الإسلام والهوية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

صدق الله العلي العظيم

الآية المباركة حددت لنا هويتنا في هذا العالم، من خلال قولها: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، أي أن هويتنا هي الإسلام. نحن هذا الليلة نتحدث عن الهوية الإسلامية، وذلك من خلال عدة نقاط، نتعرض إليها بشكل مفصل:

النقطة الاولى: ما هو معنى الهوية؟ ماهو تحديد الهوية؟ وما هي مكوناتها وأبعادها؟

عندما نرجع إلى علماء الاجتماع، ارجع إلى مجلة عالم المعرفة «عدد 224»، يُنقل فيها عن كتاب قاموس علم الاجتماع تحديدًا لمصطلح الهوية، الهوية هي السمات المشتركة بين جماعة من الناس، بحيث تميزهم عن غيرهم وتكون موضع اعتزازهم وافتخارهم.

مثلًا: أبناء العراق، أبناء الرافدين، ما هي هويتهم؟ هناك سماء مشتركة تميزهم عن غيرهم، لهم لهجة خاصة، لهم تقاليد معينة، لهم حضارة معينة، لهم تراث معين، هذا التراث وهذه التقاليد هي سمات تميزهم عن غيرهم وهي موضع اعتزازهم وافتخارهم. إذن، هذا السمات من لهجة ومن تقاليد تسمى هوية، هويتهم هي تقاليدهم وأعرافهم وحضارتهم وتراثهم.

ماهي مكونات الهوية؟ علماء الاجتماع يذكرون أربعة مكونات للهوية.

المكون الأول: الأرض، الأرض التي نعيش عليها والتربة التي تحف بنا مكون من مكونات هويتنا، ولذلك تحتل الأرض وتحتل التربة مساحةً كبيرةً من الأدب الإسلامي والأدب العربي، كثير من الشعراء يمجدون التربة، كثير من الشعراء يمجدون الأرض التي عاشوا فيها، لأنها من مكونات هويتهم. ابن الرومي يقول:

ولي   وطنٌ   آليت  ألاّ  iiأبيعه
وحبب   أوطان   الرجال  iiإليهم
إذا   ذكروا   أوطانهم   iiذكّرتهم

 
وألاّ  أرى غيري له الدهر iiمالكا
مآرب قد ضاهى الشباب هنالك
عهود  الصبا  فيها فحنّوا iiلذلك

الرقاع بن قيس الأسدي يمجد أرضه فيقول:

بلاد  بها نيطت عليّ iiالتمائم   وأول أرضٍ مس جلدي ترابها

أحمد شوقي أيضًا يمجد أرضه ويقول:

وطني لو شغلت بالخلد عنه   نازعتي إليه في الخلد نفسي

المكون الثاني: اللغة، اللغة أداة تواصل بين أبناء المجتمع وتوحد مجاميعًا من البشر، فهي أداة تواصل بينهم، يرسلون مفاهيمهم ويستقبلونها عبر هذه اللغة.

المكون الثالث: التراث الحضاري، لكل مجتمع تراث تناقله الآباء من الأجداد، والآبناء من الآباء.

المكون الرباعي: الدين، الدين يجمع شعوب تحت ظل واحد.

الإنسان محتاج إلى الهوية، محتاج إلى الانتماء، ماذا يعني هذا الكلام؟ نرجع الآن إلى علم النفس، عندما تقرأ كتاب أصول علم النفس للدكتور أحمد عزت راجح، يتحدث هنا عن الحاجات النفسية الأساسية لدى الإنسان، كل إنسان لديه حاجات نفسية أساسية أربع:

الحاجة الأولى: حاجة الإنسان إلى الأمن، كل إنسان يحتاج أن يطمئن على مستقبله، يحتاج أن يطمئن على أولاده، يحتاج أن يطمئن على مركزه الاجتماعي، كل إنسان لا يعيش الاطمئنان على مستقبله، فهذا إنسان مصاب بالإحباط والفشل، فبالتالي، هو إنسان لا ينتج ولا يعطِ.

الحاجة الثانية: الحاجة إلى التعبير عن الذات، كل إنسان يريد أن يعبر عن أفكاره، طفلك مثلًا، أعطِ طفلك الفرصة كي يتحدث، إذا كان عمره خمس سنوات أو ست سنوات، فهو قد بدأ يفكر، اترك له الفرصة، أعطه الفرصة ليتحدث معك، يعلمك بأفكاره يعلمك بما يدور في ذهنه، لأنك تعطيه فرصةً للتعبير عن ذاته، وإذا أُعطي فرصةً ليعبر عن ذاته سوف يبرز في المستقبل واثقًا بنفسه، واثقًا بقدراته، سوف يبرز إنسانًا طموحًا، أما إذا كممته ولم تعطه الفرصة لكي يعبر عن ذاته، سوف يتحول إلى إنسان انطوائي، إنسان لا يثق بنفسه ولا بطرحه ولا بقدراته.

الحاجة الثالثة: حاجة الإنسان إلى التقدير الاجتماعي، كل إنسان يحتاج إلى التقدير الاجتماعي، حتى الانسان العادي الذي يملك منصبًا عاديًا في المجتمع يحتاج أن يُقدر في المجتمع. كل إنسان يحتاج إلى التقدير الاجتماعي، لأن الإنسان إذا شعر بأن المجتمع يهمله، أو أن المجتمع يضطهده، أو أن المجتمع يستغله لبعض الأهداف من دون أيعطيه شيئًا، إذا شعر الإنسان بأن المجتمع يهمله، فهذا الإنسان يتحول من إنسان اجتماعي إلى إنسان عدواني، يعني: ينتقم من المجتمع، يحقد على المجتمع، يتربص الدوائر بالمجتمع.

الحاجة الرابعة: حاجة الإنسان إلى الانتماء، الإنسان يحتاج حاجةً نفسيةً إلى أن ينتمي، إما أن ينتمي إلى قبيلة معروفة، لأنه من أفراد القبيلة، أو ينتمي إلى جماعة معينة. هو أديب ينتمي إلى الأدباء، هو خطيب ينتمي إلى الخطباء، ينتمي إلى جهة تسنده، المهم أن ينمتي، يحتاج الإنسان إلى أن يشعر بالانتماء إلى جهة قوية تسنده وتحميه، شعور الإنسان بالانتماء، يجعله إنسانًا منفتحًا على العطاء، منفتحًا على البذل، وأما إذا شعر الإنسان بألا انتماء له، يعني شعر بالغربة والوحدة، والشعور بالغربة يقود إلى العزلة، والعزلة تقود إلى العقم والفشل، وعدم العطاء والإنتاج. إذن، الإنسان يحتاج إلى الانتماء، فهو محتاج إلى الهوية، حاجة الإنسان إلى الانتماء هي حاجته إلى الهوية، لأن الهوية هي الانتماء، انتماء لجهة، انتماء لأرض، انتماء للغة، انتماء لدين. فالهوية هي عبارة عن الانتماء وبما أن الإنسان محتاج إلى الانتماء فهو محتاج إلى الهوية.

النقطة الثالثة: نحن محتاجون إلى الهوية، ما هي هويتنا؟ كيف نحدد هويتنا؟

نحن أمام اتجاهات أربعة:

  • الاتجاه الوطني.
  • الاتجاه القومي.
  • الاتجاه الليبرالي.
  • الاتجاه الإسلامي.

الاتجاه الوطني يقول: هويتنا في وطننا، نحن لنا بلد له حدود جغرافية معينة، هو هويتنا، هويتنا في وطننا.

الاتجاه القومي يقول: نحن عرب، ننتمي إلى نسيج، إلى دماء عربية، إلى أصول عربية، هويتنا في عروبتنا.

الاتجاه الليبرالي يقول: أنت أمام حضارة قائمة وهي الحضارة الغربية، هناك حضارة قوية، تمتلك العلم، تمتلك التكنلوجيا، تمتلك القدرة العسكرية، تمتلك الوسائل المادية، لا مجال أمامك إلا أن ترتبط بهذه الحضارة - أي الحضارة الغربية - وتتلون بألوانها، وتكون جزءًا من هذا النسيج.

الاتجاه الإسلامي يقول: هويتنا هي الإسلام ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ لماذا نحن ننادي بالهوية الإسلامية؟ لماذا نحن نصر على أن هويتنا هي الإسلام وليس شيئًا آخر؟ نحن لا ننكر الهويات الأخرى، الاتجاه الوطني جميل وكذلك القومي، لكن الهوية الأساسية هي الهوية الإسلامية، التي تجمع العرب والإنجليز والفرس وتجمع سائر الشعوب المختلفة في أعرافها وتقاليدها، كيف نقرأ الهوية؟ هناك ثلاث رؤى لقراة الهوية:

  • الرؤية العنصرية.
  • الرؤية النسبية.
  • الرؤية التقويمية.

الرؤية العنصرية تقول: نحن عرب، والعرب يتميزون عن غيرهم، نحن أفضل من غيرنا من الأعراق، وأفضل من غيرنا من الدماء، وأفضل من غيرنا من الجذور، إذن نحن ننظر إلى هويتنا العربية نظر استعلاء على الآخرين، نظر رقي على الآخرين، هذا المنطق الذي يقول: أنا عربي وأفضل من غيري، نحن نعتبر هذا منطقًا عنصريًا خاطئًا، لماذا خاطئ؟

لأن الهوية ليست غاية، الهوية وسيلة وليست غاية، الخطأ في هذا المنطق أنه يعتبر الهوية غاية، يعتبر الهوية هدف، كأنما الهوية أمرٌ يسعى إليه، أمرٌ يُضحّى في سبيله، أمرُ يبذل النفس والنفيس في سبيله، لا، الهوية مجرد طريق، مجرد وسيلة وليست غاية، ما هي الغاية؟

غايتنا وهدفنا أن نكون شعبًا حضاريًا، غايتنا وهدفنا أن نكون شعبًا حضاريًا بعلمنا، بمبدئنا، بطاقاتنا، بمواهبنا، غايتنا أن نصل إلى قمة الحضارة، هذه هي الغاية، أما الهوية فهي مجرد وسيلة وطريق إلى هذه الغاية، فعندما نقرأ الهوية بالمنطق العنصري والذاتي، سنعتبرها غاية وليست وسيلة.

المنطق الثاني والرؤية الثانية: هي الرؤية النسبية، كل شعب له نصيب من الهوية، العرب لهم نصيب من الهوية، الفرس لهم نصيب من الهوية، الإنجليز لهم نصيب من الهوية، كل شعب يأخذ من الهوية نصيبه وقسطه، هذا نسميه منطق نسبي مسالم، يعني أنا لا أنكر هوية غيري، وغيري لا ينكر هويتي، أنا مسالم مع غيري، وغيري مسالم معي، هذا منطق مسالم. هذا المنطق لا يقدمنا خطوة واحدة، ولا يقدمنا شبر واحد.

ما هو المنطق الصحيح؟ المنطق الصحيح هو المنطق التقويمي، ما معنى المنطق التقويمي؟ يعني أن نقرأ هويتنا بدقة، نحن لنا هوية لا بد أن نقرأ هويتنا، لماذا اخترنا هذه الهوية؟ لابد أن نسأل أنفسنا، لماذا تبنينا هذه الهوية؟ ما هي ميزتها؟ ما هو فضلها على غيرها؟ لا بد أن نقرأ هويتنا، أما أن قول نحن عرب وكفى، لا أن نقرأ هويتنا ونسأل أنفسنا: هل هذه الهوية التي نتبناها ونختارها طريق يوصلنا للهدف أم لا؟

إذن، لابد من قراءة تقويمية، الهوية تحتاج إلى تقويم، تحتاج إلى دراسة، لابد أن نقرأ هويتنا ونطرح السؤال: هل مسار هذه الهوية صحيح، أم لا؟ من هنا نقول: لماذا هويتنا هي الإسلام؟ ولماذا نختار أن هويتنا هي الإسلام؟

الجواب: لأن الإعتقاد بالإسلام، إعتقاد يفرضه العقل، ويفرضه المنطق والبرهان، لذلك نحن نختار هذه الهوية، هوية يدعمها العقل والمنطق، كيف؟ نذهب للفلسفة، أنتم تابعتم قناة المستقلة، عشر ليالٍ أو تسع ليالٍ، جاء شخصان على منبر المستقلة أحدهما يقول الله وصف نفسه في الكتاب: ﴿بصير، ﴿سميع، ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، ﴿خلقت بيدي، ﴿مطويات بيمينه.

من خلال هذه الأوصاف، نقول: الله سميع، بصير، استوى على العرش، خلق بيديه، له يمين، وهكذا، نصف الله كما وصف نفسه، فإن سألتنا ما معنى سميع؟ ما معنى بصير؟ ما هو كيف السمع؟ وما هو كيف البصر؟ وما هي كيفية يديه ويمينه؟

نقول لك: لا شغل لنا، شغلنا أنه سميع بصير، أما كيفية سمعه، وكيفيه بصره، هذه لا شغل لنا فيها. نحن نقول: هذا المنطق منطق غير عقلاني، لماذا؟ لأن هذا المنطق يقول للعقل لا شغل لك، اسكت، العقل مُخدّر ومُغلّف، عقولنا يجب أن تبقى مخدرة ومغلفة لا نافذة لها، ولا تأمل فيها، ولا تدبر فيها، الله قال في القرآن، أنه سميع، قل سميع، أما ما هي كيفية السمع، فضع على عقلك قفلين حديديين شديين بدون أن تفكر في هذه النقطة، هذا منطق يسد على العقل نوافذ التفكير.

نحن ماذا نقول؟ نحن نقول: الفلاسفة يقررون أن الوجود على قسمين: وجود مكتسب، ووجود ذاتي، ما هو الفرق بين الوجود المكتسب والوجود الذاتي؟ الوجود المكتسب هو الذي يستورد وجوده من شيء آخر، الوجود الذاتي هو الذي وجوده منه ولا يستورده من جهة أخرى.

أنا الآن وجودي مكتسب أم ذاتي؟ وجودي مكتسب، كيف؟ الدليل على أني كتسب: أني محدود، الحدود دليل على الاكتساب «قدرتي محدودة، حياتي محدودة، عقلي محدود، طاقتي محدودة» بما أنني محدود، إذن أنا مكتسب، لأنني لو لم أكن مكتسب، لاستطعت أن أمد وجوي وراء الحدود، لو كان وجودي مني لخلقت لنفسي قدرةً لا حد لها، وعلم لا حد له، وعقل لا حد له، وطاقة لا حد لها، لو كان وجودي مني لما كان لي حدود، ولكن لأنني مكتسب صرت محدودًا، يعني هناك من أعطاني الوجود، وأعطاني له حدود لا أستطيع تعديها، إذن أنا محدود، فأنا مكتسب.

هذا الوجود كله، أي شيء نضع إصبعنا عليه، شمس أو قمر، أرض أو سماء، إنسان أو حيوان، أي ذرة، أي مجرة، أي موجود في هذا الكون نضع إصبعنا عليه، يظهر بأنه محدود، كل شيء حولنا محدود، إذن كل شيء مكتسب، فجميع الوجود مكتسب.

بما أن جميع الوجود محدود فهو مكتسب، من أين اكتسب؟ قطعًا هناك جهة وقوة أعطته الوجود، هذا الوجود المحدود، وتلك القوة هل هي محدودة أم لا؟ إذا قلتم محدودة فهي تحتاج إلى قوة أخرى لتعطيها الحدود، فإذا ذهبتوا إلى القوة الثانية، إذا كانت محدودة فهي تحتاج إلى قوة ثالثة لتعطيها الحدود، فإذا ذهبنا للقوة الثالثة، إذا كانت محدودة فهي تحتاج إلى قوة رابعة لتعطيها الوجود، فإذا ذهبنا إلى القوة الرابعة، إذا كانت محدودة فهي تحتاج إلى قوة خامسة لتعطيها، وهكذا إلى ما لا نهاية، فلابد أن تنتهي السلسلة عند قوة لا حدود لها، قوة لا حدود، وجودها منها، هي أعطت هذا الكون الوجود المحدود، تلك القوة لا حدود لها.

الفلاسفة يقولون: علاقة المحدود بالامحدود هي علاقة الإحاطة، كيف؟ مثلًا أنا أخرج من المنبر وأمشي لباب المسجد، هذا المشي فعلي، أليس كذلك؟ إذن أنا محيط بفعلي، المشي هذا تحت إحاطتي، لماذا؟ لأنه فعلي وإنتاجي، الإنتاج مُحاط بالمنتج، الفعل مُحاط بالفاعل، بما أن الوجود كله إنتاج لله، وصنع لله، إذن هو مُحاط بوجود الله عز وجل، فالوجود المحدود مُحاط بالوجود الامحدود، علاقتنا به هي علاقة الإحاطة، هو محيط بنا، ونحن محاطون به تبارك وتعالى.

بعد أن عرفنا هذه النقطة، نسأل:

هل الله في زمن؟ لا، لأن الزمن حد وهو لامحدود.

هل الله في مكان؟ لا، لأن المكان حد، وهو لامحدود.

هل الله على العرش؟ لا، لأن العرش محدود، وهو لامحدود.

هل الله جسم؟ لا، لأن الجسم محدود، وهو لامحدود.

إذن وصلنا إلى النتيجة: ليس الله في زمن ولا مكان ولا جسم، إذن الجسم والمكان والزمان إذا لم يكن الله فيهان ما علاقتها بالله؟ علاقة الإحاطة، هو محيط بها، لا أنه فيها، الله محيط بالزمن، بالمكان، بالأجسام، بجميع ذرات الكون، محيط بها، لا أنه فيها، إذن هذه التعبيرات القرآنية ﴿بصير، ﴿سميع، ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، ﴿خلقت بيدي، ﴿مطويات بيمينه، ما هذه التعبيرات؟

هي تعبيرات كنائية، إشارةً إلى إحاطته وسيطرته، سميع يعني محيط بالمسموعات، بصير يعني محيط بالمبصرات، على العرش استوى، يعني سيطر عليه، وسع كرسيه السموات والأرض، يعني أحاط بها، كل هذه التعبيرات معناها واحد وهو: الإحاطة والسيطرة، وهي مجرد كنايات. القرآن لغة عربية، واللغة العربية مليئة بالكنايات والتعبيرات المجازية، فهذه التعبيرات كناية على الإحاطة والسيطرة.

البعض طلب مني أن أتعرض لهذه النقطة، فها أنا أتعرض لها. نعود لصلب الموضوع، أقول: الإسلام يعني الاعتقاد بالوجود الإطلاقي الامحدود وهو الله تبارك وتعالى، وبما أن هذا الإعتقاد، اعتقاد يدعمه البرهان، ويدعمه المنطق، إذن الإسلام هو الهوية الصالحة، لأنها هوية يدعمها المنطق ويدعمها العقل، ويدعمها البرهان.

نأتي إلى النقطة الرابعة: تعامِلنا مع هويتنا الإسلامية، الآية التي قرأناها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ هذه الآية وردت في سلسلة آيات، كلها تتحدث عن الهوية، ذكرت هذه الآيات مداليل ثلاثة:

المدلول الأول: تحديد الهوية، الهوية هي الإسلام ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

المدلول الثاني: ضرورة الالتفاف حول الهوية، وذلك في قوله تعالى بعد هذه الآية ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ فالآية تبين ضرورة الالتفاف حول الهوية إذ تقول ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا.

المدلول الثالث: ضرورة خدمة الهوية، كيف؟ تقول الآية الثالثة ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إذن الآية تقول: اخدم هويتك، ما معنى ذلك؟

يعني لا يكفي أن نقول نحن مسلمون، عندما أسافر لأوربا ويسألني الأوربي: ما هي هويتك؟ وأقول له: هويتي الإسلام، سيقول لي ماذا قدمت لهويتك؟ أنا أوربي أقول هويتي الحضارة الأوربية، وأنا أخدم حضارتي، فأنا لا أكتفي بالفخر وإنما عندي منطق عملي، هويتي الديمقراطية وأنا أخدم الديمقراطية واسعى لها، أنت تقول هويتك الإسلام، ماذا قدمت لهويتك؟ ماذا قدمت إلى الإسلام الذي تعتبره هوية وتفتخر به وتعتز به؟

شبابنا يا إخوان ضائعون، الآن الشاب نتيجة ضغط الأسرة، الشاب خصوصًا في سن المراهقة، هذا الشاب يبحث عن هويته في مجال آخر، الأسرة لم تنفتح عليه فيبحث عن هويته في مجال آخر، يبحث عن هويته في الفضائيات، يبحث عن هويته في ستار أكادمي، أو سوبر ستار عرب، أو أشياء أخرى. إذا لم تنفتح الأسرة عليه وترشده إلى هويته، سوف يكتب هويته من أطراف أخرى.

نحن الآباء مسؤولون عن أولادنا، الولد عندما يبلغ العاشرة، ينفتح عقله، وإذا انفتح عقله، يجب أن تتحدث معه عن هويته، ما هي هويته؟ ما هو اتجاهه؟ ما هو مساره؟ إذا لم تتحدث مع ولدك عن هويته، فإنه سيأخذ هويته - لأنه محتاج إلى هوية - إما من الوسط السيء «أصدقاء السوء»، أو من الفضائيات، أو من طرق خرى، أو من وسائل إعلامية مزيفة، لابد أن تنفتح على ابنك وتتحدث معه عن هويته، حتى لا يضيع في هذا الزخم الهائل.

مع الأسف، نحن نتعامل مع الهوية إما بالانغلاق وإما بالانفتاح، بدون أن تكون لنا حالة وسطية، لنضرب أمثلة: هناك فئة في كل مجتمع وليس فقط مجتمعنا تقول: هويتنا فقط ولا ننفتح على أي جديد، كأنما كل جديد عدو، ما دام هو جديد فلا نجربه، يجب أن نبقى في هويتنا وتراثنا، هناك فئة ترفض كل جديد لأنها تخاف أن يخدش الهوية، أن يخدش هويتنا وإسلاميتنا وارتباطنا.

أنا تعجبت من أحد الأشخاص، تحدث معه فقال لي: أنا لا أرغب مثلًا - هو لم يأتي بهذا المثال - في الدخول في حسينية السنان، لماذا؟ لأنها خرجت عن تراثنا، لماذا؟ لأنهم جعلوا فيها كراسي، لأنهم وضعوا فيها كراسي، لهذا خرجت عن هويتنا وخرجت عن تراثنا، وقال: أنا هذا البروجكتر الذي ينقل صور الخطيب وصوت الخطيب، أنا أرفضه، لماذا؟ لأن هذا خارج عن تراثنا وهويتنا.

فئة ترفض كل جديد لأنها فئة خوافة، كأن هويتنا محصورة في أن نجلس على الحصير ونسمع الصوت بدون واسطة، هويتنا إذا انفتحت على الجديد، تلوثت وتعكرت، أي هوية ضعيفة خاوية تهتز بهذه الوسئل الحديثة؟!

وهناك فئة أخرى، بالعكس، لديها إفراط، يقولون: فلننفتح، إلى متى نحن متخلفون، كل جديد فهو مفيد، كل جديد فهو مرغوب، انفتحوا على كل شيء، جاءنا الغرب بأعياد الميلاد، أقمنا أعياد الميلاد، جاءنا الغرب بعيد الحب، أقمنا عيد الحب، شاهدنا مايكل جاكسون، قلدنا عليه، فلننفتح على جديد، من دون أن يكون لنا أصالة، من دون أن يكون لنا رصيد من القيم، ورصيد من التراث، نحاسب الجديد على هذا الرصيد.

يجب أن نأخذ منهجًا وسطيًا، منهج الوسطية يعني أن نستخدم هويتنا في اختراق هذا العالم، أن نستغل العالم لحساب هويتنا، لماذا أخاف؟ لماذا نخاف من العولمة؟ فلنستغل العولمة في نشر ديننا ومبادئنا، لماذا نخاف من كل جديد؟ فلنستغل الجديد لحساب هويتنا.

مثلًا: أعياد الميلاد، قم بعمل عيد ميلاد لابنك، لكن بدل هذه النشيدة الغربية، اقرأ بعض مدائح محمد وآله، مثلًا، عيد الحب، آخذ هذه البطاقة يوم عيد الحب، طبعًا هي لا تحصل إلا بين الذكور والإناث، لكن نجعلها بين الذكور، مثلًا، الأنثى تقدم لمعلمتها، والذكر يقدم لمعلمه، لماذا يُقتصر على الحب بين الذكور والإناث؟ التلميذ يحب معلمه، والتلميذة تحب معلمتها، فلأقدم لمعلمي وأستاذي بطاقة بمناسة عيد الحب، في هذه البطاقة حكمة من حكم الرسول ، أو من حكم علي وأهل بيته، فلنستغل الجديد لحساب هويتنا.

إذن نحن ندعو للانفتاح على الجديد، ولكن من خلال هويتنا، ومن ضمن هويتنا. هويتنا لا تتأثر بالانفتاح على الجديد إذا تعاملنا معه معاملة أن نستخدمه لحساب هويتنا، كما قلنا سابقًا في النقاط السابقة، الهوية وسيلة وليست غاية، فنحن نستخدم كل الوسائل المشروعة في سبيل تحقيق هدفنا وإيصال صوتنا، فنحن لسنا مع الانغلاق التام، ولسنا مع الانفتاح التام، بل نُعلّم أبنائنا وشبابنا ونشرح لهم طبيعة هويتنا، وأن المدار والميزان والمعيار هو استغلال الجديد لخدمة الإسلام ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

النقطة الأخيرة: التشيع والهوية الإسلامية.

 بعض الأقلام كتبت، التشيع الآن في مأزق سياسي، الشيعة في زماننا في مأزق سياسي واجتماعي، لا يجمعون بين الهوية الإسلامية والهوية المذهبية، الشيعة محاطون بحواجز حديدية، بحواجز إسمنتية، ماهي؟

  • على مستوى المعتقد.
  • على مستوى السلوك.

أما على مستوى المعتقد، فالشيعة يعتقدون أن المذهب الشرعي هو مذهب اثني عشر معصوم، تبعًا لقوله النبي ”إني مُخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي“ هذا المعتقد يحجزهم عن غيرهم، كيف ينسجمون مع المجتمع الإسلامي العام وهم يعتقدون أن الشرعية عندهم فقط؟ كيف يحاورون الطرف الآخر وهم يعتقدون أن الشرعية لأئمتهم فقط دون غيرهم؟ إذن، هذا حاجز حديدي أمام الحوار، أمام الانفتاح.

على مستوى السلوك، بعض الشيعة يلعن بعض الصحابة، هذا أمر لا ننكره، بعض الشيعة يلعن بعض الصحابة، هذا سلوك، سلوك آخر: الشيعة يعملون بالتقية تبعًا لقول إمامهم الصادق ”التقية ديني ودين أجدادي“ الشيعة سنويًا يصرّون على إقامة الطقوس الحسينية، هذه المجالس التي نجتمع بها، وهذه الطقوس الحسينية، حاجز حديدي أمام الاتقاء بأبناء المذاهب الإسلامية الأخرى، لماذا؟

لأن هذه الطقوس الدينية خلاصتها اعتبار التاريخ الأموي صفحة مظلمة في التاريخ الإسلامي، وبما أنكم تعتبرون التاريخ الأموي صفحةً مظلمةً في التاريخ الإسلامي، فكيف تلتقون وتتحاورون مع إنسان يرى التاريخ الأموي هو التاريخ الإسلامي، لأنه مليء بالإنجازات والفتوحات، والحضارة الإسلامية.

إذن، الشيعة من حيث المعتقد لا يؤمنون بشرعية المذهب الآخر، فكيف يحاورونه؟ والشيعة من حيث السلوك، بعضهم يلعن بعض رموز الطرف الآخر، فكيف ينسجمون معه؟ يتقون الطرف الآخر، فكيف يثقون به؟ يقيمون طقوسًا سنويةً تؤكد على فضح التاريخ الأموي، وإبراز جرائمه، وهذا حاجز حديدي ثالث مع هذه الحواجز الحديدية.

فالشيعة بين خيارين: إما أن يذوبوا في المجتمع الإسلامي العام، فيتنازلوا عن بعض حواجزهم، ويعتزلوا ولا نصيب لهم في عجلة الحضارة، ولا في مسار الحضارة، فماذا تقولون؟ نحن نقول أبدًا، هذا تصوير مبالغ فيه جدًا، لماذا؟

نحن نقول: نحن منفتحون على الأطراف الأخرى، ونحن منفتحون بكل إمكاناتنا على الحوار مع الجتمع الإسلامي العام، بشرط أن يكون الحوار حوارًا موضوعيًا، وما معنى الحوار الموضوعي؟ يعني أن ندخل الحوار والانفتاح بهويتنا المذهبية الشيعية، نحن بهويتنا، بعناويننا، بألواننا، بطقوسنا، نخوض الانفتاح، نحن على ما نحن عليه نخوض الانفتاح، ونخوض الحوار، بنفس ألواننا المذهبية، بنفس طقوسنا المذهبية، بنفس شعائرنا، بنفس معتقداتنا.

على الآخر عندما يريد أن ينفتح علينا، فلينفتح علينا بموضوعية، نحن نعتقد بأن المذهب الشرعي مذهب أهل البيت ، ربما بعض أهل السنة يعتقد بألا شرعية لمذهبنا، نحن لا نقول له شيء، مثلًا بعض الشيعة يلعن بعض الصحابة، هذه مارسة موجودة عند بعض الشيعة، لا نستطيع أن نلغيها، كما أن هناك بعض أهل السنة، ليس جميعهم - بعض إخواننا أهل السنة موضوعيون - ولكن يوجد أخوة من أهل السنة يعبر عن الإمام الصادق والعياذ بالله بالكاذب.

إذن بالنتيجة، وجود من يلعن بعض الصحابة، هذا أمر موجود، نحن لا ننكره ولانستطيع أن نلغيه، مسألة أننا نتعامل بالتقية، تعامل معنا بموضوعية، فلا نحتاج إلى التقية، نحن لماذا نحتاج إلى التقية؟ بعض الأخوة من أهل السنة، لا نقول كلهم لأن بعضهم يحترمونا ويعظمونا ويقدرونا، لكن بعضهم لا يتعامل بمعنا بموضوعية، إذا لم تتعامل معي بموضوعية، كيف لا أعمل بالتقية؟ وأنا مضطر إلى أن ألتقي معك، عاملني بموضوعية، فلا أحتاج إلى التقية.

أما طقوسنا وشعائرنا الحسينية، فنحن هذه نظريتنا، نحن نفصل بين أمرين، بين تاريخ الإسلام، وبين بني أمية، وإن كانوا هم سلاطين وحكام تلك الفترة، ولكن نقول بكل وثوق ولدينا أدلتنا، الذي صنع الفتوحات، وصنع البطولات، وصنع الإنجازات، ليسوا هم بنو أمية، وإنما صنعته طاقات الأمة، الأمة الإسلامية كان فيها طاقات علمية، كان فيها طاقات ميدانية، كان فيها طاقات جهادية، هذه الطاقات هي التي صنعت الإنجازات والفتوحات والحضارة، لم يصنعها يزيد ولا الوليد بن عبدالملك، وإن كانوا حكام تلك الفترة.

فنحن نفصل التاريخ الإسلامي الذي نحترمه، عن هذه المجموعة من بني أمية الذين تلوثت أيديهم بدماء ذرية النبي ، فنحن نفصلهم عن التاريخ الإسلامي، ولا نعتبرهم جزءًا مساهمًا في التاريخ الإسلامي. الذي صنع التاريخ هو الطاقات، طاقات الأمة، وليس هؤلاء.

إذن، أريد أن أؤكد: نحن لسنا منغلقين عن الحوار، وعن الانفتاح، نحن ندعو للحوار الموضوعي، المبني على أن تضمني إليك بما أنا، تضمني إليك بهويتي، بعناويني، بما أنا عليه من هذه التشكيلة، التي شكلتها لنا أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» فهذه طقوسنا، وهذه شعائرنا، وهذه ألواننا، ونحن ننفتح على كل شخص بما لنا من هذه الحيثيات والخصوصيات التي تميز هويتنا الإمامية الشيعية، التي هي من صلب الهوية الإسلامية.

رحم الله الشاعر محمد سعيد الجشي، يقول في قصيدته في رثاء الحسين:

للمشعرين  وقبلة  الإسلام
إن  التشيع  وهو أول iiبذرةٍ
  قلبٌ  يؤرخه الجهاد الدامي
غرست بجانب بذرة الإسلام

التشيع هو صلب الإسلام، عندما نقول هويتنا شيعية، يعني الهوية الإسلامية، لسنا شيء آخر، لا نفرق بينهما، نحن في هويتنا الإسلامية انطلقنا إلى الاعتقاد بالمحبة والمودة لأهب البيت «صلوات الله وسلامه عليهم» إذن، شعائرنا الحسينية، وألواننا الحسينية، وطقوسنا الحسينية، هي من صلب هويتنا.

أنا أستغرب جدًا ممن يعتبر قضية الحسين قضية طائفية، كأنما الحسين إمام الشيعة فقط، الشيعة فقط هم من يهتمون بالحسين، وغيرهم لا، قبل كم ليلة، قناة المنار استضافت علماء من أهل السنة، شيخ مصري مفتي في أستراليا، تحدث عن الحسين حديثًا عظيمًا جدًا، هناك من أهل السنة ومن المسيحيين من يعظم الحسين ويمجد الحسين ثائرًا من أجل المبدأ، ومن أجل القيم.

ليست قضية الحسين قضية طائفية، مشروع الحسين مشروع إنساني، كل إنسان يرغب أن يفدي بنفسه المبادئ الإنسانية، الحسين فدى بنفسه مبدأ الحرية الذي هو مبدأ إنساني عام، قضية الحسين ليست إسلامية وليست شيعية، إنها قضية إنسانية، كل إنسان منصف يرى الحسين إنسانًا عظيمًا، لأن الحسين ثار من أجل مبدأ الحرية، كيف نحصر قضية الحسين في زاوية طائفية، أو في زاوية مذهبية.

الحسين نفسه يقول: مشروعي هو مشروع قرآني «ما خرجت أشرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا - ما عنده أي طمع شخصي - وإنما خرجت لطلب الإصلاح، أريد أن آمر بالمعروف» هذا هو منطق القرآن، القرآن يقول:وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ منطق الحسين هو منطق القرآن، مشروع الحسين مشورع قرآني وليس مشروعًا شيعيًا أو طائفيًا.

إذن، احتفالنا بالحسين سنويًا هو احتفال بمشورع قرآني، تعظيم لمشروعي إنساني، وليس تعظيم لمشروع طائفي، وقف الحسين على الصفا يخاطب الحجيج قائلًا «خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخطّ القلادةِ على جيدِ الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياقُ يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشًا جوفًا وأجربة سغبًا، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشدّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقر بهم عينه، وتسعد بهم نفسه، ألا فمنا كان فينا باذل مهجته، موطئًا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحلٌ مصبحًا إن شاء الله»، وهيأ الرحال للخروج.