الخلل الواقع في الصلاة

الدرس 23

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين

الكلام فيما لو بقي من الوقت مقدار ثلاث ركعات بين المكلف ونصف الليل وذكرنا ان سيدنا افاد بان العشاء تقدم على المغرب فيصلي ركعتي العشاء لأنّه مسافر ثم يصلي ركعة المغرب، ويتممها بحديث من ادرك. وذكر سيدنا لإثبات مراده ثلاثة نكات، وقد تم مناقشة النكتتين الاوليين منها.

النكتة الثالثة: حكومة دليل الوقت على دليل الترتيب كما في التنقيح كتاب الصلاة ج 1 ص 306 قال: ”وذلك لأنا قد استفدنا مما دل على أن الصلاة لاتسقط بحال أن الوقت مقدم على سائر الشرائط والاجزاء كالترتيب فلولم يخالف الترتيب في محل الكلام ولم يأت بالعشاء مقدما لوقعت - أي العشاء - في خارج الوقت قضاء، وقد ذكرنا ان ما دل على أن الصلاة لاتسقط بحال يدلنا على عدم جواز ذلك فلأجل هذا تسقط شرطية الترتيب بينهما ويتعين تقديم العشاء على المغرب لئلا تقع - بتمامها - خارج الوقت“

ومحصل كلامه «قده»: ان عندنا ثلاثة ادلة:

الأول: ما دل على شرطية الترتيب بين الفريضتين، كقوله : «الا ان هذه قبل هذه»

والدليل الثاني: ما دل على شرطية الوقت كقوله: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.

والدليل الثالث: وهو قوله لا تسقط الصلاة بحال، فلو كنا والدليلين الاولين لقلنا بان الترتيب والوقت في وقت واحد، وكلاهما من شرائط الصحة ولانظر في احدهما للآخر، ولكن بعد ملاحظة الدليل الثالث وهو قوله لاتسقط الصلاة بحال يستفاد من ذلك النظر وهو ان جميع ادلة الاجزاء والشرائط انما تكون فعلية اذا لم تستلزم سقوط الصلاة، فقوله لاتسقط الصلاة بحال أي ان الامر بالصلاة باق وان تعذر شرط من هذه الشرائط أو جزء من هذه الاجزاء فالدليل الثالث وهو لاتسقط الصلاة بحال حاكم على جميع ادلة الاجزاء والشرائط مضيق لها بما اذا لم تستلزم سقوط الصلاة.

ونطبق ذلك على المقام، فنقول: اذا دار الامر بين تقديم المغرب وتقديم العشاء فدليل الترتيب يقول قدّم المغرب ودليل الوقت يقول قدّم العشاء لأنك لو قدمت المغرب والوقت لايسع الا ثلاث ركعات فات وقت العشاء فيأتي دليل لاتسقط الصلاة بحال وتكون حكومته لصالح الوقت حيث يقول لو قدمت المغرب لاستلزم ذلك الترخيص في ترك الصلاة في وقتها لان هذا الوقت وقت العشاء بالاتفاق، والصلاة لاتسقط بحال، فمقتضى ذلك تقديم شرطية الوقت على شرطية الترتيب، فوجه حكومة شرطية الوقت على شرطية الترتيب هو ضميمة قوله لاتسقط الصلاة بحال، هذا ما افيد عن السيد الخوئي.

ولكن يلاحظ على ذلك:

اولا: لم يرد عندنا ”لا تسقط الصلاة بحال“، وانما ورد في المستحاضة ولا تترك الصلاة بحال، والمقصود بها أن ابتلاء المرأة بحدث الاستحاضة لايوجب سقوط الصلاة عنها، لاان المقصود من الرواية ان الصلاة لاتسقط باي حال من الاحوال.

وثانيا على فرض ما ادعاه بعض اساتذتنا «قده» من ان المدار ليس على وجود الرواية، وانما هناك ارتكاز متشرعي قطعي على ان الصلاة لاتسقط بحال، الا ان الإرتكاز دليل لبي والمتيقن منه ما اذا كانت الصلاة جامعة لشرائطها واما لو فرضنا انه دار امر المكلف بين ان يصلي المغرب او العشاء والوقت مشترك فلا يحرز شمول هذا الإرتكاز لمثل هذا المورد. هذا تمام الكلام في هذه المسالة، وتبين ان مقتضى القاعدة بناءً على القول بالاشتراك هو التخيير.

بقي مطلبان

الأولى: انه بناءً على تقديم العشاء وبقاء مقدار ركعة فهل يجب المدابرة لصلاة المغرب ام لا، وهنا افاد سيدنا انه بناءً على القول بالاختصاص لايجب لخروج وقت المغرب بخلافه لو قلنا بالوقت المشترك، تجب المبادرة لأنّه يمكن له إدراك ركعة في الوقت. وقال صاحب العروة ”والظاهر انها اداء وان كان الاحوط عدم نية القضاء والاداء“. فهنا اشكل سيد المستمسك انه لايجتمع الجزم بالفتوى مع التردد بكونها اداء او قضاء فقال في المستمسك ج 5 ص 95 ”فمع أداء العشاء في الفرض، يكون مقدار الركعة وقتاً للمغرب، فتجب المبادرة إلى فعلها فيه أداء. ومنه يظهر أنه لم يتضح الوجه فيما قد يظهر من العبارة من جزمه بوجوب المبادرة إلى المغرب في الفرض وعدم جزمه بكونها أداء“.

اقول: يعني كيف تجب المبادرة مع التردد في انها اداء او قضاء بل ينبغي ان يقول والأحواط وجوبا المبادرة للتردد بين القضاء والاداء، اما انه تجب المبادرة والاحوط عدم نية القضاء والاداء لايجتمعان.

وأجاب عنه سيدنا بقوله ”و لكنه كما ترى، بل لايخلو عن الغرابة، فإنه «قدس سره» قد أفتى صريحاً بأنها أداء بموجب الحكم الظاهري «اي استصحاب بقاء وقت المغرب»، ولا تنافي بينه وبين الترديد في الحكم الواقعي «فصاحب العروة يقول لاندري انها قضاء ام اداء ولكن مقتضى الاستصحاب انها اداء» المستوجب للاحتياط الاستحبابي لمجرد إدراك الواقع، وكم له نظائر في عبائر الفقهاء، فتراهم يفتون ولا تزال فتاواهم مسبوقة أو ملحوقة بالاحتياط لرجاء درك الواقع الذي هو حسن على كل حال“.

المطلب الثاني: ذكرنا ان في المسالة اتجاهات ثلاثة:

1 - اتجاه بتقديم المغرب.

2 - واتجاه بتقديم العشاء وسبق الكلام فيهما.

3 - هو الاقحام أي ان يبدا بركعة من المغرب ثم يصلي ركعة من العشاء ثم يصلي ركعة من المغرب، ثم اذا خرج الوقت يتم المغرب ثم يتم العشاء.

والوجه في ذلك مبني على امرين: الامر الأول: جواز اقحام فريضة في فريضة، والامر الثاني: ان الترتيب معتبر بين الاجزاء بان يكون كل جزء من العشاء بعد جزء من المغرب.

فالبحث اولا في جواز الاقحام وهو انه هل يوجز اقحام فريضة في فريضة ام لا.

تعرض السيد الإمام لهذا المطلب فقال في كتاب الخلل ص 115 ”و يمكن الذب عن الإشكالات التي يمكن ورودها على الإقحام“

1 - من ان ذلك مخالف لنظم الصلوات ”فرده بقوله“ لمنع مخالفة الإقحام للنظم وانما اللازم منه هو الفصل بين الاجزاء والفصل بمثل عبادة مماثلة لادليل على إضراره بالصحة".

2 - ان الإتيان بمثل الركوع والسجدتين ونحوهما مبطل‌ وان لم يأت بها بعنوان الصلاة التي ابتدأ بها لما دل على النهى عن قراءة السورة العزيمة معللا بان ‌السجود زيادة في المكتوبة.

وقد افاد سيدنا تبعا لشيخه النائيني بان الركوع والسجود يقعان زيادة وان لم يقصد الجزئية لهذه الصلاة، فان مبناه ان الزيادة لاتقع الا اذا قصد بها الجزئية الا بالنسبة للركوع والسجود زيادة وان لم يقصد بها الجزئية، والسر في ذلك ما يستفاد من بعض الروايات ان السجود زيادة في المكتوبة، قال في ج14 ص 305 في قول صاحب العروة لايجوز قراءة سورة من سور العزائم قال سيدنا فلا إشكال في عدم جوازه وبطلان الصلاة بذلك، للزوم الزيادة العمدية في المكتوبة التي هي مبطلة بلا خلاف ولا إشكال، كما وقع التصريح بذلك في روايتين إحداهما معتبرة، وهما رواية زرارة الضعيفة بالقاسم بن عروة وصحيحة علي بن جعفر التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه، وطريقه إلى الكتاب صحيح، فقد ورد فيها قوله : «وذلك زيادة في الفريضة»، فانّ عنوان الزيادة وإن كان متقوّماً بقصد الجزئية كما مرّ غير مرة المنفي في المقام، لأنّه يسجد للتلاوة لاللصلاة، لكنه يستثني من ذلك خصوص السجود بمقتضى هاتين الروايتين المصرّحتين بأنّه زيادة في المكتوبة أو في الفريضة ويلحق به الركوع بطريق أولى.

فيظهر من ذلك أنّ خصوص الركوع والسجود يمتازان عن بقية الأجزاء بعدم ارتضاء الشارع بزيادتهما حتى الصورية منها، وأنّ لكل ركعة ركوعاً وسجدتين لايضاف عليها شي‌ء ولو بعنوان آخر من سجدة الشكر أو التلاوة ونحوهما. واذا ثبت الامر في السجود ثبت في الركوع لعدم احتمال الخصوصية. وعليه لايجوز اقحام صلاة في صلاة لأنّه يستلزم زيادة ركوع وسجود.

اما السيد الإمام فيناقش في ذلك ويقول: وما دل على ان السجدة زيادة في المكتوبة إما تعبد خاص بمورده ”أي كانه يريد ان يقول ان اللام في لاتقرأ في الصلاة بشيء من العزائم فان السجود زيادة. يعني فان هذا السجود اي سجود التلاوة زيادة ولكن هذا خلاف الظاهر فان الظاهر ان اللام لجنس السجود. قال: واما لصدق الزيادة إذا أتى بالسورة العزيمة في الصلاة فان السجدة من متعلقاتها وأين ذلك من سجدة أو ركوع لصلاة اخرى“.

أي يريد ان يقول: من قرأ سورة العزيمة في الصلاة فاستتبعت قرائته سجدة صارت السجدة من متعلقات القراة لأجل ذلك صارت زيادة، فصارت زيادة لالانها جزء بل لأجل كونها من متعلقات ما هو جزء من الصلاة فلا ينطبق هذا العنوان على ركوع او سجود لاعلقة له بهذه الصلاة.

ولكن يلاحظ عليه: ان هذا التعلق اختياري لأنّه باختياره قرأ سورة العزيمة واصبحت العزيمة مستلزمة لسجدة لا ان هذا من متعلقات ما هو جزء للصلاة على كل حال كي يقال ان هذا هو السر في صدق الزيادة عليه فمرجع هذه الظرفية الى اختياره، اذا فبالنتيجة لولا ضعف سند رواية لكان كلام سيدنا تاما. اما رواية علي بن جعفر فقد افيد في عدة تعاليق ان قوله: «وذلك زيادة في الفريضة» ليس من كتاب علي بن جعفر، قال في تعليقة موسوعة السيد الخوئي ج 14 ص 305: هذه الجملة أثبتها صاحب الوسائل نقلًا للرواية عن قرب الإسناد وكتاب علي بن جعفر. لكن العلّامة المجلسي أوردها في البحار نقلًا عن الكتابين خالية عنها، كما أنّ كتاب قرب الإسناد بطبعتيه الحجرية والنجفية خالية عنها، نعم هي موجودة فيما نقله في البحار عن كتاب علي بن جعفر. وبالجملة: فاشتمال كتاب علي بن جعفر على هذه الجملة التي هي محل الاستشهاد غيرثابت بعد تعارض ما نقله العاملي والمجلسي في بعض مجلدات البحار مع ما نقله في البعض الآخر، ومعه يشكل الاستدلال بها. فلاجل ذلك لامانع من اقحام صلاة في صلاة.

والحمد لله رب العالمين