ميثاق الزوجية والثقافة الحقوقية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً

صدق الله العلي العظيم

حديثنا من خلال الآية المباركة في ثلاث نقاط:

  • في بيان حقيقة الأسرة.
  • في علاج الإسلام للحالات الاستثنائية.
  • في الحديث عن حقوق الزوج وحقوق الزوجة.
النقطة الأولى: حقيقة الأسرة.

ما هي حقيقة الأسرة؟ هنا عندنا نظريتان: النظرية الأولى هي النظرية التي يطرحها علماء الاجتماع، والنظرية الأخرى هي النظرية القرآنية الإسلامية.

النظرية الأولى: نظرية علماء الاجتماع.

هذه النظرية تقرر أن الزواج والأسرة مؤسسة اجتماعية، دوركايم - مؤسس علم الاجتماع - وكذلك الفيلسوف الفرنسي راسل يقولان: الأسرة مؤسسة اجتماعية، أي أن المجتمع البشري منذ أول عهوده، ومنذ أقدم أيامه، من قبل ملايين السنين، اخترع هذه المؤسسة، وهي مؤسسة الأسرة، كما اخترع تنظيم الوقت مثلاً. المجتمع البشري ينظم الوقت بسنين وشهور وأسابيع ودقائق وثوان، وهذا اختراع بشري، أي أن المجتمع البشري اخترع تقسيم الوقت من أجل تنظيم الحياة.

وكذلك أيضًا اخترع المجتمع البشري مؤسسة اجتماعية اسمها الأسرة كسائر المؤسسات، أي مؤسسة اجتماعية لها مدير، لها نائب مدير، لها أعضاء، كل عضو في هذه المؤسسة مكلف بوظائف تجاه المؤسسة. الأسرة أيضًا مؤسسة اجتماعية لها مدير ونائب وأعضاء، وكل عضو في هذه المؤسسة مكلف بوظائف اجتماعية تجاه هذه المؤسسة، فالأسرة مؤسسة اجتماعية من أجل حفظ الأنساب، ومن أجل تنظيم الحياة، ومن أجل ضمان بشر مستقرين داخل مجتمعات صغيرة، وهي المعبر عنها بالمجتمع الأسري.

من هنا الفيلسوف الفرنسي راسل يقول: بما أن الأسرة مؤسسة اجتماعية، إذن بإمكان المجتمع البشري أن يستبدلها بمؤسسة أخرى، إذ أنها مجرد مُخْتَرع بشري، فبإمكان المجتمع البشري استبدالها بمؤسسة أخرى تتناسب مع أوضاعه المعاصرة، وتتناسب مع حضارته الآن، ومن الممكن - كما يقول راسل - أن نفتح الحرية الإباحية، فكل إنسان له أن يقيم علاقة جنسية في أي وقت من دون اتفاق ولا وفاق، فإن كانا لا يرغبان في الإنجاب، فمن الممكن استخدام وسائل منع الحمل، فلا تحدث مشكلة، وإن كانا يرغبان في الإنجاب فأي نسل وأي مولود تنجبه هذه الأسرة يعطى للملاجئ وللمعاهد ولدور الحضانة، لتقوم بتربيته، من دون أن يتكفل الشخصان اللذان قاما بالعلاقة الجنسية بتربيته ورعايته، إذن فمن الممكن استبدال الأسرة كمؤسسة اجتماعية بمؤسسة أخرى.

النظرية الثانية: النظرية الإسلامية.

ليست الأسرة مؤسسة اجتماعية، بل الأسرة نزعة فطرية لا يمكن استبدالها ولا تغييرها، أي أن الزواج نزعة فطرية عند الإنسان لا يمكن استبداله ولا تغييره، لماذا هو نزعة فطرية؟ نحن عندنا عدة دوافع فطرية من خلالها نؤكد أن الأسرة نزعة فطرية وليست مؤسسة اجتماعية.

الدافع الأول: الدافع النفسي.

ماتلو في علم الإدارة يقسّم الحاجات إلى حاجات أولية وحاجات ثانوية، ومن الحاجات الأولية عند الإنسان حاجته للأمن النفسي، بمعنى أن تكون عنده حالة استقرار نفسي، فكما يحتاج الإنسان إلى الغذاء حاجة أولية، كذلك يحتاج أيضًا إلى الأمن النفسي حاجة أولية، أي أنه يحتاج إلى استقرار المشاعر والعواطف. هذا الإنسان مثلاً إذا فُتِحَ له مجال الحرية الإباحية وبدأ بالتنقل من فتاة إلى أخرى كل يومين أو ثلاثة مثلاً فإن عواطفه لا تستقر، ومشاعره لا تهدأ، بل يعيش دائمًا حالة اشتداد في العواطف، وحالة تلهب وغليان في المشاعر، مشاعره لا تستقر عند حد ولا تهدأ عند حد؛ لأنه ليس بينه وبين فتاة ميثاق أو اتفاق، وإنما يقيم علاقات عفوية واسترسالية متلونة متغيرة بين فترة وأخرى، فهذه الحرية الإباحية تمنع استقرار المشاعر، أي أنها تمنع الأمن النفسي، وإذا لم يحصل الإنسان على الأمن النفسي فمصيره إلى الأمراض العصبية المزمنة، فإذن الإنسان محتاج إلى الأمن النفسي، بمعنى استقرار المشاعر، واستقرار المشاعر لا يتم توفيره إلا عبر ميثاق واتفاق بينه وبين فتاة، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بالسكن حيث قال: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا. هذا الدافع لا ربط له بالمجتمع ولا بتأسيس الحياة الاجتماعية، بل هو دافع فطري عند الإنسان.

الدافع الثاني: الدافع الاجتماعي.

الإنسان ليس حيوانًا متوحشًا يعيش في الغابات أو المغارات، بل إن علماء الاجتماع يؤكدون على أن الإنسان اجتماعي بالطبع، أي أن فطرته فطرة اجتماعية، فهذا الإنسان منذ ولادته يحتاج حاجة فطرية إلى أن يرحم ويُرْحَم، بمعنى أن يغدق من عطفه ويُغْدَق عليه من عطف الآخرين، ويحتاج أن يبذل من عطفه ويُبْذَل عليه من عطف الآخرين، ويحتاج أن يألف ويُؤْلَف، وهذا الشعور بالحاجة إلى أن يُعْطَفَ عليه.. الإنسان يحتاج حاجة فطرية إلى ظل، هذا الظل ينعم عليه بالعطف والحنان والرأفة والرحمة، فحاجة الإنسان إلى الظل - ظل العطف والحنان - هو المسمّى بالدافع الاجتماعي.

وهو المعبّر عنه في القرآن الكريم بالتعارف، حيث قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا يرحم بعضكم بعضًا، ويظلل بعضكم على بعض بالحنان والرأفة، وهذا ما عبّرته عن الآية القرآنية بعد أن ذكرت الدافع الأول، حيث قالت: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً. الحاجة إلى الظل وإلى الحنان وإلى العطف حاجة فطرية في الإنسان، ولا يمكن تأمين هذه الحاجة من خلال العلاقات الجنسية المتلونة، فإن الإنسان إذا كان كل ساعة مع امرأة وكل يومين مع فتاة لا تغطى عنده بهذه العلاقات المتنوعة حاجته لظل الحنان والرحمة، وإنما تُشْبَع هذه الحالة من خلال الميثاق بين طرفين: بين الزوج والزوجة، وذلك من خلال الأسرة.

الدافع الثالث: توازن القوى.

علماء العرفان يقولون: أنت عندك قوى متعددة، ولا أريد التعرض لها كلها، وإنما أذكر قوتين منها. الإنسان يعيش في داخل نفسه قوى متعددة تتجاذبه يمينًا وشمالاً، من القوى: القوة الشهوية، مجموعة شهوات، يشرب الطعام، يشتهي الجمال، يشتهي الجنس، يشتهي اللذة. هذه الشهوات قوة من قوى الإنسان، وتسمى في القرآن الكريم بالنفس الأمارة، ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي. عند الإنسان أيضًا قوة أخرى، وهي القوة الإحساسية العاطفية، فيحب ويبغض، ويميل وينفر، وينزع وينقبض. هذه تسمى بالقوة الإحساسية العاطفية، وهذا الإنسان لا يصبح إنسانًا متكاملاً حتى يعيش توازنًا بين هاتين القوتين، بحيث لا تطغى قوة الشهوة على قوة العاطفة، ولا تطغى قوة العاطفة على قوة الشهوة، بل يعيش نوعًا من التوازن بين القوتين.

هذا الإنسان إذا فتحنا له باب الجنس وقلنا له: أنت يباح لك أن تتعلق بأي فتاة، وأن تشبع غريزتك الجنسية مع أي فتاة من دون ميثاق ولا اتفاق. فتح هذا المجال يعني طغيان القوة الجنسية على القوة العاطفية، فيتحول هذا الإنسان إلى حيوان شره لا يفكر إلا في إشباع الجنس، فتغطى به قوة الجنس إلى حد أنه يفكر يوميًا في إشباع غريزته وشهوته، فتطغى قوة الجنس على قواه الأخرى، فإذا طغت قوة الجنس على قواه الأخرى أصبح كالبهيمة همها علفها، همها البطن والجنس ليس إلا. إذن الإنسان يحتاج إلى قوة أخرى توازن قوة الجنس، ألا وهي قوة العاطفة. كذلك إذا قلت للإنسان: أنت ممنوع من كل شيء، وليس بينك وبين المرأة إلا حب وعلاقة نفسية، وأما العلاقة الجنسية فأنت ممنوع منها! الإنسان محتاج إلى الجنس حاجة ماسة، فكما يحتاج إلى العاطفة يحتاج إلى إشباع غريزته الجنسية.

إذن هذا الإنسان لا يحصل على الكمال، ويصبح إنسانًا مؤهلاً لبناء حضارة، ولبناء كيان اقتصادي، ولبناء كيان اجتماعي، حتى يعيش توازنًا بين القوتين: القوة العاطفية، والقوة الجنسية، ولا يمكن تحقيق هذا التوازن إلا عبر الأسرة، فالميثاق الذي بينه وبين الزوجة يحقق هذا التوازن بين القوة العاطفية والقوة الجنسية، ومن هنا يتبيّن لنا أن الأسرة نزعة فطرية كما تقول النظرية القرآنية، وليست مؤسسة اجتماعية كما يقول بوردكان أو بعض علماء الاجتماع.

النقطة الثانية: علاج الإنسان للحالات الاستثنائية.

نحن عندنا حالات استثنائية، هناك أشخاص غير طبيعيين، أو هناك حالات غير طبيعية، هناك بعض الرجال عنده إفراط وشذوذ، لا يشبع شهوته شيء، ولا يلبي حاجته شيء، وهذه حالة استثنائية، فماذا صنع الإسلام بمثل هذه الحالة الاستثنائية؟ أو هناك مثلاً بحسب التعداد العالمي.. عندما تأتي وتلقي نظرة على تعداد سكان العالم، تجد الإناث أكثر من الذكور، وهكذا هم سكان العالم في كل مرحلة، حيث يكون مستوى الإناث أكثر من مستوى الذكور. هؤلاء الإناث اللاتي يتأخرن عن سن الزواج، ولا يجدن لهن زوجًا، ماذا صنع لهن الإسلام من حل وعلاج؟ أو شاب لا يقدر على الزواج مثلاً، وهو يعيش حرارة الجنس وغليانه، فإما أن ينحرف، أو يوجد له طريق آخر، فماذا وضع له الإسلام من حل أو من علاج؟

من هنا نقول: الإسلام وضع طريقين لعلاج الحالات الاستثنائية:

الطريق الأول: تعدد الزوجات.

طبعًا النساء لا يرضين بهذا الكلام، ولكن ماذا أفعل وهذا كلام القرآن؟! إنما هذا كلام القرآن وأنا أنقله كما هو.. القرآن عالج هذه الحالة، حيث قال: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ. القرآن فتح باب تعدد الزوجات لعلاج هذه الحالات الاستثنائية، كحكمة طبعًا، وإلا هو أمر مشروع على كل حال. حكمة هذا الجعل علاج الحالات الاستثنائية، ولكن بشرط العدالة في النفقة والمعاملة، ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً.

قضية زواج المسيار:

من هذا القبيل أيضًا زواج المسيار، فإن هذا الزواج موجود عندنا في السعودية وفي المجتمعات الأخرى. زواج المسيار هو أن يتزوج امرأة بشروط معينة، وهو زواج شرعي دائم لا إشكال فيه، وإنما هناك شرط، والشرط بعضه يرجع إلى الحق، وبعضه يرجع إلى الحكم. من حق الزوجة الدائمة أن ينفق عليها زوجها، ومن حقها مثلاً أن يبيت معها ليلة من أربع ليال، ولكن هذه الزوجة في زواج المسيار تسقط حقها، فتبرئ في ضمن العقد الزوجَ من حقها في النفقة وفي المبيت. بينما الميراث ليس حقًا، بل هو حكم. القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ، الزوجة ترث زوجها، هذا حكم شرعي وليس حقًا حتى تسقطه الزوجة بالإسقاط، فالميراث ليس حقًا يقبل الإسقاط، وإنما هو حكم، وقد ذكرتُ في الليالي السابقة الفرق بين الحق والحكم، وهذا من موارده: النفقة حق لكن الميراث حكم وليس حقًا، فما هو العلاج في الميراث؟

علماؤنا يقولون: العلاج أن يشترط عليها في ضمن العقد وتشترط عليه في ضمن العقد في زواج المسيار على نحو شرط الفعل لا على نحو شرط النتيجة، وهذه مصطلحات فقهية لا أريد أن أدخل فيها، وإنما أريد أن أبين المعنى فقط، وهو أن المرأة في ضمن عقد زواج المسيار تقول: وأنا أهب حقي في الميراث، فلا تقل بأنها لا ترث، وإنما تهب ميراثها، فإذا حصلت وفاة فإن ما لها من الميراث هي من الآن تهبه لباقي الورثة، وكذلك الزوج يشترط على نفسه أن يهب ماله من الميراث - إذا توفيت الزوجة - للورثة، فيشترط عليها وتشترط عليه في ضمن العقد لا في الميراث، إذ أن الميراث لا يرتفع، بل لها الميراث شرعًا، وهذا حكم شرعي، ولكنها تهب ميراثها منه لباقي الورثة، وهو يهب ميراثه منها لباقي الورثة.

الطريق الثاني: الزواج المؤقت.

الزواج المؤقت المسمّى بزواج المتعة نزلت في شرعيته آية قرآنية واضحة: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، ولا يعبّر عن الزواج الدائم بالاستمتاع، فتعبير القرآن بالاستمتاع يرشد إلى زواج المتعة، أي إلى الزواج المؤقت. بعض الإخوة من المذاهب الإسلامية يقول لك: هذه الآية منسوخة. نقول: هذه آية قرآنية واضحة الدلالة، فما الذي نسخها؟! يقولون: نسخها حديث رسول الله. نحن نقول: لا ينسخ القطعي إلا القطعي. الآيات القرآنية مضمون قطعي لا مجال للكلام فيه، ولا يصح نسخ الأمر القطعي إلا بأمر قطعي مثله، فلا بد من الإتيان بسنة متواترة، أي: حديث عن الرسول ثبت بالتواتر بين المسلمين، بحيث يكون قطعيًا، فيكون ناسخًا للكتاب، ومادام لا يوجد حديث متواتر بالنسخ، لا يصح التعويل على مثل هذا القرار.

ومن ناحية أخرى: صحيح مسلم ينقل عن جابر بن عبد الله الأنصاري: استمتعنا على عهد رسول الله.. هو جابر يقول، فهل جابر لا يفهم أن هناك نسخًا؟! هو من علية الصحابة، وعلية الرواة، ومع ذلك يقول: استمتعنا على عهد رسول الله بالقبضة من التمر والدقيق وعلى عهد أبي بكر وعلى عهد عمر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن برير. أي أن المتعة بقيت إلى زمان الخليفة الثاني، فأين هو النسخ؟! القرطبي في تفسيره عندما يتحدث عن المتعة ينقل عن الخليفة الثاني نفسه أنه قال: متعتان كانتا على رسول الله أنا محرمهما ومعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج. إذن هذا الخليفة بنفسه يقول: أنا الذي حرّمت! وإلا فإن زواج المتعة كان مشروعًا إلى زمان الخليفة الثاني، ولذلك نحن لا نعول على هذه الدعاوى، دعوى النسخ.. القرآن واضح وصريح، وجابر من علية الصحابة، والسيوطي في الدر المنثور ينقل عن الإمام علي : ”لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي“، إذا كان هناك مجال له يعوّضه عن ارتكاب جريمة الزنا فلماذا يزني؟!

هناك مجموعة من الروايات والنصوص التي تدل على مشروعية هذا الزواج ورجحانه.. إلخ، لكن هذا الزواج مورس بنحو أساء للمذهب، وبنحو هتك حرمة المذهب، وهتك حرمة المذهب من أشد المحرمات، ومن أشد الكبائر. الإنسان من أجل شهوة ومن أجل غليان وقتي يهتك حرمة المذهب ويسيء إلى سمعة المذهب ونقاء صورته وجمال مظهره؟! إذن فبالنتيجة: يا إخواني ويا أخواتي، أنا أنبه الجميع: حتى لا يساء لحرمة المذهب، وحتى لا يساء لكيان أهل البيت وسمعتهم، لا بد من تقنين هذا الزواج بشروط معينة، حتى لا يحصل إساءة السمعة، ”كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا“. إذن لا بد من ملاحظة شروط ينظر إليها الإسلام حتى لا يهتك حرمة أهل البيت.

الشرط الأول: أن يكون عقدًا مشهودًا.

نحن لا نقول بأن الشهادة واجبة شرعًا، لكن اجتماعيًا لكيلا يساء لحرمة المذهب وإلى كيان المذهب، ينبغي أن يكون العقد مشهودًا. طبعًا إذا كانت البنت تقلد مثل السيد الخوئي والسيد السيستاني أو فقيهًا من الذين يقولون بأن الأحوط وجوبًا أن تستأذن أباها في العقد عليها دوامًا أو متعة، فإذا أرادت أن تعمل بالاحتياط فعليها أن تستأذن أباها حتى في زواج المتعة، أو ترجع إلى بعض الفقهاء الآخرين، كالسيد محمد سعيد الحكيم المعاصر «دام ظله» يقول: يصح زواج المتعة من دون إذن الأب إذا كان بشرط عدم الوطء، أي أن الفتاة تشترط على الرجل في ضمن عقد المتعة ألا يطأها، فإذا كان بهذا الشرط يصح العقد بدون إذن الأب، ولعلهما يتراجعان عن الزواج بوجود هذا الشرط! وكيفما كان، إذا أراد أن يكون متشرعًا متدينًا وإذا أرادت أن تكون متشرعة متدينة فعليهما اشتراط عدم الوطء، وإلا فلا بد من استئذان الأب.

إذا افترضنا أنها تقلد فقيهًا لا يشترط إذن الأب - كما كان السيد الكلبيكاني والسيد السبزواري «رحمهما الله» - فمن أجل سمعتها، ومن أجل سد باب المفاسد، ومن أجل أنها لو حملت فمن يحفظ حملها؟! ومن يتابع وليدها؟! ومن يتكفل رعايته؟! ومن يتكفل تربيته؟! من أجل هذا يكون العقد مشهودًا من قِبَل شخص، من قِبَل رجل، من قِبَل شاهد معين، حتى تُحْفَظ مثل هذه الأمور، وتُسَدَّ أبواب أمثال هذه المفاسد.

الشرط الثاني: ألا تكون ذات علم.

أي: ألا تنتقل من غرفة إلى غرفة، ومن رجل إلى رجل آخر! لا تتزوج امرأة غير نقية، فإن ذلك يسيء إلى مذهبك، ويسيء إلى كيانك، ويسيء إلى أئمتك، من أجل خمس دقائق أو عشر دقائق تشبع فيها شهوتك!

الشرط الثالث: ألا تكون في عدتها.

زواج المتعة فيه عدة كما أن الزواج الدائم إذا طلقّت المرأة له عدة، فلو تزوجت بمتعة فدخل بها، فإنها تعتد بحيضتين بعد زواج المتعة، فإذا انتهت المدة أو وهبها المدة وقد دخل بها، فعليها أن تعتد، فلا يصح لك أن تعقد عليها بعقد متعة وهي في عدة من عقد سابق على ذلك، فهذا أمر لا بد من ملاحظته.

من الأمور التي لا بد من ملاحظتها: أنها امرأة سليمة من الأمراض والآفات، ولا تورط نفسك في أمراض، إذ قد تنقل لك أمراضًا جلدية مزمنة، وأنت تنقل هذه الأمراض الجلدية لزوجتك المسكينة؛ لأنك تنتقل من امرأة إلى زوجتك، وتنقل هذه الأمراض الجلدية منها إليك ومنك إلى زوجتك، وربما إلى أولادك وإلى الجنين الذي يعيش في بطن زوجتك. لا بد من مراعاة هذه الأمور، لا أن الباب مفتوح على مصراعيه.

النقطة الثالثة: حقوق الزوج والزوجة.

نتحدث أولاً عن حدوث الزوجة، ثم عن حقوق الزوج.

الجهة الأولى: حقوق الزوجة.

الحق الأول: النفقة.

وذلك بأن يوفر لها ملبسها ومسكنها وغذاءها وشرابها بما يليق مع مقامها الاجتماعي، ومع ما يليق مع موقعها الاجتماعي، لا على نحو الإسراف أو التبذير، كما يحصل في بعض المجتمعات. والله الزوج جيب مفتوح! كل يومين تذهب إلى السوق بحثًا عن أحسن الموديلات والموضات والزينة من دون مراعاة للوضع الاقتصادي للزوج! هذا إسراف، والإسراف محرم، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، وربما يحصل تبذير، وفرق بين مصطلح التبذير ومصطلح الإسراف، فإن الإسراف هو الزيادة عن الحاجة، بينما التبذير هو وضع المال في غير موضعه، فمثلاً: أنت زوجتك كم فستانًا تحتاج؟ عشرين؟! لو اشتريت لها أربعين فهذا إسراف، وأما التبذير فهو وضع المال في غير موضعه، فأنت تشتري لها حجابًا ولباسًا، ولكن لو اشتريت لها شريط غناء أو أشياء محرمة، فهذا يسمى تبذيرًا، حيث وضعتَ المال في غير موضعه، ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا.

الحق الثاني: وقايتها من الانحراف.

القرآن الكريم يقول: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. أنت مسؤول عنها، مسؤول عن حجابها، ولا تقل: والله لا شغل لي ولا علاقة بحجابها! أنت مسؤول شرعًا يوم القيامة عن حجاب زوجتك، فإذا رأيت منها تقصيرًا، كما لو أخرجت بعض شعرها أو بعض ذراعيها أو بعض ساقيها أو تتمكيج أو تتزين للرجال الأجانب فيجب عليك شرعًا وعظها وردعها ونهيها بقوة وبحزم، حتى تلتزم بالحجاب الشرعي، فكما أنها معذبة يوم القيامة على ترك الحجاب، كذلك أنت مسؤول ومحاسَب، ولا تقل: ماذا أفعل؟! أخاف أن تزعل! لا بد أن تراك زوجتك حازمًا من أول يوم تقيم العلاقة معها في القضايا الشرعية لا تتنازل عنها ولا تتهاون بها، فإن الزوجة إذا رأت زوجها حازمًا في القضايا الشرعية احترمته أكثر وأجلته أكثر، لا أنها تزعل عليه.

الحق الثالث: مداراتها.

الإمام علي يقول: ”المرأة ريحانة وليست قهرمانة“، فلا تعتبر الزوجة ملاكمًا معك في حلبة المصارعة وكل يوم عراك ومصيبة! عليك أن تراعيها، فإن المرأة مجموعة من المشاعر، ونهر من العواطف، حسّاسة، فعليك أن تلاحظ أنوثتها ومشاعرها وعواطفها، عليك أن تداريها، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”فدارها على كل حال“. ربما تنطق عليك بكلمة نابية في حالة انفعال تخدش في رجولتك، وربما تسيء إليك في بعض التصرفات، وربما ترفع صوتها عليك، وربما تقصر في بعض الأمور، ولكن عليك أن تداريها وأن تتعاطف وتسامحها؛ حفظًا لميثاق الزوجية، فقد ورد عن الرسول محمد : ”خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله“.

الحق الرابع: التجمل لها.

الكثير منا - مع الأسف - يلتقي مع زوجته «عفسة رفسة»! لا بد من التجمّل للزوجة، ولا بد من التزيّن لها، فكما أن الزوجة عليها أن تتزين لزوجها وأن تتهيأ له كما ورد عن الرسول : ”جهاد المرأة حسن التعبل“، على الزوج أيضًا أن يتجمّل لزوجته وأن يتهيّأ لها. دخل أحد الأصحاب على الإمام الباقر فوجده يلبس قطيفة حمراء وهو متزين متجمل، قال: سيدي، ماذا أراك؟ قال: ”إن التهيؤ للمرأة تزيد من عفتها“. إذا أردتَ أن تحافظ على عفافها، وألا تنصرف إلى رجل آخر، فعليك أن تتزين لها، وتتنظف، وتتطيب، كما ورد عن الإمام الصادق : ”أيسرك أن تراها كما تراك؟! قال: لا، قال: إذن تهيّأ لها“.

الجهة الثانية: حقوق الزوج.

الحق الأول: إطاعته وعدم الخروج من البيت إلا بإذنه.

ورد عن الرسول محمد : ”ومن حق الزوج على زوجته أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدق من بيته إلا بإذنه، فإن هي خرجت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض حتى ترجع إلى البيت“. لا ينبغي أن يكون مفتاح السيارة بيدها ومتى وأين ما أرادت أن تذهب تذهب، بل لا بد شرعًا من استئذان الزوج في الخروج من المنزل، إلا في الأمور المتعارف عليها التي تقطع بأن زوجها راض بذلك، وإلا لا بد من استئذان زوجها.

الحق الثاني: مراعاته ومداراته.

كما نوصي الرجل بمداراة المرأة، نوصي المرأة بمداراة الرجل، فليس من اللازم.. الكثير من أخواتنا - مع الأسف - تريد الزوج طوال الوقت هو الذي يعطف عليها، وهو الذي يحن عليها، وهو الذي يرتب لها الأمور، وليست مستعدة أن تبذل شيئًا من العناية والرفق به والاهتمام بشخصيته، وهذا شيء شرعًا لا يجوز، فقد ورد عن الرسول محمد : ”ما استفاد امرؤ بعد الإسلام فائدة أفضل من زوجة تطيعه إذا أمرها، وتسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسه وماله“. الزوج يرجع من العمل متعبًا منهكًا، فيريد امرأة تخفف عنه العناء، وتخفف عنه الأتعاب، وتخفف عنه الآلام النفسية، بكلماتها وبرفقها، وبحنانها وبعطفها، وبسؤالها وباستفهامها، فلا ينبغي أن تسأله بمجرد رجوعه عن الأغراض والجدول والقائمة ولماذا لم تفعل ولماذا لم تحضر... فأين مداراة الزوج؟! مداراة الزوج أمر ضروري شرعًا، فإن ”جهاد المرأة حسن التعبل“ كما ورد عن النبي ، وهذا من حسن التبعل.

الحق الثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

من حقوق الزوج على زوجته أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر. إذا رأت زوجها يقصّر في الصلاة، أو يقصّر في الأمور الشرعية، يستمع للأغاني، وينظر للأفلام الخلاعية، وعنده ميول من هاهنا وهاهنا، فعلى الزوجة أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

نحن إذا ركزنا على ميثاق الأسرة اختصرنا العيوب الهامشية، إذ لا توجد أسرة ليست فيها عيوب، ولا يوجد زوجة لا عيوب فيها، ولا يوجد زوج لا عيوب فيه، ولا يوجد أسرة لا خلافات فيها، ولا يوجد أسرة لا مشاكل فيها، فلا يظن الإنسان أنه هو وحده يعيش مشاكل وخلافات مع أسرته، بل جميع الأسر تعيش خلافات وعيوبًا ونقائص ومشاكل إلا ما شذ وندر، لكن الإيمان بأهمية الأسرة يغض النظر عن هذه الخلافات التافهة. مسألة الطلاق الآن أصبحت مسألة مثيرة في مجتمعاتنا، وقد أحضر لي أحد الإخوة الجريدة اليوم فقرأت أن الإمارات أعلى الدول في نسبة الطلاق، ربما تصل إلى ثمانين بالمئة! عام 1998 كانت هناك 4749 حالة طلاق، وعام 2000 ما أنفق على المطلقات كان ثمانين مليون درهم!

ورد عنه : ”أبغض الحلال عند الله الطلاق، وإن الطلاق ليهتز منه العرش“. في أقصى الحالات إذا لم يمكن العلاج أبدًا تصل النوبة إلى الطلاق، وأما لأجل المشاكل التافهة والخلافات الثانوية لا ينبغي أن يحصل طلاق؛ فإن الزواج أسمى من ذلك، والأسرة أسمى من ذلك، وقد تحدثنا عن الأسرة في النقطة الأولى. الإنسان على وجه الأرض أعدَّ للخلافة، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فدور الإنسان هو دور تحقيق الخلافة على الأرض، وتحقيق الخلافة يعني بناء حضارة وكيان، وبناء الحضارة يحتاج إلى عدوء هادئة ومستقرة، والعقول الهادئة لا تكون إلا في أسر مستقرة، إذ أن الأسرة المستقرة تولّد عقولاً مستقرة، والعقول المستقرة هي التي تبني الحضارة وتحقق الخلافة على الأرض.

إذن الأسرة المستقرة هي التي تضم أبوين متعاونين متفاهمين يغضان النظر عن الخلافات الهامشية، ويركزان على عظمة الأسرة وميثاقها، بحيث يتنازل الزوج عن أخطاء زوجته، والزوجة تتنازل عن أخطاء زوجها، في سبيل المحافظة على ميثاق الأسرة. نحن لأجل خلافات هامشية نضحي بهذه الأسرة، ولأجل مشاكل تافهة نضحي بكيان الأسرة! القرآن الكريم يقول: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا. تستشير أباها وأخاها، ويستشير أخاه وأباه وصديقه، ويوسّط بعض الوسائط لحل المشاكل، ولعلاج سوء التفاهم، بحيث ترجع المياه إلى مجاريها.

الأسرة كيان عظيم، ومن أهم الواجبات والحقوق للزوج على الزوجة أن تكون الزوجة قدوةً في المنزل، قدوةً لبناتها وأولادها، قدوةً في عفافها، قدوةً في التزامها، قدوةً في ثباتها، قدوةً في استقامتها، أن تعلم هذه الزوجة أبناءها على الفضائل والمثل والقيم، أن تهتدي هذه الزوجة بزينب العقيلة. كيف كونت أسرة زينب العقيلة؟ كيف أقامت أسرة عظيمة زينب العقيلة؟ وإذا بهذه المرأة البطلة لم تضحي بجسدها وبوقتها وبطاقتها فحسب في سبيل المبادئ، بل قدّمت أولادها يوم كربلاء، وبذلت أولادها يوم كربلاء شهداء دون المذهب ودون العقيدة ودون الحسين .