أبان النبي الأعظم أولاً حيثية ”الانصهار“ بينه وبين الحسين (ع)

عاشوراء والإنصهار بروح الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ورد عن النبي محمد أنّه قال: ”حسينٌ منِّي وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، وأبغض الله من أبغض حسيناً، حسين سبطٌ من الأسباط[1] .

والملاحظ في هذا الحديث النبويّ الشريف مطلبان:

المطلب الأول:

أنَّه أبان أولاً حيثية ”الانصهار“ بينه وبين الحسين ، حيث قال حسين مني وأنا من حسين، وقد ذكر العلماء عشر معانٍ لهذه العبارة، ولسنا بصدد تفصيلها، وإنَّما الذي نريد أن نقوله أنَّ ظاهر هذه العبارة أنَّ هناك فناءً وانصهاراً بين النَّبيِّ وبين الحسين، فالحسين هو النَّبيُّ بصورة أخرى، والنَّبيُّ جامع لهؤلاء الأنوار المعصومية في شخصيته ، فكلٌّ من الطرفين مظهرٌ للآخر، ومقتضى هذه المظهرية عدم إمكان التفكيك بين أحدهما والآخر، وإنَّما أبان النَّبيّ الانصهار والاتِّحاد بينه وبين الحسين ، للإشارة إلى أنَّ النَّبع واحدٌ، فإذا كان النَّبع والمصدر النُّوريُّ لهما واحداً؛ فمقتضى وحدة المصدر ووحدة النبع أن يكونا شيئاً واحداً، وأنَّ كلاًّ منهما مظهرٌ للآخر.

المطلب الثاني:

وهو المهم؛ حيث أنَّه فرَّع على المطلب الأول فرعاً مقدساً، فبيَّنَ أنَّه: لأنّ حسيناً مني، وأنا من حسين، لذلك أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، وأبغض الله من أبغض حسيناً، أي لأنَّ هناك انصهارُ فناءٍ بين الرَّسول وبين الحسين ؛ فلا محالة مقتضى هذا الانصهار أنَّ حبَّ الحسين حبٌّ للرسول ، وأنَّ حبَّ الرَّسول حبٌّ للمنبع الذي جمع هذين النورين، وهو الحقُّ - تبارك وتعالى -، فقال: حسينٌ منِّي وأنا من حسين، ولذلك أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، وأبغض الله من أبغض حسينا. ً

وبما أنَّ الحبَّ هو درجةٌ من درجات الفناء والانصهار أيضاً؛ فكان للانصهار درجاتٌ:

- فهناك درجةٌ من الانصهار، وهي ”الانصهار الواقعيّ“ بين الحسين والرسول .

- وتتلوه درجةٌ أخرى من الانصهار؛ وهي «الانصهار النفسيّ» بين المؤمنين وبين الحسين ، فإنَّ من أحبَّ الحسين فقد انصهر بالحسين بدرجةٍ من درجات الانصهار، ألا وهو الانصهار النفسيُّ الشعوريُّ القلبيُّ، فإذا حصل هذا الانصهار، وهذا الفناء بين المُحِبِّ وبين المحبوب، ألا وهو الحسين ، فمن انصهر بالحسين فقد انصهر بمن انصهر معه الحسين، وهو النَّبيُّ المصطفى ، فكأنّ النَّبيَّ يقول: الحسين قد فني في نوري وشخصيتي، ومن أحبَّ الحسين فقد فُني في الحسين، وبالتالي فهو ضمن هذا الانصهار والفناء، وهو الفناء في النَّبيِّ المصطفى ، الذي هو فناء في الحقِّ - تبارك وتعالى -.

وحيثُ أنَّ من مظاهر حبِّ الحسين الحزنُ لحزن الحسين، والفرح لفرح الحسين، إذ الحبُّ - كما ذكرنا - درجةٌ من درجات الانصهار، ولا يتصور مثالٌ عرفيٌّ لهذا الانصهار، إلاَّ بأن يحزن المؤمن لحزن الحسين، ويفرح لفرحه، وبما أنَّ أيَّام عاشوراء أيّامُ الحسين ، فهي أيّام إبراز الانصهار والذوبان في الحسين ، وأيّام إظهار حبّ الحسين ، ولذلك فإنَّ كلَّ مؤمنٍ - بحسب طاقته، وقدرته، وظيفته - عليه إبراز حبّ الحسين في هذه الأيّام الشريفة، فمنهم من يُبرز حبَّه في خدمة المواكب الحسينية، ومنهم من يبرزه بالرُّقيِّ على منبر الحسين، ومنهم ببيان تعاليم ومبادئ الحسين، ومنهم بالتفاعل مع فاجعة الحسين، وكلٌّ بحسب موقعه وقدرته، إذا أراد أن ينصهر بالنَّبيِّ ففرصته أيّام الحسين، فإنها طريق للانصهار بالحسين، الذي هو طريقٌ للانصهار بالنَّبيِّ، وأن يكون مصداقاً لهذه البعضيّة ”حسينٌ منِّي“، فمن كان من الحسين فهو منِّي أيضاً، ومن انصهر بالحسين فهو منصهرٌ بي.

فإنَّ الحسين - حسين الكرامة والإباء - عنفوانٌ يتجلّى في فم الشاعر، وحروف الناثر، وريشة الفنّان، وفكر المثقف، وعطاء المنبر، ودمعة المفجوع، وصرخة الثائر، ونشيد الموكب، وعطاء المضيف، والعَلَم المرفرف، والرَّاية الخفّاقة، ونشيج الطفل، وآهة الشيخ، وكلُّ هذه الألوان تجري كالنَّهر، لتذوب في حبِّ الحسين وتنصهر به، ولتتحول قطرةً من دم الحسين، ونفحةً من قُدْس الحسين، وعزمةً من حماس الحسين ، لتلتقي عند القمَّة بروح المصطفى .

وكلُّ هذه الصور الَّتي تنبض بالحياة الثائرة؛ مثالٌ لما ورد عن رسول الله : ”إنَّ لقتل الحسين حرارةٌ في قلوب المؤمنين لاتبرد أبداً[2] ، وكلُّ هذه الأنفاس المتوهجة امتدادٌ لأنفاس الحسين ، فهي إلى الحسين، ومن الحسين .

وأيُّ نعمةٍ أعظم من أن يسعى الإنسان أن يكون من الحسين؟! لكي يكون من النَّبيِّ ، فإنَّ هذه نعمةٌ عظيمةٌ وردت فيها الأحاديث الشريفة، كما ورد عن النَّبيِّ : ”الحسين مصباح الهدى، وسفينة النجاة[3] .

ومن يبخل على نفسه بأن يستضيء ببعض مصباح الهدى؟! وأن ينال مقعداً أو مكاناً في سفينة النجاة، والتعلُّق بالحسين ؟!

اللهمَّ اجعلني عندك وجهياً بالحسين في الدنيا والآخرة، اللهم احشرنا مع الحسين، وارزقنا زيارة الحسين، وشفاعة الحسين، اللهمَّ يا ربَّ الحسين بحقِّ الحسين اشفِ صدر الحسين بظهور الحجة - عجل الله تعالى فرجه الشريف، وجعلنا من أنصاره وأعوانه -.

والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسَّلام على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

[1]  كامل الزيارات ص 52.
[2]  مستدرك الوسائل، ج10، ص318.
[3]  مدينة المعاجز، ج4، ص52.