العناصر الرسالية في شخصية الداعية ”الجزء الثاني“

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [1] 

صدق الله العليّ العظيم

نتعرّض هذه الليلة لبحثٍ من البحوث التي أشرنا إليها إجمالاً في البحث الماضي، القرآن الكريم وصف الرّسول الأعظم بوصف الرّسالة، قال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ثم تحدّث عن الركائز والعناصر التي يعتمد عليها عنوان الرّسالة ويعتمد عليها مفهوم الرّسالة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ مَنْ هو الرّسول؟ وما هي العناصر والركائز التي إذا توفرت في الإنسان كان رسولاً وصحّ أن ننعته وأن نصفه بالرّسول؟ الفقرة الأخرى تتحدّث عن ركائز الرّسالة وعناصر الرّسالة، الرّسول هو مَنْ تجتمع فيه هذه العناصر، الرّسول هو مَنْ يتوفر على هذه الركائز: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، هناك ثلاثة عناصر لابدّ من توفرها في الإنسان حتى يكون رسولاً، ومن هذا المنطلق نحن نجد أنّ هذه العناصر هي عناصر الداعية، أيّ إنسان لا يمكن أن يكون داعيًا حتى تتوفر فيه هذه العناصر، أيّ إنسان سواءً كان صاحب محرابٍ أو صاحب منبرٍ أو صاحب مجلةٍ أو صاحب جريدةٍ أو صاحب قناةٍ أو صاحب شعرٍ أو صاحب أدبٍ لا يمكن أن يكون رسولاً وداعية إلى أهدافه ومبادئه حتى تتوفر فيه هذه العناصر الثلاثة التي اعتبرها القرآن شرحًا وتفسيرًا لمفهوم الرّسالة:

العنصر الأوّل: هو العنصر الإعلامي.

العنصر الثاني: هو العنصر التربوي.

العنصر الثالث: هو العنصر الثقافي.

ونتحدّث عن كلّ واحدٍ من هذه العناصر من خلال الآية المباركة.

العنصر الأوّل:

الآية المباركة تقول: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ هذه العبارة تشير إلى العنصر الإعلامي الذي لابدّ أن يتوفر في الإنسان حتى يكون داعية، حتى يكون مبلغًا، حتى يكون إنسانًا صاحب أهدافٍ وصاحب غاياتٍ نبيلةٍ يريد تحقيقها ويريد تجسيدها على مساحة الأرض، العنصر الإعلامي هو الذي عبّر عنه القرآن بقوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، لماذا؟ ما هي علاقة هذه الفقرة بالعنصر الإعلامي؟

نريد أن نشير هنا إلى أنّنا كما نحتاج للإعلام فإنّنا نحتاج إلى العنصر الشكلي في الإعلام، العنصر الفني في الإعلام نحن نحتاج إليه حاجة ماسّة، كلّ فكرٍ وكلّ خطةٍ وكلّ مشروع ما لم يسنده إعلامٌ هذا المشروع يتبخر، كلّ مشروع «فكري، اجتماعي، سياسي» ما لم يستند إلى إعلام يُبْرِزُه وإعلام يُظْهِرُه فإنّ مصير هذا المشروع إلى الفشل وإلى التبخر وإلى الزوال، إذن نحن نحتاج إلى الإعلام، لكننا في ضِمْنَ حاجتنا للإعلام نحتاج إلى العنصر الفني في الإعلام، ما هو العنصر الفني في الإعلام؟ الإعلام بابٌ واسعٌ، القرآن الكريم يركّز على العنصر الفني في الإعلام، كيف يركّز على العنصر الفني في الإعلام؟

ذكرنا في البحث السّابق أنّ تلاوة الكتاب هي في حدّ ذاتها عنصرٌ إعلاميٌ للكتاب، تلاوة القرآن هي في حدّ ذاتها وسيلة إعلاميّة لتبليغ القرآن، أنا بإمكاني أن أقرأ القرآن بأيّ نوع من القراءة، يمكن أقرؤه كما أقرأ سائر القصص، يمكن أن أقرؤه كما أقرأ أيّ كتابٍ علمي آخر، ولكنّي يمكن أن أؤدّي القرآنَ أداءً يكون ذلك الأداء تلاوة، وإذا كان الأداء تلاوة فنفس التلاوة هي وسيلة إعلاميّة للقرآن، ذكرنا في البحث السابق أنّ الإعجاز الصوتي «الإعجاز الحسّي» للقرآن الكريم يكمن في التلاوة، القرآن الكريم يقول: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [2] ، لماذا يطلب القرآن بأن نتلو القرآن حقّ تلاوته؟ لماذا؟!

لأنّ التلاوة نفسها تبعث موسيقى القرآن، تبعث الصدى القرآني، تبعث الصّوت القرآني للنفوس والقلوب، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [3] ، ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [4] ، تلاوة القرآن، ترتيل القرآن بالصّوت الحزين الذي ينشر عِبْرَة القرآن، الذي ينثر عِظة القرآن، تلاوة القرآن حقّ تلاوته تجسيدٌ للموسيقى القرآنيّة، تجسيد الموسيقى القرآنيّة يجسّد الإعجاز الصوتي والحسّي للقرآن، وهذا بنفسه وسيلة إعلاميّة للقرآن، وسيلة إعلاميّة لمضامين القرآن ولمعارف القرآن.

إذن القرآن يركّز على أنّ من ركائز الرّسالة ومن عناصر الرّسالة: العنصر الفني في الإعلام، العنصر الشكلي في الإعلام، لا يكفي أن يكون لنا إعلامٌ، بل لابدّ أن يكون لهذا الإعلام روحٌ فنيّة تغزو القلوبَ وتغزو المشاعرَ وتعبر إلى جميع الجوانح وإلى جميع العواطف، لابدّ أن يكون لإعلامنا عنصرٌ فنيٌ وعنصرٌ شكليٌ يساعد على قوّته ويساعد على نفوذه.

من هنا هذه المراسيم التي يقوم بها المجتمعُ الشيعيُ ليس في القطيف فقط، ربّما تكون القطيف أقلّ المناطق في الوسائل الإعلاميّة، لاحظوا مثلاً: في غير القطيف المراسم الإعلاميّة بمناسبة مولد الإمام المنتظر القائم عجّل الله فرجه الشريف: «نشر الزينة، نشر الشعار، نشر بطاقات التهنئة» هذا عنصرٌ فنيٌ في الإعلام، عنصرٌ شكليٌ للإعلام، نحتاج إليه في مقام الإعلام، نحن إذا أردنا أن ندعو لمذهب أهل البيت، لتاريخ أهل البيت، للسّيرة العطرة لأهل البيت، لابدّ أن نمارس العنصرَ الشكليَ في الإعلام، الشعار، الشعار جدًا مهمٌ، إذا مرّت بنا مناسبة حزينة نرفع الأعلام السوداء على بيوتنا، إذا مرّت علينا المناسبة السعيدة رفعنا الأعلام الخضراء على بيوتنا، شعار، هذا الشعار عنصرٌ فنيٌ في جانب الإعلام، وهذا العنصر الفني الشكلي له تأثيرٌ كبيرٌ على نفوس أجيالنا وأجيال أجيالنا، له تأثيرٌ كبيرٌ على خلق حالة التلاحم والانصهار مع مبادئ أهل البيت ومع تاريخ أهل البيت، رفع الشعار على منازلنا بحسب المناسبات التي تمرّ علينا تأكيدٌ على العنصر الشكلي في الجانب الإعلامي.

لاحظوا الآن مثلاً: قضيّة الفن، لماذا لا نربّي أطفالنا على الفن في مسرحيّة كربلاء؟! نربّي أبناءنا على الرّسم، أن يرسموا صور كربلاء، أن يرسموا صور معركة بدر، أن يرسموا صور معركة خيبر، معركة خيبر أصبحت رمزًا للأمّة العربيّة والإسلاميّة في جهادها مقابل اليهود ومقابل الكفار، لماذا لا نربّي أطفالنا على الالتحام بهذه المعركة «معركة خيبر» من خلال رسمها، من خلال تشكيل صورها؟! لماذا لا نربّي أطفالنا على رسم معركة كربلاء من خلال ألوانها المختلفة التي تبعث البطولة والتضحية والصبر والفداء في نفوس أجيالنا؟!

إذن بالنتيجة: العنصر الشكلي في جانب الإعلام عنصرٌ مهمٌ للرّسالة، وعنصرٌ مهمٌ للدّعوة، لذلك أكّد القرآنُ الكريمُ على أنّ من عناصر شخصيّة النبي محمّدٍ ، من عناصر دعوته ورسالته : العنصر الشكلي في الجانب الإعلامي، ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ.

نجيء إلى العنصر الآخر:

﴿وَيُزَكِّيهِمْ التزكية أقسّمها إلى تقسيمين:

التقسيم الأول: «التزكية الانفعاليّة» و«التزكية الفعليّة».

والتقسيم الثاني: «التزكية التأديبيّة» و«التزكية الوقائيّة».

هذا هو الذي عبّرنا عنه ب «العنصر التربوي»، لابدّ للدّاعية من محرابه ومنبره ومجلته وجريدته وحتى المعلم في المدرسة، المعلم في المدرسة داعية، المعلم في المدرسة قد يقوم بدور دَعْوَتِي لا يقوم به صاحبُ المحراب ولا صاحبُ المسجد، هذا المعلم ومن خلال هذا الجوّ الهادئ - ألا وهو جوّ الفصل - يستطيع أن يكون أكبر داعيةٍ لمبادئه ولقيمه ولمُثلِه الإسلاميّة، الدّاعية هو الذي يتحلى بالعنصر التربوي ﴿وَيُزَكِّيهِمْ، ما معنى العنصر التربوي؟

نحن كثيرًا ما نهتمّ ب «التزكية الفعليّة» ولكننا نتناسى أو نتغافل «التزكية الانفعاليّة»، نحن مستعدّون إلى أن ننشر الأخلاقَ من خلال المنابر والمساجد، من خلال المنابر والمساجد نركّز على أصول الأخلاق، نركّز على القواعد العرفانيّة في مقام اكتساب الأخلاق، نركّز على ألوان الأخلاق المختلفة التي طرحتها النصوصُ الشريفة.. هذه كلها تسمّى «تزكية فعليّة»، ولكن هناك قسمٌ من التزكية ضروريٌ للدّاعية، ضروريٌ للرّسول، ألا وهو: «التزكية الانفعاليّة»، ما معنى «التزكية الانفعاليّة»؟

لا يحتاج الرّسولُ ولا يحتاج المربّي إلى أن ينشر الأخلاقَ بأسلوبٍ تعليمي وبأسلوبٍ عقلي، نفس التزامه بالأخلاق هو دعوة للأخلاق، عندما يكون الدّاعية إنسانًا متخلقًا، عندما يكون الدّاعية إنسانًا رساليًا، عندما يكون الدّاعية كما تحدّث القرآنُ الكريمُ عن الرّسول محمّدٍ :

1/ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [5] .

2/ ويقول القرآنُ عنه: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [6] .

3/ ويقول القرآنُ عنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [7] .

4/ ويقول القرآنُ عنه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [8] .

إذن نفس تحلي الرّسول بالخلق، بالتواضع، بالرّأفة، بالرّحمة، بلين الجانب، بخفض الجناح.. تحلي الرّسول بالفضائل والمناقب هو بنفسه يزرع التزكية في نفوس الأمّة، إذا رُئِيَ الرسولُ متحليًا بالفضائل والمناقب، إذا رُئِيَ صاحبُ المحراب وصاحبُ المنبر والمعلمُ في الفصل متحليًا بالفضائل الأخلاقيّة والمناقب الرّوحيّة نفس هذا التحلي تزكية، لكن «تزكية انفعاليّة» وليس «تزكية فعليّة»، تنفعل الناسُ بهذه الأخلاق إذا رأتها متجسّدة متمثلة في شخصيّة هذه الدّاعية، فالمهم: كما علينا أن نركّز على «التزكية الفعليّة» فعلينا ألا نتناسى وألا نتغافل عن «التزكية الانفعاليّة» فإنّها عنصرٌ ضروريٌ في مقام التزكية.

نحن كثيرًا ما نركّز على ماذا؟! على «التزكية التأديبيّة»، الناس يوجد عندهم انحلالٌ خلقيٌ! قطيعة الرّحم عند الناس موجودة! عقوق الوالدين عند الناس موجودٌ! عدم احترام الآباء، عدم احترام الأصدقاء، عدم احترام الإخوان.. وما أشبه ذلك من الأمراض الخلقيّة المنتشرة في المجتمعات الإسلاميّة، لماذا أسلوبنا دائمًا أسلوب التأديب والهجوم؟! أيها الناس لا تعقوا آبائكم! لا تقطعوا أرحامكم! لا تهملوا أخلاقكم! لا تهملوا أصدقاءكم!.. دائمًا أسلوبنا أسلوب التأديب والردع، لِمَ لا تكون أساليبنا في مقام التزكية مبينة على «التزكية الوقائيّة» لا «التزكية التأديبيّة»؟! و«التزكية الوقائيّة» هي عبارة عن أن ندرس هذه الأمراض الخلقيّة المنتشرة في مجتمعاتنا، إلى متى الحديث؟! لابدّ أن ننتقل إلى مرحلة الدّراسة، كثيرٌ من مجالسنا إذا جلسناها نملؤها حديثًا وضجيجًا عن الانحرافات والمشاكل الخلقيّة والخلافات والقضايا الأسريّة والاجتماعيّة! بدل هذا الضجيج وبدل هذا الحديث الكثير مَنْ مِنا مستعدٌ لِأنْ يكتب دراسة حول بعض الأمراض الخلقيّة المنتشرة في مجتمعاتنا كتابة موضوعيّة «يبحث عن أسبابها، يبحث عن ظواهرها، يبحثها بحثًا ميدانيًا موثقًا»؟! مَنْ مِنا ينتقل من مجال الحديث إلى مجال الكتابة؟! إلى مجال الدّراسة؟! إلى مجال التحليل؟! نحن نحتاج إلى الدّراسات، لا يمكننا الوقاية من هذه الأمراض ولا يمكننا معالجتها إلى عبر دراساتٍ «دراسات نفسيّة ودراسات اجتماعيّة» تبحث عن هذه المشاكل والانحرافات الخلقيّة بحثًا تحليلاً ميدانيًا، وإلا فلا جدوى في مجرّد الحديث والتكلم عن هذه الأمراض المختلفة.

إذن نحن نحتاج إلى «التزكية الانفعاليّة» كما نحتاج إلى «التزكية الفعليّة»، ونحتاج إلى «التزكية الوقائيّة» كما نحتاج إلى «التزكية التأديبيّة والرّدعيّة».

نأتي إلى العنصر الثالث:

العنصر الثالث ألا وهو العنصر الثقافي، العنصر الثقافي عبّر عنه القرآنُ الكريمُ بقوله: ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ هذا هو العنصر الثقافي الذي لابدّ أن يتحلى به الدّاعية، ولابدّ أن يتوفر في الإنسان حتى يكون رسولاً، ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ الآن لا أريد أن أتحدّث عن الحكمة؛ لأنّ هذا بحثٌ طويلٌ، أقتصر على تعليم الكتاب، العنصر الثقافي هو عبارة عن تعليم الكتاب.

ذكر السيّد المقدّس السيّد الصدر - قدّس سرّه - أنّ تفسير القرآن على نحوين:

1 - التفسير الموضوعي.

2 - والتفسير التجزيئي.

وهناك بحوثٌ تسمّى ب «المدرسة القرآنيّة» للسيّد الصدر - قدّس سرّه - تحدّثت عن هذين القسمين من التفسير: التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي، أنا لا أكرّر ما يقوله العلماءُ الآخرون، أقول: هنا معنى آخر وتقسيمٌ آخر للتعليم القرآني الذي يتنوّع على نوعين ألا وهو:

1 - التعليم الموضوعي.

2 - والتعليم التجزيئي.

ماذا نقصد بهذا التعليم والذي لابدّ أن نلتفت إليه؟

هذا التعليم الذي ينقسم إلى قسمين: «تعليم موضوعي وتعليم تجزيئي» هو ينطلق من الآية المباركة: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [9] ، هذه الآية المباركة قسّمت الآيات القرآنيّة إلى قسمين:

1. أمّ الكتاب.

2. وفصول الكتاب.

كيف «أمّ الكتاب» و«فصول الكتاب»؟

القرآن الكريم نفسه يتحدّث عن نفسه: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [10]  يعني أنّ القرآن يعيش نوعين من الآيات: «آيات كبرويّة» و«آيات جزئيّة»، نفس القرآن ينقسم إلى قسمين، ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هذا القرآن إذا درسناه دراسة فوقيّة - نظرنا إليه نظرة فوقيّة - نجد هذا القرآن ينقسم إلى قسمين من الآيات:

1/ آيات تتضمن قواعد عامّة، تتضمّن قوانين عامّة، تتضمّن مبادئ عامة.

2/ وهناك قسمٌ من الآيات تتحدّث عن التفاصيل، عن الطلاق، عن البيع، عن الربا، عن الميراث، عن التواضع، عن الرّأفة، عن الرّحمة.. هذه آيات تفصيليّة.

قسمٌ من الآيات آياتٌ قانونيّة، يعني: تحمل قواعد عامّة، تسمّى بأمّ الكتاب، ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ يعني: هم مصدر التقنين والتقعيد، وقسمٌ من الآيات لا، تفاصيل جزئيّة كثيرة تعرّضت لها الآياتُ القرآنيّة، التعليم الموضوعي للكتاب لا كما طرحه السيّدُ الصدرُ بل كما طرحه القرآنُ نفسه، التعليم الموضوعي للكتاب، التفسير الموضوعي للكتاب هو بردّ تفاصيله إلى قوانينه، يعني: إذا أردت أن تفهم الكتاب فهمًا حقيقيًا دقيقًا عليك أن تردّ الآيات المفصِّلة إلى الآيات المقنِّنة والمقعِّدة، إذا أردت أن تفهم القرآن فهمًا مستوعبًا عليك أن تردّ التفاصيل القرآنيّة إلى المبادئ العامّة والقواعد العامّة في القرآن، من هنا نكون قد تعلمنا الكتاب تعلمًا موضوعيًا، من هنا نكون قد فسّرنا الكتابَ تفسيرًا موضوعيًا، أمّا إذا نحن مشينا مع كلّ مقطوعةٍ من القرآن، كسورة البقرة، هذه لها تفسيرٌ، سورة الفاتحة لها تفسيرٌ، سورة يس لها تفسيرٌ.. هذا التفسير يسمّى بالتفسير التجزيئي، يعني: لم ترد تفاصيله إلى قواعده، لم ترد آيات التفاصيل إلى آيات القواعد، هذا يسمّى بالتعليم التجزيئي، ونحن نحتاج إلى هذين العلمين وإلى هذين الفنين، كما نحتاج إلى التعليم الموضوعي فإنّنا نحتاج إلى التعليم التجزيئي، وقد مارس أهلُ البيت كلا هذين العلمين وكلا هذين الفنين فلابدّ من إحاطة الدّاعية بهما كي يكون خبيرًا في مقام تعليمها.

 اللهم اجعلنا مِنَ السالكِ لمسلكهم والسائِر على خطاهم والمهتدي بهداهم إنّك أرحم الرّاحمين، وصلى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

[1]  الجمعة: 2.
[2]  البقرة: 121.
[3] الرعد: 28.
[4]  الأنفال: 2.
[5]  التوبة: 128.
[6]  الشعراء: 215.
[7]  القلم: 4.
[8]  آل عمران: 159.
[9]  آل عمران: 7.
[10]  هود: 1.