حقيقة العلم الإجمالي

الدرس 55

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وصل البحث إلى القول بالاقتضاء في مقابل القول بالعلية التامة. وقد أفاد المحقق النائيني في فوائد الأصول «ج4، ص32» فما بعدها أموراً ثلاثة:

الأمر الأول: أنّه لا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي في المنجزية، لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، والسر في ذلك:

أنّه لو ارتكب أحد الأطراف فهو في معرضية ارتكاب المحرّم المعلوم بالإجمال، وحينئذٍ يكون ارتكابه بلا مسوغٍ عقليٍ أو شرعيٍ، فيكون بذلك مستحقاً للعقوبة؛ ثم قال: نعم، لا مانع من أنّ يجوّز الشارع ارتكاب بعض الأطراف بجعل بعض الأطراف الأخرى بدلاً عمّا هو المعلوم بالإجمال.

الأمر الثاني: أفاد: بأنّنا نلتزم بأنّ العلم الإجمالي علّةً لوجوب الموافقة القطيعة، غاية ما في الباب نقول: أنّ الموافقة القطعية هي الأعم من الموافقة الوجدانية أو التعبدية، بأن نقول: إنّه يجب على العبد تحصيل الأمن من اقتحام أطراف العلم الاجمالي، وهذا الأمن يحصل له بالموافقة القطعية أو التعبدّية، ولا عجب في ذلك، فإنّ العلم الإجمالي لا يزيد على العلم التفصيلي؛ والمفروض أنّ العلم التفصيلي لا يقتضي وجوب الموافقة القطعيّة الوجدانية، إذ يجوز في مورد العلم التفصيلي الاكتفاء بالموافقة التعبديّة كما في مورد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز واستصحاب الطهارة في الصلاة، فإنّ الموافقة حينئذٍ ليست وجدانية، وإنّما تعبديّة، فإذا جاز في العلم التفصيلي جاز في العلم الإجمالي من باب أولى.

الأمر الثالث: قال: بأنّ تصرّف الشارع في مورد العلم الإجمالي والتفصيلي لابّد أن يرجع إلى جعل البدل، بمعنى: أنّه لا يرّخص في طرف إلاّ مع اعتبار الآخر بدلاً عن المعلوم بالإجمال، إمّا أنّه يرّخص مطلقاً فهذا نقض للغرض، أو يرخّص دون جعل البدل فهذا خلف منجزية العلم الاجمالي، فلا محالة لابّد أن يرجع ترخيصه إلى جعل البدل، لا بعنوان البدلية، وإنّما قد تكون البدلية مدلولاً سياقياً للدليل كما في مورد قاعدة الفراغ والتجاوز.

وقد تكون مدلولا التزاميا: كما لو جرت أصالة البراءة أو الحِل في بعض الأطراف دون معارض، فإنّ دليل البراءة لا يتضمن جعل البدل، ولكن يستفاد البدلية بالالتزام، إذ لا يُعقل الترخيص في أطراف العلم الاجمالي كالتفصيلي، فلو جرى المرخّص دون معارض لكان ذلك جعلاً للبدلية بالمدلول الالتزامي.

وذكر شبيه ذلك في أجود التقريرات «ج3، ص410» فما بعدها. ويأتي الكلام في اعتراض المحقق العراقي «قده» عليه، وما قيل في الدفاع عنه.

والحمد لله رب العالمين