عيد الحب

تحرير المحاضرات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ

صدق الله العليّ العظيم

حديثنا انطلاقًا من الآية المباركة في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: ما هو الوجه في تفضيل بعض الأيام على البعض الآخر في أحاديثنا وفي رواياتنا؟

نلاحظ أنّ الإسلام يفاضل بين الأيام، شهر رمضان أفضل الشهور، يوم الجمعة أفضل الأيام، هناك يوم عيد الفطر، هناك يوم عيد الأضحى، هناك يوم الغدير، هناك يوم عرفة.. ما هو الوجه في تفضيل بعض الأيام على البعض الآخر مع أنّ الأيام متساوية من حيث الجامع الزمني؟! جميع الأيام هي عبارة الزمن، والزمن - كما يقول الفلاسفة - خط وهميٌ ترسمه الحركة، يعني: ليس في الواقع وليس في الخارج شيءٌ اسمه الزمن، ليس في الخارج إلا الحركة والمتحرّك، ليس في الواقع إلا الأرض وحركة الأرض، الأرض بحركتها ودورانها ترسم خط الزمن، ترسم خط الليل وخط النهار وخط الساعات وخط الدقائق.. هذه خطوط وهميّة ترتسم في ذهن الإنسان وتنتقش في عقل الإنسان نتيجة لحركة الأرض ونتيجة لدوران الأرض، فالزمن ليس أمرًا واقعيًا، الزمن ما هو إلا خط وهميٌ ترسمه حركة المتحرّك، جميع الأيام تشترك في الزمان، يوم الجمعة زمان، ويوم السبت زمان، وشهر رمضان زمان، وشهر رجب زمان، فما هو السّر في تفضيل بعض الأزمنة على الأزمنة الأخرى؟

طبعًا هناك سببان للتفضيل:

السبب الأوّل: أن تقع حادثة عظيمة أو يقع حدثٌ كبيرٌ في زمن من الأزمنة، في شهر من الشهور، إكرامًا لذلك الحدث واحترامًا لذلك الحدث نلاحظ أنّ النصوص الشرعيّة تؤكّد على إحياء الزمن بالعبادة وعلى احترام الزمن، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ إكرامًا للقرآن واحترامًا لعظمة القرآن الإسلامُ يفضّل شهر رمضان على غيره من الشهور ويأمر بإحيائه بالعبادة، ليلة القدر ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ لماذا؟ لأنّ ليلة القدر ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ احترامًا للقرآن الذي نزل في ليلة القدر يأمر الإسلامُ بإحياء ليلة القدر، يوم الغدير، كما ورد في الأحاديث أفضل الأعياد للبشريّة هو عيد يوم الغدير، لماذا؟ لأنّ يوم الغدير حدثت فيه حادثة عظيمة وهي بيعة الإمام، أنّ الأمّة بايعت قائدها الذي تجتمع فيه مواصفات القيادة الحكيمة، بايعت قائدها في هذا اليوم فهو يومٌ عظيمٌ يستحبّ إحياؤه بالصّوم ويستحبّ إحياؤه بالعبادة.

السبب الثاني: تفضيل بعض الأيام على البعض الآخر مجرّد أسلوبٍ تربوي لعلاج علاقة الإنسان بالعبادة، ما معنى «أسلوب تربوي»؟

لاحظوا مثلاً: طبيعة الإنسان تتوق إلى التنويع والتجديد، طبيعة الإنسان ترغب دائمًا في التغيير والتجديد، طبيعة الإنسان تملّ من الرّوتين، تملّ من الاستمرار على نسق واحدٍ وعلى نهج واحدٍ، طبيعة الإنسان تصاب بالجفاف وبالملل وبالاسترخاء وبالكسل إذا سارت على روتين واحدٍ وعلى نظام واحدٍ وعلى طريقةٍ واحدةٍ، لهذا الإنسان دائمًا تتجدّد فيه الرغبة للتغيير، تتجدّد فيه الرغبة للتنويع، من هنا تجد الإنسان الذي يسافر كلّ يوم أو يسافر كلّ أسبوع لا يلتذ بلذة السّفر، ولا يحظى بمتعة السّفر، بخلاف من يسافر في أوقاتٍ متغيّرةٍ ومتجدّدةٍ، الشخص الذي مثلاً يمارس علاقة اللذة مع زوجته في كلّ وقتٍ قد يملّ من هذه الطريقة، قد يملّ من هذا المنهج، قد يملّ من هذه الوتيرة، بينما الذي يمارس العلاقة مع زوجته في أوقاتٍ متغيّرةٍ ومتنوّعةٍ قد يحافظ على اللذة والمتعة من خلال ممارسة العلاقة، طبيعة الإنسان تنزع وتهفو إلى التجديد والتغيير، من هنا لاحَظ الشرعُ الشريفُ أسلوبًا تربويًا في التعامل مع هذا الإنسان ومع علاقة هذا الإنسان، كما لك علاقة بالسّفر تتغيّر هذه العلاقة بتغيير الأوقات، كما لك علاقة بأصدقائك تتجدّد هذه العلاقة بتغيير الأوقات، كما لك علاقة بزوجتك تحافظ على وهجها وعلى نموّها باختيار الأوقات وتنويعها كذلك لك علاقة بالعبادة، علاقتك بالعبادة إذا أردت أن تحافظ على وهجها وأن تحافظ على استمرارها وأن تحافظ على شدّتها فعليك بتنويع الأوقات وعليك بتنويع الفترات وعليك بتجديد الظروف والأحوال التي تتعامل فيها مع العبادة.

لذلك تلاحظ الشرع الشريف لا يقول لك: كلّ يوم أنت جميع المستحبّات تؤدّيها في كلّ يوم! يقول لك: لا، للسبت مستحبّات وللجمعة مستحبّات أخرى، لشهر رجب مستحبّات لكن لشهر رمضان مستحبّات أخر، يفضّل بعض الأيام على البعض الآخر وبعض الشهور على البعض الآخر لا لشيءٍ إلا لأجل أسلوبٍ تربوي يعالج فيه الإسلامُ رغبة الإنسان في العبادة حتى يحافظ على رغبة الإنسان في العبادة، حتى يحافظ على تجدّد هذه العلاقة وعلى استمرارها وعلى توهجّها يحيّن لها فرصًا ويختار لها أيامًا وينوّع لها الأزمنة محافظة على استمرارها ووهجها، من هذا المنطلق تجد الإمام الباقر سلام الله عليه كما يتحدّث الإمام الصادق يقول: ”اجتهدتُ في العبادة - الإمام الصادق يقول عن نفسه - اجتهدتُ في العبادة وأنا شابٌ فنظر إليّ أبي «الإمام الباقر» قال: يا بنيّ إنّ الله إذا أحبّ عبدًا رضي منه باليسير“ يعني: لا تغرق نفسك في العبادة حتى تتحوّل إلى روتين، فإذا تحوّلت إلى روتين فقدت طعمها وفقدت معناها، ”إنّ الله إذا أحبّ عبدًا رضي منه باليسير“، وورد عنه «عن الصادق »: ”للقلوب إقبالٌ وإدبارٌ، فإذا أقبلت فاحملوها على الفرائض والنوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض“ أسلوبٌ تربويٌ لمعالجة رغبة الإنسان وانفتاحها على العبادة وعلى العلاقة مع الله وعلى الأجواء الرّوحيّة.

من هنا ومن هذا المنطلق تلاحظ الإسلامَ والشرع الشريف ينوّع الأوقات، يوم الجمعة له ميزة، شهر رمضان له ميزة، أيام ذي الحجّة لها ميزة، يوم الغدير له ميزة، لكي يجدّد هذه العلاقة وينشّطها ويدعمها بالوهج والاستمرار، من هنا تجد بعض الأحاديث الشريفة التي ترشد إلى هذا المعنى، ما ينقله الشيخ المجلسي في كتاب «البحار، الجزء 56، صفحة 26» عن الخصال للشيخ الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا «رواية معتبرة صحيحة السند» عن أبي عبد الله قال: ”السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أميّة“ ليس معناه أنّ هذه الأيام أيامٌ نحسة، لا، يعني أنّ أعداءنا اتخذوا يوم الاثنين شعارًا لهم، أعداؤنا اتخذوا يوم الثلاثاء شعارًا لهم، لا بمعنى أنّ هذه الأيام أيام نحس، لا، ”والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أميّة، والأربعاء يوم شرب الدّواء“ يعني كأنّ يوم الأربعاء زمنٌ مساعِدٌ على شفاء الإنسان وعلاج أمراضه، ”والخميس تقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظيف والتطيّب، وهو عيد المسلمين - الجمعة - وهو أفضل من الفطر والأضحى“ عيد يوم الجمعة أفضل من عيد الفطر وأفضل من عيد الأضحى، ”وهو عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم غدير خم أفضل الأعياد كلها - يوم الغدير يوم بيعة الإمام أفضل الأعياد كلها - وهو اليوم الثامن من ذي الحجّة، وكان يوم الجمعة أيضًا - يعني: يوم الغدير صادف يوم الجمعة - ويخرج قائمنا أهل البيت - عجّل الله فرجه الشريف - يوم الجمعة، وما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصّلاة على محمّدٍ وآله“، إذن من هنا من هذه النقطة الأولى فهمنا سرّ تفضيل بعض الأيام على البعض الأخرى.

النقطة الثانية: هناك أعيادٌ مستحدثة «أعياد مستجدّة» تمرّ على الناس بين زمن وآخر، في الأزمنة السابقة كان الذين يحتفلون بعيد الميلاد «عيد ميلاد السيّد المسيح عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصّلاة والسّلام» فقط هم المسيحيّون، فقط المسيحيّون، فقط أهل الدّين النصراني، الآن أصبح كثيرٌ من المسلمين يحتفل بعيد الميلاد، إذا جاء يوم الميلاد أوقدوا الشموع وتبادلوا الورود والتحيّة والتهنئة بمناسبة عيد الميلاد، من هنا وقف بعضُ علماء المسلمين موقفَ الرّفض وموقفَ الإدانة أنّه لا يجوز الاحتفالُ بعيد الميلاد، الاحتفال لابدّ أن يقتصر على عيدي الفطر والأضحى وأمّا الاحتفال بعيد الميلاد فهو أمرٌ محظورٌ وغير جائز، استدلّ بعضُ العلماء في مصر وفي المملكة وفي غيرها من البلدان على تحريم الاحتفال بعيد يوم الميلاد، استدلوا بدليلين:

الدّليل الأوّل: أنّ الاحتفال بعيد الميلاد تشبّهٌ بالنصارى، والتشبّه بالنصارى محظورٌ وممنوعٌ، بما أنّ هذا الاحتفال تشبّهٌ بالنصارى فهو أمرٌ محرّمٌ.

الدّليل الثاني: أنّ هذا ليس سبيلاً للمؤمنين، وبما أنّه ليس سبيلاً للمؤمنين وقد قال القرآن الكريم: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ يعني: نحشره مع غير المؤمنين، نحشره مع أعداء المؤمنين، إذن الاحتفال بعيد الميلاد خروجٌ عن سبيل المؤمنين، والخروج عن سبيل المؤمنين أمرٌ محظورٌ محرّمٌ.

نحن نناقش كلا الدّليلين كمناقشةٍ فقهيّةٍ ومن أجل توعية الجانب الفقهي:

أمّا من ناحية الدّليل الأوّل: التشبّه باليهود أو بالنصارى، سيّدنا الخوئي قدّس سرّه عندما يتحدّث في فقهه عن التشبّه يقول: الممنوع هو «التّشبّه السّلوكي» أو «التّشبّه الشّعاري» وليس الممنوع هو «التّشبّه الشّكلي»، لاحظوا معي: «التشبّه السّلوكي» ما معناه؟

مثلاً: عندنا أحاديث وردت عن أهل البيت بل عن الرّسول محمّدٍ : ”لعن الله المتشبّهين من الرّجال بالنساء، ولعن الله المتشبّهات من النساء بالرّجال“ ما معنى التشبّه؟ التشبّه المحرّم ما معناه؟ يعني أنّ الإنسان مثلاً إذا تزيّن وإذا رتّب شكله وإذا كان أنيقًا في شكله فهو متشبّهٌ بالنساء؟! أو أنّ المرأة مثلاً التي تقصّ شعرها إلى حدٍ يُرَى كأنّه بمقدار شعر الرّجل تعدّ متشبّهة بالرّجل فيحرم عليها هذا العمل؟! ما معنى حرمة تشبّه الرّجل بالمرأة أو تشبّه المرأة بالرّجل؟

السيّد الخوئي يقول: المحرّم هو «التّشبّه السّلوكي» لا «التّشبّه الشّكلي»، يعني: بأن يكون سلوك الرّجل سلوك التأنّث ويكون سلوك المرأة سلوك التذكّر، لا المقصود هو «التّشبّه الشّكلي»، «التّشبّه الشّكلي» لا دليل على حرمته، المحرّم: «التّشبّه السّلوكي»، أن يصل الإنسانُ إلى حدٍ من التشبّه بالمرأة أن يكون مؤنّثًا في سلوكه، أن تصل المرأة إلى حدٍ من التشبّه بالرّجل أن تكون مذكّرة في سلوكها؛ للرّواية التي رواها عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه أنّ أمير المؤمنين سلام الله عليه رأى رجلاً في مسجد رسول الله يتأنّث، أو فيه تأنّث، يعني: يميل ميول الأنثى، يحرّك جسده حركات الأنثى، يتصرّف تصرّف الأنثى، رأى رجلاً يتأنّث، فقال: اخرج من المسجد فلقد سمعتُ رسولَ الله يقول: ”لعن الله المتشبّهين من الرّجال بالنساء، ولعن الله المتشبّهات من النساء بالرّجال“، إذن المقصود بالتشبّه المحرّم هو «التّشبّه السّلوكي».

نأتي إلى القسم الثاني من التشبّه: «التّشبّه الشّعاري»، ما معنى «التّشبّه الشّعاري»؟

هناك شعارٌ معروفٌ لليهود نحن نرفع هذا الشعار، افترض نجمة إسرائيل مثلاً نحن نضعها على ثيابنا أو على بعض مقتنياتنا أو على بعض تحفنا المنزليّة مثلاً، هناك شعارٌ للنصارى، شعار الصليب مثلاً، نحن نرفع هذا الشعار على رؤوسنا مثلاً، نلبس تاجًا فيه شعار الصّليب مثلاً، أو أنّنا نلبس ثيابًا فيها شعار الصّليب مثلاً، هذا تشبّهٌ شعاريٌ، رفع شعار اليهود أو رفع شعار النصارى تشبّهٌ شعاريٌ محرّمٌ في الشريعة الإسلاميّة.

مثلاً: من هذا الباب ما ورد عن الرّسول محمّدٍ كما ذكره الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه قال: ”حفّوا الشوارب وأعفوا اللحى ولا تتشبّهوا بالمجوس فإنّهم كانوا يعفون الشوارب وكانوا يحفّون اللحى“ هذا تشبّهٌ شعاريٌ، المجوس كان شعارهم إبقاء الشارب وحلق اللحية، الرّسول الأعظم ينهى عن هذا «التّشبّه الشّعاري»، يقول: هذا رفعٌ لشعارٍ من شعارات المجوس أنّ الإنسان يبقي الشارب «وش عرضه وش طوله» ويحلق اللحية تمامًا بحيث لا يبقى منها شيءٌ، إذا دخل التشبّه تحت «التّشبّه الشّعاري» يعني: كان هناك شعارٌ معروفٌ ومعلومٌ للنصارى أو لليهود أو للمجوس رفعه المسلمون من خلال ملابسهم، من خلال أزيائهم، من خلال بيوتهم، من خلال أثاثهم، فهذا «التّشبّه الشّعاري» محرّمٌ ومرفوضٌ في الشريعة الإسلاميّة، أمّا «التّشبّه الشّكلي» فلا، خصوصًا إذا كان لأغراضٍ عقلائيّةٍ، يعني الآن مثلاً: في أيّام عاشوراء تجد أنّ بعض الرّجال يلبس ثياب النساء ليمثّل دور طفلةٍ أو ليمثّل دور امرأةٍ من نساء الحسين ، أو أنّ المرأة - إلى الآن النساء في مآتمنا يمثلون أيام عاشوراء - تلبس المرأة ثياب الرّجل «العمامة» لكي تمثّل دور الحسين أو دور أحد أنصار الحسين ، هذا التشبّه محرّمٌ؟! لا، هذا تشبّهٌ شكليٌ لكنه لغرض عقلائي، وهو تذكير الناس بهذه المجزرة، تذكير الناس بهذه المذبحة، تذكير الناس بهذه المعركة، معركة انتصار الحق على الباطل، لا بأس بهذا «التّشبّه السّلوكي» إذا كان في حدود الغرض العقلائي ولم يكن تشبّهًا سلوكيًا ولم يكن تشبّهًا شعاريًا.

إذن بالنتيجة: نحن نقول: المحرّم رفع شعار اليهود والنصارى، هذا هو المحرّم، تشبّهٌ شعاريٌ، ليست جميع أنواع التشبّه ولو كان تشبّهًا شكليًا فهو تشبّهٌ محرّمٌ وممنوعٌ منه، مثلاً الآن: ما يصنعه كثيرٌ من شبابنا من قصّ شعره بقصّاتٍ مختلفةٍ ومتغيّرةٍ أو ترتيب شكله ووجهه بأشكال مختلفةٍ، هذا:

1] إذا كان رفعًا لشعارٍ معروفٍ لليهود وللنصارى حرامٌ.

2] إذا لم يكن كذلك:

1/ إذا كان مستلزمًا لهتك كرامة المؤمن وإهانته «الشخص الذي يقصّ شعره بهذا النوع أو يظهر شكله بهذا الشكل يتعرّض للإهانة والهتك» حرامٌ، لا يجوز للمؤمن أن يضع نفسه موضع الإهانة والهتك.

2/ أمّا إذا لم يكن لا هذا ولا هذا فلا نحرّم الأمور بعقولنا، لا دليل على حرمة ذلك، ولا دليل على عدم محبوبيّة ذلك إذا لم يدخل تحت «التّشبّه الشّعاري» ولم يدخل تحت عنوان هتك كرامة المؤمن وإهانة المؤمن.

أمّا الدّليل الثاني الذي طُرِحَ: وهو أنّه التشبّه أو أنّه مثلاً الاحتفال بعيد الميلاد هذا نوعٌ من الخروج عن سبيل المؤمنين والخروج عن سبيل المؤمنين ممنوعٌ، ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ لاحظوا علماءنا دقيقون في التعامل مع السير والتعامل مع أنحاء العقل الجمعي، إذا تراجع كلمات علمائنا علماء الشيعة في كتب الأصول في باب الإجماع والسّيرة العمليّة المتشرّعيّة ترى علماءنا ماذا يقولون؟ هناك سيرٌ تمتدّ، يعني: الناس افترض منذ عهد الإمام القائم إلى يومنا هذا يمشون على سيرةٍ معيّنةٍ، هل هذه السّيرة التي يمشي عليها المسلمون حجّة نعتمد عليها؟! هل أنّ السّيرة التي يلتزم بها المتديّنون ويلتزم بها الشيعة نعتبرها حجّة ونستدلّ بها؟!

يقول علماؤنا: لابدّ من التفريق بين سيرة المسلمين والمؤمنين بما هم متشرّعة وبين سيرتهم بما هم عقلاء، سيرتهم بما هم عقلاء ليست حجّة ولا نعتمد عليها، لكن نعتمد على سيرتهم بما هم متشرّعة، أوضّح لك هذا بالمثال، مثلاً: جرت سيرة العرب من زمان النبي إلى الأزمنة المتأخرة على لبس العمامة، العرب كانوا يلبسون العمامة، هل يستطيع أن يأتي فقيهٌ ويقول: «يستحبّ لبس العمامة»! لماذا؟! لأنّ العرب منذ ذلك الزمان وحتى زمان متأخر كانت سيرتهم على لبس العمامة، فبما أنّ العرب المسلمين جرت سيرتهم على لبس العمامة إذن لبس العمامة أمرٌ مستحبٌ! نقول له: هذا استدلالٌ خاطئٌ، جريان السّيرة على لبس العمامة لا يعني أنّهم ساروا عليه بما هم متشرّعة، لعلهم ساروا عليه لأنّ العمامة أصلح لرؤوسهم، أو أصلح لعاداتهم، أو أصلح لأوضاعهم الدنيويّة، هذه السّيرة التي لا نعلم ما هو منشؤها ولا نعرف ما هو مأخذها لا يمكن أن نعتبرها دليلاً نعتمد عليه في مقام استنباط الحكم الشرعي، جرت سيرة أهل القطيف على أنّهم لا يقرؤون الوحشة وحشة الفاتحة ليلة السّبت، فهل سيرتهم حجّة؟! لأنّه سار عليها متديّنون، وسار عليها كثيرٌ من الناس في مئة سنةٍ أو مئتي سنة فهل هذه السّيرة تعتبر حجّة يُسْتَدَلّ بها؟! أو جرت سيرة مثلاً سيرة أهل القطيف مثلاً زمنًا طويلاً ومديدًا على أنّهم يلبسون مثلاً العمامة أو يلبسون مثلاً الحذاء أو ما أشبه ذلك فهل هذه السّيرة تكون حجّة؟! السّيرة الحجّة هي السّيرة التي تنشأ عن المتديّنين بما هم متديّنون، يعني: يكون منشؤها هو الدّين، السّيرة النابعة من الدّين هي السّيرة الحجّة، السّيرة الناشئة عن تعاليم الدّين هي السّيرة الحجّة لا كلّ سيرة، السّيرة التي قام بها المتشرّعة والمتديّنون بما هم متشرّعة «بما هم متديّنون» لا بما هم عقلاء «لا بما عندهم من أغراض دنيويّةٍ ومن أغراض اجتماعيّةٍ ومن تقاليد ومن عاداتٍ» ليست كلّ سيرةٍ يُعْتَمَدُ عليها ويُسْتَنَدُ إليها.

إذن الآية المباركة عندما تقول: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ هذه الآية لا تدلّ على حرمةٍ، يحرم عليك الخروج عن سبيل المؤمنين، سبيل المؤمنين على قسمين:

1/ سبيل المؤمنين الذي صدر من المؤمنين بما هم مؤمنون وبما هم متديّنون، هذا السّبيل حجّة.

2/ أمّا السّبيل الذي صدر عن المتديّنين والمؤمنين بما هم أهل بلد القطيف، بما هم أهل الحضارة العربية، بما هم مثلاً أصحاب تقاليد معيّنة، بما هم أصحاب عاداتٍ معيّنة، هذه السّيرة لا تكون حجّة، ولا يحرم الخروج عليها، ولا يحرم ترك هذه السّيرة إذا لم تكن مناشئها دينيّة.

النقطة الثالثة والأخيرة:

أنقل لكم كلامًا في الإنترنت وأعلق عليه، هذا الموضوع عنوانه: [ماذا تعرفون عن فالنتاين «Valentine»؟] ما هو فالنتاين؟

يقول.. طبعًا الموضوع طويلٌ أنا لا أقرؤه كله، يقول:

«في روما في القرن الثالث الميلادي كان الدّين النصراني في بداية نشأته، حينها كان يحكم الإمبراطوريّة الروميّة الإمبراطور كلايديس الثاني الذي حرّم الزواج على الجنود - قال: الجنود ممنوع أن يتزوّجوا - لأنّ الزواج يربطهم بعائلاتهم ممّا يشغلهم عن خوض الحروب، لكنّ القدّيس فالنتاين تصدّى لحكم الإمبراطور وأصبح يتمّ عقود الزواج في السّر، وسرعان ما اُفْتُضِحَ أمره وألْقِيَ القبضُ عليه وحُكِمَ عليه بالإعدام، وفي سجنه وقع في حبّ ابنة السجّان، وكان هذا سرًا لأنّ القساوسة والرهبان في شريعة النصرانيّة يحرم عليهم الزواج وتكوين العلاقات العاطفيّة، لكنّ ما شفع له لدى النصارى ثباته على النصرانيّة، حيث إنّ الإمبراطور حاول إخراجه من النصرانيّة ليعبد آلهة الرّومان ويصبح خادمًا أمينًا للإمبراطوريّة وبالمقابل يعفو عنه ويجعله صهرًا له، لكنّ فالنتاين رفض هذا العرض المغري وآثر التمسّك بنصرانيّته، فنُفِّذَ فيه حكم الإعدام 14 فبراير عام 270 ليلة 15 فبراير، ومن يومها أطلق على القسّيس فالنتاين لقب: «قدّيس»، ومرّت السنون وانتشرت النصرانيّة وأصبحت لها السّيادة في أوربّا، عندها تغيّرت عطلة الرّبيع وأصبح العيد في 14 فبراير اسمه: «عيد القدّيس فالنتاين» إحياءً لذكراه لأنّه فدى النصرانيّة بروحه وقام برعاية المحبّين، وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل ورود حمراء وبطاقات بها صورة الممثل كذا، وهو إله الحبّ لدى الرّومان كانوا يعبدونه من دون الله».

الآن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في بعض المجتمعات الخليجيّة، وهي ظاهرة: عيد الحبّ «عيد فالنتاين»، تبادل الورود الحمراء أو تبادل البطاقات التي تحمل صورة هذا الممثل أو ذاك بعنوان عيد الحبّ وكأنّ أعيادنا جفت واضمحلت فلم يبق لنا إلا أن نحتفل بعيد الحبّ أو سقطنا في الهاوية أو في الحفرة العميقة! ما هو تعليقنا على مثل هذه الأعياد المستحدثة أو مثل هذه الأعياد المستجدّة؟

نحن نعيش مشكلة مرضيّة ذات حدّين:

الحدّ الأوّل: عدم الثقة بأمجادنا وبحضاراتنا.

والحدّ الثاني: أنّنا لا نستغل الفرض التي تمرّ علينا استغلالاً حسنًا واستغلالاً دقيقًا.

من ناحية الحدّ الأوّل: نرى كثيرًا منا مشدوهًا بحضارة الغرب، الغرب! الغرب تعملق في الفضاء! الغرب صعد على سطح الكواكب! الغرب وصل في الحضارة والتقدّم والتفوّق إلى ما لم يصل إليه أحدٌ!.. دهشته وذهوله بحضارة الغرب أوجبت له عدم الثقة بنفسه، لا يثق بنفسه، لا يثق بحضارته الإسلاميّة، لا يثق بأمجاده، لا يثق بتاريخه، صارت عنده حالة اهتزاز، عدم الشعور بالعزّة، عدم الشعور بالشخصيّة، عدم الشعور بالكرامة، يرى نفسه كأنه يملك حضارة هزيلة يخجل من ذكرها ويخجل من الانتماء إليها، كثيرٌ منا يخجل حتى أنّه يقال له: شيعي! بعضهم يقول لك: أنا لست شيعيًا! أنا لست كذا.. يحاول ماذا؟! لا يظهر بأنّه شيعيٌ خجلاً وكأنّ التشيّع عيبٌ يستحي الإنسان أن يلصق به وأن ينتسب إلى هذا العيب!!

تاريخك وأمجادك، الحضارة ليست حضارة ماديّة، الحضارة ليست بالفضاء وبالذرّة وبالتعملق في الفضاء فقط، الحضارة لابدّ أن تكون لها لمسات روحيّة وملامح روحيّة، حضارتك الإسلاميّة حضارة روحيّة تستحق الفخر والاعتزاز، حضارتك الإسلاميّة هي التي ساوت بين بلال العبد الحبشي وبين ابن عبّاس السيّد الهاشمي، حضارتك الإسلاميّة هي التي ساوت بين سلمان الفارسي الإيراني وبين ابن مسعود أو ابن عبّاس العربي القرشي، حضارتك الإسلاميّة حضارة روحيّة تستحقّ الفخر والاعتزاز.

مذهبك مذهب التشيّع مذهبٌ يستحقّ أن تفتخر به وأن ترفع رأسك وقامتك فخورًا معتزًا بمذهبك مذهب التشيّع، أفهل يوجد مذهبٌ آخر حمل الدّم وشعار التضحية والبطولة كما حمله مذهب التشيّع؟! أفهل حَفِلَ مذهبٌ آخر ببطولاتٍ وتضحياتٍ كتضحيات كربلاء وكبطولات الحسين وزينب؟! هذا المذهب الذي أمدّ الإسلام بدمه، أمدّ الإسلام بتضحياته، أمدّ الإسلام بطاقاته، أمدّ الإسلام بجهوده، أنت تستحق أن تفخر بأمجاد هذا المذهب، المذهب الزينبي، المذهب الحسيني، المذهب الذي لم يفكّر في المصالح الشخصيّة ولم يفكّر في المناصب ولم يفكّر في زخارف الدّنيا، فكّر في أن يدعم الإسلام وبقاء الإسلام بما له من دمٍ وطاقةٍ وجهدٍ وبذلٍ وتضحيةٍ، مذهب التشيّع هل يوجد إمامٌ في مذاهب أخرى له كتابٌ ككتاب نهج البلاغة؟! كتابٌ وصل إلى الرّتبة الثانية بعد القرآن الكريم في علومه ومعارفه ولغته وفلسفته وحكمته، وهل هناك مذهبٌ آخر حمل إمامًا كجعفر بن محمّد الصّادق الذي افتخر أبو حنيفة وجابر بن حيّان بالتلمذة على يديه؟! جابر بن حيّان ملهم الكيمياء مازال كتابه في الكيمياء موجودًا في مختلف الجامعات ومكتوبًا فيه: «حدّثني سيّدي جعفر بن محمّد»، وهل حمل مذهبٌ آخر أئمة كأئمتنا؟! الإمام الرّضا الذي تحدّث في مختلف الحقول العلميّة، الرّسالة الذهبيّة في الطب للإمام الرّضا كُتِبَ عنها من قِبَلِ الأطباء من أروع الرّسائل التي كُتِبَت في علم الطب، هذه الرّسالة طُبِعَت في المملكة العربية السعوديّة بتعليق الدّكتور محمّد علي البّار، كيف لا تفتخر بأمجادك وكيف لا تفتخر بمذهبك وهو الذي ضمّ هؤلاء الأئمة وضمّ هذا الفكر وضمّ هذا النتاج وضمّ هذا التراث كله؟!

إذن مشكلتنا عدم الثقة بتاريخنا، عدم الثقة بأمجادنا، عدم الثقة بحضارتنا إلى حدّ لا ينقصنا إلا أن نأخذ عيد الحبّ ونتبادل فيه الورود الحمراء!! هذا عدم شعور بالعزّة، عدم ثقة بالحضارة الإسلاميّة، عدم ثقة بالأعياد الإسلاميّة.

ونأتي إلى الحدّ الثاني: مع ذلك أنا أقول: نحن لسنا سلبيّين أمام الأعياد المستجدّة وأمام المناسبات التي تمرّ علينا، مثلاً: عيد الميلاد، عيد ميلاد السيّد المسيح نحن لا نحرّمه ولا نقف أمامه موقف الرّفض والسّلب، لكن نقول: علينا أن نستغلّ فرصة هذا العيد في الدّعوة إلى ديننا، في الدّعوة إلى مذهبنا، في الدّعوة إلى مبادئنا، إذا جاءنا يوم عيد الميلاد أو جاءنا يوم عيد الحبّ علينا أن نستغلّ هذه الفرصة، ألا نفوّتها، نوزّع بطاقاتٍ نحمل فيها شعار علي بن أبي طالب، نوزّع بطاقاتٍ نحمل فيه شعار الإسلام «شعار: لا إله إلا الله، محمّدٌ رسول الله»، علينا أن نستغلّ هذه الفرصة في الدّعوة إلى ديننا ومذهبنا، ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ هذا من الحكمة أن تستغلّ الفرص، أن تستغلّ الطرق المتاحة والممكنة في بثّ دينك وفي بثّ مبادئك، ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ هذا من الدّعوة على الخير، استغلوا الفرص، لا يجوز لنا أن نضيّع الفرص تمرّ علينا مرّ السّحاب، تمرّ علينا من دون أن نستفيد منها، نحن لا ندعو إلى أن ننساب مع عيد الميلاد ومع عيد الحبّ كما ينساب السذّج من الناس فننسى حضارتنا وننسى أصالتنا ونذيب عزتنا وكرامتنا في مثل هذه الاحتفالات ونعزّز الشعور بعدم الثقة بحضارتنا وأمجادنا، نحن لا نرضى بالانسياب مع ذلك لا نرضى بألا نستغلّ هذه الفرص وألا نستثمرها في الدّعوة إلى ديننا ومبادئنا.

إذن يجب أن نعالج المشكلة من كلا حدّيها ومن كلا طرفيها: من جهةٍ نركّز الشعور بأصالتنا وحضارتنا، ومن جهةٍ أخرى نستغلّ هذه الفرص في الدّعوة لمبادئنا والدّعوة إلى قيمنا، وفقنا الله وإياكم للسّير على سبيل المؤمنين بما هم مؤمنون، وفقنا الله وإياكم إلى أن نسير على خطى أئمتنا وأن نكون في الدّنيا وفي الآخرة معهم، اللهم ثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم، اللهم أحينا كما أحييت محمّدًا وآله، وأمتنا مماتهم، اللهم اجعلنا مع الإسلام أحياءً وأمواتًا.

والحمد لله ربّ العالمين