الدرس 62

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

واما بالنسبة لمقام التنجيز فقد يقال بان التصرف في عالم الامتثال بإجراء قاعدة الفراغ او التجاوز، اما مع التحفظ على تنجز وجوب الصلاة التامة، اولا مع التحفظ عليه، فان تحفظ على تنجز وجوب الصلاة التامة ومع ذلك اكتفى بالصلاة المشكوكة فهذا ليس امتثالاً، اذ لا يجتمع عقلاً كون الصلاة المشكوكة امتثالاً وتنجز وجوب الصلاة التامة المساوق للزوم احراز الفراغ الوجداني عقلاً، واما ان لا يتحفظ على تنجز وجوب الصلاة التامة، فمرجع التصرف حينئذٍ الى التصرف في المنجزية، لا الى التصرف في عالم الامتثال، فالمتخلص من هذا الاشكال على القائلين بالعلية انه لا يعقل التصرف في عالم الإمتثال بل لا محالة مرجع التصرف اما الى التصرف في مرحلة الجعل او الى التصرف في مرحلة الفعلية والتنجز.

وتعليقا على هذا البيان يقال: بان التصرف تارة يكون مرجعه الى التصرف في متعلق التكليف، وتارة يكون مرجعه الى التصرف في حدود التكليف نفسه، وتارة يكون مرجعه الى التصرف في مرحلة المنجزية فهنا ثلاث موارد:

المورد الأول: ما يرجع الى التصرف في متعلق الامر، مثلاً اذا اتى المكلف بالصلاة الناقصة لجزء او شرط من غير الخمسة في عذر من سهو او جهل قصوري، بحيث يكون مشمولاً لقاعدة لا تنقض السنة الفريضة ففي مثل هذا المورد يقال ان الصلاة الناقصة التي اتى بها اما وافية بالمقدار اللازم من الملاك، او انها محققة لغرض مهم اخر للمولى كغرض التسهيل وحينئذٍ لا محالة مقتضى ذلك ان يكون المأمور به في حق المكلف هو الجامع فهو مأمور بالجامع بين الصلاة التامة في حالة الاختيار والصلاة الناقصة في حالة العذر، فتكون الصلاة الناقصة في حالة العذر احد فردي الجامع، وهذا يرجع الى التصرف في التكليف، من تحويله من خصوص الصلاة التامة الى الجامع، لا التصرف في عالم الامتثال بعد التحفظ على التكليف بالصلاة التامة.

المورد الثاني: ما يكون تصرفاً في حدود التكليف، وهو مورد الاضطرار والحرج فهنا مثالان:

المثال الاول: هو فرض الحرج او الضرر، حيث ان من المعلوم ان لا ضرر ولا حرج حاكم على الحكم الاولي، أي انه كاشف عن عدم فعلية الحكم في مورد الحرج او الضرر، فلو ترتب الحرج على الجمع بين المحتملات لا على نفس امتثال الحكم مثلاً اذا علم تفصيلا بوجوب صلاة الظهر والعصر الى الكعبة، وترددت الكعبة بين ثمان جهات، فانّ تحصيل الفراغ الوجداني بالاتيان بصلاتي الظهر والعصر الى ثمان جهات حرج على المكلف مثلا او ضرر عليه، فنفس الصلاة الى الكعبة ليست حرجا عليه لو كان يعلم بها، وانما الحرج في تحصيل الفراغ الوجداني لا في أصل الامتثال، ففي مثل هذا المورد هل التصرف في الامتثال او يقع التصرف في حدود التكليف؟ افاد صاحب الكافية ان هذا يختلف باختلاف تحديد مفاد لا حرج.. فان هناك مبنيين:

مبنى صاحب الكفاية ان المرفوع في لا حرج المتعلق الحرجي ففرض في كلامه ان الحرج في متعلق الحكم، كما لو كان الوضوء حرجيا فاذا كان متعلق الحكم حرجا ارتفع الالزام عنه فلا يجب الوضوء الحرجي وانما يكون المكلف مخيرا بين الوضوء والتيمم مثلاً فما هو المرفوع هو المتعلق الحرجي فيرفع برفع حكمه.

والمبنى الثاني مبنى الشيخ والمحقق النائيني وسيدنا: من ان المفروض بلا حرج الحكم الحرجي لا المتعلق الحرجي، فاخذ الحرج في الحكم، بان يكون نفس الالزام موقعا في الحرج فمتى ما كان نفس الالزام موقعا في الحرج كان مرفوعاً.

الثمرة بين المسلكين تظهر اذا كان الحرج في تحصيل الفراغ اليقيني الوجداني كما مثلنا، فلو فرضنا ان الصلاة الى الكعبة لا حرج فيها لو كان يعلم بالكعبة وانما الحرج في امتثال حكم العقل بلزوم الفراغ الوجداني بالجمع بين المحتملات فهنا يقع الحرج،

فعلى مبنى صاحب الكفاية لا تجري لاحرج، لان مبناه المرفوع بلا حرج المتعلق الحرجي أي اذا كان متعلق الالزام حرجياً فيرتفع بلا حرج وفي المقام متعلق الإلزام وهو وجوب الظهر الى الكعبة ليس حرجيا في نفسه كي يرتفع بلا حرج فما هو المرتفع بلا حرج وهو المتعلق الحرجي لا حرج فيه في المقام وما فيه الحرج وهو الجري وراء حكم العقل بلزوم الفراغ الوجداني، ليس امرا شرعيا حتّى يكون من شان الشارع وضعه ورفعه اذا فلا حرج لا تجري في المقام.

واما على مبنى الشيخ الانصاري ان المرفوع بلا حرج هو الحكم الحرجي لا المتعلق الحرجي، فهنا افاد النائيني قال حيث ان حكم العقل بلزوم الفراغ الوجداني من اثار فعلية الحكم الواقعي اذ لولا فعلية وجوب الصلاة الى الكعبة، لما حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني من هذا التكليف، اذا فحكم العقل أثر لذلك الحكم الفعلي فيمكن للشارع ان يرفع حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني برفع منشأه وهو فعلية الحكم الواقعي ولكن على هذا لا يجب الامتثال اصلا مقتضى رفع أصل الحكم ان لا يجب الامتثال لا ان لا ان لا يجب الاحتياط بالجمع بين المحتملات، ومن هنا ادعى المحقق النائيني ان مقتضى الإرتكاز المتشرعي الجمع بين العلم بحكم فعلي وهو وجوب الصلاة الى الكعبة وبين استلزام تحصيل الفراغ اليقيني الحرج بالتوسط في التنجيز، أي ان الحكم الواقعي ليس متنجزاً على جميع المحتملات بل على بعضها، وبعبارة اخرى ليس الحكم الواقعي متنجزاً على نحو الموافقة القطعية ولكنه متنجز على نحو الموافقة الاحتمالية. فالنتيجة ان لا حرج انما تكون تصرفا في حدود التكليف او حدود منجزيته لا انها تصرف في عالم الامتثال.

المثال الثاني: مثال الاضطرار حيث سياتي البحث في هذه النقطة وهي انه لو علم المكلف اجمالا بوجود نجس بين ثلاث اواني وهو مضطر لشرب احدها، فتارة يكون الاضطرار الى معين واخرى الى غير المعين، فان كان الاضطرار الى معين بان اضطر لشرب الاناء الازرق لأنّه الماء المطلق المحرز، فالاضطرار الى المعين يؤدي بتعبير المحقق النائيني الى التوسط في التكليف لا التوسط في التنجيز، وبيان ذلك انه لا محالة شرب الاناء الازرق مباح، اما لانّه مباح واقعاً او انه الحرام ولكنه مباح للاضطرار اليه وعليه حرمة شرب النجس فعلية ولكن لا مطلقا بل على تقدير دون اخر، فانه ان كان النجس ما اضطر اليه فليست الحرمة فعلية وان كان النجس غيره كانت الحرمة فعلية، وهذا ما يعبر عنه بالتوسط في التكليف أي ان الفعلية ليست ثابتة على كل تقدير بل على تقدير دون تقدير.

اما لو فرضنا ان الاضطرار لغير المعين كما لو اضطر لشرب احد الانائين او الانية، فهو مضطر للجامع لا للاحد المعين فهنا يقال لا تصادم بين الحرام وبين المضطر اليه، اذ الحرام احد معين والمضطر اليه الجامع، ولذلك لو علم المكلف بما هو الحرام لدفع اضطراره بغيره فمن هنا ذكر النائيني ان الحلية لفرض الاضطرار لغير المعين ظاهرية ام واقعية؟

فان قلنا انها واقعية أي ان ما يختاره المكلف من بين الانائين لدفع اضطراره حلال واقعاً فمرجع ذلك الى التوسط في التكليف كالاضطرار الى المعين لأنّه ان كان ما دفع به اضطراره هو الحرام كان حلالا واقعا، وان كان ما دفع به اضطراره هو الحلال فالحرمة فعلية في غيره، فمرجع الحلية الواقعية الى التوسط في التكليف.

اما اذا قلنا ان الحلية ظاهرية وسببها الجهل وليس الاضطرار وما كان سببه الجهل ظاهري لا واقعي اذا الحرمة الواقعية باقية على فعليتها على كل تقدير غاية ما في الباب ان ما يدفع به اضطراره حلال ظاهرا ومعنى حليته ظاهرا ان حرمة شرب النجس ليست متنجزة على كل تقدير بل هي متنجزة في غير ما دفع به اضطراه لا ما دفع به اضطراره وهذا معنى التوسط في التنجيز في مقابل التوسط في التكليف والنتيجة انه رجعنا الى انه لا تصرف في عالم الامتثال بل لا محالة انه في مورد الاضطرار يرجع التصرف اما الى الفعلية او الى التنجيز.

والمورد الثالث ما اذا فرضنا ان المكلف علم بوجوب صلاة الظهر بتمام اجزائها وشرائطها وصلى وبعد الفراغ من الصلاة شك في صحتها وقلنا بان صلاته مجرى لقاعدة الفراغ والتجاوز، ففي مثل هذه الصورة ذكر السيد الأستاذ دام ظله بانّ مرجع التصرف حينئذٍ الى التصرف في المنجزية والسر في ذلك انّ وجوب الصلاة التامة اما باق على تنجزه او لا،؟ فان كان باقياً على تنجزه، فلا يعقل ان يكون الاتيان بالصلاة المشكوكة امتثالا اذ لا يجتمع كونه امتثالاً مع تنجز وجوب الصلاة التامة وان لم يكن باقيا على تنجزه، فهذا معناه رجوع التصرف الى عالم المنجزية لا الى عالم الامتثال فما ذكره المحقق النائيني والعراقي من انه لا تصرف في منجزية العلم تفصيلا او اجماليا وانما التصرف في عالم الامتثال غير تام.

ولكن قد يجيب المحقق العراقي كما في كلماته بان تصرف الشارع مجرد ورود أي منقح للموضوع وليسا تصرفا في عالم المنجزية لان العقل حاكم بان الحكم المعلوم تفصيلا او اجمالا يجب موافقته، غاية ما في الباب يجب موافقته بالنحو الاعم من الموافقة الوجداني او التعبدية، وهذا الحكم العقلي لا تصرف فيه وانما الشارع ينقح الموضوع فيقول مجرى قاعدة الفراغ موافقة تعبدية فالشارع لا يمس الحكم العقلي بشيء وانما يوجد موضوعه وينقح متعلقة وهو ما يسمى بالورود على نحو التوسعة فيقول مجرى قاعدة الفراغ امتثال وموافقة تعبدية فكيف تقولون ان التصرف لا محالة يرجع الى التكليف اما للتوسط بالتكليف او التوسط في التنجيز!

فالصحيح في مناقشة العراقي ما ذكرناه من ان هذا تغيير في الصياغة الاعتبارية اذ ان مرجع هذا الكلام وهو ان العقل حاكم بلزوم الموافقة الاعم من الوجدانية او التعبدية الى قولنا ان حكم العقل بلزوم الموافقة معلق على عدم تدخل الشارع بالترخيص اذ متى تدخل لم يبقى للحكم مورد لان الحكم اما بنكتة حق الطاعة او دفع الضرر وكلاهما تزول بتدخل الشارع.

فالمتخلص انه في تمام الموارد أي موارد التصرف الظاهري يرجع المطلب الى ان حكم العقل معلق على عدم تدخل الشارع وهو مساوق للقول بالاقتضاء.

والحمدُ لله ربِّ العالمين