا هو ميزان الكلي.

والحمد لله رب العالمين