عظمة التاريخ في سيرة العظماء

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ

صدق الله العليّ العظيم

الآية المباركة تتحدّث عن قراءة التاريخ، لكلّ أمّةٍ تاريخ، فالأمّة التي تحاول أن تبدأ حياتها من جديدٍ وتتحرّر من التاريخ وتتمرّد على تاريخها ستصاب بالتذبذب والفشل والتخبط في مسيرتها، بينما الأمّة التي تبني مستقبلها على دراسة تاريخها وتبني حاضرها وكيانها على قراءة تاريخها، الأمّة التي تقرأ تاريخها لتستفيد منه في بناء مستقبلها هي الأمّة الرّشيدة، لأنّها تمتلك مخزونًا من التجربة وتمتلك رصيدًا من التجربة تقوم بدراسته من حيث مواطن الضّعف ومواطن القوّة والموازنة بين عوامل الضّعف وعوامل القوّة لتستفيد من تجربتها التاريخيّة في تشكيل كيانها الحاضر والمستقبل، من هنا الآية القرآنيّة تحثّ على قراءة التاريخ وتحثّ على دراسة التاريخ، دراسة التجربة التاريخيّة التي تمتلكها كلّ أمة ويختزنها كلّ مجتمع ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، نحن عندما نريد أن نقرأ تاريخنا، نحن مجتمعٌ يملك تاريخًا، نحن أمّة تملك تجربة تاريخيّة، عندما نريد أن نقرأ تاريخنا وعندما نريد أن ندرس تجربتنا التاريخيّة فهناك منظوران لتاريخنا:

1 - المنظور الإسلامي.

2 - والمنظور الإقليمي.

أركّز على كلا المنظورين.

أمّا المنظور الأوّل:

نحن لنا تاريخ يسمّى بالتاريخ الإسلامي، وهو مخزون التجربة التي نمتلكها، التاريخ الإسلامي عندما نريد أن ندرسه فهنا لونان من الدّراسة، اللون الأوّل: الدّراسة التجزيئيّة، واللون الثاني: الدّراسة الموضوعيّة.

1. الدّراسة التجزيئيّة: هي عبارة عن دراسة تفاصيل أحداث التاريخ، إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصّلاة والسّلام متى وُلِدَ ومن أبوه ومن أمّه وفي أيّ مكان عاش.. دراسة التفاصيل الجزئيّة للتاريخ: تحديد المكان وتحديد الزمان وتحديد الأب وتحديد الأمّ وتحديد العرق وتحديد اللون وتحديد الخصائص الجسديّة والخصائص النفسيّة.. كلّ ذلك داخلٌ تحت إطار الدّراسة التجزيئيّة للتاريخ.

2. الدّراسة الموضوعيّة: الدّراسة الموضوعيّة تعني أن نقرأ التاريخ من حيث العناصر المؤثرة في بناء حاضرنا ومستقبلنا، أن نقرأ التاريخ من زاوية التأثير لا أن نقرأ التاريخ من زاوية الأحداث المتتابعة والأحداث المتعاقبة، إذا قرأنا التاريخ من زاوية أحداثه فقط بمعزل عن تأثيره وفاعليّته في حاضرنا ومستقبلنا لم تكن هذه الدّراسة تجربة رائدة نستفيد منها مواطن الضّعف ومواطن القوّة في كياننا، تاريخ المولد أو تاريخ الوفاة أو تاريخ المكان أو تاريخ الزمان ليست عوامل مؤثرة فينا وفي حاضرنا وفي مستقبلنا، دراسة التاريخ دراسة موضوعيّة يعني قراءة التاريخ من زاوية التأثير ومن زاوية الفعّاليّة، لابدّ أن نقرأ التاريخ من الجهات التي لها بصمات علينا وعلى سلوكنا وعلى مستقبلنا وعلى حاضرنا، وهذا ما يسمّى بالدّراسة الموضوعيّة للتاريخ، الدّراسة الموضوعيّة للتاريخ لها عدّة عناصر لابدّ أن نلتفت إليها:

العنصر الأوّل:

المقارنة بين حجم الحدث وحجم الظروف التي وُلِدَ فيها الحدث ونشأ فيها الحدث.

أحيانًا ينقل المؤرخون لنا كثيرًا من الأحداث ولكننا إذا قارنا بإمعان وتأمّل عقليين حجم الحدث مع حجم الظروف التي نشأ فيها ووُلِدَ فيها نجد أنّ هذا الحدث غير قابل للتطبيق وغير قابل للإذعان، مثلاً: المؤرّخون ينقلون لنا قصّة عبد الله بن سبأ، عبد الله بن سبأ كيف استطاع أن يقلب الأوضاع العامّة للمسلمين ويحفز المسلمين على قتل الخليفة الرّسمي «الخليفة الثالث» ثم يوجد شرخًا في جسم الأمّة الإسلاميّة لا يمكن علاجه ولا سدّه ويؤسّس مذهبًا يقولون بأنّه هو الذي أسّس مذهب التشيّع؟ نحن الآن لا يهمنا أن نصرف الوقت وأن نملأ الأوراق الكثيرة في أنّ عبد الله بن سبأ كان موجودًا أو لم يكن موجودًا، هذا أمرٌ ليس مهمًا، الأمر المهمّ هنا الذي يركّز عليها الدّكتور طه حسين في كتابه «الفتنة الكبرى» يقول: لو قارنا حجم الدّور الذي نُسٍبَ إلى عبد الله بن سبأ وحجم الظروف التي وُلِدَ فيها ونشأ فيها عبد الله بن سبأ لوجدنا بمقتضى المقارنة أنّ هذه الأحداث التي نُسِبَت إليه غير صحيحة، النسبة غير صحيحة، لا يمكن التلاءم بين حجم الدّور وحجم الظروف، تصوّروا أنّ أمّة إسلاميّة متمسّكة بدينها تضحّي في سبيل دينها بالتضحيات المتتابعة وتخلص لعقيدتها بمجرّد أن يجيئها رجلٌ يهوديٌ من اليمن لا يُعْرَف له أصلٌ ولا يُعْرَف له معدنٌ تستجيب له الأمّة الإسلاميّة بأسرع وقت وتتخلى عن تضحياتها وتتخلى عن تاريخها وتعطيه المجال والفرصة إلى أن يدفع بالمجتمع الإسلامي على قتل خليفته ويوجد شرخًا في الأمّة الإسلاميّة لا علاج له إلى يومنا الحاضر.. هل هذا أمرٌ معقولٌ؟! هل تتناسب هذه الأدوار الضّخمة التي لا يمكن أن يقوم بها إلا مئات من آلاف الناس إلى عبد الله بن سبأ شخص يهودي أقبل من اليمن لا يُعْرَف له أصلٌ؟! إذن المقارنة بين حجم الدّور وحجم الظروف تؤكّد وتُرْشِد الإنسان إلى أنّ هناك اختلاقًا وأنّ هناك تهويلاً وأنّ هناك تفخيمًا لهذه الأحداث من دون أن يكون هناك شواهد تاريخيّة وعقليّة وموضوعيّة على ثبوتها وصحّتها، هذا العنصر الأوّل من عناصر دراسة التاريخ دراسة موضوعيّة.

العنصر الثاني: عدم تمذهب التاريخ.

كثيرٌ من المؤلفين كتبوا عن التاريخ، كثيرٌ من المؤلفين سردوا أحداث التاريخ، لكن كتبوا عن التاريخ بأيّ اتجاهٍ؟! كثيرٌ من المؤلفين في العصر الحاضر كتبوا عن التاريخ باتجاهاتٍ شخصيّةٍ، باتجاهاتٍ فكريّةٍ خاصّةٍ، باتجاهاتٍ تكتليّةٍ، يعني: العامل المذهبي سيطر على الكاتب عندما يكتب التاريخ، العامل الإيديولوجي الذي يتبناه الكاتبُ سيطر على قلمه وهو يحرّر التاريخ أو يسرد أحداث التاريخ.

مثلاً: هناك من الكتّاب والمؤلفين في العصر الحاضر من كتب أنّ التاريخ بجملته - خصوصًا التاريخ الإسلامي - منذ حركة محمّد بن عبد الله وإلى يومنا الحاضر ما هذا التاريخ إلا وليدٌ لعواملَ اقتصاديّةٍ، التناقض الطبقي بين وسائل الإنتاج ووسائل التوزيع هذا التناقض الطبقي فجّر ثورة هي ثورة النبي أو ثورة علي أو ثورة الحسين، جميع الثورات والحركات تندرج وتدخل تحت العامل المادّي، تحت العامل الاقتصادي، لأنّ هذا الكاتب كاتبٌ اقتصاديٌ «كاتبٌ ماديٌ» نظر للتاريخ من زاوية مذهبه، نظر للتاريخ من زاوية اتجاهه، فسّر التاريخ بالتفسير الذي يلتقي مع أطروحته وإيديولوجيّته وأغفل العوامل الأخرى «العوامل الاجتماعيّة والعوامل التربويّة»، أغفل العوامل الأخرى في ظهور هذه الثورات وفي ظهور هذه الحركات.

شخصٌ آخر مثلاً قبل ثلاثين سنة كثرت هذه الكتابات المذهّبة بالمذهب القومي، كتابات كثيرة كُتِبَت عن التاريخ الإسلامي بلغةٍ قوميّةٍ، يعني: الإسلام مجدٌ من أمجاد العروبة! الإسلام عربيٌ! الإسلام مثلاً من محاسن الأمّة العربيّة!.. كأنّما الإسلامُ كنزٌ عربيٌ! بجهود العرب وأكتاف العرب قام كيان الإسلام! الإسلام مجدٌ عربيٌ! وهذه الكتابات كتبت عن الإسلام بلغةٍ قوميّةٍ كأنّ الإسلام انحصر في جهود العرب وفي طاقات العرب! وأغفلوا الذين ساهموا في بناء الإسلام ولم يكونوا عربًا، ما قام الإسلامُ على أكتاف العرب وحدهم، بلال بن رباح ألم يكن حبشيًا؟! وعمّار بنا ياسر ألم يكن حبشيًا؟! وسلمان الفارسي ألم يكن فارسيًا؟! ألم يساهم هؤلاء في بناء كيان الدّولة الإسلاميّة على جراحهم وعلى عرقهم ولم يكونوا من العرب؟! أئمة المسلمين مثلاً من المحدّثين أو من الفقهاء ما كان كلهم عربًا، البخاري لم يكن عربيًا، أبو حنيفة لم يكن عربيًا وإنّما كان روميًا، وكثيرًا مثلاً من أئمة الحديث وأئمة الفقه لم يكن إنسانًا عربيًا، ساهم الفرسُ وساهم الرّومُ وساهمت الأممُ الأخرى في بناء كيان الإسلام ولم يعتمد الإسلامُ على الجهود العربيّة حتى يتأطر الإسلامُ بالإطار العربيّ القوميّ، هذه القراءة للتاريخ من الزّاوية القوميّة إغفالٌ للعنصر الأساس للدّراسة الموضوعيّة: ألا ننظر للتاريخ بمنظار مذهبي، ألا ننظر للتاريخ بمنظار إيديولوجي خاص.

العنصر الثالث: مصدر التاريخ من أين أتى؟

نحن عندما نقبض كتاب «تاريخ مروج الذهب» للمسعودي، نقبض كتاب «السّيرة الحلبيّة»، نقبض كتاب «تاريخ الطبري».. هذه مصادر التاريخ، ما هو مصدر التاريخ؟

تاريخنا تاريخ ملوكيٌ، تاريخ كُتِبَ في قصور الملوك وفي قصور الخلفاء ولم يُكْتَب من قِبَلِ الشّعوب، تاريخنا كُتِبَ من خلال القصر ولم يُكْتَب من خلال كوخ الشّعب، طبيعيٌ أنّ التاريخ الذي يُكْتَب من خلال القصر لن يسجّل إلا الوقائع التي تخدم سياسة القصر، لن يسجّل إلا الأحداث التي تتناسب مع هذه المسيرة ومع هذا الخط، تاريخنا تاريخ أمويٌ عبّاسيٌ، في ظلّ الخلافة الأمويّة وفي ظلّ الخلافة العبّاسيّة كُتِبَ هذا التاريخ، كُتِبَ بأقلام السّلطان الأمويّ، كُتِبَ بأقلام المرتزقة للسّلطان العبّاسي، لأنّه كُتِبَ من خلال الدّولة الأمويّة والدّولة العبّاسيّة لذلك هذا التاريخ استبعد حركات الآخرين، استبعد جهود الآخرين، استبعد ما قدّمه الآخرون للأمّة الإسلاميّة وللكيان الإسلاميّ، لذلك يستغرب الإنسانُ عندما يقف على أعتاب التاريخ ولا يرى إلا الآثار البسيطة والبصمات العابرة لشخصيات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أين شخصيّة جعفر؟! وأين شخصيّة محمّد الباقر؟! وأين تأثير شخصيّة الإمام الرّضا على هذا الزّخم الهائل من التاريخ؟! لأنّ التاريخ أمويٌ عبّاسيٌ لذلك سجّل أمجاد من كان مع الأمويّين والعبّاسيّين ولم يسجّل أمجاد الأخرى ولم يعنَ بها ولم يهتم بها.

ولذلك من الغريب جدًا أن تقرأ مقدّمة ابن خلدون، ابن خلدون الذي يعدّ أوّل من تحدّث في علم التاريخ الاجتماعي وأوّل من تحدّث في علم الاجتماع، ابن خلدون نفسه يقول في مقدّمته: «وشذ أهل البيت بمذاهبَ ابتدعوها»! إذا كان ابن خلدون موضوعيًا، إذا كان ابن خلدون متحرّرًا من الرّواسب المذهبيّة فكيف يقول هذه المقالة؟! كيف يقول: «وشذ أهل البيت بمذاهبَ ابتدعوها»؟! كيف استطعتَ أن تحكم على مذاهب أهل البيت بأنّها شاذة وعلى مذاهب الآخرين بأنّها مذاهب صحيحة؟! لأنّك انطلقتَ من القصر، لأنّك انطلقتَ من المذهب الذي ترتضيه الدّولة الأمويّة والدّولة العبّاسيّة، لأنّ مذهب أهل البيت لم يكن مذهبًا مرتضىً من قِبَلِ الدّولة الأمويّة أو العبّاسيّة فبالوحي المذهبي وبالرّواسب المذهبيّة جاء ابن خلدون وقال: «وشذ أهل البيت بمذاهبَ ابتدعوها» لأنّها خالفت المذهب الذي تؤيّده الدّولة الأمويّة آنذاك، إذن أين الموضوعيّة؟! وأين النظر الموضوعي لقراءة التاريخ؟!

العنصر الرّابع:

أن نلاحظ التاريخ من حيث تأثير الإسلام على أبطال التاريخ وعلى حماة التاريخ.

من الممكن لنا أن نقرأ شخصيّة عمّار بن ياسر: شخصٌ كان عبدًا لبعض صناديد قريش ثم حُرِّرَ في سنة كذا ومات أبواه سميّة وياسر تحت التعذيب وانطلق في الغزوات يدافع بسيفه وجسده عن الإسلام، لكنّ القراءة الصّحيحة للتاريخ أن نقرأ عمّار بن ياسر من زاويةٍ معيّنةٍ وهي زاوية تأثير الإسلام في عمّار بن ياسر، ماذا أثّر الإسلام في عمّار بن ياسر؟ كيف تفاعل عمّار بن ياسر مع الإسلام؟ كيف انصهر عمّار بن ياسر مع الإسلام؟ كيف ذاب عمّار بن ياسر في الإسلام؟ عندما نريد أن نقرأ التاريخ قراءةً موضوعيّة بما أنّه تاريخ إسلاميٌ، هذا ليس تاريخًا جاهليًا ولا تاريخ مثلاً مسيحي، تاريخ إسلامي، معنى أنّه تاريخ إسلاميٌ يعني أن نقرأ أبطاله من هذه الزاوية، من زاوية انصهارهم بالإسلام، من زاوية ذوبانهم في الإسلام، كيف انصهروا في الإسلام؟ كيف تفاعلوا مع الإسلام؟ كيف بنوا تضحياتهم وجهودهم لأجل الإسلام فقط؟

ومن هنا عندما نريد أن نقرأ معاوية بن أبي سفيان، معاوية بن أبي سفيان حكم وفتح ووّسع الرّقة الإسلاميّة وبنى السّدود وبنى الجّسور وبنى المعاهد، لكن هل أنّ أعمال معاوية بن أبي سفيان وجهود معاوية بن أبي سفيان كانت منطلقًا شخصيًا أو كانت منطلقًا دينيًا وإسلاميًا؟! لابد أن نقرأ شخصيته من زاوية تفاعله مع الإسلام، انصهاره بالإسلام، ذوبانه بالإسلام، لا منعزلاً عن هذه الزّاوية.

لذلك من ناحية أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لاحظوا نحن عندما نقرأ تاريخ أئمتنا أئمة الهدى، عندما نقرأ تاريخ أئمتنا أئمة الهدى حتى في كتب الشّيعة فضلاً عن كتب غيرهم، نلاحظ مثلاً كتاب «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب، عندما نقرأ هذا الكتاب يركّز هذا الكتاب من الإمام علي وحتى الإمام العسكري صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يركّز هذا الكتاب على المعاجز والكرامات، كأنّ تاريخ الأئمة ليس فيه إلا المعاجز والكرامات! عنصر الإعجاز كان عنصرًا واضحًا في حياة الأئمة، الأئمة كانت لهم ولاية تكوينيّة وكان عنصر الإعجاز واضحًا على أفعالهم وكان عنصر الإعجاز ضروريًا في صياغة شخصيتهم لأنّ المجتمع لا ينقاد إلا للشخص المقدّس والعنصر الإعجاز يضفي قداسة على الشخص تكون عاملاً في جذابيّته للآخرين، هذا أمرٌ ضروريٌ، لكن ما كان الأئمة فقط مجرّد إعجاز أو كرامة، لا، كان الأئمة متفاعلين مع الإسلام، ابن شهرآشوب أو غيره من المؤرّخين كان من المفروض أن يذكروا لنا أو يقرؤوا لنا الأئمة من حيث تفاعلهم مع الإسلام، صبر علي، زهد علي، علم علي، تضحيات علي، إيمان علي، إرادة علي، لابدّ أن نقرأ أهل البيت من هذه الزاوية، تلك الزاوية زاوية العنصر الإعجازي زاوية ضروريّة وهذه الزاوية زاوية ضروريّة أخرى، أن نقرأ أهل البيت من حيث تأثير الإسلام فيهم، من حيث أنّهم كانوا هم الإسلام المتحرّك من حيث صبرهم وإرادتهم وتضحياتهم وجهودهم، علي بن أبي طالب ما صار معجزة لأنّه اقتلع باب خيبر فقط، وما صار عليٌ معجزة لأنّه قضى على عمرو بن ود، وما صار عليٌ معجزة لأنّه قتل ما قتل بل كان عليٌ معجزة في زهده، كان عليٌ معجزة في صبره، كان عليٌ معجزة في بُعْدِه عن الدّنيا، ”ألا وإنّ لكلّ مأموم إمامًا يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه - وهذا ليس أمرًا عاديًا، الإمام ينبّه على أنّ هذا أمرٌ إعجازيٌ - ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك“ إذن عليٌ معجزة في زهده، ”ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينونا بورع واجتهادٍ وعفةٍ وسدادٍ“، هذا هو المنظور الإسلاميّ لتاريخنا وتجربتنا التاريخيّة.

المنظور الآخر: المنظور الإقليمي.

التاريخ القطيفي، تاريخنا بعنوان أنّه تاريخ قطيفيٌ، كثيرٌ من شبابنا وإخواننا قد يُغْفِل هذا الجانب، يقول: القطيف! وماذا في القطيف؟! أين تاريخها؟! وأين بصماتها التاريخيّة الرّائدة؟! وأين مثلاً مجال إبداعها أو مجال مثلاً قوّتها وتأثيرها بحيث تتكوّن لنا تجربة تاريخيّة نستفيد منها في بناء حاضرنا وفي بناء مستقبلنا؟!.. أنت مخطئٌ إذا نظرت إلى هذه النظرة، القطيف إذا قرأتها قبل خمسين سنة أو قبل أربعين سنة أو قبل ستين سنة وجدت فيها مخزونًا تجريبيًا هائلاً، إذا وقفت على القطيف قبل خمسين سنة استطعت أن تجد لمعاتٍ مضيئة في تاريخ المنطقة في تلك الحقبة وفي تلك الفترة التاريخيّة تصلح هذه اللمعات الذهبيّة أن تكوّن لنا رصيدًا نعتمد عليه في بناء حاضرنا وفي بناء مستقبلنا، لابدّ لنا أن نقف مع تلك الحقبة التاريخيّة التي مرّت بالقطيف قبل خمسين سنة أو ستين سنة وسمّيت ب «العصر الذهبي للقطيف»، وسمّيت القطيف فيه ب «النجف الصغرى»، لابدّ لنا أن نقرأ هذه الحقبة، لابدّ لنا أن ندرسها دراسة موضوعيّة لا دراسة تجزيئيّة، لابدّ لنا أن نستفيد منها، هنا أذكر بعض الخصائص وبعض السّمات التي تشكّلت في تلك الفترة التاريخيّة الذهبيّة والتي يجب الاستفادة منها في بناء الحاضر وفي إعداد المستقبل:

السّمة الأولى: التركيز في تلك الفترة على نشر العلم والمعرفة.

أربعون كما يذكر المرحوم الشّيخ فرج العمران، أربعون بين عالم فقيهٍ أو فاضل أو مراهق أو أيّ شيءٍ آخر «بين أديبٍ أو مفكّر أو خطيبٍ لامع..» أربعون أداروا حركة علميّة معرفيّة في المنطقة آنذاك، لم يكن همّهم ولم يكن شغلهم الشاغل إلا نشر العلم، إلا نشر المعرفة، إلا التأكيد على العلم وعلى المعرفة، كانوا يديرون حركة علميّة رائدة، الإمام أبو الحسن الخنيزي قدّس الله نفسه، الإمام أبو الحسن الخنيزي كما يحدّث عنه مَنْ عاصره، المرحوم الشيخ منصور البيات سمعته وسمعتُ المرحوم محمد سعيد الجشي رحمه الله يقولان: كان مجلسه مجلسًا علميًا محضًا، لم يكن الشيخ الخنيزي إلا مصدرًا للعلم والمعرفة، يثير الناسَ للسؤال، يحرّكهم للسؤال، يحرّكهم لمذاكرة العلم، إذا رأى شخصًا ولو في الطريق سأله: ما اسمك؟ وماذا تدرس؟ وماذا تقرأ؟.. إذا رأى شخصًا في مجلس من المجالس سأله عمّا يقرأ، عمّا يحمل من العلم والمعرفة على مستوى الفقه أو على مستوى العقيدة أو على مستوى الثقافة العامّة، كان حركة علميّة دائبة لا تستقرّ ولا تهدأ، كان الدّأب العامّ والسّمة العامّة هي نشر العلم والمعرفة، ولم يكن هناك سعيٌ وراء الدّنيا، ولم يكن هناك سعيٌ وراء المناصب والمظاهر والمفاتن، كان السّعي للعلم، كان السّعي للفكر، كان السّعي للمعرفة، كان دأب الحركة هو نشر العلم والمعرفة بين أبناء الوطن وبين الأبناء الذين يستعدّون لنيل العلم والمعرفة، ولذلك لقّبَت القطيف آنذاك بالنجف الصغرى، لقّبَت هكذا اعتباطًا؟! لأنّه كان همّها الشّاغل هو نشر العلم والمعرفة، لذلك سمّيت بالنجف الصغرى.

السّمة الثانية من سمات تلك الحقبة التاريخيّة التي مرّت بالقطيف:

التركيز على الكفاءة العلميّة مع قطع النظر عن الموطن أو العرق.

المهم العلم والمعرفة، المهم من يحمل الفكر، من يحمل العلم، من يحمل المعرفة، لاحظوا في تلك الفترة المرحوم العلامة الشيخ منصور المرهون رحمه الله، الشيخ منصور المرهون أثبت في ذلك الوقت أنّه الخطيب الأوّل على مستوى القطيف، كان عالمًا وكان خطيبًا وكان أبًا للعلماء والخطباء، مع قطع النظر عن موطنه ومنشأه هو أثبت جدارته وتعامل المجتمعُ معه كالخطيب الأوّل على مستوى المنطقة آنذاك، فالعلماء الآخرون مثلاً المرحوم الحجّة الشيخ محمّد النمر من أهالي العوّاميّة أثبت موقعه في تلك الفترة فقيهًا وطبيبًا وحكيمًا ومتأمّلاً اعترف الجميعُ بفضله، المرحوم الشيخ علي القديحي صاحب «أنوار البدرين» سجّل اسمه وعنوانه أوّل مؤرّخ للمنطقة وآثارها العلميّة مع قطع النظر عن منشأه أو موطنه أو ما أشبه ذلك.

إذن بالنتيجة: كان المنظور المركّز عليه هو من يحمل الكفاءة العلميّة، من يحمل الكفاءة الفكريّة، من يحمل المنار العلمي والفكري، هذا هو المناط في تلك الفترة وهذا هو المنار في تلك الفترة، وهكذا كان دأب الفترة القطيفيّة العلميّة آنذاك، لاحظوا مثلاً الشيخ فرج العمران، الشيخ فرج العمران نفسه كيف عاش حياته «حياته العلميّة»؟ لم يكن يرتزق إلا على العبادات، كان يصلي العبادات، كان يقوم بالأعمال العباديّة النيابيّة ويرتزق من خلالها، وعاش على الصّلوات والعبادات النيابيّة حتى يواصل دربه وطريقه في سبيل العلم والمعرفة، ولمّا ذهب إلى النجف الأشرف باع كلّ أثاثه وكلّ شؤونه وأغلب كتبه في سبيل أن يتحصّل على مقدار من الأموال يعيش به في النجف الأشرف ليكتسب العلم ويكتسب المعرفة، إذن التأكيد كان على المجال العلمي، كان على المجال المعرفي، لا على أيّ شيءٍ آخر.

السّمة الثالثة من سمات تلك الحقبة: أدب الاختلاف.

كانوا يختلفون لا أنّهم لم يكونون يختلفون، كانوا يختلفون، كان بين رجال تلك الفترة خلافات ولكنّهم كانوا ينظرون للاختلاف نظرة موضوعيّة، لذلك كانوا يعيشون أدبَ الاختلاف مع حصول ذلك الاختلاف، كانوا يعيشون أدب الاختلاف، لاحظوا مثلاً: معروفٌ هذا حتى بين الناس الآن، أنّ للمرحوم الحجّة السيّد ماجد العوامي نفسًا خاصًا في العقائد وللمرحوم الإمام الشّيخ علي أبي الحسن الخنيزي نفسًا آخر، واختلاف النفسين كان أمرًا واضحًا لا أريد أن أنبش هذا الأمر، كان المرحوم الشيخ منصور البيات يتحدّث عنه كثيرًا، مع اختلاف النفس وطريقة التحليل للعقائد الإماميّة آنذاك لم يؤثر اختلاف النفس أيّ أثر، كان الكلّ يحترم الآخر ويذعن لمقام الآخر ويجلّ الآخر من غير أن ينعكس أيّ أثر لذلك الاختلاف على المجتمع القطيفي آنذاك أبدًا، سمعتُ من المرحوم الشّيخ منصور البيات يقول: اختلف سنة من السنين في الهلال الشّيخُ أبو الحسن الخنيزي مع بعض علماء المنطقة، الشيخ أبو الحسن الخنيزي أفطر والسيّد المرحوم الحجّة السيّد ماجد العوامي لم يفطر، يقول الشيخ منصور البيات: ذهبتُ لزيارة الإمام الخنيزي وسمعتُ منه يقول: أنا لا أعتب ولا أحتجّ على السيّد ماجد العوامي لأنّه لا يرى نفوذ حكم الحاكم وأنا أرى نفذ حكم الحاكم.. لاحظوا التقدير، لاحظوا أدبَ الاختلاف، يقول: اختلف معي ولكنّ اختلافه اختلافٌ فكريٌ، لأنّه لا يرى نفوذ حكم الحاكم لم يعوّل على حكمي بالهلال، وأنا أرى نفوذ حكم الحاكم في الهلال لذلك أطالب من يراني حاكمًا أن يذعن لحكمي ويفطر في هذا اليوم.

أدب الاختلاف، النظرة الموضوعيّة للاختلاف، اختلف معي لكنّ اختلافي معه لا يجعلني أن أسلخه عن خصائصه وصفاته، لماذا إذا اختلفنا مع الآخرين سلخنا عنهم كلّ الصّفات؟! لِمَ؟! إذا اختلف معي شخصٌ في التقليد أو اختلف معي شخصٌ في بعض القضايا الهامشيّة أو اختلف معي شخصٌ في أنّ الشّخص الفلاني «زين» أو «مو زين» اختلافنا على الأشخاص أو اختلافنا في التقليد أو اختلافنا في بعض المسارات الفكريّة لا يجوّز لنا أن نسلب صفات الآخرين وخصائص الآخرين، لكلٍ موضعه، لكلٍ مقوّماته، لكلٍ خصائصه ومواهبه، مهما اختلفنا مع غيرنا فنحن نحتفظ لغيرنا بالإجلال والاحترام والإكبار، نقدّر في الآخرين علمهم ومعرفتهم وأدبهم وفكرهم وإن اختلفنا معهم، أبدًا لا يجوز لنا أن يكون الاختلاف سببًا لإهدار طاقات الآخرين ولمحو شخصيّات الآخرين ولمحق خصائص الآخرين، أبدًا، قد يختلف فلانٌ مع فلان لكن يبقى فلانٌ يقول: فلانٌ عالمٌ، فلانٌ مفكّرٌ، فلانٌ له أدبه، له فكره، وإن اختلفتُ معه.. والآخر يعامل الأوّل كما عامله، إذن أدب الاختلاف لابدّ أن نتمتّع به، أدب الاختلاف أنّنا إذا اختلفنا في أيّ موضوع لا يجرّنا الاختلاف إلى نسيان الآخرين، كأنّهم خلاص مادام اختلفوا معنا إذن ليسوا بعلماء وليسوا بمفكّرين وليسوا وليسوا وليسوا.. لا، لا، لا، لهم طاقاتهم، لهم خصائصهم، لهم مواهبهم، لهم قدراتهم الذاتيّة، الاختلاف لا يجوّز لنا أن نتعالى إلى هذا المستوى من الغوغائيّة والضجّة، لابدّ لنا أن نتحلى بأدب الاختلاف كما تحلى به علماؤنا في تلك الفترة وكما اتّسم به علماؤنا في تلك الفترة.

السّمة الرّابعة من سمات تلك الحقبة التاريخيّة: سمو الذات.

كانت الذوات ذواتًا متواضعة، كانت الذوات ذواتًا منصهرة في الله، كانت الذوات ذواتًا لا تعرف إلا التعلق بالله عزّ وجلّ، متواضعة للآخرين بأجلى صور التواضع، سمو الذات، المرحوم الجدّ الشيخ فرج العمران هو يذكر في كتابه «الأزهار الأرجيّة» يذكر أنّه اختلف مع المرحوم العلامة الشيخ علي بن يحيى التاروتي في مسألةٍ نحويّةٍ، أمام النّاس اختلفوا في إعراب كلمة «إحدى» وتحدّثا في المسألة، لمّا رجع المرحومُ الشّيخُ فرج العمران لبيته رأى أنّ الحقّ مع الشيخ علي بن يحيى التاروتي، أرسل إليه كتابًا يعتذر فيه ويبلغه أنّ الحقّ معه، ولم يكتفِ بذلك، بل كتب القصّة والاعتذار في كتابه الأزهار وطبعه، اختلف مع المرحوم السيّد محفوظ العوّامي، العلامة المرحوم السيّد محفوظ العوّامي من علماء تلك الفترة، اختلف معه في مسألةٍ في الميراث، ولمّا رأى أنّ الحقّ معه كتب إليه قصيدة يعتذر فيها إليه ويبلغه أنّ الحقّ معه ونشر ذلك الأمر مع الاعتذار في كتابه «صفد الغوالي وملتفط اللآلي» وطبعه، إذن أين عندنا الذات السّامية؟! الذات التي لا تعرف إلا القبول بالحقيقة وإلا القبول بالواقع وتعيش التواضع وتعيش اللين وتعيش أنّها منصهرة بالله وليست منصهرة بالأمور الدنيويّة.

السّمة الخامسة من سمات تلك الحقبة التاريخيّة التي عاشها مجتمعنا: الصّلابة في الحقّ.

كان علماء المنطقة يعيشون الصّلابة في الحقّ وعدم التنازل عن المنكرات، يردعون عن المنكرات، يأمرون بالمعروف، ينهون عن المنكر، يتصلّبون للحقّ، يتصلّبون للدّين، مهما كانت الأعاصير، مهما كانت العواصف، مهما كانت الرّياح، لا يلينون ولا يتنازلون عن موقف الحقّ، كلكم سمعتم عن المرحوم الحجّة الشّيخ علي الجشي كيف عاش فترة عصيبة، كيف عاش فترة ساخنة لأنّه أصرّ على درب الحقّ، لأنّه أصرّ على طريق الحقّ، أصرّ على ألا يرضى بالتلاعب بالأوقاف ولا بالتلاعب بأموال الإمام ، ولا يرضى بالتلاعب بالأمور الأخرى، إنسانٌ صلبٌ في طريق الحقّ، وكلّفه هذا كثيرًا، كلّفته مواقفه كثيرًا، كلّفته صلابته على الحقّ كثيرًا، خسر كثيرًا من النّاس، خسر كثيرًا من الموالين، خسر كثيرًا من الأتباع؛ لأنّه كان صلبًا في مواقفه لا يلين ولا يتنازل عنه.

السّمة الأخيرة.. سمات كثيرة أنا لا أريد أن أبحث بحثًا تاريخيًا، ولكن من باب الموعظة والعبرة ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.

السّمة الأخيرة: الدّور الرّسالي الذي كانوا يقيمون به.

ما كان العالمُ في تلك الفترة إلا طاقة منفتحة على المجتمع، منفتحة على هموم المجتمع، منفتحة على أوضاع المجتمع، منفتحة على مآسي المجتمع، ما كان العالمُ يشغل همّه إلا أن يساهم في بناء المجتمع وتوعية المجتمع وإرشاد المجتمع، الإمام الخنيزي كان فقيهًا مقلَّدًا ولكنّه كان قدّس سرّه يقطع المناطق والقرى في تلك الفترة من العوّاميّة إلى القديح إلى الجش إلى إلى إلى.. يبقى فيها للإرشاد والتوعية، رغم أنّ تلك الفترة فترة مبتلاة بأوضاع الفقر وصور الحرمان، ومع ذلك كان العلماءُ يتنقلون بين المناطق وبين القرى للإرشاد والتوعية، المرحوم الجدّ الحجّة الشيخ فرج العمران كان يقطع الشّهور الكثيرة في تلك المناطق فقط وفقط للإرشاد والتوعية، فقط وفقط لتبليغ الأحكام الشّرعيّة والعقائد الدّينيّة القويمة، إذن كانوا يقيمون بدور رسالي عظيم، كانوا يصرفون طاقتهم الفكريّة والجسديّة في سبيل توعية الأمّة وفي سبيل النّهوض بمستواها الثقافي والعلمي والفكري في تلك الفترة.

ومن هنا أرجع وأكرّر أنّ علماءنا في تلك الفترة وتلك الحقبة التاريخيّة المهمّة يجب أن نستفيد منها، يجب أن نأخذ المواعظ والعِبَر منها، يجب أن نقرأها قراءةً موضوعيّة، يجب أن ندرسها دراسة موضوعيّة ليستفيد منها حاضرنا ومستقبلنا، تحدّثت أنا في عدّة مرّاتٍ أنّ المفروض علينا ألا تكون لغتنا لغة البكاء على الماضي، لغة النعي للماضي، لغة الرّثاء للماضي، علينا أن تكون لغتنا لغة الاستفادة من الماضي، لغتنا لغة الفخر بما عندنا من طاقاتٍ، بما عندنا من قدراتٍ، المفروض ألا نكرّم علماءنا بعد موتهم، إذا مات العالِم بكينا ورثينا وتأثرنا!

سيذكرني  قومي  إذا جدّ جدّهم   وفي الليلةِ الظلماء يُفْتَقَدُ البدرُ

بكينا على علمائنا بكاءً شديدًا إذا فقدناهم وأمّا في حياتهم فإنّنا لا نفتخر بهم ولا نعتبرهم أقطابًا يميّزون مجتمعنا، علينا أن نكرّمهم في حياتهم قبل مماتهم، المنطقة تزخر بالطاقات في الماضي والحاضر، علينا أن نفتح المجال وأن نكرّم وأن نحترم هذه الطاقات في حياتها قبل مماتها، علينا أن نكون موضوعيّين مع مجتمعنا ومع الآخرين ومع كلّ شخص له طاقة وفكرٌ وقلمٌ وأدبٌ وحياة أدبيّة أو علميّة مؤثرة في بناء مجتمعنا وفي النهوض بمستوى مجتمعنا.

نسأل الله لنا ولكم أن يجعل مستقبلنا خيرًا من حاضرنا، وأن يجعلنا من السّائرين على درب الماضين من علمائنا في زهدهم وورعهم وتقواهم وموضوعيّتهم واهتمامهم بأمور الأمّة وبأمور الدّين

والحمدلله رب العالمين