الشهادة في المصطلح القرآني

تحرير المحاضرات

الإمام الحسين لم يكن شهيدًا شرعيًّا

http://www.almoneer.org/c3305

سماحة العلامة السيد منير الخباز - دامت فوائده -:

نُقل عنكم أنكم ترون أن الإمام الحسين لم يكن شهيدًا شرعيًّا - أي بالمعنى الفقهي -، فهل أنتم فعلًا تتبنون هذا الرأي؟

ودمتم ذخرًا للمؤمنين.

بسم الله الرحمن الرحيم

نعم، ذكرت هذا الرأي في رجب عام 1421هـ، في مسجد الإمام علي بالقطيف، أي قبل 19 سنة، وكان الهدف من طرح ذلك: مناقشة خطاب معهود في تلك الفترة يمكن ذكره في وقت آخر، فأردت أن أوضح أن الشهادة التي تمثلت في الحسين - صلوات الله عليه - لها معانٍ عظيمة، غير الشهادة بالمعنى الشرعي منها: الشهادة الملكوتية، والشهادة على الأعمال، وهذه المعاني للشهادة تجسدت في الإمام علي والأئمة الطاهرين - صلوات الله عليهم - أيضًا، وإن لم يكونوا شهداء بالمعنى الفقهي، وللحسين معنى للشهادة يختص به لا يدور مدار المعنى الفقهي.

ولكني أوضحت أيضًا وفي خطابات مكررة أخرى: أن القول الأصوب الذي أتبناه - وهو القول المعروف - من أن ملاحظة مجموع الروايات الواردة في بيان معركة كربلاء ترشد إلى أن المعركة انتهت بقتل سيد الشهداء - صلوات الله عليه -، لا قبل مصرعه، وبالتالي فهو مصداق لسيد الشهداء بتمام معانيه ومداليله، إذ هو سيد الشهداء بمعنى الشهادة الملكوتية، وهو سيد الشهداء بمعنى من قتل في سبيل الله، وسيد الشهداء بالمعنى الفقهي وهو من قتل في المعركة من قبل البغاة النواصب المحكوم بكفرهم - لعنهم الله - والذي حكمه أنه لا يُغسل ولا يكفن.

ولعله لذلك لم ينقل المؤرخون ولم تذكر روايات أهل البيت - أو غيرهم ممن حضر الفاجعة - أن الإمام السجاد تصدّى لتغسيله وتكفينه، أو قام بإجراء التيمم على جسده الممزق الأوصال، وذلك لكونه شهيدًا لا يُغسل ولا يُكفن بل إنما يدفن بدمائه.

نسأل الله تعالى في الدنيا زيارة ضريحه الشامخ وفي الآخرة شفاعته.


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ [1] 

آمنا بالله صدق الله العليّ العظيم

حديثنا هذا اليوم في ثلاث نقاط:

  • النقطة الأولى: في بيان مقام الشّهادة.
  • والنقطة الثانية: في بيان معنى الحياة البرزخيّة التي أعطيت للمقتولين في سبيل الله.
  • والنقطة الثالثة: في بيان حكم الشّهيد شرعًا المقتول في سبيل الله.
النقطة الأولى:

بحسب المصطلح القرآني عندما يطلق لفظ الشهيد في القرآن لا يقصد به مَنْ قُتِلَ في سبيل الله، المصطلح القرآني يختلف عن المصطلح الحديثي، مثلاً: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [2] ، ليس المقصود بالشهداء هنا مَنْ قُتِلَ في سبيل الله، القرآن لم يطلق لفظ الشهيد على مَنْ قُتِلَ في سبيل الله، عبّر عمّنْ قُتِلَ في سبيل الله بنفس التعبير الصّريح:

1- ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ [3] .

2- ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [4] .

لم يعبّر القرآن بالشهيد عمّنْ قُتِلَ في سبيل الله، هذا المصطلح - يعني: التعبير عن المقتول بالشهيد - مصطلحٌ حديثيٌ، يعني: جاء في الأحاديث، الأحاديث الواردة عن النبي وعن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم هذه الأحاديث هي التي أنشأت هذا المصطلح، صارت تعبّر عمّن يُقْتَل في سبيل الله بالشهيد، وإلا فالقرآن عندما يعبّر بلفظ الشهيد لا يراد به المقتول في سبيل الله، ما هو المراد به؟

الشهادة مأخوذة من «الشهود» بمعنى: «الحضور»، «شَهِدَ الشيء» يعني: حضر عنده، الشهادة مأخوذة من الشهود بمعنى الحضور، مثلاً: قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «شهد الشهر» يعني: كان حاضرًا في بلده وقت بزوغ هلال شهر رمضان، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ - يعني: من حضر في بلده وبزغ عليه هلالُ رمضان - فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ - يعني: لم يحضر ولم يشهد - فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [5] ، مثلاً قوله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ يعني: هل كنتم حاضرين عندما حضر يعقوب الموت؟! «شهداء» بمعنى: «حاضرين»، ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [6]  «أم كنتم شهداء» يعني: «أم كنتم حاضرين» الشهود بمعنى الحضور، الحضور عند الشيء يقال له شهودٌ ويقال له شهادة، الشهادة بمعنى الحضور تنقسم إلى قسمين:

  • شهادة ملكيّة.
  • وشهادة ملكوتيّة.

ما هو الفرق بين «الشهادة الملكيّة» و«الشهادة الملكوتيّة»؟

القرآن الكريم يقسّم العالم إلى عالمين:

  1. عالم الملك.
  2. وعالم الملكوت.

أحيانًا يعبّر بعالم الملك: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [7] .

وأحيانًا يعبّر بالملكوت: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [8] .

فعندنا «ملك» وعندنا «ملكوت»، ما هو الفرق بين «الملك» و«الملكوت»؟

الملك هو عبارة عن الصّور والأشياء الحسّيّة، هذا نسمّيه عالم الملك، أنا الآن ألتقي معكم أرى صوركم وترون صورتي، أرى صورة هذا المسجد وترون صورته، هذا يسمّى ملكًا، عالم الصّور الحسيّة يسمّى بعالم الملك ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، أمّا عالم الحقائق - يعني: عالم القلوب، عالم الأرواح - الحقائق قائمة بالقلوب، قائمة بالأرواح، هذه الصّور مجرّد مظاهر، صورنا مظاهرُ لنا، وأمّا حقائقنا فهي في أرواحنا وقلوبنا، عالم الصّور هذا عالم مظهر، عالم شكل، عالم الملك، أمّا عالم الحقيقة القائمة بالقلب - القائمة بالرّوح - فيسمّى عالم الملكوت، فهناك «شهادة ملكيّة» وهناك «شهادة ملكوتيّة».

القسم الأوّل: الشهادة الملكيّة.

 يعني: أن تشهد بشيءٍ رأيته، تقول: شهدتُ فلانًا مثلاً يضرب فلانًا، شهدت فلانًا - والعياذ بالله - يرتكب الفاحشة، هذه شهادة ملكيّة، يعني: تنقل الصّورة الحسيّة التي رأيتها، نقل الصّورة الحسيّة التي رأيتها تسمّى بالشهادة الملكيّة، أنت حضرت ورأيت الصّورة فتشهد بما رأيت وبما وجدت من تلك الصّورة الحسيّة، هذه تسمّى شهادة ملكيّة، وقد حثّ عليها القرآنُ الكريمُ: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ يعني: من وجد شيئًا يشهد به ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [9]  من رأى صورة حسّيّة فعليه أن يشهد بما رأى.

القسم الثاني: الشهادة الملكوتيّة، ما معنى الشهادة الملكوتيّة؟

يعني: الشهادة على حقائق الأعمال، وهذه الشهادة تختصّ بالأولياء، تختصّ بالأئمة، تختصّ بالأنبياء، الآن مثلاً أنا آتي فأراك تصلي في المسجد، لو سئلت من قِبَلِ أيّ شخص: هل رأيت فلانًا يصلي؟ أقول: نعم أشهد بأني رأيته يصلي، لو سئلت سؤالاً ثانيًا: هل تشهد بأنّه كان يصلي صلاة حقيقيّة؟! أقول: لا، أنا أشهد بالصّورة أمّا الحقيقة أنا لا أشهد بها لأنّني لا أطلع على الحقائق، أنا مطلع على الصّورة الحسيّة، صورته أنّه كان يصلي «يقوم ويقعد ويركع ويسجد» أمّا حقيقة الصّلاة كانت موجودة عنده أم لا «هل كان يصلي رياءً أو كان يصلي بإخلاص»؟! أنا لا أدري، هل كان يصلي بخشوع أو كان يصلي وهو ساهٍ؟! أنا لا أدري، هل كان يصلي صلاة قربيّة أم لا؟! أنا لا أدري، أنا أشهد بالصّورة الحسيّة، يعني: أشهد شهادة ملكيّة ولا أشهد شهادة ملكوتيّة، يعني: شهادة بحقيقة الصّلاة، إذن نحن العباد نشهد شهادة صوريّة «شهادة ملكيّة»، أمّا الأئمة والأنبياء فإنّ مقامهم مقام الشهادة الملكوتيّة، يشهدون بحقائق الأعمال، يشهدون بواقع الأعمال، لا أنّهم يشهدون شهادة صوريّة فقط.

وهذا ما تؤكّده الآيات المباركة، مثلاً قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ - يا محمد يا رسول الله - عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [10] ، أو مثلاً قوله تعالى في الآية التي افتتحنا بها: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، ما المقصود بشهادة النبي هنا؟

نقول: شهادة النبي شهادة بحقائق الأعمال، ما هي القرينة على ذلك؟

القرينة على ذلك مركّبة من أمرين:

الأمر الأوّل: هو أنّك إذا تقارن بين شهادة عيسى وبين شهادة محمّدٍ تجد أنّ القرآن وقّت شهادة عيسى ولم يوقّت شهادة النبي ، القرآن عندما تحدّث عن عيسى ماذا قال؟! ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ وقتها بوقتٍ معيّن، لم يدعها شهادة مطلقة، وقّت شهادة عيسى بوقتٍ معيّن، ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [11] ، إذن شهادة عيسى شهادة مؤقتة، بينما عندما يتحدّث عن شهادة النبي لا يوقتها بوقتٍ، يقول: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ما قال: «مادام فيكم» أو: «مادام حيًا»، لم يقيّد شهادته بالحياة ولم يقيّد شهادته بالإقامة، قال: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا إذن فشهادة النبي شهادة مطلقة غير مؤقتة بحياته وغير مؤقتة بوقت إقامته بين أظهر الناس، ولذلك الآية المباركة القرآنيّة ماذا قالت؟ تخاطب الرّسول يوم القيامة: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ - أمّة موسى وأمّة عيسى وأمّة نوح.. أمّا أنت - وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ يعني على أمتك، من يوم بعث النبي وحتى يوم القيامة هو شهيدٌ على هذه الأمّة منذ ذلك اليوم إلى يوم القيامة ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا شهادة النبي شهادة مطلقة.

الأمر الثاني: لا يتصوّر عقلاً أن يشهد الإنسانُ بما لم يره وبما لم يعاصره، كيف يشهد النبيُ على الأمّة الإسلاميّة كلها من أوّل يوم إلى يوم القيامة على جميع الأجيال، على جميع الشّعوب الإسلاميّة، على جميع الأزمنة التي عاشها المسلمون وهو لم يعاصرها ولم يعاشرها ولم يرها؟! كيف يشهد بها؟! القرآن يقول أنّ النبي شهادته مطلقة، يعني: يشهد على المسلمين من أوّل يوم إلى يوم القيامة، جميع الشّعوب الإسلاميّة يشهد عليها النبيُ، كيف يشهد عليها وهو لم يرها ولم يعاصرها؟! هذا قرينة على أنّ شهادتها ليست شهادة حسّيّة، ليست شهادة صوريّة، لو كانت شهادة صوريّة الشهادة الصّوريّة مقيّدة بوقتٍ معيّن، مقيّدة بمجتمع معيّن، مقيّدة بقيودٍ طبيعيّةٍ معيّنةٍ، هذه قرينة على أنّ شهادته شهادة ملكوتيّة حقيقيّة، أي أنّه يطلع على حقائق أعمال العباد من أوّل يوم وحتى يوم القيامة، تُعْرَضُ عليه أعمال العباد بحقائقها «بواقعها» ويشهد بما عُرِضَ عليه .

نفس القرآن فيه قرينة على ذلك وهو إطلاق الشهادة، لم يقيّد القرآن شهادته كما قيّد شهادة عيسى بل أطلقها وإطلاقها قرينة على أنّ المراد بها الشهادة الملكوتيّة الحقيقيّة، ولذلك عندنا في الرّوايات في معتبرة محمّد بن مسلم كما ذكر في بصائر الدرجات عن أبي جعفر الباقر قال: سألته هل تُعْرَضُ الأعمال أعمالنا وأعمال الخلق على رسول الله ؟ قال: ”ما في ذلك شك، أما قرأت قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا؟! إنّ لله شهداءَ في خلقه“، إذن فبالنتيجة: الرّوايات تؤكّد أنّ الأعمال تُعْرَض على النبي فيرى حقائقها فيشهد بما رأى من حقائق الأعمال ، إذن الشهادة كما بيّنا معناها: شهادة ملكيّة، شهادة ملكوتيّة، القرآن الكريم إذا يعبّر بالشهادة يقصد الشهادة بمعنى الشهود، بمعنى الحضور كما بيّنا.

النقطة الثانية:

القرآن الكريم تعرّض للحياة البرزخيّة التي رزقها الله للمقتولين في سبيل الله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ - هذا ليس ميتًا - بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ جميع الأرواح لا تموت فلماذا القرآن الكريم خصّ هذا الكلام بالمقتولين في سبيل الله؟! الذي يموت هو الجسد، ملك الموت وظيفته فصل الرّوح عن الجسد فقط، الرّوح تنطلق إلى عالم البرزخ والجسد يبقى في التراب، ليس الموت فناءً للرّوح، الرّوح باقية، فقط تنطلق من هذا العالم المادّي إلى عالم البرزخ، إذن جميع الأرواح «أرواح المؤمنين، أرواح الكافرين» أرواح كلّ البشر تبقى فلماذا القرآن يخصّ الحياة بالمقتولين في سبيل الله مع أنّ القرآن يقول: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [12]  حياة برزخيّة سمّيت برزخًا، البرزخ يعني الوسط، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ البرزخ هو الفاصل الوسط، ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ [13]  البرزخ هو الفاصل الذي يقع في الوسط، أيضًا بين النشأة الدّنيويّة وبين النشأة الأخرويّة توجد حياة فاصلة في الوسط تسمّى بالحياة البرزخيّة، ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ جميع الأرواح تسبح في هذا الفضاء اللامتناهي، تسبح في عالم البرزخ، في الحياة البرزخيّة، إذن لماذا القرآن يخصّ بالمقتولين في سبيل الله فيقول: لا، المقتولين في سبيل الله باقون لم يموتوا؟! ما معنى هذا الكلام؟

الحياة البرزخيّة لمن يقتل في سبيل الله تتمتّع بصفتين لا توجد في حياةٍ أخرى، صفتان لحياة الشّهداء المقتولين في سبيل الله هاتان الصّفتان لا تتوفر في حياةٍ أخرى، ما هما؟

الصّفة الأولى: أنّهم معنا «حاضرون معنا».

الميّت إذا فصِلَت روحه بمجرّد أن يغمض عينيه خلاص تنطلق روحه إلى عالم ثانٍ يبعد عن هذا العالم لا يمكن الاتصال به إلا عن طريق الذهاب إلى قبره أو عن بعض الطرق الرّوحيّة المعيّنة كتحضير الأرواح وما أشبه ذلك، خلاص تنطلق روحه إلى عالم ثانٍ، أمّا الشهيد فهو حاضرٌ حضورًا مع هؤلاء الذين يعيشون في الحياة الدّنيا، يعني: يسمعهم، يراهم، يبصر أعمالهم، يرى تصرّفاتهم، لكنّهم لا يرون شيئًا من ذلك، لا يدركونه، هو مع هؤلاء لكنّ هؤلاء لا يدركونه، النبي لمّا قتِلَ جعفر بن أبي طالب أخو الإمام علي في معركة مؤتة النبي كان جالسًا مع أصحابه وكان يبتسم فسئل: يا رسول الله علام؟ قال: مرّ عليّ الآن جعفر وهو يطير مع الملائكة، حياة الشهيد حياة حضوريّة، لماذا سُمِّيَ شهيدًا إذن؟! لماذا سُمِّيَ المقتولُ في سبيل الله شهيدًا؟! لأنّه يشهد عالم الدّنيا ولم يغب عنه، هذا وإن أغمض عينيه إلا أنّه لم ينطلق إلى عالم بعيدٍ، مازال المقتول في سبيل الله بروحه شاهدًا على عالم الدّنيا وحاضرًا على العباد الذين يعيشون عالم الدّنيا ولأجل حضوره سُمِّيَ بالشهيد، ولذلك الآية القرآنيّة تقول: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ أنتم لا تحسّون بهم، هم معكم ولكنّهم لا تشعرون بهم، ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ

الصّفة الثانية: أنّ الشهيد يتمتّع بلذائذ مادّيّة وأنت لا تشعر بذلك.

كيف الشهيد يتمتّع بلذائذ مادّيّة؟! هو الآن روحٌ منفصلة عن الجسد كيف يتمتع بلذائذ ماديّة؟!

أنا الآن أذكر لك من القرآن الكريم، القرآن الكريم يقسّم الأرواح، الأرواح التي تنفصل عن الأجساد وتنطلق إلى عالم البرزخ يقسّمها إلى أربعة أقسام:

1- قسمٌ من الأرواح منعّمٌ، يعني: يعيش حالة استقرار وهدوءٍ، هذا من الأرواح قسمٌ منعّمٌ، وهم المؤمنون الصالحون.

2- قسمٌ من الأرواح يعيش في حالة شقاءٍ، دائمًا في اضطراب، دائمًا في اختناق، دائمًا في ضيق، هذا يعيش في عالم الشّقاء.

3- قسمٌ من الأرواح معلّقون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، القرآن أشار إليهم: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [14] ، متروكين هكذا، لا هم مع أهل النعيم ولا هم مع أهل الشقاء، أرجاهم، تركهم إلى يوم القيامة، ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ مرجون.

4- القسم الرّابع: من يدخل الجنّة بمجرّد موته أو يدخل النار بمجرّد موته، يوجد قسمٌ بمجرّد موته لا هو مرجأ ولا هو منعّمٌ ولا هو شقيٌ، يدخل الجنّة مباشرة أو أنّه يدخل النار مباشرة، أمّا الظالمون فإنّهم بمجرّد أن تغمض العين سيدة «مباشرة»!

وقف النبي على قتلى المشركين يوم بدر، قتلى المشركين يوم بدر وقف النبيُ عليهم، قال: ”هل وجدتم ما وعدني ربّي حقًا فإنّ وجدتُ ما وعدني ربّي حقًا“ يخاطب المشركين القتلى، قال له بعض الصّحابة: كيف تخاطبهم وهم موتى؟! قال: ما أنتم بأسمع منهم «هم يسمعون كلامي» ما أنتم بأسمع منهم ما بيني وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع من حديد إلا أن أصرف وجهي عنهم «فقط! أنا بمجرّد أن أصرف وجهي عنهم المقامع جاهزة!» ما بيني وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع من حديد إلا أن أصرف وجهي عنهم «أنا بمجرّد أن أبتعد هؤلاء جاهزون للدّخول إلى النار».

القسم الأول: الذين يدخلون النار بمجرّد موتهم.

لاحظ الآية القرآنيّة تعبّر عن آل فرعون بهذا المعنى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [15] ، يعني: آل فرعون بمجرّد موتهم أدخلوهم النار مباشرة، ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أيضًا في الحياة البرزخيّة يدخلون النار، ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ فهؤلاء قسم أهل النار فهمناه.

القسم الثاني: الذين يدخلون الجنّة بمجرّد موتهم.

لا يوجد فاصل، لا أنّهم يعيشون في نعيم من دون الجنّة، لا، يدخلون الجنّة بمجرّد موتهم، لاحظ القرآن في سورة يس: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ - لاحظ الآية المباركة - إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ - هذا ليس يوم القيامة، لا، هذا عند موته، بقرينة ذيل الآية - قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [16] ، إنّما لا يعلم به قومه في البرزخ وإلا في الآخرة سيعلم به قومه، فإذن لم يعلم به قومه لأنّه كان في الحياة البرزخيّة، ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.

من الأشخاص الذين يدخلون الجنّة مباشرة: الشهداء، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [17] ، إذن هؤلاء يدخلون الجنّة، طيّب الجنّة نعيمها مادّيٌ أو نعيم روحي؟! نعيم مادّي، الجنّة نعيمها نعيمٌ ماديٌ، الجنّة يذوق فيها الإنسان اللذائذ المادّيّة كما يذوق فيها اللذائذ الرّوحيّة، فهؤلاء إذا كانوا يدخلون الجنّة بمجرّد موتهم إذن فنعيهم نعيمٌ ماديٌ لا يحصل عليه غيرهم، لذلك الآيات المباركات عبّرت عنهم بماذا؟! بالأحياء.

النقطة الثالثة: ما هو حكم الشهيد في الإسلام؟

ليس كلّ من يطلق عليه شهيد فحكمه أنّه لا يغسّل ولا يكفّن، لا، ليس كلّ شهيد لا يغسّل ولا يكفّن، لا، هل ان الحسين سيّد الشهداء كان يجب تغسيله وكان يجب تكفينه، مع انه شهيد، وليس كلّ شهيدٍ لا يغسّل ولا يكفن، هل الجواب ان الحسين سيّد الشهداء لكن كان يجب تغسيله وكان يجب تكفينه وكان يجب أن تقام عليه المراسم لأنّ شروط سقوط التغسيل وسقوط التكفين شروط خاصّة لا تتوفر في أيّ شهيدٍ، الآن أقرأ لك الشروط الفقهيّة التي يذكرها الفقهاءُ.

آية الله العظمى السيّد عبد الأعلى السبزواري قدّس سرّه في كتابه «مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، الجزء الثالث، ص438» يتعرّض لهذه الشروط بأدلتها، يقول: الشهيد المقتول في المعركة، صحيحة أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد الله عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسّل ويكفن ويحنط؟ قال : ”يُدْفَن كما هو في ثيابه «لا يغسّل ولا يكفن» يدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمقٌ فإنْ كان به رمقٌ ثم مات فإنّه يغسّل ويكفن ويحنط ويصلى عليه لأنّ رسول الله..“ إلى آخر الرّواية، لاحظت كيف الشرط؟! يعني: أن يموت في المعركة، شرط، إنّما لا يغسّل ولا يكفن إذا مات في المعركة أو مات بعدها بقليل جدًا، يعني: أصابته الجراح، أثخنته الجراح ونقلوه ولكن لم يسعفهم الوقت، في الطريق مات مثلاً، لم يسعفهم الوقت فمات، هذا الذي لا يغسّل ولا يكفن، أمّا لو شخص أصيب بجراح ومات بعد ايام أو مات وهو مثلاً تحت الأجهزة لا، هذا يغسّل ويكفّن، الشهيد الذي لا يغسّل ولا يكفّن من مات في نفس المعركة، أو مات بعدها بقليل جدًا، أمّا إذا مات بعدها بفصل طويل ولو كان متأثرًا بجراح خطيرةٍ لكن إذا مات بفاصل معتدٍ به فإنّه يغسّل ويكفن.

وعنه قال: ”الشهيد إذا كان به رمقٌ غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه وإن لم يكن به رمقٌ كفّن في أثوابه“، وفي خبر أبي خالد: ”اغسل كلّ الموتى «أيّ ميّتٍ مسلم يغسّل، الغريق، الغريق شهيدٌ لكن يغسّل، أكيل السبع الذي أكلته الذئاب يغسّل» وكلّ شيء إلا ما قتل بين الصّفين «يعني مات في ساحة الحرب» إلا ما قتل بين الصّفين فإنْ كان به رمقٌ غسّل وإلا فلا“.

الشرط الأوّل: أن يموت في المعركة أو بعدها بقليل، هذا هو الشرط الأوّل.

الشرط الثاني: أن تكون المعركة معركة جهادٍ، أن تكون المعركة معركة جهادٍ مع الكفار، ويلحق به - يقول الفقهاءُ - كلّ من قتل في حفظ بيضة الإسلام، يعني: إذا هجم الكفارُ على المسلمين بداعي اجتثاث المسلمين وبداعي هدم بيضة الإسلام يجب على المسلمين الدّفاع، يجب على المسلمين الدّفاع عن بيضة الإسلام إذا هجم عليهم الكفارُ بداعي اجتثاث المسلمين أو هدم بيضة الإسلام يجب على المسلمين الدّفاع، وهذا وجوب الدّفاع لا يحتاج إلى إذن الحاكم الشّرعي، إذن الحاكم الشرّعي ذاك في الجهاد الابتدائي، الجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي، أمّا الجهاد الدّفاعي يعني إذا هجم الكفارُ على المسلمين بداعي القضاء على بيضة الإسلام وجب عليهم النفر للدّفاع عن بيضة الإسلام بلا حاجةٍ إلى إذن الحاكم الشرعي.

الفقهاء اختلفوا أنّه لو لم يكونوا كفارًا، لو كان هؤلاء بغاة كالذين خرجوا على الإمام علي ، الذين خرجوا على الإمام علي لم يكونوا كفارًا، معاوية مثلاً وأتباعه كانوا يشهدون ألا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، مَنْ قُتِلَ وهو يجاهد البغاة هل يجري عليه أحكام الشهيد؟ بعض فقهائنا - منهم السيّد السّبزواري قدّس سرّه والسيّد الخوئي - يقولون: نعم، لا فرق بين الكافر والباغي.

عن أبي جعفر «يعني: الإمام الباقر » عن أبيه عليهما السلام أنّ عليًا عليه السّلام لم يغسّل عمّار بن ياسر «لأنّه قتل وهو يجاهد البغاة» لم يغسّل عمّار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة وهو المرقال «سمّاه الإمام مرقال لأنّه كان يسرع في مشيه، الإمام علي سمّاه المرقال» ولا هاشم بن عتبة وهو المرقال ودفنهما في ثيابهما، فأجرى عليهم حكم الشهيد الذي يقاتل الكفار.

لاحظوا رواية هنا جدًا مهمّة، رواية عن زرارة عن أبي جعفر الباقر قال: قلت له: كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال: ”نعم، في ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسّل“، قال: ”دفن رسول الله عمّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها وردّاه النبيُ برداه فقصُرَ «الحمزة كان طويل القامة» ردّاه برداء فقصر عن رجليه «يعني: لم يكفِ الرّداء إلى تغطيه» فدعا له باذخر فطرحه عليه وصلى عليه سبعين صلاة وقال النبي :“ زملوهم «يعني: شهداء أحد» زملوهم بدمائهم وثيابهم فإنّهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دمًا «الغرض من أن يزملوا بدمائهم هو هذا» فإنّهم يحشرون يوم القيامة وأوجداهم تشخب دمًا اللون لون الدّم والرّائحة رائحة المسك".

لاحظوا تعليق السيّد السّبزواري ماذا يقول، وهو الذي كان من فقهائنا العظام الكبار، لاحظوا كيف يعلق على الرّواية السّيّد السّبزواري: [ولابدّ أن يكون هكذا «يعني: هذا الخبر واثق منه اي انه صحيح» لأنّ دماءهم الشّريفة من أغلى شعارات إعلان الحق والتضحية ونصرة دين الله «يقول: هذا الدّم هو شعار التضحية، هو شعار إعلان الحقّ ونصرة دين الله» لأنّ دماءهم الشّريفة من أغلى شعارات إعلان الحق والتضحية ونصرة دين الله فيجب التحفظ على هذا الشعار العظيم والوسام الكبير كما هو عادة الناس في التحفظ على أوسمتهم] كيف الإنسان إذا أعطي وسامًا ألا يحافظ عليه؟! وسام هذا الشهيد دمه، والله يحافظ على هذا الوسام، يأتي به يوم القيامة يشخب دمًا ”اللون لون الدّم والرّائحة رائحة المسك“، هذا الشرط الثاني.

الشرط الثالث: أن يكون الجهاد واجبًا عليهم.

لو أنّ إنسانًا تطوّع، لم يكن الجهاد واجبًا عليه، هو ذهب وتطوّع وقتِلَ في المعركة، لا، هذا يغسّل ويكفن، الذي لا يغسّل ولا يكفن من كان الجهاد واجبًا عليه كما إذا كان في حال الجهاد مع الكفار أو كان في مقام الدّفاع عن بيضة الإسلام، كان في مقام الدّفاع عن بيضة الإسلام وردّ هجوم الكفار، إذا وجب على شخص القتال فقتِلَ في المعركة فهو الذي لا يغسّل ولا يكفن.

هذه الشروط التي ذكرها الفقهاءُ في ناحية جريان حكم الشهيد، ولكن الرأي الصحيح هو الرأي المعروف بين الامامية وهو ان الحسين ص شهيد شرعي ايضا لان المعركة بحسب العرف المعهود في الحروب لاتنتهي الا بقتل القائد في الطرف الآخر ولذلك لم تنتهي المعركة بسقوط الحسين ص على الارض وانما انتهت بقتله لانه كان في موضع القيادة فهو ممن قتل والمعركة قائمة ولذلك فهو شهيد بالمعنى الشرعي ايضا اي انه لايغسل ولايكفن بل يدفن بدماءه، وعلى فرض ان المعركة انتهت قبل قتله فان قتله واحتزاز رأسه كان تابعا للمعركة ومن لواحقها ولذلك نؤكد على ان الحسين ص شهيد بكل المعاني ومنها انه شهيد بمعنى الشهادة على الاعمال وشهيد بمعنى انه لايغسل ولايكفن، نعم ليس كل من يلقب بالشهادة فحكمه الشرعي هو ذلك وأمّا من ذكرنا. عن احوالهم فلا. كثيرٌ من الناس يموتون ويحصلون على ثواب الشهداء لكنهم ليسوا شهداءَ شرعًا، يعني: يغسّلون ويكفنون، مثلاً:

1- ما ورد عن النبي محمّدٍ : ”من شهداء أمّتي: المبطون «الذي مات بداء بطنه، صبر على داء البطن حتى مات» وصاحب الهدم «يعني: من هُدِمَ عليه البيتُ فمات في البيت» والغرِق «الذي يموت غريقًا من الشهداء» والمرأة تموت جمعًا“، قيل: كيف تموت جمعًا يا رسول الله؟ قال: ”يعترض ولدها في بطنها فتموت“ هذه أيضًا تحصل على ثواب الشهداء، ثواب الشهادة غير أنّه لا يغسّل ولا يكفن.

2- وأيضًا ورد عنه : ”من قتِلَ دون عياله فهو شهيدٌ“ رجل دافع عن عياله فقتِلَ فهو شهيدٌ، هذا لا يعني أنّه لا يغسّل، يغسّل ويكفّن ولكنّه يحصل على ثواب الشهداء.

3- ومن هذه الرّوايات أيضًا ما ورد عن علي : ”ضمنت لستةٍ الجنّة «ستة أنا أضمن لهم الجنة»: رجلٌ خرج بصدقةٍ فمات في الطريق فله الجنة، ورجلٌ يعود مريضًا فمات فله الجنة، ورجلٌ خرج مجاهدًا في سبيل الله فمات فله، الجنة ورجلٌ خرج حاجًا فمات فله الجنة، ورجلٌ خرج إلى الجمعة «يعني: إلى صلاة الجمعة» فمات فله الجنة، ورجلٌ خرج في جنازة مسلم فمات فله الجنة“.

ومنها - الموت يوم الجمعة، الموت يوم الجمعة ورد أيضًا أنّه من أسباب الحصول على ثواب الشهداء.

4- ورد عنه : ”من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة رُفِعَ عنه عذاب القبر“.

5- وعن الصادق : ”من مات ما بين زوال الشّمس من يوم الخميس إلى زوال الشّمس من يوم الجمعة أمِنَ من ضغطة القبر“.

6- وعن أبي جعفر الباقر : ”ليلة الجمعة ليلة غرّاء ويوم الجمعة يوم أزهر وليس على الأرض يوم تغرب فيه الشمس أكثر معتقًا من النار من يوم الجمعة «الذين يعتقون من النار يوم الجمعة كثيرون» ومن مات يوم الجمعة كتب له براءة من عذاب القبر، ومن مات يوم الجمعة أعتق من النار“، هذا ما أردنا بيانه.

والحمد لله ربّ العالمين

 

[1]  البقرة: 143.
[2]  النساء: 69.
[3]  البقرة: 154.
[4]  آل عمران: 169.
[5]  البقرة: 185.
[6]  البقرة: 133.
[7]  الملك: 1.
[8]  يس: 83.
[9]  البقرة: 283.
[10]  النساء: 41.
[11]  المائدة: 117.
[12]  المؤمنون: 99 - 100.
[13]  الرحمن: 19 - 20.
[14]  التوبة: 106.
[15]  غافر: 46.
[16]  يس: 20 - 27.
[17]  آل عمران: 169 - 170.