الجانب الغيبي من الشريعة

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

صدق الله العلي العظيم

هناك حركة جديدة معاصرة تدعو إلى تحديث الإسلام والدعوة الإسلامية، وبعبارة أخرى تريد من الإسلام ومن الأساليب المطروحة للدعوة الإسلامية أن تكون مواكبة للعصر الحديث والتطور الحضاري والعلمي الذي يعيشه الإنسان فهذه الحركة تدعو إلى إلغاء نقطتين عاشها الأسلوب الدعوي من القدم إلى الآن عاش هاتين النقطتين وسار عليهما والحركة الجديدة تدعو لإلغاء هاتين النقطتين:

النقطة الأولى: الجانب الغيبي في الشريعة الإسلامية

لماذا لدينا في الشريعة الإسلامية جوانب غيبية؟ مثلا هناك ملائكة وهم جماعة لا ينالهم الحس ولا تدركهم حواس الإنسان وهؤلاء أمور غيبية، وهناك جن، وهناك وحي، لماذا نحن دائما نتحدث بأمور غيبية؟ لماذا لا نحاول أن نخضع هذه الأمور الغيبية إلى التفسيرات الطبيعية؟ نقول مثلا: الملائكة هؤلاء أجهزة آلية خاصة صنعها الله وجعلها تتصرف في الوجود، والجن أيضا أجهزة آلية تتصرف في بني الإنسان، والوحي ما هو إلا كمبيوتر موضوع عند الرسول والوحي يتسطر على هذا الكمبيوتر والرسول يراه، ولماذا نحن نرتكب أمور غيبية نحاول أن نفسر هذه الظواهر كلها بتفسيرات طبيعية مقبولة حتى يقبلها العقل البشري وحتى الناس تنقاد إلى الدين الإسلامي وتؤمن به، أما إذا قلنا هذا غيب، وذاك خارج عن الطبيعة، وذاك خارج عن المادة، ودائما تحدثنا بالأمور الغيبية ينفر العقل البشري وتنفر الناس عن التمسك بالدين الإسلامي فلجذب الناس المفروض أن نعالج هذه الأمور الغيبية ونفسرها بتفسير طبيعي مقبول.

النقطة الثانية: أسلوب الترغيب والترهيب

أي بمعنى لماذا يقال من فعل كذا له كذا حسنة، ومن فعل كذا له كذا عقاب، وأن هناك جنة فيها قصور وأنهار وحور وولدان، وهناك نار فيها أغلال وسلاسل وشهيق وزفير، لماذا تستخدم هذه الأساليب؟ لم لا تحاول أن تعرض الإسلام وأن تطرح الإسلام بأسلوب برهاني، عقلي، حاول دائما أن تأوله وحاول دائما أن تبرهن عليه بالبراهين العقلية، وليس جنة ونار وكذا حسنة وكذا سيئة، لماذا؟ هذه الأساليب أساليب الثواب والعقاب تنفع للمجتمعات البدائية المتخلفة هذه المجتمعات التي ليس لديها نور حضاري وليس لديها تقدم في عالم المادة، أما المجتمع الحضاري، الحديث، الذي غزى الفضاء ليس هناك داع لطرح هذه الأساليب أمامه، دائما حاول أن تقنعه بالبرهان وبالأسلوب العقلي، لأن هذا المجتمع الحضاري إذا طرحت عليه هذه الأساليب، يعتبرها أساليب ضغط وهيمنة على حريته الفكرية، هذا الإنسان الحضاري المتفتح يقول: أنا حر بفكري وبعقلي، لا أقبل هذا النوع من الضغط، حاول أن تحضر لي برهانا وإلا فلا.

الواقع إلغاء هاتين النقطتين هو إلغاء لأسس الشريعة الإسلامية، بمعنى أننا إذا ألغينا هاتين النقطتين فنحن نقضي على روح وجوهر الدعوة الإسلامية، كيف؟

النقطة الأولى: وهي الجوانب الغيبية في الشريعة الإسلامية

الشريعة الإسلامية أساسها وأصلها هو الإيمان بأمر غيبي، يعني أساس الشريعة الإسلامية أن تؤمن بالله، هل الله أمر حسي، تدركه الحواس وتتعلق به، أم هو أمر غيبي؟ عندما تأمرك الشريعة الإسلامية أن تؤمن بالله يعني أن تؤمن بأمر غيبي، عندما تأمرك الشريعة الإسلامية أن تؤمن بالثنائية روح وجسد لست فقط جسد، مادة، دم ولحم وعصب، لا، بل أنت وراء ذلك روح لها أخلاق وعلم وفكر ومعاني، عندما ترشدنا الشريعة الإسلامية إلى هذه الثنائية روح وجسد، ماهي الروح؟ هي أمر غيبي بحت.

إذا أساس الشريعة الإسلامية مبتني على أمر غيبي، فإذا كان أساس الشريعة الإسلامية مبتني على أمر غيبي لماذا يأتي من يقول المفروض رفض الأمور الغيبية وتفسيرها بتفسير طبيعي، كل شيء نجعله خاضع للموازين الطبيعية، لماذا يقال أن الملائكة أجهزة آلية، أو مثلا بعض الكتاب والمؤلفين يأتي إلى أخبار آخر الزمان أخبار المنتظر «عج» من جملة الأخبار خروج الأعور الدجال يقال نعم الأعور الدجال هو البترول، ما الداعي لتفسيره بالبترول! أو مثلا الصرخة يسمع آخر الزمان صرخة من السماء «ألا إن الحق مع علي وشيعته» يقول هذه الصرخة بواسطة الأقمار الصناعية وتبث في الراديوهات والتلفزيونات والناس تسمعها، ماهو الداعي لهذا التفسير! أو مثلا معاجز الأئمة أو معاجز الأنبياء يعرضها على العقل العادي ما هو تفكير العقل العادي؟ ويسرد كتاب يألفه كامل الموضوعات من الأخبار وأنت تراجع هذه الموضوعات كل معاجز الأئمة موضوعات، مختلقات، أكاذيب، لماذا؟ لأن العقل لم يقبلها والنواميس الطبيعية لم تقبلها، فلذلك كلها أكاذيب ومختلقات

يامن  له  ردت ذكاء ولم يفز

يا قالع الباب التي عن هزها

 
بنظيرها  من  قبل  إلا iiيوشع

عجزت  أكف أربعون iiوأربع

هذه قضية غير معقولة كيف ترد الشمس؟ أو أنه يقتلع باب يفتحه أربعون ويقفله أربعون هذه قضية غير معقولة، أو الرسول عندما يتمتم بين شفتيه

وما الكليم والعصا وما الحجر   فهو    بسبابته    شق   iiالقمر

يقول هذه كلها قضايا ليست بخاضعة للنواميس الطبيعية، إذا قضايا مختلقات وأكاذيب مع أنها قضايا متواترة بين المسلمين وليس الشيعة فقط، حفلت بها كتب التاريخ والحديث من القدم إلى الآن على أن الشمس ردت للإمام علي ، على أن القمر شق للرسول ، على أن الشجرة ترجلت وكانت تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يدي رسول الله هذه قضايا متواترة، يقال لا هذه القضايا كلها إسرائيليات وموضوعات في الأخبار، فإذا أردنا إغفال الجانب الغيبي، ونريد أن نقضي على الجانب الغيبي الذي هو ظاهرة من ظواهر الشريعة الإسلامية، يعني أن نقضي على أسس الشريعة الإسلامية، لماذا يوضع لها تفسيرات وتأويلات على خلاف ظاهرها مادامت الشريعة الإسلامية تقبل الأمور الغيبية، ولا ترفض الغيبيات، لماذا تحاول أن تكلف الشريعة الإسلامية شيء لا تقبله ولا توافقه؟

الشريعة الإسلامية تقبل بالغيب والغيبيات بل كثير من ظواهرها مبتنية على ذلك، فأنت لماذا تحاول أن تلغيها أو تفسرها تفسيرا طبيعيا، عندما تراجع سائر القوانين والنظم العالمية منذ أن ولد الإنسان على وجه الأرض إلى الآن لا يوجد قانون ليس فيه جوانب غيبية، جوانب لا مفهوم ولا معنى ولا حكمة لها ظاهرة بين الناس، كل قانون يحمل أشياء لا تفسير لها إلا عند خالق وصانع القانون، بل بعض علماء القانون وعلماء الاجتماع يرى من ضروريات القانون أن يكون فيه جوانب غيبية، عندما تريد أن تشرع وتضع قانون يجب أن يكون فيه جوانب غيبية، من ضروريات القانون هذا، ليس هو أمر لا يقبله القانون، ولا يوافق القانون، بل هو من ضروريات القانون، كيف من ضروريات القانون؟

لأن الإنسان عندما يريد أن يتعامل مع القانون ومع النظام المفروض أن لا يتعامل معه بحساب المصلحة الشخصية، عندما يفرض نظام على مجتمع، يراد من هذا المجتمع أن يتعامل مع القانون تعامل تعبدي، كما يقول القانون يفعلون، سواء فهموا المصلحة أم لم يفهموا، أدركوا الحكمة أم لم يدركوا المفروض أن يتعاملوا مع القانون تعامل تعبدي، قانون فرض عليهم المفروض أن يتعبدوا به ويسيروا عليه، كل قانون ونظام في العالم يفرض تعبد ولا يفرض دائر لحساب المصلحة على قدر ما تحرز الناس منه من مصلحة بذلك المقدار تتفاعل معه وتسير على أوامره ونهواهيه، لأنه إذا جعلنا القضية دائرة مدار المصلحة، فلن ينتج القانون ولن يثمر، مادام الناس تتعامل معه تعامل مصلحة، إن حصلت على مصلحة فنعم وإلا فلا، فلن يسير القانون بل سيضطرب، أما إذا فرض القانون تعبد على الناس فهموا المصلحة أم لم يفهموا، اطرد القانون وأنتج وحصلنا على ثمراته، مثل الجندي تماما، الجندي يقف أمامك تأمره بحركات، استعد، يمين، يسار، فوق، تحت، بدون أن يفهم المصلحة، لماذا؟ حتى تخلق في نفس هذا الجندي الإطاعة التامة والانقياد التام سواء فهم المصلحة أم لم يفهم، أنت أيضا - المتعبد بالقانون - مثل الجندي فهم المصلحة أم لم يفهم يجب عليه أن يسير خلف القانون حتى يكون القانون منتجا ومثمرا، وهذه الشريعة الإسلامية أيضا فيها جوانب غيبية كثيرة، تصلي في المغرب ثلاث ركعات فهمت لماذا ثلاث ركعات أم لم تفهم، تصلي في الفجر ركعتان لماذا ركعتان؟ تصلي فهمت أم لم تفهم تصوم شهر واحد، لماذا شهر واحد؟ تصوم فهمت أم لم تفهم، تطوف بالبيت سبعة أشواط، لماذا سبعة أشواط؟ تطوف سواء فهمت أم لم تفهم، كثير من الجوانب في الشرع الشريف جوانب غيبية فرضت لأن الجانب الغيبي ضروري لكل قانون، كل قانون لا يمكن أن يطبق تطبيق تام إلا بأن تكون فيه جوانب غيبية لا يعرف المصلحة منها ولا تعرف الحكمة منها.

إذا الجانب الغيبي ضروري للقانون ليس أنه شيء بعيد عن القانون، فلماذا نحاول أن نلغي الجوانب الغيبية في أسلوب الدعوة الإسلامية؟

النقطة الثانية: هي أسلوب الترغيب والترهيب

أسلوب الثواب والعقاب له فوائد كثيرة، عندما يأتي شخص ويقول لا تخاطبني وتقول لي هناك عذاب واغلال وسلاسل، قل لي ماذا يقول العقل، ما هو البرهان، ما هو الدليل، اما اغلال وسلاسل وجنة ونار، هذه الأشياء لا تناسبني كإنسان حضاري، إذا لم تناسبك كإنسان حضاري إذا خذ القرآن وأغلق عليه الصندوق، لأن القرآن كله جنة ونار وعذاب وأغلال وسلاسل وحلال وحرام إذا ألغي القرآن كله لأن خطابات القرآن كلها بنفس هذه الطريقة كلها اتقوا النار، اتقوا العذاب، اتقوا الأغلال، اتقوا السلاسل، نعيم، قصور، إذا لم يعجبك هذا الأسلوب إذا ألغي القرآن.

اسلوب الثواب والعقاب، أسلوب طرح هذه القضايا أو أسلوب الوعظ والإرشاد أسلوب جدا منجع ومفيد لجميع الطبقات من الناس، ولجميع المستويات من الناس وله عدة ثمرات وعدة فوائد.

الثمرة الأولى:

هذا الأسلوب - أسلوب الوعظ والإرشاد - يحركك نحو العمل، كثير من القضايا الإنسان قد يقتنع بها فكريا، يقتنع بها، لكن لا يتحرك نحوها عمليا، لا يندفع نحوها، يحتاج لدوافع، لمحركات، يحتاج لأمور تحثه على العمل، تدفعه نحو العمل، أسلوب الوعظ والإرشاد، أسلوب الثواب والعقاب، ليس أسلوبا برهانيا، ولكنه أسلوب عملي، أسلوب وضع ليدفعك ويحركك نحو العمل، ليخلق عندك الإرادة القوية للعمل، ”من ذكرنا عنده وسالت من عينه مقدار جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ولو كانت مثل زبد البحر“ عندما تسمع هذا تتحرك عندك الإرادة للتباكي والبكاء، عندما تسمع أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي قال: ”إني أحب تلك المجالس فأظهروا فيها أمرنا وأحيوا فيها ذكرنا من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“ هذا يدفعك ويحركك إلى أن تحضر للمجلس الحسيني وتحضر المأتم الحسيني وتحاول أن تتفاعل مع هذه الظواهر الحسينية، من تصدق فله كذا من بنى فله كذا، من تفضل على فقير فله كذا، هذه الأمور كلها تساعد على الحركة، على العمل، على الاندفاع، على الانجذاب نحو هذه الأمور الدينية، فأسلوب الوعظ، وأسلوب الإرشاد، وأسلوب الثواب والعقاب من الدوافع الذاتية المحركة للإرادة نحو العمل.

الثمرة الثانية:

أن هذا الأسلوب يربطنا نحو الإيمان بالله عز وجل، نحن محتاجين أن نشعر بالله في كل حركة وفي كل سكون، محتاجون لأن نشعر بالخوف من الله في كل عمل نقوم به وفي كل حركة نتحركها، عندما نرجع إلى أحاديث الثواب والعقاب، عندما نرجع للآيات القرآنية التي تطرح الثواب والعقاب، تربطنا هذه الأحاديث وهذه الآيات بالله عز وجل، فنرى أن لله يدا في كل حركة، في كل سكون، في كل ضمير، في كل فكر، في كل طرفة عين، وهمسة لسان، نرى الله في كل شيء، في جميع أعمالنا وأفعالنا وتروكنا وضمائرنا وتفكيرنا، كما يقول أمير المؤمنين : ”ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده وفوقه وتحته وفيه“ يعني أن هذا الشعور بأن الله تمثل أمامك رحمته وقدرته في كل شيء تقوم به وفي كل حركة تتحركها لا يتولد إلا إذا آمنت بالحساب والعقاب والثواب بمختلف صوره، بالتالي يتجسد لديك الإيمان بالله والخوف من الله في كل شيء تقوم به.

أسلوب الوعظ والإرشاد من ثمراته أنه يحدد لنا المسئولية في عالم الدنيا الذي نعيشه، لا شك بأن أسلوب الثواب والعقاب يقول لك بأن هناك آخرة، جنة، نار، اليوم عمل ولا جزاء، غدا جزاء ولا عمل، كما يقول أمير المؤمنين والإمام الحسين يقول: ”الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال“ وكما روي عن الإمام زين العابدين : ”هي دار مجاز والآخرة دار مقر“ أسلوب الثواب والعقاب يجعلك تنظر إلى الدنيا بنظرة صغيرة، زائلة، بنظرة فناء وانتقال

خلق  الناس للبقاء iiفضلت

إنما ينقلون من دار أعمال

 
أمة     يحسبونهم    iiللنفاد

إلى  دار  شقوة  أو  iiرشاد

أنت في مقام عمل وستنتقل منه إلى نتائج، أنت في مقام فعل وستنتقل منه إلى نهاية وإلى غاية، أسلوب الثواب والعقاب وأسلوب الجنة والنار يجعلك تنظر إلى هذه الدنيا بهذه النظرة القصيرة، وإذا نظرت إلى هذه الدنيا بالنظرة القصيرة، سوف تتحدد مسئوليتك في الدنيا وهي أن تقطعها بالعمل الصالح، أن تنتج نتائج خيرة وحسنة في الآخرة، إذا عرفت بأن الدنيا دار مجاز ودار عبور فستعلم بأنك في الآخرة تحرز نتائج ما فعلته في هذه الدنيا، بل أكثر من هذا أسلوب الثواب والعقاب يجعلك تتعامل مع جميع الأشياء التي حولك في خطة معينة مرسومة لك من قبل الله، لا تتصرف في الأشياء بحسب شهوتك ونزواتك وغرائزك، تعلم بأن جميع الأشياء الموجودة أمامك يجب أن تتعامل معها في خطة ألا وهي رضا الله عز وجل، أي حركة تتحركها، أي سكون تقوم به أي شيء تعمله مالم يكن في رضا الله ومالم يكن في حيز الرضا من قبل الله فنتيجته سيئة جدا في الآخرة، أسلوب الثواب والعقاب يجعلك تتعامل مع جميع الأشياء في الله وبالله وعلى الله وإلى الله لا شيء وراء ذلك لا من رياء ولا من حب ظهور ولا من حب سمعة ولا من حب سلطان ولا من حب إمرة ولا نهي.

ومن ثمرات أسلوب الثواب والعقاب أن يربطك بمصيرك الأخير ألا وهو الموت إنك تعلم من خلال أسلوب الثواب والعقاب بأن هناك يوما أو ساعة أو لحظة تنتقل فيها من هذه الدار إلى تلك الدار ولكن متى هذه اللحظة؟ في أي يوم، أي شهر، أي سنة، أي مكان، أي زمان، على يد من، بسبب ماذا، بأي كيفية، بأي حالة؟ كل ذلك لغز مبهم، غير معروف، فإذا لم تعلم ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره

وإذا    رأيت    جنازة   iiمحمولة

 
تعددت  الأسباب  والموت  iiواحد

فاعلم    بأنك    بعدها   iiمحمول

هذه القضايا تخلق في نفسك الرقابة التامة على جميع أفعالك وأعمالك، إذا أنا لا أعلم في أي لحظة أموت وأنتقل فيها إلى الله عز وجل فلماذا أفعل المعاصي والمنكرات؟ لعل الموت يأتيني وأنا أفعل المعصية، وأنا أفعل المنكر لعل الموت يرد علي وأنا مصر على المعصية والذنب فإذا أنا لا أدري متى الموت، فلا أدري متى التوبة، ليس كما يقول عمر ابن سعد:

فإن صدقوا فيما يقولون فإنني   أتوب  إلى الرحمن من iiسنتين

أنا الآن أقتل الحسين وبعدها أتوب إلى ربي ويأتيني الموت وأنا تائب إلى ربي، أنت لا تدري متى تموت حتى تحدد موعدا للتوبة أو للخضوع أو للإنابة فأسلوب الثواب والعقاب يقول لك بأن مصيرك غير محدد زمانه ولا مكانه فعليك بأن تراقب أفعالك دائما في سبيل أن لا يأتيك الموت إلا وأنت مؤمن ملتزم، سئل الإمام الرضا : بعض الأموات نراه ميت وهو مغمض عينيه، وبعض الأموات نراه ميت وهو فاتح عينيه ما السبب؟ هل يعني هذا أن الذي يموت مغمض عينيه ليس له رجاء بالدنيا، يائس من الدنيا والذي يموت فاتح عينيه يريد الدنيا يريد أن يشبع نفسه من متع الدنيا؟ قال: لا، لا هذا ولا هذا يأتي ملك الموت إلى العبد وهو مغمض عينيه فلا يدع له فرصة يفتحهما ويأتي ملك الموت على العبد وهو فاتح عينيه فلا يدع له فرصة يغمضهما"

أسلوب الثواب والعقاب ضروري لطرح القضايا الإسلامية، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للإرشاد وللوعظ لابد من طرح ذلك، عندما تراجع أي نظام في العالم ليس لديه تشريعات جنائية من يفعل كذا يعاقب بكذا، أي نظام وأي دعوى وأي قانون لديه تشريعات جنائية، إذا الإنسان المتقدم والمتحضر لا تلائمه هذه الأساليب لماذا كل الأنظمة العالمية تحمل أساليب الثواب والعقاب، تحمل تشريعات جنائية وعقوبات مفروضة على قضايا وأفعال معينة! بل أسلوب الثواب والعقاب ملائم للفطرة الإنسانية والوجدان الإنساني ولإنسانية الإنسان ولذلك نحن يمكن أن نذكر بعض الصور التي فيها بعض صور العقاب من الله عز وجل أو بعض صور الهول، أول قضية تفزع الإنسان هي سكرة الموت.

في الدعاء عن زين العابدين : «وهون علي سكرات الموت» انتقال الروح وانفصالها من عالم المادة إلى عالم البرزخ انفصال شديد على الجسد والروح، انفصال متعب جدا وهذا الانفصال يسبب الأذى للنفس وللجسد وبمقدار إيمان الإنسان، إذا ذاك الإنسان المنحرف العاصي، الآية تقول: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا يعني أن يكون شدة على هذا الإنسان في سبيل انتزاع روحه من جسده، شدة وضغط على هذا الإنسان، شدة في سكرات الموت إذا كان عاصيا ومصرا على المعاصي، وإذا كان مؤمنا تهون عليه سكرات الموت يهون عليه لقاء الله لكن مع ذلك ورد في الحديث على أن الأرواح يأتيها الخبر إن روح فلان ستأتيكم بعد حين فتنتظر الأرواح قدوم روح فلان فإذا جاءت تلك الروح هشت لها الأرواح لتسألها عن خبر الدنيا وأهل الدنيا وماذا جرى وماذا صار، فيأتي النداء من الله دعوها تستقر فإنها جاءت من هول عظيم يعني أن هذا الانتقال من عالم الدنيا أفزعها وخلق أمامها صور مخيفة.

وكما يقرر علمائنا أن الإنسان إذا مات يبقى في الجسد الروح العقلية، ما معنى الروح العقلية؟ يعني أن الإنسان في بداية موته يبقى في جسده بعض الإدراك، صحيح أن نبض القلب وخلايا الدماغ وما أشبه ذلك كله منتهي لكنه بعض الإدراك موجود عنده، ولذلك ورد في الأحاديث أن الميت يسمع بكاء من يبكي عليه، ويسمع صراخ من يصرخ خلفه، الميت يسمع ذلك جيدا، ولكنه ماذا يصنع وقد انتقلت نفسه من هذا العالم إلى ذاك العالم الآخر، ثم يؤتى به ويوضع في قبره، هذا الإنسان الغالي الذي كان يلبس أحسن اللباس وينام على أحسن الفراش وعزيز عند أهله وعزيز عند جماعته وإذا هم يسلمونه إلى التراب بأكفانه فقط لا قصور ولا عقارات ولا أراضي ولا أموال ولا دنيا ولا زهو ولا فخر، أكفانه فقط ويدفن في التراب وما له إلا عمله، الإمام أمير المؤمنين يقف على المقابر: «السلام عليكم يا أهل القبور الموحشة والبيوت المظلمة أما الأزواج فقد نكحت وأما الأموال فقد قسمت هذا خبر من عندنا فما خبر ما عندكم» ثم يجيب: «أما والله لو كشف عنهم الغطاء لأجابوكم بأن خير الزاد التقوى» هذا يوضع في قبره، إذا وضع في قبره وتفرق أحبته عنه بمجرد أن يخطوا الخطوات الأخيرة يأتي منكر ونكير ولذلك يستحب أن الناس إذا تركوا القبر يستحب أن يبقى شخص يلقنه التلقين الأخير لأن هذا التلقين الأخير يساعد هذا المؤمن على إجابة منكر ونكير فيسألانه من ربك ومن نبيك ومادينك وما قبلتك ومن إمامك، إمام يعده إمام إلى أن يصل إلى الإمام المهدي «عج».

ولذلك ورد في قضية ابن أبي حمزة البطائني وهو من أصحاب الإمام موسى ابن جعفر لما توفي الإمام موسى ابن جعفر هذا طمع بالمال الذي لديه، كان عنده ثلاثون ألف دينار أخماس ولم يرضى بأن يسلمها للإمام الرضا قال الإمام الرضا : سلمها قال: أنت لست بإمام وأبوك لم يمت ونحن مازلنا على إمامة أبيك موسى ابن جعفر وأنا لا أسلمها لك، فترك الإمام الرضا ، وفي ذات يوم كان الإمام الرضا جالسا مع أصحابه وإذا به يقول لهم: الآن مات علي ابن أبي حمزة البطائني ثم سكت قليلا، قال: الآن حمل على نعشه ثم سكت قليلا، قال: الآن وضع في قبره ثم سكت قليلا، قال: الآن جاءه منكر ونكير ثم سكت قليلا، قال: إنهما يسألانه: من ربك يا علي؟ قال: ربي الله، من نبيك؟ قال: نبيي محمد، مادينك؟ قال: ديني الإسلام، ما قبلتك؟ قال: قبلتي الكعبة المشرفة، من إمامك؟ قال: إمامي أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، ثم من؟ قال: الحسن، ثم من؟ قال: الحسين، ثم من؟ قال: علي بن الحسين، ثم من؟ قال: محمد ابن علي، ثم من؟ قال: جعفر ابن محمد، ثم من؟ قال: موسى ابن جعفر، ثم من؟ فسكت، يقولان من إمامك؟ فيسكت، فيقولان من إمامك فيسكت، فيضربانه بمقرعة من نار فيحترق قبره إلى يوم القيامة.

هذه صورة لبيان سؤال منكر ونكير للإنسان عندما يوضع في قبره وعندما يذهب عنه منكر ونكير في الرواية الواردة عن أمير المؤمنين حسب عمله، إن كان مسيئا يرى عبدا أسود منتن الريح قد أقبل عليه وأخذ بأكظامه وهو يشده إليه، فيقول له: من أنت؟ آذيتني! فيقول: أنا عملك، أنا فعلك، وإن كان صالحا رأى رجلا أبيض اللون طيب الريح هاشا مستبشرا، أقبل يضاحكه ويؤنسه في تلك الظلمة وفي تلك الوحشة، يقول: من أنت؟ آنستني! يقول: أنا عملك.

فإما قبره روضة من رياض الجنة أو قبره حفرة من حفر النار، يقول الإمام زين العابدين: «ومالي لا أبكي ولا أدري إلى أين مصيري وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني وأرى أجنحة الموت تخفق عند رأسي ومالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي أبكي لظلمة قبري أبكي لضيق لحدي أبكي لسؤال منكر ونكير إياي أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري أنظر تارة عن يميني وتارة عن شمالي إذ الخلائق في شأن غير شأني»

﴿لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ إلى أن ينتقل الإنسان إلى مرحلة العقاب ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ وفي الرواية يصدر الناس حفاة عراة شعث غبر لا يلوون على أنفسهم لا أحد منهم يلتفت على الآخر ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وتقف الناس يوم المحشر ذلك الموقف العظيم، المليارات من البشر تقف على منصة المحشر تنتظر الحساب والعقاب في بعض الروايات أن حرارة جهنم لتصل إلى الناس إلى مسافة سبعين ألف سنة ويبض بالناس العطش والحر كل يرجو رحمة ربه، كل يرجو أن يتفضل عليه الله بالرحمة، والخزي والعار لمن كان مصيره النار، إذا نادى المنادي خذوه فغلوه لا تنفعه عشيرته ولا تجيره قبيلته، فياله من مأخوذ ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ.

الإمام علي يصف النار يقول: ”عباد الله اعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار فارحموا أنفسكم فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا أرأيتم جزع أحدكم إذا الشوكة تصيبه والعثرة تدميه والرمضاء تحرقه فكيف إذا كان بين طابقين من نار ضجيع حجر وقرين شيطان أعلمتم أن مالكا إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبه وتوثبت بين أبوابها جزعا من زجرته“ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ وهي القضية، يوم يومين، سنة سنتين، ألف سنة ألفين سنة، هناك فترة إجازة، فترة راحة، فترة إنابة، أبدا! عذاب متواصل ليلا نهارا دائما أبدا لا فترة إجازة ولا فترة راحة ولا فترة إنابة اللهم آجرنا من عذابك يامن سبقت رحمته غضبه ليس لنا في ذلك اليوم إلا بيت أهل النبوة، يقول الإمام علي :

يا  حار  همدان  من يمت iiيرني

يعرفني       طرفه      iiوأعرفه

وأنت   عند   الصراط   iiتعرفني

أسقيك   من   بارد   على  iiظمأ

أقول للنار حين تعرض للعرض

دعيه    لا    تقربيه    إن    iiله









 
من   مؤمن   أو   منافق   iiقبلا

بنعته     واسمه     وما    iiفعلا

فلا    تخف    عثرة   ولا   iiزللا

تخاله    في    الحلاوة   العسلا

دعيه     ولا     تقبل     iiالرجلا

حبلا    بحبل   الوصي   iiمتصلا

في الرواية الواردة عن الرسول : ”كل الناس وقوف يوم القيامة إلا ثلاثة“ قيل من يارسول الله؟ قال: ”أما أنا فعلى البراق الذي صعدت به إلى السماء وأما بابنتي فاطمة الزهراء فعلى الناقة العضباء ومن خلفنا رجل على فرس من الجنة تشع الأنوار عن يمينه وعن شماله فتعجب الناس تقول هذا وصي أم ملك مقرب أم نبي مرسل! فيأتي النداء: لا ملك مقرب ولا وصي ولا نبي مرسل وإنما هو علي ابن أبي طالب هذا هو مناط الغوث غوث الناس في الدنيا والآخرة“