قراءة في الكافي ومصحف فاطمة (ع)

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [1] 

صدق الله العليّ العظيم

حديثنا هذا اليوم في عدّة نقاط متسلسلة ومترابطة:

النقطة الأولى:

اتفق علماء الإماميّة أنّه لا يوجد عندنا كتابٌ صحيحٌ، لا يوجد بين أظهر المسلمين جميعًا وراء القرآن الكريم كتابٌ صحيحٌ، أي: صحيح الأسناد وما ورد فيه فهو صادرٌ قطعًا عن الرّسول ، هناك كتبٌ توهّم بعض المسلمين بأنّها صحاح، ككتاب «الكافي» للشّيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه، أو كتاب «من لا يحضره الفقيه» للشّيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه، أو كتاب «صحيح البخاري»، أو كتاب «صحيح مسلم»، قد يتوهّم بعض المسلمين أنّ هذه كتبًا صحاحًا، بمعنى أنّ ما فيها - جميع ما فيها - صادرٌ عن النبي أو أهل بيته المعصومين ، ولكنّ هذه الدّعوة غير صحيحةٍ، الصّحيح عدم وجود الصّحيح، الصّحيح أنّه لا يوجد عندنا كتابٌ صحيحٌ 100% بمعنى أنّ جميع أحاديثه صادرة أو جميع أحاديثه موثقة أو جميع أحاديثه معتبرة، هذا غير صحيح، لِمَ؟

أنا الآن أستشهد بالنسبة إلى كتاب الكافي بعبارات علمائنا الكبار في حق كتاب الكافي:

1/ كتاب «معجم رجال الحديث» لسيّدنا السّيّد الخوئي قدّس سرّه، السّيّد الخوئي في هذا الكتاب في صفحة 31 تحدّث عن كتاب الكافي - كتاب الكافي للشيخ الكليني - وقال: [أقول: الرّوايات التي ذكرها محمد بن يعقوب الكليني وصحّحها الصدوق وبالغ في تصحيحها ولزوم العمل بها قد تعرّض لها الشيخ المفيد قدّس سرّه في رسالته المعروفة بالرّسالة العدديّة وناقش في أسنادها] هذه روايات عندنا ذكرها كتاب الكافي، روايات غريبة جدًا، مفاد هذه الرّوايات أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يومًا أبدًا، كلّ سنة شهر رمضان لازم يصير ثلاثين يوم، ”إنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يومًا أبدًا“ هذه الرّوايات نفسها التي ذكرها الكليني في الكافي الشّيخ المفيد في رسالته «الرّسالة العدديّة» تعرّض لهذه الروايات وقال بأنّها روايات شاذة.

لاحظوا السّيّد الخوئي ينقل عبارة الشّيخ المفيد: [وأمّا ما تعلق به أصحاب العدد من أنّ شهر رمضان لا يكون أقلّ من ثلاثين يومًا فهو أحاديث شاذة قد طعن نقلة الآثار من الشّيعة في سندها، وهي مثبتة في كتب الصّيام في باب النوادر، والنوادر هي التي لا عمل عليها، وأنا أذكر جملة ما جاءت به الأحاديث الشّاذة وأبيّن عن خللها وفساد التعلق بها في خلاف الكافة إن شاء الله، فمن ذلك: ما رواه الكليني عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله أنّه قال: ”شهر رمضان ثلاثون يومًا لا ينقص أبدًا“ وهذا حديثٌ شاذ نادرٌ غير معتمدٍ عليه، وفي طريقه محمّد بن سنان، وهو مطعونٌ فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لم يُعْمَل عليه في الدّين] ثم تعرّض لبقيّة الأحاديث.

لاحظوا هذه أحاديث ذكرها الكليني في كتاب الكافي، الشيخ المفيد ماذا قال عنها؟ قال: أحاديث شاذة ونادرة لا يعمل عليها ولا يعوّل عليها، والسّيّد الخوئي أيضًا في كتابه «معجم رجال الحديث» أيّد كلام الشّيخ المفيد، فهذان علمان من أعلام الطائفة: علمٌ من المتقدّمين «وهو الشّيخ المفيد» وعلمٌ من المتقدّمين «وهو السّيّد الخوئي» يصرّحان بأنّ بعض روايات الكافي شاذة ونادرة لا يعوّل عليها ولا يُعْمَل بها فكيف يكون عندنا كتابٌ صحيحٌ؟!

2/ لاحظوا كلام السّيّد الخوئي أيضًا صفحة 36 من هذا الكتاب «معجم رجال الحديث، الجزء الأوّل»: [إنّ في الكافي ولاسيّما في الرّوضة «هناك روضة وهناك الفروع، الكافي قسمان» روايات لا يسعنا التصديق بصدورها «نحن أصلاً عقولنا لا تتقبل التصديق بها» روايات لا يسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم عليه السّلام، ولابدّ من ردّ علمها إليهم ، والتعرّض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب، ولكننا نتعرّض لواحدةٍ ونحيل الباقي إلى الباحثين «لاحظ كيف أنّ السّيّد الخوئي يدعو إلى حركة العقل، يدعو إلى حركة البحث، أنّه لابدّ للباحثين أن يحرّكوا عقولهم بالتأمّل وبالتدقيق في هذه الرّوايات ومضامينها» ونحيل الباقي إلى الباحثين، فقد روى محمّد بن يعقوب بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [2]  ما هو المقصود بالذكر؟ ومن هم قومه؟ الرّواية تقول: رسول الله هو الذكر وأهل بيته هم المسؤولون وهم أهل الذكر.. السّيّد الخوئي يقول: هذا ليس معقولاً، الآية تخاطب النبي: يا أيها الرّسول إنّه لذكر لك، فلو كان المراد بالذكر هو النبي لكان: إنّ النبي للنبي! هذا طبعًا لا معنى له، ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ فلو فسّرنا الذكر بالنبي لكان معنى الآية حينئذٍ أنّ الله أنزل النبي للنبي! هذا لا معنى له! [أقول: لو كان المراد بالذكر في الآية المباركة رسول الله فمن المخاطب؟! «في قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ من هو المخاطب إذن؟!» ومن المراد من الضّمير في قوله تعالى: ﴿لَّكَ وَلِقَوْمِكَ؟! وكيف يمكن الالتزام بصدور هذا الكلام من المعصوم فضلاً عن دعوة القطع بصدوره؟!...] إلى آخر كلامه.

إذن فبالنتيجة: هؤلاء أعلام الطائفة يلتزمون بأنّ كتاب الكافي ليس كتابًا صحيحًا، بعض رواياته صحيحٌ، بعض رواياته شاذ، بعض رواياته نوادر لا يعوّل عليها ولا يعتمد عليها، كتاب «من لا يحضره الفقيه» للشّيخ الصدوق فيه روايات السّهو التي أجمع المتأخرون على عدم صحّتها، روايات السّهو - أنّ النبي كان يسهو - موجودة في كتاب «من لا يحضره الفقيه» في باب أوقات الصّلاة، راجعوا باب أوقات الصّلاة في كتاب «من لا يحضره الفقيه» هو الشّيخ الصدوق يذكر أنّ النبي صلى ركعتين وسها ثم سلم واستدبر القبلة فقالوا: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟! فقال: ما نسيت ولا قصرت الصّلاة، فقالوا: بلى يا رسول الله صليت ركعتين! فاستغفر ربّه ثم التفت إلى القبلة وأردفها ركعتين أخريين! هذه الرّوايات يذكرها الصدوق بنفسه في كتاب من لا يحضره الفقيه.

وهكذا من الرّوايات الكثيرة، هذا بالنسبة إلى كتاب الكافي، وأمّا بالنسبة إلى كتاب صحيح البخاري فأيضًا لا يلتزم علماؤنا بصحّة جميع ما فيه لوجود أحاديث لا يمكن التصديق بها وصدورها عن النبي ، مثلاً:

1/ ما رواه البخاري في باب صلاة الجنائز من أنّ ملك الموت عندما نزل لقبض روح النبي موسى عليه وعلى نبيا وآله أفضل الصّلاة والسّلام النبي موسى لطم ملك الموت على وجهه ففقع عينه اليمنى!

هذه روايات لا يمكن التصديق بها وإن أوردها البخاري في كتاب صلاة الجنائز.

2/ من الرّوايات التي أيضًا أوردها البخاري ومسلم في باب فضائل يوم عرفة وليلة عرفة: إنّ الله ينزل ليلة عرفة إلى سماء الدّنيا ويقول: أيها المستغفر غفرت لك!

وهل يتصوّر في حقّ الله النزول أو الصّعود؟!

3/ ومن الرّوايات أيضًا التي تعرّض لها سيّدنا قدّس سرّه - السّيّد الخوئي - في كتابه «البيان في تفسير القرآن، صفحة 220»، هنا السّيّد الخوئي في هذا الكتاب تعرّض لهذه الرّواية عن البخاري: ذكر البخاري في «الجزء الثامن، صفحة 26، الطبعة المصريّة» وصحيح مسلم «الجزء الخامس، صفحة 116» عن ابن عبّاس أنّ الخليفة عمر بن الخطاب قال فيما قال وهو على المنبر: إنّ الله بعث محمّدًا بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل الله آية الرّجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمانٌ أن يقول قائل: «واللهِ ما نجد آية الرّجم في كتاب الله» فيضلّ بترك فريضةٍ أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حقٌ على مَنْ زنا إذا أحْصِنَ مِنَ الرّجال، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: «ألا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم» أو «إنّ كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم».

هذه الرّواية واضحة على أنّ ابن عبّاس ينقل أنّ هناك آية في القرآن اسمها آية الرّجم وهي: «الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتة جزاءً من الله نكالاً بما كانوا يكسبون» وهذه ليست موجودة في القرآن الذي بين أيدينا، وآية أخرى أيضًا ينقلها أنّها موجودة في القرآن وهي ليست موجودة في القرآن الذي بين أيدينا: «ألا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم» هذه أيضًا الآية غير موجودة في الكتاب الذي بين أيدينا، فهل يمكن التصديق بهذه الرّواية التي ظاهرها أنّ القرآن الذي بين أيدينا أنقص من القرآن الذي نزل على النبي محمّدٍ ؟!

هم يقولون: هذه لا، معناها نسخ التلاوة، يعني أنّ هذه آية نزلت ثم نُسِخَت - نُسِخَت تلاوتها - بمعنى أنّ النبي بعد نزولها أمر بعدم تلاوتها، فهذه الآية من باب نسخ التلاوة.

علماؤنا يقولون: نسخ التلاوة! ما معنى نسخ التلاوة؟! نسخ التلاوة هو القول بالتحريف! ليس شيئًا آخر، ليس عندنا قولان: قولٌ بنسخ التلاوة وقولٌ بالتحريف، القول بنسخ التلاوة هو القول بالتحريف، لِمَ؟

لأنّك إذا قلتَ: هذه آية ثم نُسِخَت، من الذي نسخها؟! طبعًا القرآن لم ينسخها، إمّا النبي نسخها أو غير النبي، فإنْ كان نسخها النبي لا يحقّ للنبي أنْ ينسخ آية من كتاب الله أبدًا، اتفق علماء المسلمين على أنّه لا يجوز نسخ الكتاب بالسّنة، آية من كتاب الله كيف ينسخها النبي ؟! إذن من الذي نسخها؟! غير النبي؟! إذا كان نسخها غير النبي فهذا مساوقٌ للقول بالتحريف، آية في كتاب الله يقرّ بها النبي ويأتي غير النبي ينسخها؟! هذا يعدّ تحريفًا للقرآن وتنقيصًا للقرآن، ليس من حقّ أيّ مخلوق نسخ كتاب الخالق.

إذن فبالنتيجة: القول بنسخ التلاوة هو القول بتحريف القرآن، ليس شيئًا ثانٍ، لِمَ نغيّر الألفاظ؟! هو المعنى واحدٌ، وإلا إذا كانت روايات التحريف الموجودة في البخاري ومسلم من باب نسخ التلاوة أيضًا روايات التحريف الموجودة في كتب الشّيعة أيضًا من باب نسخ التلاوة! ما الفرق بين هذا وهذا؟! لماذا روايات التحريف الموجودة في كتاب البخاري أو مسلم أو كتاب الإتقان للسّيوطي من باب نسخ التلاوة أمّا روايات التحريف الموجودة في كتاب «فصل الخطاب في تحريف الكتاب» لا! هذه ليست من باب نسخ التلاوة بل هي من باب التحريف؟! إمّا كلاهما من باب التحريف أو كلاهما من باب نسخ التلاوة، ففرز أنّ الروايات التي في الكافي وغيره من باب التحريف والروايات الموجودة في البخاري من باب نسخ التلاوة هذا ترجيحٌ بلا مرجّح.

إذن فبالنتيجة: هذه الرّوايات لا يمكن التصديق بها، فليس عندنا كتابٌ صحيحٌ 100% بين أظهر المسلمين، هذا الذي أردنا أن نبيّنه في النقطة الأولى.

النقطة الثانية:

أنّ الشيخ الكليني في كتاب الكافي في باب النوادر من فضل الكتاب يعني الشيخ الكليني لمّا تعرّض إلى فضل القرآن الكريم وذكر روايات فضل القرآن الكريم ذكر باب النوادر في آخر هذا الفصل وذكر في باب النوادر رواية مؤدّاها - مؤدّى هذه الرواية - أنّ القرآن الذي نزل على النبي سبعة عشر ألف آية، رواية عن هشام بن سالم أنّ القرآن الذي نزل على النبي سبعة عشر ألف آية، بينما القرآن الذي بين أيدينا 6236 فقط، من أين القرآن سبعة عشر ألف آية؟! من هنا ذهب كثيرٌ من الأقلام إلى أنّ الكليني يحرّف القرآن ويقول بالتحريف لأنّه ذكر رواية مؤدّاها تحريف القرآن الكريم.

أوّلاً: الكليني لم يكن مجتهدًا وإنّما كان محدّثًا، الكليني من علمائنا المحدّثين لا من علمائنا المجتهدين، يعني: لم يكن الكليني إلا جامعًا للأخبار، فجمع أخبارًا سواءً كان منها الصّحيح أو غير الصّحيح، جمع هذه الأخبار لكي يراها المتدبّر والباحث والمتأمّل فيختار الصّحيح منها ويترك الضعيف والشاذ منها لا أنّ الكليني جمع هذه الأخبار معتقدًا بصحّة جميعها وأنّه يفتي بمضمونها، لا، رجلٌ محدّث، والمحدّث هو الذي يجمع الحديث ويجمع الأخبار وتُتْرَك للمتأمّل المتدبّر والباحث المنقب، هذا أولاً،

ثانيًا: الكليني نفسه ذكرها في كتاب النوادر، وقد قرأنا للتوّ عبارة المفيد: [والنوادر هو الرّوايات التي لا يُعَوّل عليها ولا يُعْمَل بها]، الكليني ذكر هذه الرّواية في باب النوادر، ما ذكرها في كتاب الفتوى وكتاب الفصل، ذكرها في باب النوادر، إذن الكليني نفسه يعترف بأنّها رواية نادرة ورواية شاذة، فإذا كان الكليني يعترف بأنّها رواية نادرة ورواية شاذة فكيف يُنْسَب إليه القول بالتحريف وأنّه يصرّ على تحريف القرآن الكريم؟!

النقطة الثالثة:

هناك سؤالٌ واستفهامٌ وهذا السّؤال في محله، محصّل هذا السؤال أنّ المثقف الشّيعي يعيش أزمة حديثيّة أكثر من المثقف السني، لماذا؟

المثقف السّني باستطاعته أن يستشهد بأيّ حديثٍ، لماذا؟ لأنّه يعتقد بصحيح البخاري ويعتقد بصحيح مسلم، بما أنّ الباحث من إخواننا أهل السّنة يعتقد بأنّ عنده كتبًا صحيحة وهي كتاب البخاري وكتاب مسلم فلذلك الباحث من إخواننا أهل السّنة لا يرى نفسه في حرج ولا يرى نفسه في أزمة، متى ما كتب بحثًا وصنع فكرة استطاع أن يستشهد على فكرته وعلى بحثه بحديثٍ من صحيح البخاري أو بحديثٍ من صحيح مسلم ولا يلام لأنّه استند على كتابٍ صحيح، فإذن بالنسبة للمثقف السّني لا توجد مشكلة.

بالنسبة للمثقفين الشّيعة هم الذين يعيشون مشكلة وأزمة حادّة، المثقفون الشّيعة لا يستطيعون أن يستشهدوا بأحاديث، هذا المثقف يُتْعِبُ نفسه في كتابة بحثٍ أو صناعة فكرةٍ أو بلورة مفهوم معيّن سواءً في مجال الأخلاق أو في مجال التربيّة أو في مجال الاقتصاد أو في مجال علم الاجتماع.. في أيّ مجال بمجرّد أن يكتب بحثًا ويبلور مفاهيم يريد أن يستشهد عليها بأحاديث فلا يستطيع أن يستشهد، لِمَ؟ لأنّه لا يوجد عنده كتابٌ صحيحٌ، متى ما استشهد بحديثٍ قيل له: من أين لك هذا الحديث؟! هل تظن أنّ كلّ حديث.. قف حدّك! من أين أتيت بهذا الحديث؟! من الذي يقول لك هذا الحديث صحيح السّند؟! من الذي يقول لك أنّ سنده موثق؟! مَنْ مَنْ مَنْ... إلخ.

إذن فبالنتيجة: المثقف الشّيعي يجد نفسه مقيّدًا ويعيش أزمة فكريّة لأنّه لا يستطيع الاستشهاد على أفكاره وعلى مفاهيم بأيّ حديثٍ من الأحاديث لعدم وجود كتابٍ صحيح، وهذه مشكلة تُوجِبُ تعطيل الطاقات الشّيعيّة، بالنتيجة الطاقات الشّيعيّة لا تتحرك، الطاقات الشّيعيّة تقف، لا تتحرك، لماذا؟ لأنّها محاطة بعدم وجود كتابٍ صحيح في الحديث، هذه الأزمة تخلق تعطيلاً للطاقات الفكريّة الشّيعيّة، هذه الأزمة تخلق حواجز أمام الباحثين وأمام المؤلفين وأمام المفكّرين لأنّهم لا يستطيعون أن يستشهدوا بحديثٍ من الأحاديث لعدم وجود كتابٍ صحيح عندهم، فما هو العلاج لهذه المشكلة؟ نحن نظل نقول: «ليس عندنا كتابٌ صحيحٌ» إلى الأبد والنتيجة: هذه المشكلة تبقى، تتفاقم، تمتدّ، تتوسّع، من دون علاج ومن دون حل، إذن ما هو الحلّ وما هو العلاج؟

أوّلاً: هناك محاولات من بعض علمائنا الأبرار لتأليف كتابٍ صحيح جامع للأحاديث الصّحيحة، من هذه الكتب:

1/ «ملتقى الجُمَان في الأحاديث الصِّحَاح والحِسَان» للشّيخ صاحب المعالِم الشّيخ حسن العاملي من علمائنا الكبار، له كتابٌ في الأخبار الصّحيحة فقط «ملتقى الجُمَان في الأحاديث الصِّحَاح والحِسَان».

2/ ومن جملة تلك الكتب: كتاب «مرآة العقول» للشّيخ المجلسي عليه الرّحمة، فإنّه توخى في كتابه «مرآة العقول» أن يختار الأحاديث الصّحيحة المعتبرة والتي مضمونها - ليس فقط سندها صحيحٌ - والتي يكون مضمونها أيضًا مضمونًا صحيحًا موافقًا للقواعد وموافقًا لروح الكتاب وموافقًا للأحاديث العامّة الواردة عن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، موجود محاولات من هذا النوع.

ثانيًا: بالنسبة إلى عدم وجود كتابٍ صحيح قد يعتبر البعض هذا عيبًا، يعني هذا من العيوب في الفكر الشّيعي أنّه لا يرى كتابًا صحيحًا، هذا عيبٌ ونقصٌ في الفكر الشّيعي ألا يرى عنده كتابًا صحيحًا، والواقع أنّ هذا ليس عيبًا بل هي نقطة إيجابيّة، عدم وجود كتابٍ صحيح منشؤه فتح باب الاجتهاد، الشّيعة لا تغلق على أحد باب الاجتهاد حتى في الحديث فلماذا يقولون هذا كتابٌ صحيحٌ 100%؟! هذه الدّعوة ناشئة عن فتح باب الاجتهاد، هذه الرّواية ربّما تكون صحيحة عندك ولكن ليست صحيحة عند شخص آخر.

علماؤنا يختلفون في موازين الصّحة وفي موازين الضّعف، حتى في الموازين، لا توجد موازين مسلمة، لا تتصوّر أنّ هناك موازين وقواعد مسلمة يطبّقها العلماءُ على الرّواة، يقولون: هذا الرّاوي ثقة لأنّ القاعدة تنطبق عليه وذاك الرّاوي غير ثقة لأنّ القاعدة لا تنطبق عليه! حتى القواعد هم يختلفون فيها، يعني: ليست هناك قواعد مسلمة دورهم دور تطبيق تلك القواعد على الرّواة، لا، حتى قواعد التوثيق والتضعيف هي محلّ خلافٍ بين علمائنا، فمثلاً:

1/ مراسيل ابن أبي عمير حجّة أو ليست بحجّة؟ محلّ خلافٍ.

2/ مشائخ الصّدوق والنجاشي ثقات أو ليسوا بثقات؟ محلّ خلافٍ.

3/ مشائخ ابن قولويه القمّي ضعاف أو صحاح؟ محلّ خلافٍ.

4/ «الترضّي يدلّ على الوثاقة» محلّ خلافٍ.

5/ «شيخوخة الإجازة تدلّ على الوثاقة» محلّ خلافٍ.

كلّ هذه قواعد رجاليّة اختلف علماؤنا في أصل القواعد، ولأنّهم اختلفوا في أصل القواعد اختلفوا في التطبيقات أيضًا، إذن لو أنّ عالمًا قام وكتب كتابًا صحيحًا فهو كتابٌ صحيحٌ في نظره وليس كتابًا صحيحًا في أنظار بقيّة علماء الطائفة لأنّهم ماداموا يختلفون معه في أصل القواعد.

فبالنتيجة: لا يوجد كتابٌ صحيحٌ عند الجميع، متى ما قامت شخصٌ بتأليف كتابٍ صحيح كان صحيحًا في نظره وليس صحيحًا على جميع الأنظار، إذن منشأ هذه الدّعوة - أنّه لا يوجد عندنا كتابٌ صحيحٌ - منشؤها فتح باب الاجتهاد، لكي يبقى باب الاجتهاد مفتوحًا بين العلماء في الحديث، في الرّواية، في المضمون، لذلك قالوا: ليس عندنا كتابٌ صحيحٌ، هذا ثانيًا.

ثالثًا: أنا واقعًا أنصح الإخوة المثقفين من عموم بلادنا ومنطقتنا دراسة هذه العلوم، أيّ مانع؟! ادرسها وطبّقها، أنت لماذا تقول: أنا أعيش أزمة؟! يعني: لماذا المثقف الشّيعي يقول: أنا أعيش أزمة لأنّني لا يمكنني أن أستشهد بحديثٍ من كتاب «الكافي» أو كتاب «من لا يحضره الفقيه» أو كتاب «وسائل الشّيعة» أو كتاب «البحار» - بحار الأنوار للشّيخ المجلسي - لماذا؟ لأنّني لا أدري هل هذا حديث صحيحٌ أو غير صحيح، بما أنّني لا أدري لا أستطيع أن أستشهد! فأنا أبقى محجًا مجمّدًا وليس عندي انفتاحٌ وليس عندي انطلاق.. لماذا؟! تستطيع أن تحافظ على انفتاحك وانطلاقتك بأنْ تدرس هذه العلوم: علم الرّجال، وعلم الدّلالة من الأصول، علم الرّجال وعلم الدّلالة من الأصول أنت تستطيع أن تدرسها في ثلاث سنوات أو أربع سنوات، لا يكلف عليك شيئًا، أنت الآن سنين تقطعها في تحصيل شهادة الماجستير والدّكتوراه في مجال الاقتصاد، مجال مثلاً الطب، في مجال علم الاجتماع.. في أيّ مجال هو من التخصّصات، اقطع سنينًا أيضًا في دراسة هذه العلوم.

1/ عندنا علم الرّجال: علم الرّجال قواعد إذا ضبطها الإنسان وأتقنها استطاع من خلالها أن يميّز الرّاوي الضّعيف من الرّاوي المعتبر، استطاع من خلالها أن يميّز الرّواية الصّحيحة من الرّواية الضّعيفة، إذا درس هذا العلم وأتقنه استطاع أن يختار الرّوايات التي هي صحيحة لا أقل بنظر مشهور الطائفة، لا أقل بنظر السّيّد الخوئي، لا أقل بنظر السّيّد الفلان، لا أقلّ بنظر الشّيخ الفلاني.. بالنتيجة: هو قادرٌ أن يختار رواياتٍ صحيحة ولو بنظر مشهور الإماميّة أو بنظر أبرز علماء الإماميّة، يعني ليس هذا الباب مغلقًا لا يستطيع فتحه، إذا درس علم الرّجال خلال مدّةٍ معيّنةٍ استطاع أن يصل إلى ذلك.

2/ علم الدّلالة من الأصول: يعني الآن المشكلة ليست في أنّه ليس عندنا كتاب صحيح السند، وفرنا كتابًا صحيح السّند، افترض وفرنا، أحضرنا للناس، قلنا: يا أيها الشيعة عندكم كتابٌ صحيح السّند وهو كتاب مثلاً مرآة العقول للشّيخ المجلسي، وجود كتاب صحيح السند لا يحلّ المشكلة لأنّ مشكلة الدّلالة تبقى، مشكلة المضمون تبقى، كثيرٌ من الرّوايات متعارضة، مَنْ يحلّ التعارض؟! أنت الآن إذا تدخل في باب مثلاً: أريد أن أتكلم عن الملكيّة الفرديّة، هل فتح الإسلامُ بابَ الملكيّة الفرديّة على مصراعيها أم لا، أنا مضطر إلى أن أستشهد بالأحاديث، عندما أجيء بالأحاديث أرى الأحاديث متعارضة، مَنْ يحلّ هذا التعارض؟! إذن ليست مشكلة وجود كتاب صحيح، وُجِدَ كتابٌ صحيحٌ لكن من يحلّ تعارض الرّوايات؟! وُجِدَ كتابٌ صحيح السّند خُلِقَت لنا مشكلة دلاليّة أخرى وهي مشكلة تعارض الرّوايات «تعارض الأحاديث»، ما هو العلاج لهذا التعارض؟! إذن أنت ابتليت بمشكلةٍ أخرى كمثقفٍ وكباحثٍ، إذن لابدّ أن تدرس علم الدلالة.

وعلم الدّلالة من علم الأصول، علم الأصول ليس كله يتعرض للدّلالة، بعض الأبواب من علم الأصول لها علاقة بعلم الدّلالة، باب المشتق مثلاً، باب المفاهيم، باب العام والخاص، باب المطلق والمقيّد، باب حجّيّة خبر الآحاد، باب حجيّة ظواهر الكتاب، باب التعادل والتراجيح، هذه الأبواب إذا درسها، ليس من اللازم أنت أن تكون فقيهًا حتى تقول: متى أصير فقيهًا! أحتاج إلى خمسة عشر سنة أو عشرين سنة أدرس حتى أصير فقيهًا!

لا، ليس بالضرورة أن تصبح فقيهًا، لأجل أن تكون باحثًا قادرًا على الاستشهاد بالحديث ادرس علم الرّجال وادرس علم الدّلالة من كتب الأصول، هذه إذا كلفتك ثلاث سنوات أربع سنوات دراسة بتفرغ وتدقيق وتأمّل استطعت أن تطبق هذه القواعد على موارد الاستشهاد.

إذن فبالنتيجة: ليس الباب مغلقًا أمامك حتى تقول بأنّ المثقف الشّيعي يعيش أزمة ولا يستطيع أن ينطلق ولا يستطيع أن ينفتح إذ لا يوجد أمامه كتابٌ صحيحٌ، بإمكانك أن تتوفر على المواد والقواعد التي من خلالها تقتدر على الاستشهاد بالحديث وتحديد مدلوله.

ولذلك الآن في المنطقة عندنا: كثيرٌ من أهل العلم، كثيرٌ من أهل العلم الناضجين الفضلاء والحمد لله ربّ العالمين، المنطقة ليست قاصرة، ليس معناه أن ذلك ننظر إلى مناطقنا دائمًا بعين النقص وننظر إلى مناطق غيرنا بعين الكمال، كثيرٌ مع الأسف يتصوّر منطقتنا فقيرة ليس فيها أحد! اذهب إلى لبنان وسترى فيها علماء! اذهب مثلاً إلى العراق وسترى فيها علماء!.. لماذا؟! منطقتك ليست خالية من العلماء، حتى منطقتنا القطيف والأحساء فيها فضلاء وفيها علماء وفيها مَنْ وصل إلى مستوى النضج وإلى مستوى طرح الرّأي وإلى مستوى أن يقول رأيه وأن يقول قراره، لماذا تُنْتَقَصُ منطقتنا دون غيرها من المناطق؟! لماذا؟! لماذا لا تكون عندنا ثقة بطاقات منطقتنا كما عندنا ثقة بطاقات المناطق الأخرى؟! لماذا؟! فعندئذٍ مع وجود أهل العلم والفضلاء في مناطقنا باستطاعة الشّباب المثقف الباحث المتأمّل أن يدرس هذه العلوم ويتقنها لتكون عونًا له في مقام البحث وفي مقام الاستشهاد وفي مقام الاستفادة.

النقطة الرّابعة والأخيرة:

عندنا هذه الرّواية التي أصبحت محلّ القيل والقال وكثرة السّؤال ألا وهي رواية مصحف فاطمة، ذكرها صاحب البحار نقلاً عن بصائر الدّرجات، وهذه الرّواية أيضًا موجودة في كتاب الكافي بسندٍ معتبر عن حمّاد بن عثمان قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السّلام وهو يقول: ”إنّي لأنظر في مصحف فاطمة عليها السّلام“ فقلتُ «السّائل يسأله»: وما مصحف فاطمة؟ قال: ”إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيه محمّدًا دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله «حزنت على أبيها حزنًا لا يعلمه إلا الله» فجاء إليها ملكٌ يسلي عنها غمّها ويحدّثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال لها إذا أحسّت بذلك وسمعت الصّوت «يعني: صوت الملك» قولي لي، فأعلمته فجعل يكتب كلّ ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفًا“ يعني: صحف، «مصحف» اسم مكان للصّحف، ”حتى أثبت من ذلك مصحفًا“ يعني: مجموعة من الصّحف مكتوبٌ فيها الأخبار التي حدّث بها الملك فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السّلام، ثم قال «الإمام يعلق، الإمام نفسه الصّادق يعلق على الرّواية»: ”أمّا إنّه ليس من الحلال ولا الحرام“ يعني: هذا ليس كتاب تشريع، كتاب مصحف فاطمة ليس كتاب تشريع، ”أما وإنّه ليس من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون“ يعني: كتاب تاريخي، كتاب فيه خبر عن التاريخ، خبر عمّا يحصل، ”ولكن فيه علم ما يكون“.

إذن مصحف فاطمة ليس قرآنًا ولا كتاب تشريع وليس عندنا كتاب قرآن بين الإماميّة اسمه مصحف فاطمة أبدًا، مصحف فاطمة ليس قرآنًا ولا كتاب تشريع وإنّما هو كتاب تاريخي فقط وهذا الكتاب التاريخي كان بيد أهل البيت عليهم السّلام ولا ندري أين ذهب الآن، لا ندري أين ذهب هذا الكتاب التاريخي، كان بيد أهل البيت ولعله بيد الإمام القائم عجّل الله فرجه الشّريف.

وثانيًا: أيّ غضاضة؟! يعني: أنت لماذا متأثر أنّ ملكًا يحدّث فاطمة؟! يعني كثيرٌ على فاطمة أن يحدّثها الملك وقد تحدّث مع مريم ومع زوجة إبراهيم الخليل؟! أنت تقرأ في القرآن: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [3]  سارة زوجة إبراهيم تحدّث معها الملائكة فهل كانت سارة امرأة معصومة؟! أم كانت سارة امرأة عالمة؟! أبدًا! لا هي امرأة عالمة ولا هي امرأة معصومة ومع ذلك لأنّها امرأة صالحة تحدّثت معها الملائكة، ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ الملائكة يخاطبوا سارة ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ سارة حدّثتها الملائكة، مريم بنت عمران حدّثتها الملائكة بصريح القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي [4] .

إذن الملائكة تخاطب مريم، تخاطب سارة، لأنّهن نساءٌ صالحات، أفيمتنع على فاطمة أن يخاطبها الملك وأن يحدّثها الملك وهي التي قال فيها رسول الله بحديثٍ متواتر بين الفريقين: ”فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها، ويغضبني ما يغضبها“؟! امرأة تصل إلى هذه الدّرجة من الكمال وإلى هذه الدّرجة من العظمة أنّ النبي يقول: ”يؤذيني ما يؤذيها“ لماذا لا يخاطبها الملك؟! ولماذا لا يتحدّث معها الملك؟! وكانت كما يقول الإمام الحسن عليه السّلام: ”وكانت إذا قامت إلى صلاتها لا تنفتل من الصّلاة حتى تتورّم قدماها من كثرة الوقوف بين يدي ربّها“، وأيضًا: ”وما دعت لنفسها قط“، ابنها الحسن يقول: ”وما رأيتها دعت لنفسها قط وإنّما تدعو للمؤمنين والمؤمنات، أقول لها: أمّاه فاطمة لِمَ لا تدعين لنفسك؟ فتقول: بني حسن الجار ثم الدّار“ الله أكبر، وتبقى هذه المرأة لا تدعو لنفسها وإنّما تدعو للمؤمنين والمؤمنات حتى آخر لحظات حياتها، حتى آخر لحظات حياتها دخلت عليها أسماء وهي ممتدّة على فراشها ترفع يديها النحيلتين، بقيت بجسم شاحب، بقيت بجسم منحول، أتدري ماذا يصفها الإمام علي عليه السّلام؟! الإمام علي كيف يصف جسم الزهراء؟! يقول: حتى صار جسمها كالخيال من شدّة الضّعف ومن شدّة النحول، حتى أصبح جسمها كالخيال تمدّ يديها النحيلتين وهي تقول: ”اللهم اغفر للعصاة من أمّة أبي محمّد“ وهي في لحظاتها الأخيرة، لحظات الفراق، لحظات الألم...

والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  الحجر: 9.
[2]  الزخرف: 44.
[3]  هود: 71 - 73.
[4]  آل عمران: 42 - 43.