الثقافة البنكية برؤية اسلامية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث عن المعاملات البنكية وحديثنا في هذا المضمار في نقطتين:

  • في بيان التعامل مع البنك قرضاً أو إقراضاً.
  • حكم الأسهم البنكية بيعاً وشراءً.

النقطة الأولى:

من أجل تحديد الحكم الشرعي الذي يتعلق بالتعامل مع البنك قرضاً أو إقراضاً ينبغي أن نتعرف على عدة عناصر ليمكن الإحاطة بتحديد الحكم الشرعي في هذه الجهة.

أولاً: هل أن البنك شخصية مستقلة في تحديد الملكية أم تابعة غير مستقلة؟

مثلاً عنوان المسجد فهو يمتلك بعض الأموال نتيجة وقف فعنوان المسجد يمتلك الدار أو الأرض التي أوقفت عليه، ويمتلك الاثاث والفرش الذي أوقف له، فهو شخصية مستقلة من ناحية التملك.

ولكن عندما أنا وأنت نشترك في ورشة مثلاً فهذه الورشة كعنوان الإملاك فهي لا تملك الأثاث والأصول بل الذي يمتلكها هم الشركاء - أنا وأنت - فعنوان الورشة يختلف عن عنوان المسجد.

فعلى ضوء هذا المثال هل البنك هو شخصية مستقلة أم تابعة؟

وهل الأموال في البنك ملك للعنوان أم ملك للشركاء؟

فإذا نظرنا الى الرأي العقلائي والعرفي نجدالبنك شخصية تابعة فالأموال ملك لأصحاب رؤوس الأموال الذين يشتركون في تأسيس البنك.

ثانياً: الملاحظ أن البنك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: بنك أهلي، بنك حكومي، وبنك مشترك.

فالبنك في تقسيم الملكية:

أما ان يتكون من مجموعة مساهمات فإن كانت هذه الأسهم تعود لمجموعة من المواطنين فهو بنك أهلي

وإن كانت أسهم البنك تعود للدولة فهو بنك حكومي

وإن كانت أسهم البنك مشتركة بين الدولة والمواطنين فهو بنك مشترك

فهل يترتب على هذا التقسيم شئ عملي؟.

هناك اتجاهان:

الأول: الاتجاه الذي يسلكه الإمام الخوئي وتلامذته والذي يرى هذا التقسيم له أثر عملي؛ فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن أموال البنك الأهلي أموال معروفة المالك.

بينما البنك المشترك والحكومي يرون أنه مجهول المالك.

لأجل ذلك تظهر الثمرة في الجوائز والهدايا البنكية، فلو أعطى البنك أحداً جائزة فهل للشخص أن يمتلك هذه الجائزة؟

إن كان أهلي فله الحق أن يمتلك هذه الجائزة بينما المشترك والحكومي لا يستطيع الشخص أن يمتلك الجائزة الا بالرجوع للحاكم الشرعي.

بينما الاتجاه الثاني: الذي تبناه السيد الخميني فهو لا يعطي اعتباراً لهذا التقسيم، بل يرى أن البنك بأقسامه الثلاثة هي معلومة المالك. فلو أعطى البنك جائزة يجوز لي التملك ولا يحتاج إلا الاستئذان.

ثالثا: مسألة الوديعة:

فلو أودعت مبلغاً من المال ك «مائة ألف ريال» يسمى في العرف البنكي وديعة.

فهناك عندما أودع المال في البنك تسمى وديعة بمعنى ائتمان المبلغ في البنك «فأودعتك السيارة أي ائتمنتك عليها» فالإيداع عبارة عن وديعة.

ولكن عند أغلب فقهائنا لا يسمي وديعة بل قرض، فتجري عليه أحكام القرض لأن الوديعة هي عبارة عن الائتمان على المال وليس المالية.

لتوضيح ذلك نذكر مثالا، الجهاز عبارة عن مال ولكن ماليته هي عبارة عن قيمته في السوق.

فأنا عندما أسلم المبلغ إلى البنك ائتمنته على المالية وليس المال. فهو يتصرف في المال ويعطيني بدله. فالمال لا يؤتمن للبنك بعينه ولا بشخصه حتى يسمى وديعة، اذا فهو قرض.

رابعاً: مسألة الأقتراض:

عندما أريد أن أقترض من البنك ويطلب البنك فائدة؟ فهي عملية ربوية

هناك طرق ثلاثة للتخلص من المحذور الربوي:

ما طرحه السيد الخوئي وتلامذته: هو أن تأخذ المال لا بقصد الاقتراض، فهم يرون أن هناك بنكاً اما حكومي أوأهلي أومشترك، فبناء على هذا التقسيم فأنا عندما آتي إلى البنك الحكومي وعند توقيع المعاملة - الاستمارة - لا أوقع عليها بقصد الاقتراض وحتى لو وقعت على الاستمارة لطلب القرض فالبنك يسلمني «100000 ريال» مثلا لا أستلمها بقصد الاقتراض بل أقصد بها استلام مجهول المالك، وبما أن هذا المال المجهول المالك أذن لي الفقيه الجامع للشرائط في استلامه وفي صرفه على قضاء حوائجي فالمعاملة صحيحة وغير محرمة. وعندما أريد أن أدفع وأن أسدد ما أخذ من الأموال ليس من باب أداء القرض وإنما من باب الهبة المجانية التي أُجبر عليها وكما قلنا هذا الطريق صحيح على ضوء هذه المدرسة.

المدرسة الثانية كما قلنا مدرسة الإمام الخميني عنده هذه الطريقة غير نافعة وغير مجدية.

الطريقة الثانية: ما يسمى في المعاملات البنكية المرابحة: فالبنك يقول نحن نشتري لك السيارة بخمسين ألف ريال ونبيعك السيارة بستين ألف ريال، هذه المعاملة صحيحة ولا لبس فيها ولكن بشرط أن يشتري البنك السيارة ثم يبيعك إياها ولا يجوز للبنك أن يبيعك السيارة قبل شرائها.

الطريقة الثالثة: ما يسمى التورق. فالتورق هو أن تشتري من البنك مثلاً عشرة كيلو من الذهب من السوق بمئة ألف ريال، ويقوم ببيعها لك بمائة وعشرون ألف ريال. فهنا لا بد أن نفرق في السلعة بين ما تكون من غير المكيل والموزون وما يكون من المكيل والموزون.

فإذا كانت السلعة من غير المكيل والموزون فهي صحيحة أما إذا كانت السلعة من المكيل والموزون - كا المثال السابق في الذهب - وكان البيع من غير ربح فالمعاملة صحيحة. وأما إذا كان الشراء والبيع مع الربح فلابد من أن اقبضها أولاً ومن ثم أوكل البنك في بيعها، ولا يحتاج إلى قبضها باليد وإنما يوكل البنك أو وكيل البنك في قبضها ومن ثم بيعها له.

فالقدرة على التصرف لوحده لا يكفي في القبض وخصوصاً في القبض المنقول. صح القدرة على التصرف في القبض الغير منقول مثل الأرض هو قبض من دون نقل. ولكن القبض المنقول نحتاج الحيازة إما بالقبض مباشرة أو قبض الوكيل.

خامسا: عنصر الإقراض:

فأنا عندما أودعها في البنك مع الفائدة. هل هناك طريق في إيداعها في البنك بفائدة؟

هنا يفرق بين البنك الإسلامي والغير إسلامي؟ فرأس مال البنك من يملكه؟

فإن كان المالك مسلم أو مسلمين مواطنين أو حكومة؟ أو كان كافراً محترماً بينه وبين بلاد المسلمين اتفاق وعقد فقد دخل بعقد أمان.

فالكافر الذي يعيش في بلاد المسلمين فهو محترم المال. أما الكافر غير المحترم الذي يشهد حربا مع المسلمين كاليهود في فلسطين فهو كافر غير محترم المال، فهذا المسلم أو الكافر المحترم المال لا يجوز إقراضه بفائدة وهو المشهور بين الفقهاء.

فالرواية عن رَسُولِ اللَّهِ ”لَيْسَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ أَهْلِ حَرْبِنَا رِبًا نَأْخُذُ مِنْهُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ وَ نَأْخُذُ مِنْهُمْ وَ لَا نُعْطِيهِمْ“.

بينما السيد الخوئي يرى هذه الرواية ضعيفة، حتى لو عمل بها المشهور. وبناءً على ذلك يرى السيد الخوئي لا يجوز الإقراض لا لمسلم ولا لغير مسلم محترم كان أو غير محترم لا يجيز الإقراض. بينما غيره كما ذكرنا يجيز إقراض غير المسلم أو الكافر غير المحترم «السيد السيستاني والإمام الخميني».

لذا فعندنا طريقتان للتخلص من هذا المحذور:

ما يذكره السيد الخوئي وتلامذته:

بأن نقرض بغير شرط الفائدة، فتأتي للبنك وتعطيه المبلغ ولكن توقع على الاستمارة ولكن بغير قصد الفائدة أو اشتراط الفائدة، بحيث أبني داخل نفسي انني لا استحق الفائدة، ولن أطالب بالفائدة، إلا إذا أعطاني البنك إياها، فيجوز لي في هذه الحالة أخذها، فإن كان البنك حكومي أو مشترك أعطي نصفها للحاكم الشرعي والنصف الآخر أتصرف فيه.

صندوق الاستثمار:

بشروط:

1 - أن تكون المعاملات مباحة، فإذا أحرزت ان المعاملات مباحة فقد جاز.

2 - تحديد النسبة المئوية من الربح، فلابد أن يحدد السقف الأدنى بحيث يقول لك نسبة مئوية من الربح على الأقل نسبة معينة.

3 - أن لا يشترط الضمان على البنك كشرط نتيجة وإنما الشرط على الفعل. يعني لو أني سلمت تاجراً أموالاً بحيث يشغّلها وخسر التاجر فالذي يتحمل الخسارة هو أنا.

فاشتراط الضمان اشتراط باطل، ولكن للتخلص من ذلك أن لا تشترط الضمان شرط نتيجة، وإنما شرط فعل فتقول ”إذا حصلت خسارة فعلى البنك أن يتدارك الخسارة“ وتدارك الخسارة شرط فعل.

النقطة الثانية: مسألة شراء الأسهم؟

فهل يجوز شراء الأسهم؟

الأسهم على ثلاث صور:

1/الأسهم الحقيقية العينية: كشركة الاتصالات تعرض أسهماً وهي لها أصول وأموال. فشراء السهم من هذه الشركة هو شراء حقيقي وهو قسماً منها. فهو شراء لا إشكال فيه، المهم أن تكون معاملاتها محللة فلا بأس بشراء أسهمها، وأما إذا كانت تقوم بمعاملات محرمة كربوية مثلاً فلا يجوز شراءها.

2/أن تكون الأسهم اعتبارية تأسيسية، فالبنك عندما يريد أن يؤسس نفسه مثلاً بنك البلاد بعده لم يتأسس، فإذا اشترى من البنك أسهماً فهو في الواقع شِركة وليس شراء، فأنا شريك في هذا البنك بنسبة عدد الأسهم التي اشتريتها. فإذا لم يشرع في المعاملات فشراء الأسهم قبل أن يبدأ عمله جائز عند جميع الفقهاء بلا استثناء.

أما إذا شرع البنك في المعاملات فإن كانت معاملاته صحيحة وغير ربوية جاز التعامل به.

3/أما إذا كانت أسهم اعتبارية وغير تأسيسية مثل أسهم بنك الرياض فهو يعرض أسهماً لرفع رأس المال، فالبنك قائم بالفعل وعنده معاملات ربوية وعندما أدفع مبلغاً «مثلاً 1000 ريال» فأي معاملة ربوية أكون أنا شريكاً في هذه المعاملة. إذاً فالدخول في المعاملة الربوية حرام. فكيف الحيلة

في هذه الحالة، هناك طريقان:

- الذي يطرحه السيد الخوئي هو أن المشكلة في البقاء وليس الشراء فلو أمكنك البيع فوراً في أثناء الشراء جاز ولكن بدون انتظار أو تردد.

- الذي يطرحه السيد السيستاني، هو يقول يمكنك أن تشتري السهم وتخبرهم أنك لا تجيز دخول أسهمي في المعاملات الربوية، فبمجرد القيام بهذا العمل برئت ذمتي من المعاملات الربوية.

ولكن السيد الخوئي والشيخ التبريزي لا يقولون بالاجزاء.

المسألة الثانية: هل يجوز شراء الأسهم ببطاقة الغير؟

هنا نقطة لا بد الالتفات إليها، هي أنني عندما أسلم بطاقة غيري للبنك، فالبنك يبيع للأسماء الموجودة في البطاقة. بينما أنا اشتري لنفسي، فالبيع والشراء لأشخاص آخرين فإذا لم يتطابق البيع والشراء تكون المعاملة باطلة. والحل هو أن نأخذ وكالة من صاحب البطاقة بأن يوكلك بأن تشتري الأسهم لي وثم أن تتبرع انت لي بتسديد ثمنها، ووكلتك أيضاً أن تهب هذه الأسهم لنفسك مقابل مبلغ معين.

وهذا ينطبق حتى على أسماء بطاقتك إذا كانت تحتوي على أشخاص بالغين لابد من أخذ وكالة منهم.

والحمدلله رب العالمين