الدرس 41

حقيقة العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم أنَّ الجمعَ بين كلمات سيدنا - حيث افاد في مبحث حجية القطع - أنّ ملاك المنجزية حكم العقل بقبح هتك حرمة المولى وافاد في مبحث اصالة الاحتياط ان ملاك المنجزية هو حكم العقل بدفع الضرر المحتمل مشكلٌ.

ولكن قد يتصور الجمع بناءً على مسلك السيد الأستاذ «دام ظله» ومحصل مسلكه: ان الإلزام مستبطن للوعيد فمعنى كون الحكم وجوباً هو انه لو لم تفعل لعوقبت، ومعنى كون الفعل حرماً انه لو لم تترك لعوقبت، والحكم الإلزامي متضمن للوعد، ولو خلى عن الوعيد لم يكن إلزاما، وانما يكون ندباً وترخيصاً، فالمائز بين الإلزام وغيره تضمن الإلزام لعنصر الوعيد، ولذلك يرى ان الوجوب مركب وليس بسيطا، فهو مركب من طلب الفعل والوعيد على الترك البعث نحو الفعل والوعيد على الترك. فبناءً على هذا المبنى يقال: ان احتمال العقوبة موضوع لحق الطاعة.

وبيان ذلك: ان العقل انما يحكم بأنّ للمولى حق الطاعة بحيث يقبح الترك إذا كان الحكم الصادر من المولى إلزامياً والا لو كان الحكم الصادر من المولى ترخيصياً لم يكن موردا لحق الطاعة، فحكم العقل بحق الطاعة للمولى بمعنى حكمه بقبح الترك فرع كون الحكم إلزامياً، وكون الحكم إلزامياً فرع احتمال العقوبة على تركه لاستبطانه عنصر الوعيد فلا محالة حينئذٍ نحتاج الى احتمال العقوبة لتنقيح موضوع حق الطاعة، أي لتنقيح كون الحكم إلزاميا كي يكون موردا لحق الطاعة، فيقال إذا صدر حكم إلزامي أو احتمل انّ الحكم الصادر إلزامي احتمل الوعيد فاحتُملت العقوبة فحيث تحقق احتمال العقوبة نتيجة لإحراز الوعيد أو احتماله كان ذلك موضوعا لحكم العقل بحق الطاعة.

الا انّ هذا الجمع غاية ما يقتضي اخذ احتمال العقوبة في موضوع حق الطاعة، بينما مُدّعى سيّدنا ان الملاك في المنجزية حكم العقل بدفع الضرر المحتمل لا احتمال العقوبة فان احتمال العقوبة في نفسه مجرد تنقيح موضوع، والا فالمنجزية لحكم العقل بدفع الضرر المحتمل، إذاً فحتى لو أخذنا احتمال العقوبة في الموضوع، الا انه مع حكم العقل «بحق الطاعة للمولى» فلا حاجة الى توسيط حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل الذي يراه سيدنا هو المنجز. هذا تمام الكلام في هذا الأمر السادس. الأمر السابع في كبرى قبح العقاب بلا بيان، والكلام في هذه القاعدة من ثلاث جهات:

الأولى: ما هو ملاك حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان؟ فهنا ملاكان رئيسيان:

الاول: ما ذكره المحقق الاصفهاني «قده» من أن تنجز الحكم فرع فعليته، فالحكم المتنجز ما كان فعلياً والفعلية بمعنى كون الحكم باعثاً أو زاجراً بالإمكان، أي لو كان المكلف غير عاصٍ لكان الحكم باعثاً له بالفعل، إذا فتنجز الحكم فرع فعليته وفعليته بكونه باعثاً أو زاجراً فرع الوصول، فما لم يصل الحكم الى افق النفس يستحيل ان يكون باعثاً أو زاجراً إذ الحكم من الأمور الاعتبارية، والانبعاث من الأمور النفسية، ويستحيل تأثير ما هو خارج عن النفس في شؤون النفس، فلا محالة لو لم يكن الحكم واصلاً لما كان باعثاً أو زاجراً، فبناءً على ذلك يكون مرجع قبح العقاب بلا بيان الى السالبة بانتفاء الموضوع، لأنّه مع عدم البيان لا وصول، ومع عدم الوصول لا فعلية للحكم كي نتكلم في انه يقبح العقاب على مخالفته أم لا، فان الحكم الذي يصحّ العقاب على مخالفته هو الحكم الفعلي، فإذا كانت الفعلية متقومة بالوصول فمع عدم الوصول ليس هناك حكم فعلي كي يقبح العقاب على مخالفته، فانتفاء العقاب بانتفاء موضوعه، هذا احد الاتجاهين في بيان ملاك قبح العقاب بلا بيان، وقد نسبه السيد الشهيد الى المحقق الاصفهاني، وسيأتي في محله بحث هذه النسبة.

الاتجاه الثاني: إنَّ مرجع «قبح العقاب بلا بيان» الى قبح الظلم، لا أنها من باب السالبة بانتفاء الموضوع بل بانتفاء المحمول.

والسر في ذلك: ان المكلف إذا فحص عن الحكم فلم يجد بياناً فعدم امتثاله للحكم لا لتقصير منه، لأنّه فحص عن الحكم المحتمل فلم يجد أي حجة عليه فحيث لم يجد فعدم امتثاله لا يرجع الى تقصير منه، وحينئذٍ فعقابه على المخالفة مع عدم وصوله للحكم حتّى بعد فحصه ظلم والظلم قبيح، فمرجع قبح العقاب بلا بيان الى قبح الظلم، أي انّ هناك حكما فعليا في الواقع ولكن يقبح العقاب على مخالفته لأجل عدم وصوله للمكلف حتّى بعد فحصه، فهذا الاتجاه الثاني لا يرى الوصول الوجداني أو التعبدي دخيلا في فعلية الحكم، وانما فعلية الحكم تدور مدار ان هذا الخطاب لو وصل لبعث، فنفس هذه القضية الشرطية هي ملاك الفعلية، فليس ملاك الفعلية فعلية الجزاء بان يصل وانما ملاك الفعلية الشرطي، بان يصدق في حق الخطاب انه خطاب لو وصل لبعث، إذ لعله يكون المكلف عاجزا بحيث حتّى لو وصله الخطاب لم يبعثه فمثل هذا الخطاب ليس فعليا لأنّه لو وصل ما بعث لعجز المكلف وانما الخطاب الفعلي ما كان لو وصل لبعث بلحاظ قدرة المكلف.

إذاً فالنتيجة: بما ان الفعلية غير منوطة بالوصول لا وجدانا ولا تعبداً فلا محالة الحكم فعلي واقعاً لفعلية القدرة وفعلية الشرائط الاخرى غاية ما في الأمر يقبح العقاب على مخالفته لعدم وصول المكلف له حتّى بعد الفحص فان عقوبته ظلم. فبناءً على الاتجاه الثاني يقع البحث في النسبة بين قاعدة دفع الضرر المحتمل وقاعدة قبح العقاب بلا بيان، إذ قد يقال بتواردهما أي كل منهما رافع لموضوع الآخر، فمثلاً: موضوع قبح العقاب بلا بيان «اللا بيان» وحكم العقل بدفع الضرر المحتمل «بيانٌ»، فهو وارد على البراءة العقلية.

وقد يقال بالعكس ان حكم العقل «بدفع الضرر المحتمل» فرع احتمال الضرر إذ لولا احتمال الضرر لم يحكم العقل بلزوم دفعه، ومع حكم العقل يرتفع احتمال الضرر لأنّه قبيح فينتفي حكم العقل بدفع الضرر بانتفاء موضوعه، فكل منهما وارد على الآخر، فما الحل؟

نقول: الجواب يعتمد على احتمال الحكم قبل الفحص ما هو المنجز له؟، لأنّه لو قلنا في الزاوية الأولى ان الحكم الفعلي متقوم بالوصول، فمقتضى ذلك انه موضوع حكم العقل بقبح العقاب «عدم احراز البيان»، أي متى لم تحرز بياناً حكم العقل بقبح العقاب لان الحكم الفعلي متقوم بالوصول أي متى لم تحرز وصولا أو بيان حكم العقل بقبح العقاب، فبناءً على ذلك أي على ان موضوع قبح العقاب عدم احراز البيان، فلا يبقى مورد لقاعدة حكم العقل «بدفع الضرر المحتمل» لأنّه بمجرد ان تحتمل التكليف أي لم تحرز البيان، فإذا لم تحرز البيان حكم العقل بالقبح فلا مورد لقاعدة دفع الضرر المحمل، فلا يتصور ورود من قبلها على البراءة العقلية.

وبناءً على هذا المسلك فما هو المنجز إذاً للحكم قبل الفحص؟ إذا كان العقل حكم بقبح العقاب بمجرد احراز الحكم فلا فرق في ذلك فيما قبل الفحص وما بعد الفحص فما هو المنجز للحكم قبل الفحص؟ إذاً يتعين ان يكون المنجز للحكم قبل الفحص هو أدلة وجوب التعلم، إذ لولا أدلة وجوب التعلم لكان مقتضى البراءة العقلية الأمن من العقوبة وهذا ما تعرض له سيدنا في التنقيح «ج1، ص4 فما بعدها» حيث ان ظاهر كلماته كأنّه قبَل بهذا المبنى.

وأما لو قلنا بان فعلية الحكم ليست منوطة بالوصول فالحكم فعلي واقعا، فحينئذٍ يقال: إذاً احتمال الحكم قبل الفحص منجز، لكن ما هو المنجز؟

هنا أربع مسالك في تحديد ما هو المنجز عند احتمال الحكم قبل الفحص.

والحمد لله رب العالمين