حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 24

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

تقدم ان المسالك في منجزية العلم الاجمالي بين من يرى العلية التامة ومن يرى الاقتضاء ومن يرى التفصيل، وكذا من يرى ان المنجزية عقلائية، ومن يرى ان المنجزية للاحتمال، ونحن نتعرض لهذه المسالك لاعلى ضوء هذا الترتيب ولكن على ضوء ما هو مقرر في الكتب، لذلك نبدأ بمسلك صاحب الكفاية.

ومحصل كلامه في بحث البراءة عدة امور:

الأمر الاول: انه لايكفي في فعليّة الحكم كون المتعلق ذا ملاك، كما لايكفي في فعلية الحكم جعله واعتباره من قبل المولى، وانما الدخيل في فعلية الحكم امور اخرى ترجع الى اهمية الملاك، ولذلك فهناك صور اربع لفعلية الحكم:

الاولى: ان يكون الملاك بدرجة لايقتضي تعلق إرادة المولى به حتّى في فرض العلم به تفصيلاً فبعض الملاكات ليس لها من الاهمية ما يقتضي تعلق إرادة المولى بايجادها مطلقا بل حتّى لو علم بالحكم تفصيلاً مع ذلك لم يكن فعليا فضلاً عن ان يكون منجزاً مثلاً الاحكام التي انطيت بتبليغ المعصوم في وقت معيّن، كما لو فرضنا ان خمس ارباح المكاسب مما انيطت فعليته بتبليغ المعصوم له ولا يكفي مجرد جعله وتشريعه فقبل تبليغ المعصوم له وان علم به المكلف تفصيلاً الا انه ليس فعلياً في حقه فضلاً عن تنجزه، او مثلاً ما دلّ من الاخبار على ان بعض الاحكام مما انيطت بتبليغ الحجة عجل الله فرجه فحتى لو علم بها المكلف تفصيلاً لم يكن لذلك اثر في فعليتها، فالصورة الاولى هي ما لو لم يكن الحكم فعلياً حتّى مع العلم به تفصيلاً فضلاً عن العلم به اجمالا، لانّ مستوى ملاكه قيّد فعليته بقيد اخر وراء العلم.

الصورة الثانية: ان يكون الملاك بدرجة يقتضي تعلق الإرادة به اذا علم بالحكم تفصيلا كما في وجوب الجهر والاخفات، وكما في حرمة الربا وامثال ذلك فالملاك انما يقتضي الفعلية أي تعلق إرادة المولى بالفعل بان يقول اجهر او اخفت اذا علم بالحكم تفصيلا فما لم يعلم به تفصيلا فلا فعلية له. فالعلم التفصيلي دخيل في مرحلة الفعلية ومرحلة التنجز، ولذلك لو علم به اجمالا فلا اثر للعلم الاجمالي في الفعلية فضلا عن التنجز.

الصورة الثالثة ان تكون درجة الملاك بنحو تقتضي تعلق الإرادة به لو علم اتفاقا سواء علم به اجمالا او تفصيلا، كأغلب الاحكام فان وجوب صلاة الآيات مثلاً ذو ملاك يقتضي تعلق الإرادة بهذا الوجوب ان علم المكلف بذلك تفصيلاً او اجمالا، ففي مثل هذا الفرض لايجب على المولى ان ينصب طرقاً لمعرفة هذا الحكم لان ملاكه لايقتضي ذلك انما ملاكه يقتضي الفعلية ان علم المكلف به اتفاقا سواء علم تفصيلا او اجمالا فلا يجب على المولى نصب طريق للتعريف بالحكم ومن باب اولى لايجب عليه ايجاب الاحتياط عند الشك في هذا الحكم، فان ملاكه لايقتضي ذلك.

الصورة الرابعة ان يكون الملاك بدرجة من الاهمية يقتضي تعلق الإرادة به مطلقا والتحفظ عليه في تمام الاحوال فمقتضى هذا الملاك نصب الطرق لايصال المكلف اليه وايجاب الاحتياط عند الشك فيه كما في موارد الدماء والاعراض فهنا في هذه الصورة يكون الحكم فعلياً واقعا بقطع النظر عن العلم به، أي ان إرادة المولى تعلقت به وان لم يعلم به المكلف. ولأجل ذلك لايكون العلم في هذه الصورة الا مجرد كاشف لادخيلا في الفعلية كما في الصور السابقة، هذا هو الامر الأول في توضيح كلام الكفاية.

الامر الثاني:

تبين من خلال ذلك ان الفرق بين الفعلية من جميع الجهات، والفعلية من سائر الجهات فهنا تعبيران في الكفاية تارة يقول من ”جميع الجهات“ وتارة يقول من ”سائر الجهات“ فان مقصوده من ذلك انه اذا كان الملاك بدرجة من الاهمية يقتضي ان يكون الفعل مرادا جديا للمولى على كل حال كانت الإرادة وكان الحكم فعليا من جميع الجهات، فمتى ما علم به المكلف تفصيلا او اجمالا تنجز لأنّه فعلي في رتبة سابقة واما اذا كان الحكم واجدا لشرائط الفعلية وشرائط تعلق الإرادة من باق الجهات الا جهة واحدة وهي تعلق العلم به، بحيث ان تعلق العلم به صار فعليا مطلقا، والا فهو فعلي من سائر الجهات دون جهة العلم فحينئذٍ هل الدخيل في فعليته المطلقة العلم التفصيلي فيرجع الى الصورة الثانية التي ذكرناها فلا أثر للعلم الاجمالي في فعليته او الدخيل في فعليته مطلق العلم، فيرجع الى الصور الثالثة وبالتالي فلا يجب الاحتياط من جهته لو شك فيه فهذا ما يعبر عنه بالفعلية من سائر الجهات، ويتبين لنا بذلك ان مصطلح الفعلية لدى الآخوند غيرها عند الاصفهاني والنائيني فالفعلية عند الآخوند عبارة عن تعلق الإرادة اللزومية بالفعل بحيث لايرضى بتركه فهذا التعلق قد لايكون منوطا بالعلم، كما في موارد الدماء والاعراض وقد يكون منوطا بالعلم تفصيلا او مطلق العلم بحسب اختلاف الموارد.

الامر الثالث: تبين بذلك ان للاخوند مسلكا ينفرد به فليس ركن المنجزية هو العلم حتّى ندور مداره، فان سائر الاعلام جعلوا ركن المنجزية العلم، لذلك بحثوا هل العلم الاجمالي منجز ام لا، واذا كان منجزاً فهل منجزيته عقلية ام عقلائية، واذا كانت عقليه فهل هي علة تامة ام على نحو الاقتضاء، ام هناك تفصيل.

فان هذا كله بنظر الآخوند دوران حول نقطة اجنبية بل ركن المنجزية الحكم نفسه، فلابد من ملاحظة الحكم نفسه في رتبة سابقة على العلم، فان كان الحكم نفسه فعلية من تمام الجهات فالعلم لااثر له تعلق به ام لافهو منجز على المكلف حتّى في فرض الشك فيه، وان لم يكن الحكم فعليا في رتبة سابقة على العلم بل بالعلم يكون فعلياً فلابد من ملاحظة الدخيل في الفعلية هل هو مطلق العلم ام خصوص العلم التفصيلي فمحور المنجزية صفة الحكم في حد ذاته وبها يتبين لنا دون العلم وانه قد لايكون له دور، وقد يكون له دور في الفعلية فضلا عن التنجز.

الامر الرابع:

تبين مما سبق الفرق بين العلم التفصيلي والاجمالي، فالتفصيلي والاجمالي مشتركان في جهة مفترقان في جهة اخرى، فاما جهة اشتراكهما فهي لو كان الحكم فعليا في رتبة سابقة على العلم لم يكن للعلم دور فلا فرق من هذه الجهة بين التفصيلي والاجمالي، لان المولى في هذا الفرض يتحفظ على ملاكه حتّى بايجاب الاحتياط، كما انه لو فرضنا ان الحكم يكون فعلياً بالعلم به فاذا افترضنا الحكم يكون فعلياً بالعلم التفصيلي فلا يجب الجهر حتّى تعلم به تفصيلاً فحينئذٍ لو علم به اجمالاً فالحكم غير فعلي، ومقتضى ذلك: شمول ادلة الاصول الترخيصية لمورد العلم الاجمالي بلا مانع، فان قلت ان لازم الترخيص المضادة مع الحكم الواقعي، اذ لايجتمع الترخيص مع الالزام.

قلت: اولا هذا منقوض بموارد الشبهات البدوية اذ لااشكال في شمول ادلة الاصول الترخيصية لها مع كون الحكم الواقعي الزاميا.

وثانيا بالحل فان المضادة انما تتصور بين الحكمين الفعليين، واما اذا لم يكن الالزام الواقعي فعلياً لدخل العلم التفصيلي في فعليته فلا مضادة. وان كان الدخيل في فعليته مطلق العلم ولو كان اجمالياً، فانّ ادلة الاصول وان كانت مطلقة لكل شك وان كان الشك في مورد العلم الاجمالي لكنها مخصصة عقلاً بغير مورد العلم الاجمالي بعد الالتفات الى دخله في الفعلية وكون الحكم الواقعي فعليا في مورده ولا يعقل المناقضة بين الترخيص الظاهري والالزام الواقعي الفعلي.

ومن هنا يتبين لنا الفرق بين العلمين والشك البدوي، ففي فرض ان الحكم الواقعي يكون فعلياً بأحد العلمين لايحتاج المولى لتتميم الفعلية بشيء اخر بل يكفي في فعلية الحكم الواقعي العلم به، اذا كان العلم دخيلا في فعليته بلا حاجة لضميمة بينما في صورة الشك البدوي لو فرضنا ان الحكم الواقعي فعلي في مورد الشك البدوي فلايكفي الشك البدوي في احراز فعليته بل لابد من ضميمة وهي قيام المولى بايجاب الاحتياط، اذ لو لم يوجب الاحتياط لم يحرز المكلف فعلية الحكم الواقعي، هذا ما يتعلق بجهة الاشتراك بين التفصيلي والاجمالي.

واما جهة الافتراق فهو انه لو فرضنا في الواقع ان الحكم الواقعي غير فعلي وتعلق العلم به تفصيلا فانه لايمكن ان يتدخل المولى لبيان الترخيص باعتبار ان القاطع لايرى الا الواقع، فبعد قطع المكلف تفصيلا بالحكم وان لم يكن الحكم الواقعي فعليا لايمكن للمولى بيان الترخيص بخلاف ما لو لم يكن الحكم الواقعي فعليا وعلم به المكلف اجمالا فانه يمكن للمولى ان يرخص وهذا ما عبر عنه الآخوند بانه مع القطع التفصيلي مرتبة الحكم الظاهري غير محفوظة لان موضوع الحكم الظاهري وهو الترخيص الشك ولا شك مع العلم التفصيلي واما لو كان العلم اجماليا فان مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة أي ان موضوع الحكم الظاهري موجود كما انه قد تبين بذلك ان لافرق بين الشبهة المحصورة والشبهة غير المحصورة كما هو ظاهر كلماتهم حيث ان المدار على الحكم فان كان فعليا في نفسه لم يكن فرق بين الشبهتين في لزوم الموافقة القطعية وان لم يكن فعليا في نفسه فلا فرق بين الشبهتين في عدم اللزوم فالمدار على صفة الحكم نفسه من حيث كونه فعليا او غير ذلك.

والحمدلله رب العالمين