حول البكاء على الحسين وصوم يوم عاشوراء

تحرير المحاضرات

ورد عن الرسول الأعظم أنه قال: ”حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحبَّ حسينًا، وأبغض الله من أبغض حسينًا، حسينٌ سبطٌ من الأسباط“

حديثنا هذه الليلة في عدة نقاط:

  • في البكاء على الحسين .
  • في صوم يوم عاشوراء.
  • في إقامة المآتم لذكرى الحسين .
النقطة الأولى: البكاء على الحسين.

لقد رأيتُ منشورًا باسم بعض الجمعيات يتناول فيه الشيعةَ الإماميةَ الذين يحتفلون يوم عاشوراء حزنًا على الحسين وذرية رسول الله، وقد عبّر صاحب المنشور بأنه لا يجوز المشاركة مع المخالفين لسنة رسول الله في أحزانهم المزعومة، وهذا يعني أن شيعة أهل البيت - بحسب نظره - مخالفون لسنة رسول الله، وأن أحزان شيعة أهل البيت ومآتمهم ما هي إلا أحزان مزعومة وموهومة. ونحن نسلّط الضوء على هذه الكلمات.

أولاً: هل شيعة أهل البيت مخالفون لسنة رسول الله؟

الرسول الأعظم يقول: ”إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“، فمن الذي اتبع هذا الحديث: الشيعة أم غيرهم؟! من الذي أخذ بأحاديث أهل البيت ورواياتهم من جميع المسلمين؟! الشيعة وحدهم هم الذين ساروا على ضوء أحاديث أهل البيت روايات أهل البيت، واتبعوا سنة رسول الله في ذلك. الرسول الأعظم يقول: ”مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من تمسّك بها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى“، فمن الذي سار على سفينة أهل البيت: الشيعة أم غيرهم؟! الرسول الأعظم يقول: ”أهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض، كما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء“ و”أهل بيتي باب حطة، من دخله كان آمنًا“.

هذه الأحاديث التي تأمرنا باتباع أهل البيت والسير على رواياتهم - الواردة في مسند أحمد بن حنبل، والصواعق المحرقة لابن حجر، وكنز العمال، ومستدرك الحاكم - من اتبعها غير الشيعة؟! من سار على هدى أهل البيت غير الشيعة؟! فأهل الشيعة هم أولى الناس باتباع سنة رسول الله؛ لأنهم طبّقوا أحاديثه وأوامره، وساروا على مذهب أهل البيت؛ لأن الرسول أمرهم بذلك، وليس الشيعة مخالفين لسنة رسول الله.

هل أمرنا رسول الله باتباع مالك أو باتباع أحمد بن حنبل أو باتباع الشافعي أو باتباع أبي حنيفة؟! وهل يوجد حديثٌ واحدٌ عن الرسول يأمرنا باتباع واحد من هؤلاء؟! بينما توجد الأحاديث الكثيرة التي تأمرنا باتباع أهل البيت .

فدع  عنك  قول الشافعي iiوأحمد
ووالِ   أناسًا   ذكرهم   iiوحديثهم
  ومالك  والمروي عن كعب iiأحبارِ
روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

ثانيًا: يقول صاحب المنشور بأن المآتم أحزانٌ مزعومة، ولا أدري ماذا يقصد بالأحزان المزعومة! ذهب بعض المسلمين إلى أن البكاء على الميت غير مشروع؛ لأن الخليفة عمر بن الخطاب روى عن رسول الله : ”إن الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه“، فلا يصح البكاء على الميت. ونحن نناقش ذلك، فنقول:

الأمر الأول: مشروعية البكاء على الميت.

هناك دلّت على أن رسول الله بكى على الموتى، منها:

صحيح البخاري في كتاب فضائل الصحابة يقول: صعد رسول الله المنبرَ، وذكر واقعة مؤتة، وقال: ”لقد أخذ الراية زيد بن حارثة وأصيب، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب وأصيب، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة وأصيب“، ثم بكى رسول الله ودموعه تذرف على خديه. لماذا بكى رسول الله على الموتى؟! إذا كان البكاء على الميت غير مشروع فلماذا بكى رسول الله؟!

ويروي البخاري في كتاب الجنائز عن عبد الله بن عوف: دخلنا على رسول الله وولده إبراهيم يجود بنفسه، فرأينا رسول الله يبكي، قلنا: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: ”إنها رحمة، العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون“، فالرسول يبكي على ولده إبراهيم.

ويروي النسائي في سننه في كتاب الجنائز أيضًا أن الرسول الأعظم زار قبر أمه آمنة بنت وهب، فبكى عند القبر، وأبكى من حوله. فإذا كان الرسول يبكي على الموتى، فكيف يكون البكاء على الميت محرمًا وغير مشروع، وقد صنعه الرسول الأعظم بنفسه؟!

وأما الحديث الذي رواه الخليفة عمر بن الخطاب فإن السيدة عائشة ترفض هذا الحديث. البخاري يروي في كتاب الجنائز أنه قال: لما أصيب الخليفة عمر دخل صهيب يبكي، فقال الخليفة: يا صهيب، لا تبكِ، فإني سمعتُ رسول الله يقول: ”إن الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه“، فلما مات عمر بلغ كلامُه عائشة، فقالت: لا، ما هكذا قال رسول الله، وإنما قال رسول الله: ”إن الكافر ليزيده الله عذابًا ببكاء أهله عليه“. ثم قالت عائشة: حسبنا كتاب الله، القرآن يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. هذا الميت ما هو جرمه؟! إذا بكى عليه أهله فإن الله يعذّبه هو؟! هم الذين يبكون وهو الذي يُعَذَّب! هذا ظلمٌ للميت، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فالبكاء على الميت أمرٌ مشروعٌ.

الأمر الثاني: مشروعية البكاء على الحسين .

يروي الحاكم في مستدركه - ويقول: حديثٌ صحيحٌ بشرط الشيخين - أن أم الفضل جاءت إلى رسول الله، وقالت: يا رسول الله، رأيتُ رؤيا أفزعتني. قال: ما رأيتي؟ قالت: رأيتُ قطعة من جسدك قُطِعَت وصارت في حجري. قال لها: لا تخافي، رأيتِ خيرًا، يولد لي ولدٌ ويكون في حجركِ. فلما وُلِدَ بالحسين أخذته أم الفضل ووضعته في حجرها. تقول أم الفضل: جئتُ به إلى رسول الله ، فقال: يا أم الفضل ناوليني مولودي، فناولته إياه، فصار يبكي ودموعه تجري على خديه. قلتُ: يا رسول الله، مم بكاؤك؟ قال: نزل عليَّ أخي جبرئيل، وقال: يُقْتَل ولدُك هذا بأرض العراق، يقتله نفرٌ من أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي، ثم أخرج الرسول تربة حمراء، وقال: وهذه التربة التي يُقْتَل عليها.

أي أن الرسول بكى على الحسين قبل قتله، بينما أنت - يا صاحب المنشور - تقول بأن الأحزان مزعومة، فهل أحزان الرسول مزعوم؟! هل بكاء الرسول مزعوم؟! الشيعة ما بكت على الحسين إلا اقتداءً برسول الله، ولقد حُرِم من هذه النعمة غيرُ الشيعة. الشيعة هم الذين حظوا بهذه النعمة الكبيرة، وهي أنهم اقتدوا برسول الله في أحزانه وفي بكائه، وأنت تقول بأنها أحزان مزعومة!

وينقل الحاكم في مستدركه أيضًا عن أم سلمة أنها قالت: جلس رسول الله من نومه فزعًا، ورأيتُ في يديه تربةً حمراء يقبّلها وهو يبكي. قلتُ: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: نزل عليَّ أخي جبرئيل، وقال: يُقْتَل ولدكَ الحسينُ بكربلاء، وهذه التربة التي يُدْفَن فيها.

هذه الرواية ليست دليلاً على صحة البكاء فقط، بل هي دليل على صحة التبرّك بتربة الحسين أيضًا، حيث قبّل الرسول هذه التربة. الشيعة عندما تسجد على تربة الحسين، وتتبرك بتربة الحسين، فإنها تقتدي برسول الله الذي كان يقبّل هذه التربة، وتقبيل رسول الله لتربة الحسين احترامٌ لهذه التربة. ما رأينا الرسول فعل هذا مع تربة غير كربلاء، ولم نسمع برواية في كتب الشيعة ولا السنة تقول بأن رسول الله أخذ شيئًا من تربة مكة أو المدينة وقبّله، ولكن الحاكم في مستدركه ينقل أن الرسول كان يقبّل التربة التي يُدْفَن فيها الحسينُ بن علي.

يروي كنز العمّال في الجزء السادس عشر عن أم سلمة أيضًا أنها قالت: كان الحسن والحسين يلعبان، وإذا برسول الله يقبض على الحسين ودموعه تجري على خديه، وضمّه إلى صدره، فقلتُ: مم بكاؤك؟ قال: أخبرني حبيبي جبرئيل عن ولدي هذا بأنه يُقْتَل بكربلاء، وناولني تربتَه، وقال: يا أم سلمة، خذيها، واحتفظي بها، فإذا رأيتيها انقلبت دمًا عبيطًا فاعلمي أن ولدي الحسين قد قُتِل. والرسول لا ينطق كذبًا، ولا يقول زورًا.

ويروي أحمد بن حنبل في الجزء الأول من مسنده أن عليًا لما ذهب إلى صفّين مرَّ بكربلاء، فنزل وأخذ بضعة من التراب وشمّها، ثم بكى وقال: هاهنا مناخ رحالهم، وهاهنا محط ركابهم، قيل: من هم يا أمير المؤمنين؟ قال: نفرٌ من ذرية رسول الله، يُقْتَلُون بهذا المكان. الإمام علي يشم تربة الحسين ويبكي، والرسول يقبّل تربة الحسين ويبكي، فعلامَ يلام الشيعة على تقبيل تربة الحسين وشم تربة الحسين والبكاء على الحسين؟! هم يقتدون برسول الله وبعلي أمير المؤمنين.

والأعظم من هذا، ما رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة، ورواه ابن عساكر في الجزء الرابع من منتخب تاريخه: لما قُتِل الحسينُ بن علي أمطرت السماءُ دمًا عبيطًا، وما رُفِع حجرٌ إلا ووُجِد تحته دمٌ عبيطٌ. وقال ابن سيرين: ما بكت السماء على أحد بعد مقتل يحيى بن زكريا إلا عندما قُتِل الحسين بن علي. فالسماء تبكي، والأرض تبكي، والرسول يبكي، وعلي يبكي، وهذا الكاتب يقول: أحزانهم المزعومة! فأين الاقتداء برسول الله؟! وأين سنة رسول الله؟! وأين الأحاديث والروايات التي ضربنا بها عرض الحائط؟!

النقطة الثانية: صوم يوم عاشوراء.

ذكر صاحب المنشور مسألة صوم يوم عاشوراء، وجاء بروايات من صحيح البخاري ومسلم باستحباب صوم يوم عاشوراء، وهنا أناقش رواية واحدة لتفهم من خلالها نقاش البقية، وهي الرواية التي يذكرها البخاري في صحيحه: ذهب الرسول الأعظم إلى المدينة، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: كيف تصومون يوم عاشوراء؟! قالوا: هذه سنة موسى بن عمران؛ لأن يوم عاشوراء هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومَه، وأهلك فرعون وقومَه. فاستحسن رسول الله، وصام يوم عاشوراء، وأمر به، وقال: أنا أولى باتباع سنة أخي موسى منكم.

أولاً: واعجباه! فهل كان رسول الله يستمع إلى اليهود، ويمشي على إخبار اليهود؟! القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، فالقرآن الكريم يقول بأن الرسول لا يتبع إلا الوحي، بينما هذه الرواية تقول بأن الرسول اتبع اليهود في صيام يوم عاشوراء! وهل هذا إلا معارض للقرآن الكريم؟! القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فهل الرسول يتبع الإسلام أم يتبع غير الإسلام؟!

ثانيًا: لفظة «عاشوراء» ما حدثت إلا بعد مقتل الحسين، وأما قبل مقتله لم يكن هناك شيء اسمه عاشوراء أصلاً، وهذا ما نصّ عليه ابن جريد في الجمهرة في لغة العرب، ونص عليه ابن الأثير في نهايته، حيث قالا بأن لفظة عاشوراء ما عُرِفَت بين المسلمين إلا عندما قُتِل الحسين بن علي، وإلا فإن كل شهر فيه تاسع وعاشر، ولا يختص شهر دون شهر بذلك، وإنما اُسْتُحْدِثَت هذه اللفظة بعد مقتل الحسين، فكيف تقول هذه الرواية بأنه رآهم يصومون يوم عاشوراء؟!

ثالثًا: الفتني في كتابه تذكرة الموضوعات ينقل في الجزء الرابع أن صوم يوم عاشوراء والتبرك في يوم عاشوراء مراسم أحدثها بنو أمية حقدًا على ذرية رسول الله، فهذه كلها روايات أموية بثها الأمويون في كتب المسلمين لكي يشوّهوا صورة يوم عاشوراء، ولكي يبعدوا المسلمين عن الاحتفال حزنًا بذكرى يوم عاشوراء.

النقطة الثالثة: المآتم الحسينية.

المآتم الحسينية التي تُعْقَد احتفالاً بذكرى الحسين نتحدث عنها من خلال جهتين: الجهة الأولى في مشروعيتها، والجهة الثانية في طرق إبقائها وتطويرها.

الجهة الأولى: مشروعية المآتم.

من الغريب أن نسمع من بعض المسلمين أن المآتم بدعة، وكل بدعة ضلالة.. إلى آخر القصيدة المعروفة! والحال أن البدعة هي الشيء الذي لا يوجد دليلٌ على مشروعيته، كمن يصلي ثلاث ركعات بعنوان نافلة الضحى مثلاً! هذه بدعة؛ لأنه لا يوجد دليلٌ على مشروعيتها. لا مانع من أن يصلي الإنسان قربة لله؛ إذ أن ”الصلاة خير موضوع، من شاء استقل، ومن شاء استكثر“، ولكن الصلاة بعنوان نافلة الضحى بدعة لا دليل عليها، فالبدعة هي العمل الذي لا دليل على مشروعيته.

المآتم ليست بدعةً؛ إذ توجد أدلة كثيرة على مشروعيتها، فإن المآتم الحسينية ما هي إلا تعبيرٌ عن حبنا لأهل البيت، وهل يحرم على المسلم أن يعبّر عن حبه تجاه أهل البيت؟! القرآن الكريم: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، ويقول: ﴿سَلَامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ، وآل ياسين هم آل محمد ، ويقول: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. الرسول الأعظم يقول: ”ألا من مات على حب آل محمد مات مغفورًا له، ألا من مات على حب آل محمد مات شهيدًا، ألا من مات على حب آل محمد جاء يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه“، وهذا الحديث يذكره أحمد بن حنبل في مسنده.

إذن فحب آل محمد من أعظم الشعائر، ومن أعظم القربات التي ندب إليها القرآن، وندب إليها الرسول الأعظم ، وهذه المآتم إظهارٌ لحب آل محمد، وتعبيرٌ عن حب آل محمد. مع الأسف، الكثير من المسلمين محروم من هذه المآتم، مقاطعٌ معارضٌ لها. إذا أردتَ الثواب الجزيل والأجر العظيم فاحضر هذه المآتم إن كنتَ مسلمًا متدينًا بسنة رسول الله . لماذا تعتبرها بدعة وهي تعبير عن حبنا لآل محمد؟!

وأما إذا قلتَ بأن البدعة هي الشيء الذي لم يفعله الرسول - كل شيء لم يفعله رسول الله فهو بدعة، وهذه المآتم ما فعلها رسول الله، فهي بدعة - فإن سجودك على الزل بدعةٌ؛ لأن الرسول ما سجد على الزل، بل كان يسجد على التراب، ويقول: ”جُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا“، ولم نسمع بأنه سجد على سجادة أو قماش، فسجودك على الزل بدعة! وكذلك قولك في الصلاة: ”اللهم صل وسلّم على سيدنا محمد وآله وأصحابه والتابعين له بإحسان“ بدعة؛ لأننا لم نسمع بأن الرسول قال ذلك، ولا يوجد كتابٌ من كتب المسلمين يأمر بالصلاة على أصحاب الرسول والتابعين لهم بإحسان أبدًا، فهذه الصلاة بدعة! وإنشاء الجمعيات والمؤسسات بدعة أيضًا؛ لأن الرسول ما فعلها، فلماذا اعتبرتَ المآتم بدعة، ولم تعتبر غيرها كذلك؟!

إذن فالبدعة هي التي لا دليل عليها، بينما المآتم يوجد الدليل على مشروعيتها، حيث قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. هذه المآتم يُقْرَأ فيها تفسير القرآن، وتُذْكَر فيها أخلاقُ الرسول، وتُنَاقَش فيها المشاكل الاجتماعية، وتُطْرَح الأحاديث العلمية، فهل تفسير القرآن بدعة؟! هل مناقشة المشاكل الاجتماعية بدعة؟! هل الأحاديث العلمية بدعة؟! هذه المنابر التي ما جُعِلَت إلا لإحياء الدين وشعائره لماذا تعتبرها بدعة؟!

ولذلك ورد عن الإمام الصادق مخاطبًا الفضيل بن يسار: يا فضيل، أتجلسون وتتحدثون؟ قلتُ: بلى سيدي، قال: ”إني أحب تلك المجالس، فأحيوا فيها أمرنا، من جلس مجلسًا يحيى فيها أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“.

الجهة الثانية: تطوير المآتم.

كيف نطوّر هذه المآتم بنحو أكثر فائدة وأكثر ثمرة وأكثر فعّالية؟

أولاً: أصحاب المآتم والحسينيات والمنابر عليهم أن يختاروا الخطباء العلماء القادرين على التحليل وطرح الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة، والقادرين على تحديد الموقف الفقهي والشرعي في كل واقعة ومشكلة؛ فإن اختيار الخطباء الأكفاء لهذه المنابر مما يكون عاملاً مهمًا في إنتاج جيل صالح، وجيل متعلم، وجيل مثقف. ويكون عاملاً مهمًا في المحافظة على أوضاع شيعة أهل البيت من التأخر والتخلّف.

ثانيًا: إنشاء لجان شبابية وظيفتها اختيار الموضوعات المهمة التي يطرحها خطباء المنبر الحسيني، حيث يمر موسم محرم في الكويت وغيرها وفيه من الخطباء الأفاضل والخطباء العلماء مجموعة لا بأس به، فالمناسب لعدةٍ من الشباب أن يقوموا باختيار الموضوعات التي طرحها الخطباء، وألقوها من خلال المنبر، وجمعها، وترتيبها، وبثها من خلال الشريط، أو من خلال الكتاب، أو من خلال النشرة، أو من خلال أي وسيلة أخرى. فمن المناسب جمع هذه الموضوعات التي تعب الخطباء على تنقيبها وتهذيبها وتصحيحها في سبيل إنتاج وإحياء ثمرة هذا الموسمِ موسمِ شهر المحرم.

كما أن من المناسب أيضًا أن مجموعة من الشباب يحدّدون المشاكل الاجتماعية، فإن المجتمعات الإسلامية مبتلاة بمشاكل خلقية وأسرية واجتماعية. ينبغي للشباب المتدين معرفة هذه المشاكل، وإحصاؤها، والبحث عن أسبابها وطرق علاجها، والقيام بدراسات ميدانية وتحليلية، وجمع إحصائيات لهذه المشاكل، ثم تقدّم هذه الدراسات والبحوث لخطباء المنبر، حتى يستفيدوا منها في معالجة المشاكل، وفي معالجة الأوضاع. إذن فوجود هذه اللجان الشبابية عاملٌ مهمٌ في تطوير المنبر الحسيني، وفي استمرار مسيرته، وفي استمرار عطائه ونفعه.