نص الشريط
اختلاف الطاقات الإنسانية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مؤسسة الإمام علي (ع) - لندن
التاريخ: 12/9/1429 هـ
مرات العرض: 2598
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1905)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

نتحدث حول موضوع الإختلاف في محاور ثلاثة:

1. ضرورة الإختلاف.

2. منشأ الإختلاف.

3. وأدب الإختلاف.

المحور الأول:

في ضرورة الإختلاف، علماء الإجتماع يقولون إختلاف الطاقات البشرية فرض ظاهرتين، ظاهرة الإستخدام وظاهرة الإستخدام القانوني. المجتمع البشري مجتمع متفاوت في طاقاته، الله تبارك وتعالى خلق المجتمع البشري متفاوتاً في طاقاته ومتفاوتاً في قدراته هناك من يمتلك طاقة بدنية، وهناك من يمتلك طاقة فكرية، وهناك من يمتلك طاقة أدبيه، وهناك من يمتلك طاقة إدارية، المجتمع البشري متفاوت في طاقاته ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ، المقصود بالألوان ليس هو الشكل المقصود بإخلاف الألوان، إختلاف الطاقات وإختلاف القدرات، خلقكم متفاوتين في الألوان وخلقكم متفاوتين في القدرات ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ.

هذا الإختلاف في الطاقات فرض ظاهرتين:

الظاهرة الأولى:

الإستخدام، أن بعض المجتمع يستخدم البعض الآخر الذي يمتلك طاقة إدارية يحتاج لمن يمتلك طاقة بدنية وبالعكس كلن مستخدم ومُستخدم وكلن يستخدم الآخر في طاقته التي وهبت له من قبل الله تبارك وتعالى، لو أردنا إنشاء مشروع تجاري مثلاً لحتجنا إلى من يملك رأس المال وهذه طاقة، إحتجنا إلى من يمتلك إدارة يدير بها هذا المشروع وهذه طاقة، إحتجنا إلى اليد العاملة وهذه طاقة ثالثة.

إذن إختلاف الطاقات فرض مبدأ الإستخدام أن يستخدم كل شخص الآخر في مجال طاقته وهذا ما أشارت له الآية القرآنية في قوله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً، سخريا يعني إستخدام، أي يستخدم البعض البعض الآخر فكلن مستخدم ومُستخدم.

الظاهرة الثانية:

الإختلاف القانوني، إختلاف الطاقات فرض إختلاف في المواقع هناك رئيس وهناك مرؤوس، هناك منتج ومستهلك، هناك مالك وعامل، إختلفت المواقع نتيجة إختلاف الطاقات، وإختلاف المواقع فرض تداخلاً فالرئيس له صلاحيات والشعب المرؤوس له صلاحيات وحقوق، المنتج له حقوق، المستهلك له حقوق، إذاً إختلاف المواقع يعني إختلاف الحقوق وإختلاف الصلاحيات. من أجل ألا يتداخل البشر وأن لا يتزاحموا وأن لا يحصل بينهم تداخل في الصلاحيات والحقوق، ماذا نصنع؟

هنا المجتمع البشري منذ أول يوم طرح هذا السؤال على نفسه، كيف نمنع التداخل؟ كيف نمنع التزاحم؟ كيف نحافظ على حقوق كل موقع؟ وصلاحيات كل موقع؟ كيف نمنع التزاحم والتداخل؟

المجتمع البشري عبر الأنظمة الوضعية منذ أول حضارة للمجتمع البشري إلى يومنا هذا جعل قوانين لتنظيم الصلاحيات ولتوزيع دائرة الحقوق وأضاف إلى هذا النظام قيم، قيمة مثلاً احترام النظام قيمة، مثلاُ المحافظة على البيئة، قيمة احترام الآخر، قيمة الحرية هذه قيم وضعها النظام البشري والقانون البشري من أجل منع التداخل والتزاحم.

الدين ماذا أضاف؟

الدين أيضاً وضع قانوناً والمجتمع البشري وضع قانون، الدين وضع قيم المجتمع البشري أيضاً ووضع قيم، الدين ماذا أضاف للمجتمع البشري كعنصر أساسياً في منع التداخل ومنع التزاحم، الدين أضاف عنصر الإيمان.

لاحظوا الظالم يستطيع أن يتخلص حتى من القانون، الظالم لا تمنعه قيم ولا يمنعه قانون من ظلمه، الظالم يستطيع أن يتحايل حتى على القانون، الظالم يستطيع أن يظلم بالقانون نفسه، الظالم يستطيع إذا كان له فكر وإذا كانت له قدرة إدارية أو قانونية هو قادر حتى على تطويع القانون من أجل أن يظلم ومن أجل أن يصل إلى ظلمه، الظالم لا يمنعه القانون من الظلم، الظالم لا تمنعه القيم من الظلم، إذاً ما الذي يمنعه؟

نحتاج إلى عنصر ثالث كي يمنع الظالم عن ظلمه، مضاف إلى القانون ومضاف إلى القيم، الدين أضاف عنصراً ثالثاً يقف رادعاً أمام الظالم حتى لا يتجاوز ولا يتعدى في ظلمه، هذا العنصر الثالث الذي أضافه الدين للمجتمع البشري هو عنصر الإيمان، الإنسان إذا آمن أن هناك رباً وأن هناك رقابه سماوية وأن هناك يوم جزاءً كان ذالك رادعاً داخلياً عن ظلمه وعن تجاوزه وإعتدائه وإلا فمجرد القانون ومجرد القيم قد لا تمنع الظالم عن ظلمه. كما ورد في القرآن الكريم من عده آيات تشير إلى هذا المعنى ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى إذا رأى نفسه مستغنياً طغى وحول كل شيء إلى صالحه وإلى منفعته وما يخدمه ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، إذاً الإختلاف كما ذكرنا ضرورياً بين البشر وهذا الإختلاف فرضه إختلاف الطاقات والقدرات وهذا مايتعلق بالمحور الأول.

المحور الثاني:

ماهو منشأ الإختلاف؟

الإختلاف قد يكون إختلاف إجتماعياً وإختلافاً في المواقع، هذا كما قلنا رئيس وهذا مرؤوس، هذا منتج وهذا مستهلك، هذا مالك وهذا عامل، وقد يكون إختلاف في الدين، القرآن الكريم ركز على الإختلاف في الدين، إذا كان الإختلاف إختلاف في الدين أديان متفاوته ومذاهب مختلفة، أهل المذهب الواحد طرق وإتجاهات مختلفة، هذا الإختلاف في الدين ماهو منشأه؟ من أين نشأ الإختلاف في الدين مع أن الدين واحد ومع أن المبدأ واحد، من أين نشأ الإختلاف في الدين؟

لاحظوا منشأ الإختلاف في الدين عاملان، عامل داخلي وعامل خارجي:

العامل الداخلي:

بعض الباحثين الحداثين قال أن منشأ الإختلاف في الدين هو الدين، الدين نفسه الذي فتح باب الإختلاف، لماذا؟

لأن الدين طرح الحقيقة المطلقة، الدين يؤمن بأن أفكاره حقائق مطلقة مثلاً المسيحي يرى بأن الحقيقة المطلقة بيده، المسلم يرى بأن الحقيقة المطلقة بيده، السني يرى بأن الحقيقة المطلقة بيده، الشيعي يرى بأن الحقيقة المطلقة بيده، إذا كانت كل فئة تعتقد بأن الحقيقة المطلقة بيدها سوف يكون هذا منشأ للاختلاف، سوف يكون هذا باعثاً على الإختلاف الذي يصل إلى التناحر ويصل إلى العداوه، لأن كلن يرى الحقيقة المطلقة بيده وأن الآخر ليس له من الحقيقة شيء وهذا موجود حتى على مستوى آهل المذهب الواحد وحتى على مستوى آهل الفكر الواحد كلن يرى بأن الحقيقة المطلقة بيده.

لاحظوا مثلاً الشيخ الصدوق ”عليه الرحمه“ عندما يتحدث عن سهو النبي يقول: «أول الغلو نفي السهو عن النبي» يعني من يدعو بأن النبي لا يسهو فهو مغالي.

في المقابل الشيخ المفيد وهو تلميذه يقول: «من يرى سهو النبي ففي عقله خلل» يعني ما وصل إلى كلام معقول. أهل الفكر الواحد يختلفون، أهل الفكر الواحد كلن يعتبر الحقيقة المطلقة بيده.

إذن مادام الدين يطرح مسألة الحقيقة المطلقة فمن الطبيعي أن يقع الإختلاف بين أبناءه لأنه كلن يدعي بأن الحقيقة المطلقة في يده.

أما لو قلنا بالنسبية يعني كل فئة أصابت من الحقيقة مقداراً ليست هناك حقيقة مطلقة، الحقائق نسبيه قابلة بأن تتغير، وقابلة بأن تختلف وقابلة بأن تتبدل، سوف لن يقع إختلافاً بين أبناء الدين الواحد ولا بين أبناء المذهب الواحد، كلن يرى بأنه أصاب شيئاً من الحقيقة والآخر أصاب شيئاً آخر. هنا لابد أن نركز على فكرة النسبية، لاحظوا النسبية لها مصطلحات أربعة قد يقع الخلط بين هذه المصطلحات:

المصطلح الأول للنسبية:

النسبية الواقعية، هل أن الأمور الواقعية نسبية أم لا؟

لا مستحيل، الأمور الواقعية لا يمكن أن تكون نسبية، هناك أمور واقعية وهناك أمور نظامية إعتبارية، الأمور الواقعية لا يمكن أن تكون نسبية، مثلاً كروية الأرض هل يمكن أن تكون نسبية؟ هل يمكن أن تتغير؟ يعني الأرض كروية عند جماعة وغير كروية عند جماعة أخرى؟ هي في الواقع إما كروية أو غير كروية!.

النسبة بين الأرض وبين الشمس كذا ميل، هل هذه النسبة تتغير بتغير الناس أو بإختلاف الناس؟، لا الأمور واقعية فالأمور الواقعية لا تتغير ولا تتبذل حتى يقال بأنها نسبية.

النسبية تقع في الأمور النظامية، يعني الأنظمة التي تخترع العقول البشرية لأجل مصالح معينة هذه الأنظمة ممكن أن تكون نسبية يعني تختلف بإختلاف المجتمعات، مثلاً نظام المرور أمر نظامي هذا الأمر النظامي يمكن أن يكون نسبياً، نظام المرور في بريطانيا يختلف عن نظام المرور مثلاً في الشرق الأوسط نتيجة إختلاف المجتمعات قد يختلف النظام المروري، هذه أمور نظامية إعتبارية يمكن أن تكون نسبية تختلف بإختلاف المجتمعات، أما الأمور الواقعية فلا تختلف ولا تتغير، كروية الأرض أمر واقعي لا يتغير، النسبية بين الأرض والشمس أمر واقعي لا يتغير لذلك نقول الدين حقائق واقعية وليست حقائق نظامية فالدين حقائق لا تتغير، وجود الله ووحدة الله، ونبوة النبي وعصمة النبي أمور واقعية لا يقع فيها إختلاف ولا تتصور فيها النسبية لأنها من الأمور الواقعية.

المصطلح الثاني للنسبية:

النسبية الكيفية، ما معنى النسبية الكيفية؟

يعني أن الأشياء تتحرك وليست ثابتة، هذا الوجد متحرك وليس ثابتاً ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، الأرض تتحرك فترى الجبال تتحرك، ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ كل شيء يتحرك. هذه الحركة الظاهرية هي انعكاس لحركة ذاتية في صميم هذا الوجود، الوجود كله يتحرك ليس هناك شيء ثابت، الذين يقولون بالنسبية الكيفية يقولون ليس هناك شيء ثابت، كل شيء يتحرك.

إذن يجب أن يتحرك الدين أيضاً كما أن كل شيء يتحرك فاليتحرك الدين، كما أن كل شيء يتغير فاليتغير الدين، هؤلاء يقولون بالنسبة الكيفية، لاحظوا معي هذه المقوله بأن كل شيء يتغير، هذه المقولة خطأ، لماذا؟

لأن عندنا ظواهر وعندنا قوانين والذي يتغير هو الظواهر، أما القوانين فلا تتغير.

مثلاً هذا الماء كان بارداً نضعه على النار يصبح حار وبعد دقائق يصبح بخار ويتحول إلى درجة الغليان، الظاهرة هي التي تتغير، بارد حار، مائع بخار هذه ظواهر والظواهر تتغير.

أما هناك قانون والقانون لا يتغير، إذا بلغت درجة حرارة الماء مائه فأنه يغلي وهذا القانون لا يتغير، مستحيل أن يتغير هذا القانون، مليون مليار سنة يمر على الأرض هذا القانون ثابت، إذا بلغت درجة حرارة الماء مائه فأنه يغلي، إذاً الذي يتغير هو الظاهره كان مائعاً أصبح بخاراً، أما القانون الذي يحكم هذه الظاهره ووراء هذه الظاهره القانون لا يتغير.

مثلاً التفاحة، التفاحة نرمي بها إلى الأعلى فتصعد ثم تسقط على الأرض هذه ظاهره تتغير، أما قانون الجاذبية الذي يحكم صعود هذه التفاحة ونزولها وصعود الإنسان ونزوله هذا القانون قانون لا يتغير، إذاً ليس كل شيء يتغير الذي يتغير هو الظواهر، أما القوانين فهي ثابتة تحكم هذه الظواهر وتسيطر عليها لأجل ذالك نعود إلى الدين، الدين أيضاً فيه قوانين ثابتة وفية قوانين متغيرة ومرنة، القوانين التي تعالج حاجات ثابتة هي ثابتة.

قوانين العبادة، العبادة تعالج حاجة ثابتة في الإنسان، الإنسان يحتاج إلى العبادة حاجة ثابتة لأن الإنسان يحتاج إلى الأمن النفسي ويحتاج إلى الإستقرار النفسي والعبادة توفر له هذه الحاجة ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، العبادة تعالج حاجة ثابتة إذاً القوانين العبادية قوانين ثابتة، بينما هناك قوانين مرنه متغيرة في الإسلام لأنها تعالج حاجات متغيرة مثل قوانين باب التزاحم ومثل قوانين العناوين الثانوية ولا نريد أن ندخل في ذلك.

نريد أن نقول بأن الدين قسمان:

1. قوانين ثابتة لأنها تعالج حاجات ثابتة.

2. قوانين متغيرة لأنها تعالج حاجات متغيرة.

المصطلح الثالث للنسبية:

النسبية الإدراكية، ما معنى النسبية الإدراكية؟

نتيجة إختلاف البشر في الإحساس ونتيجة إختلاف البشر في الذهنية تحصل النسبية الإدراكية. مثلاً لو مر علينا طيراً في الهواء نتيجة إختلاف قوة البصر نختلف، هناك شخص يقول رأيت طيراً وهناك شخصاً يقول بل رأيت صقراً وهناك شخص ثالث يقول بل رأيت صقراً أبقع اللون وهناك شخص رابع يقول رأيت صقراً أبقع اللون من فصيلة كذا وطوله كذا، هذا الإختلاف هو إختلاف في الإدراك.

هذا يسمى بالنسبية الإدراكية، إختلاف درجات الإحساس يعني إختلاف الإدراك، إختلاف الذهنية يعني إختلاف الإدراك، لماذا الفقهاء يختلفون؟

نتيجة إختلاف قدراتهم، إختلاف قدراتهم الذهنية هو الذي يفرض إختلافهم في الوصول إلى النتائج وفي الوصول إلى الحقائق، إختلاف الدرجات الذهنية وإختلاف درجات التفكير يشترط إختلاف الآراء هذا شيء طبيعي وهذا ما نسميه بالنسبية الإدراكية والنسبية أمراً واقع لذلك يقولون مقتضى القاعدة العقلية الرجوع إلى الأعلى كما أن مقتضى القاعدة العقلية الرجوع إلى الطبيب الأمهر.

لو إختلف الأطباء في تشخيص مرض معين، لو إختلف الأطباء في تشخيص علاج معين مقتضى القاعدة العقلية الرجوع إلى الطبيب الأمهر. كذلك إذا إختلف العلماء في تحديد أمر معين الرجوع إلى الفقيه الأعلم، إذاً النسبية الإدراكية أمر واقع ولذلك الإسلام فيه ضرورات لا إختلاف فيها وجوب الصلاة، وجوب الصوم، وجوب الحج. وفيه نظريات، مازالت نظريات وليست ضرورات يمكن أن يقع الإختلاف فيها. مثلاً الرجعة رجوع جميع أئمة آهل البيت إلى الحياة مسألة نظرية وليست مسألة ضرورية، يمكن أن يقع الإختلاف فيها بين أبناء المذهب الواحد. إذاً الدين أو المذهب فيه ضرورات، موقع التسالم وموقع الإتفاق فيه نظريات يمكن أن يقع فيها الإختلاف والرد.

المصطلح الرابع للنسبية:

النسبية الإحتمالية، النسبية الإحتمالية أدب من آداب الحوار، إذا وقع بيني وبينك حوار كي يكون الحوار فاعلاً وكي يكون الحوار مؤثراً لابد أن أفترض أنه عندي نسبة من الخطأ وأفترض أن عندك نسبة من الصواب، إذا ادعيت أني وصلت إلى الصواب كله سوف ينغلق الحوار، إذا ادعيت أنك على خطأ كله سوف ينغلق الحوار. من آداب الحوار النسبية الإحتمالية، حتى لو كنت أعتقد واقعاً أن عندي الحقيقة المطلقة لكي يكون الحوار فاعلاً أفترض جدلاً أن عندك نسبة من الصواب وأن عندي نسبة من الخطأ.

وهذا ما ذكره القرآن الكريم عن النبي محمد ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، وهو النبي الذي يؤمن بأن لديه الحقيقة المطلقة، لكن مقتضى أدب الحوار أن يفترض نسبة صواباً للأخر ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ.

ولذلك ينقل عن الإمام الشافعي أنه قال: «كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب» النسبية الإحتمالية كما ذكرنا أدب من آداب الحوار.

بعد أن عرفنا بأن النسبية لها مصطلحات أربعة، عرفنا أن النسبية الإدراكية من هذة المصطلحات الأربعة منشأ أساس من مناشىء الإختلاف في الدين.

العامل الخارجي:

ربما هذا العامل صعب بعض الأشخاص يتحملوه أو يتصوروه لكنه عامل واقعي، منشأ الإختلاف في الدين أحياناً أهل الدين أنفسهم، وأرباب الدين أنفسهم منشأ من مناشىء الإختلاف في الدين، وهذا ما ذكره القرآن الكريم وسلط عليه الضوء، القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوه، أرباب الدين أوجدوا الإختلاف ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ، أحياناً يكون منشأ الإختلاف بين أهل الدين هو روح البغي، مامعنى روح البغي؟

يعني الظلم. ما معنى الظلم؟، يعني التسابق على المواقع، أهل الدين أحياناً بعضهم في أعلى درجات الروحانية وبعضهم قد يسير على طبق غرائزه وميوله، أحياناً يكون منشأ الإختلاف بغي من أهل الدين أنفسهم، قد يكون التسابق على المواقع، التسابق على مواقع التأثير في المجتمع، التسابق على المواقع الدنيوية، التسابق على المواقع المصلحية يفضي إلى البغي ويفضي إلى الظلم ويكون منشأ أساسياً من مناشىء الإختلاف ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.

إذن تحدثنا في المحور الثاني عن منشأ الإختلاف وذكرنا أن منشأ الإختلاف عامل داخلي وهو النسبية الإدراكية، وعامل خارجي ألا وهو روح البغي وروح الظلم.

المحور الثالث:

أدب الإختلاف، نحن نختلف والإختلاف ليست مشكلة، دين ينقسم إلى مذاهب ومذهب ينقسم إلى إتجاهات وإتجاه ينقسم إلى مرجعيات ومرجعية تنقسم إلى طرق مختلفة وهكذا، الإختلاف في حذ ذاته ليس مشكلة، الإختلاف أمر طبيعي تفرضه إختلاف الذهنيات وتفرضه إختلاف الثقافات وتفرضه إختلاف الحضارات، الإختلاف في حد ذاته ليست مشكلة، المشكلة في تحويل الإختلاف إلى خلاف، عندما نحول الإختلاف إلى خلاف، عندما أتعامل معك كعدو، وعندما أتعامل معك كشخص أحذرك وتحذرني، عندما يتحول الإختلاف إلى خلاف حين إذاً تقع المشكلة، حين إذاً تقع المأساة وإلا فالاختلاف نفسه ليس مشكلة وليس خطراً إطلاقاً، الإختلاف عندما يتحول إلى خلاف يكون سبباً لمفاسد كثير أولها مفسدة تبعثر الجذور ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْمجتمعاً الإسلامي، لماذا مجتمع متخلف؟

لأنه حول الإختلاف إلى خلاف، لماذا أهل المذهب الواحد متخلفون؟ لأنهم حولوا الإختلاف إلى خلاف، أبناء هذا المذهب، مذهب أهل البيت الذين يمتلكون طاقات مادية ويمتلكون طاقات عقلية ويمتلكون طاقات فنيه وأدبية لكنهم دون المستوى المنشود ودون المستوى المطلوب، لماذا باعتبار تحويل الإختلاف إلى خلاف؟

تحول الإختلاف إلى خلاف منشأ لمنع القوى ومنشأ لتبعثر الطاقات ومنشأ للتخلف والتراجع للوراء، وهذه مفسدة خطيرة جداً، المفسدة الأخرى ضمور الطاقات، الفكر الذي يختلف كل شخص يدافع عن نفسه ولا يفكر في تنميته ولا يفكر في سموه عندما ينشغل أبناء المذهب الواحد أو أبناء الاتجاه الواحد عندما ينشغلون باختلافاتهم لن تتطور طاقاتهم ولن تنمو ولن تتغير لأنهم مشغولون بإعلامهم يصبونه في الإختلاف، قدراتهم المادية والفكرية يصبونها في الإختلاف كل ما عندهم من طاقة تصب في الدفاع عن الإختلاف، تضمر الطاقات وتخمد المواهب وتغور الملكات وتفنى، لأنه ليس هناك أجواء تساهم في تنمية الملكات وتنمية الطاقات، الطاقات كلها مسخرة لميدان الإختلاف ولساحة الإختلاف.

إذن المشكلة هي عندما يتحول الإختلاف إلى خلاف لذلك نحن نسعى لأدب الإختلاف، فالنختلف ولكن ليكن بيننا أدب الإختلاف، أدب الإختلاف هو الذي يصون مجتمعاتنا هو الذي يساهم في تطورها وتكاملها، ليكن بيننا أدب الإختلاف.

ماهو أدب الإختلاف؟

البند الأول من أدب الإختلاف:

روح الأخوة، أنا أخوك وأنت أخي وإن اختلفنا، وروح الأخوة تفرض علينا أن لا يسئ أحداً الظن بالأخر، أن لا يتتبع كلاً منا عورات الأخر وأخطأ الأخر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً، يعني لا تتبعوا عورات بعضكم البعض، ورد عن النبي : «من تتبع عورات أخيه المؤمن تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في بيته». إذاً روح الأخوة أساساً من آداب الإختلاف.

البند الثاني:

الموضوعية، لو توفرت عندنا روح الموضوعية ما تحول الإختلاف إلى خلاف، لو كنت أتعامل معك بموضوعية وتتعامل معي بموضوعية ما تحول الإختلاف إلى خلاف، كما أفترض في نفسي أن عندي مبررات شرعية وأن عندي أدله على فكري وعلى طريقي فلأفترض في الأخر كذالك مدام أخً ليّ في المذهب وأخً ليّ في الاتجاه فلأفترض فيه ما أفترض في نفسي من مبررات شرعية من أدلة من مستندات أستند إليها، روح الموضوعية عندما تتوفر تسد باب الإختلاف الذي يتحول إلى خلاف، وتبقى الإختلاف كخلاف فكري وثقافي لا يخلوا منه مجتمع ولا تخلو منه حضارة ولا يخلوا منه حقلاً فكرياً من الحقول أبداً.

البند الثالث:

تربية المجتمع على روح الإختلاف، هذه مسؤوليتنا ومسؤولية المنابر والمساجد أن نربي المجتمع على الإختلاف، أن نعلم المجتمعات بأن الإختلاف أمراً طبيعي، أن نعلم الناس بأن الإختلاف بين البشر أمر طبيعي، وأن نعلم الأمة أن الإختلاف لا يجر إلى خلاف ولا يجر إلى عداوة، إختلاف الطاقات الذهنية والثقافية يؤدي إلى الإختلاف في النتائج لا محالة. عندما نربي المجتمع على أن هناك إختلافاً وأن الإختلاف أمراً طبيعي سوف لن يتحول الإختلاف إلى خلاف يؤدي بنا إلى مفاسد خطيرة كما أشرنا إليها.

البند الرابع:

استيعاب من يختلف معنا، نحن مع الأدب إذا اختلفنا انقطعت العلاقات وانتهت الوسائل وتحولت الأمور إلى عداوة، بينما الإسلام يفترض منا أن نحتضن من يختلف معنا وأن نستوعب من يختلف معنا وأن نتعامل مع من يختلف معنا كما كان عندما كان يتفق معنا، احتوائه واحتضانه واستيعابه يؤدي إلى تقوية الروابط الأخوية بين المجتمع الإسلامي ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.

الإمام الحسن الزكي إمام معصوم إختلف معه أناس من شيعته وهو إمام، إمام معصوم مفترض الطاعة فئةً من شيعته عارضوه وخالفوه وكان فيهم وجهاء وكان فيهم رموز منهم حجر بن عدي هذا الشهيد البطل وغيره ممن إختلف مع الإمام الحسن في صلحه مع معاوية ابن أبي سفيان ووقف بعضهم على رأسه وقال: «السلام عليك يا مذل المؤمنين»، وقال بعض آخر: «ليتك مت يا حسن ولم تبايع معاوية لقد رجعوا مسرورين بما أحبوا ورجعنا مرغمينا بما كرهنا» تعرف بأن الشيعة في زمن معاوية كانوا مملؤين ثورتاً وكانوا مملؤين حماساً وكانت غزوات الإمام علي وحروبه مازالت تملئ دمهم حيوية ونشاطاً لذلك كان الصلح بالنسبة إليهم صدمة لم يتحملها، كثيراً منهم اعترضوا على الإمام وهو إمام معصوم، الإمام الحسن الزكي لم يكفرهم ولم يخرجهم من الدين ولم يخرجهم من المذهب ولم يتعامل معهم معاملة قاسية ولم يتعامل معهم معاملة عنيفة، لما أقبلوا إليه إحتضنهم واستوعبهم وقال أنا أولى بهم، هم شيعتي وأنا إمامهم أجلسهم وحاورهم حوراً طويلاً إلى أن أقنعهم بصلحه وأقنعهم بحكمته وسياسته.

احتضان من يختلف معنا واستيعابه سوف يؤدي إن لم يؤدي بأن يكون معنا سوف يؤدي إلى تحيزه وتطويعه بأن لا يتحول الإختلاف إلى خلاف شخصي.

معنى الموت والحياة وميزان العمل الصالح
تفسير سورة القدر