نص الشريط
ثقافة السلم في حياة الإمام الحسن (ع)
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مؤسسة الإمام علي (ع) - لندن
التاريخ: 14/9/1429 هـ
مرات العرض: 2695
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1043)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا

من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الإمام الحسن الزكي «صلوات الله وسلامه عليه» حديثنا حول هذه الشخصية العملاقة في محاور ثلاث:

  • سمو نفسه.
  • ثقافة السلم الاجتماعي التي نشرها.
  • فضل كرمه وجوده «صلوات الله وسلامه عليه».

المحور الأول:

وهو الحديث عن سمو النفس، سمو النفس صفة من الصفات التي يتحلى بها العملاقة والكبار، سمو النفس ماذا يعني؟! عندما يقال هذا الشخص يملك سمو في نفسه وعلو في نفسه، سمو النفس عندما نرجع إلى علم الأخلاق، علم الأخلاق يفسر سمو النفس: بما يبتني على قاعدة فلسفية وهي أن الذاتي لا يتغير والذي يتغير هو العرضي وليس الذاتي.

مثلاً: نحنُ عندما نقارن بين حرارة النار وحرارة الماء، حرارة النار حرارة ذاتية أي أن النار لا تكتسب الحرارة من غيرها والنار بذاتها حارة، النار بطبعها حارة، هي لا تكتسب الحرارة من شيئاً أخرى، إما الماء يكتسب الحرارة من النار، يأخذ الحرارة من النار، إذاً حرارة الماء «حرارة عرضية» وبينما حرارة النار «حرارة ذاتيه» حرارة الماء حرارة مكتسبة، حرارة النار حرارة غير مكتسبة، لأجل ذلك هناك فرق بين هاذين الدرجتين وهاذين الصفتين:

حرارة النار: لأن حرارتها ذاتيه يعني ليست مكتسبه من شيء أخر هذه الحرارة لا تتغير، النار لو جعلتها تحت أطنان من الثلج تبقى النار حارة، حرارة النار ذاتية للنار والذاتي لا يتغير.

حرارة الماء: الماء بمجرد أن تعرضه إلى النار يكتسب الحرارة فإذا عرضته إلى عامل مضاد تقل درجة حرارته، إذاً حرارة الماء لأنها حرارة عرضيه فهي قابله للتغير والتبدل وهذا ما نقصده أن «الذاتي» كحرارة النار لا يتغير، و«العرضي» كحرارة الماء يتغير.

هذا الشيء يأتي حتى في عالم الأخلاق «الخلق الذاتي» لا يتأثر ولا يتغير، و«الخلق المكتسب» قابل لئن يتغير ولئن يتبدل عندما نأتي مثلاً: للكرامة أحساس الإنسان بالكرامة يختلف هل كرامته ذاتيه إما كرامته عرضية؟! مثلاً: شيخ العشيرة «كرامته مكتسبه» من العشيرة نفسها، كرامة شيخ العشيرة ليست كرامة ذاتية إنما هي كرامة مكتسبة وكرامة مستقاة من العشيرة من المحيط الذي يعيش فيه، لذلك لو أعتده شخصياً على شيخ العشيرة فإنه يتأثر ويصاب بالإحباط لماذا؟ لان يشعر أن كرامته في موضع الاهتزاز، في موضع النقص، في موضع الإنسلام والخدش، لأنه كرامته ليست ذاتيه وإنما هي مكتسبة لذلك كرامته تخضع للنقص، وتخضع للجرح وتخضع للإنسلام لذلك يتأثر عندما يخدشه شخصاً، أو يعتدي عليه شخصا أخر.

بينما هناك إنسان «كرامته ذاتيه» وليست مكتسبة كرامته تنبع من فضائله، تبع من مناقبه، تنبع من مواهبه التي وهبه الله إياها، هذا الإنسان الذي يعيش كرامته ذاتيه لا يتأثر بالشتم ولا يتأثر بالاعتداء ولا يتأثر بالتجاوز لأنه يشعر أن كرامته ثابتة لا تتغير قائمة بنفسها، والقائم بنفسه لا يتغير ولا ينقص بشتم الآخرين، أو اعتداء الآخرين ولا يتأثر بالتجاوز لأنه يشعر أن كرامته ثابتة لا تتغير، قائمة بنفسها والقائم بنفسه لا يتغير ولا ينقص بشتم الآخرين أو اعتداء الآخرين.

لذلك أهل البيت يعيشون «كرامة ذاتيه» والكرامة الذاتية لا تتغير ولا تتبدل لأنها تنبع من الفضائل والمناقب، لهذا ترى أن هذا الشخص الذي يعيش الكرامة الذاتية شخصاً لا يتأثر بالاعتداء، ولا يتأثر بالشتم، ولا يتأثر بالسباب لأنه كرامته ثابتة قائمة بنفسها، الإمام الباقر : قال له شخصاً يريد أن يثيره يريد أن يحرك عواطفه قال له أنت البقرة؟ قال: لا أنا الباقر، قال: أنت أبن الطباخة؟ قال: تلك حرفتها قال: أنت أبن السوداء البذيئة، قال أن كانت كذلك غفر الله لها وإن لم تكن كذلك غفر الله لك قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا، قال تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماًلا يتأثرون لأن كرامتهمفوق هذا التأثر.

الإمام الحسن الزكي لأنه يعيش سموا النفس ومن كان يعيش سمو النفس لا يتأثر بالاعتداء أبداً، الإمام الحسن الزكي : مر عليه رجلاً شامي قال: من هذا؟! قيل: هذا الحسن بن علي فنهال عليه بالسباب والشتم، والإمام الحسن يستمع إليه إلى أن انتهى من سبابه وشتمه التفت إليه الإمام الحسن قال: يا هذا أظنك غريباً ولعلك اشتبهت فينا فإن كنت طردياً آويناك وأنت كنت جاعاً أشبعناك وأن كنت عطشاً أرويناك فهلا حولت رحلك إلينا ونزلت ضيفاً علينا فإن لنا منزلاً رحبا، وجاهاً عريضة، ومالاً وفيرة فما تمالك الرجل حتى أنكب عليه يقبله ويقول: ﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُفيكم أهل بيت النبوة، إذاً هذا منبه على أن الإمام الحسن الزكي يعيش سموا النفس والكرامة التي لا تتأثر بالخدش ولا تتأثر بالاعتداء وسُباب أو الشتم.

المحور الثاني السلم الاجتماعي:

أنتم تعرفون أن الإمام الحسن أوقع الهدنة مع معاوية ابن أبي سفيان وقال لأصحابه: ما أرد توا بصلحي لمعاوية إلا أن ادفع عنكم القتل وقال أن الأمر الذي اختلف فيه أنا ومعاوية هو حقاً لي تركته إرادة لصلاح الأمة وحقن دمائها، إذا نحن عندما نريد أن نركز على صلح الإمام الحسن فهناك عوامل ثلاث وراء هذا الصلح:

العامل الأول:

نشر ثقافة السلم الاجتماعي، علماء الاجتماع يقولون السلم على نوعين:

1/ سلبي. 2/ ايجابي.

السلم السلبي: هو السلم الاضطراري، ما معنى السلم الاضطراري؟! يعني هناك مجتمع يضم عدة أديان، يضم عدة مذاهب، يضم عدة قوميات، يضم عدة ألوان هذا المجتمع لأنه يعيش في بقعة واحده وفي بلد واحد وهو يضم ألوان من القوميات، ومن الأديان، والمذاهب هذا المجتمع لا يمكنه أن يعيش على هذه الأرض إلا إذا كان بين أبنائه سلماً اجتماعي هذا يسمى «بعقب السلم»، السلم الاجتماعي عقد وميثاق بين أبناء المجتمع الواحد إلا يعتدي بعضنا على البعض الأخر فلنعش متجاورين متبادلين متعاونين من أجل أبقاء هذا المجتمع حياً متطوراً هذا يسلم بالسلم السلبي أي انه سلم اضطر إليه أبناء المجتمع ليعشوا حتى سماء واحدة وفوق أرض واحدة.

السلم الايجابي: هو السلم النابع من ثقافة السلم ليس نابع من الاضطرار، المجتمع الذي يعيش ثقافة السلم يكون سلمه سلماً أجابي وليس سلماً اضطراري، هناك مجتمع يشعر بأن السلام حق من حقوق المجتمع، لأنه السام والأمن حق لكل فرداً يعيش على الكوكب الأرضي، إذا أمن المجتمع بأن الأمن والسلم حقاً للفرد، حقاً للمجتمع إذا يعيش هو ثقافة السلم، وإذا عاشه ثقافة السلم فهو لا يحتاج إلى أن يبرم عقد وميثاق بين القبائل، أو بين العشائر، أو بين الأبناء على أن لا يعتدي البعض على البعض الأخر، ولا يحتاج إلى هذا الميثاق، ولا يحتاج إلى هذا العقد، لأنه أساساً يؤمن بثقافة السلم، وأساساً يؤمن بأن السلم حقاً للفرد وحقاً للمجتمع هذا ما يسمى بالسلم الايجابي النابع من ثقافة السلم مقابل ثقافة العنف وثقافة الإرهاب.

ثقافة العنف: العنف ما هو تعرفيه؟ ما هي أسبابه؟ ما هي صورة؟ ما هي طرق علاجه؟! العنف كما يعرفه علماء النفس: العنف هو السلوك الموجه لإيذاء شخصاً أو جماعة هذا يسمى «بالعنف»، والعنف:

1/ قد يكون عنفاً غريزياً. 2/ وقد يكون عنفاً مكتسباً.

قد يكون عنفاً غريزياً: كيف يكون العنف الغريزي؟!

فرويد: الذي هو رب المدرسة التحليلية في علم الأنفس قبل الحرب العالمية الأولى كان يؤمن بأن «غريزة الحياة» هي التي يتفرع عنها العنف أحياناً، يعني الإنسان لأنه يحب الحياة، يحب من يخدمه ويتعامل مع من يخدمه تعامل السلم والإيجابية، ويكره من يعتدي عليه ويتعامل معه بالعنف والإرهاب، إذاً مسيرة العنف تتولد عن غريزة حب الحياة.

لكن فرويد نفسه: بعد الحرب العالمية الأولى أكتشف أن العنف لا يتفرع على غريزة حب الحياة، العنف غريزة أخرى سماها غريزة «الموت» قال هذا الشخص الذي يفجر نفسه هذا لا ينبع من غريزة حب الحياة، الشخص الذي يفجر نفسه ويقتل عشرات الأبرياء أو يحطم مرافق الحياة مرافق التعليم، مرافق الصحة، مرافق الزراعة، مرافق المياه هذا الشخص الذي يقتل الحياة كيف يكون نابعاً من غريزة حب الحياة؟! هذا الشخص الذي يصدر العنف كيف يكون عنفه ناشئاً ونابعاً من غريزة حب الحياة؟! إذاً العنف في مثل هذا الشخص غريزة أخرى تسمى بغريزة «الموت»، يعني هذا الشخص ماتت إنسانيته، ماتت مشاعره إلى حداً بلغ أنه يصدر العنف، وبلغ أنه يكون مصدراً لأشد ألوان العنف مقتاً وكراهية هذا ما يسمى بالعنف الغريزي.

وقد يكون العنف عنفاً اكتسابياً: يعني يكتسب الإنسان العنف من سبب أخر مثلاً: قد يكتسب الإنسان العنف من:

السبب الأولى التربية:

يتربى في بيئة مليئة بالعنف مثلاً يعيش في بيئة تعيش مشاكل بين الأبوين ونتيجة المشاكل بين الأبوين يولد هذا الشخص عنيفاً، أو أنه لا يعيش في بيئة مسالمة ولكن يعيش في جو بيئي يعلمه أن العنف جهاد، وان العنف تضحية، وأن العنف شهادة وقربة عند الله، عندما يعيش في محيط بيئي يشرع له العنف ويبرر له العنف فإنه يكتسب ثقافة العنف، هذا سبب من أسباب العنف.

السبب الثاني وسائل الإعلام:

تتربي كثير من المجتمعات على العنف المستقاة من وسائل الإعلام منذُ الطفولة ينفتح ذهن الطفل على الأفلام الكرتونية العنيفة التي لا تتكلم إلا بالعنف، يكبر ولا يشاهد إلا الأفلام العنيفة ولا يشاهد إلا المحطات التي تتحدث عند الدماء والعنف والإرهاب فمن خلال وسائل الإعلام يكتسب العنف.

السبب الثالث ردة الفعل:

يعني عندما يكون هناك شعباً مغتصب شبعاً تغتصب أرضه، أو تغتصب حقوقه كالشعب الفلسطيني مثلاً هذا يصيبه بردة فعلاً تجعل منه عنيفاً مقابل من أغتصبه، إذا العنف له أسباب متعددة تجعله أحياناً سمة للإنسان لأحد هذه الأسباب المتعددة التي ذكرناها.

العنف قد يكون فردياً وقد يكون اجتماعياً، العنف له ألوان: الكراهية لون من العنف، التهميش لون من العنف، الغمز والمز نوعاً من العنف أحياناً لأني أختلف معك أحمل لك الكراهية هذا لون من العنف، أحياناً لأني لا أطيقك أهمشك التهميش لوناً أخر من العنف، مع الأسف ترى كثير من الكتاب من الباحثين الذين يدعون لأنفسهم الموضوعية يتعاملون بالعنف من حيث يشعرون أو لا يشعرون مثلاً: عندما تأتي.

مثلاً إلى محمد حسين هيكل الكاتب المصري القديم الذي كتبه «حياة محمد» عندما يستعرض حديث الدار ويستعرض ما ذكره المحدثون والمؤرخون أن النبي وقفه على أعمامه وأبناء أعمامه وقال: أيكم يؤازرني على أمري على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم فأحجم القوم إلا علي بن أبي طالب قال: أنا يا رسول الله؟ قال: أعلم أن هذا أخي ووصي وخليفتي من بعدي، هذا الحديث يذكره محمد حسين هيكل في الطبعة الأولى من كتابه يذكر الحديث كاملاً بلا عنف.

ولكن في الطبعة الثانية من كتابة ينقل الحديث هكذا: قال رسول الله أيكم يؤازرني على أمري على أن يكون أخي وكذا وكذا يحذف كلمة أخي ووصي وخليفتي ووضع مكانها كذا وكذا فقام علي وقال: أنا يا رسول الله قال: اشهدوا أنا هذا أخي كذا وكذا هذا لون من العنف لأنه نوع من التهميش والإقصاء.

مثلاً: الدكتور فؤاد زكريا هذا دكتور في علم الاجتماع في المجلد الأول من مجلة الفكر الكويتي العدد الرابع عدد عن حقوق الإنسان، يعترض هذا الدكتور إلى حقوق الإنسان ثم يستشهد على حقوق الإنسان بكلمات الصحابة والتابعين، يذكر أغلب الصحابة وكلماتهم في حقوق الإنسان، ويذكر أغلب التابعين وكلماتهم في حقوق الإنسان إلا علي ابن أبي طالب كأنه ليس موجوداً!! وكأنه نهج البلاغة ليس موجوداً! وكأنه تراث علي وحكم علي لا أثر لها في كتب المسلمين، وفي تاريخ المسلمين هذا النوع من التهميش والإقصاء لوناً مقيت من ألوان العنف ومن ألوان العنف الاعتداء باللسان بالغمز باللمز، أو الاعتداء باليد.

وتاريخ العنف تاريخ طويل منذُ أيام الخوارج بدء العنف يغلي يقول واصل بن عطاء: خرجنا في سفر أنا وجماعة فبصر بنا جمعاً من الخوارج وأحاطوا بنا فخفنا أن يقتلونا، فقلت لهم: أنا مشرك ومن معي مشركون وقد قال كتابكمقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُفأجارونا وحفظوا دمائنا ولو قلنا «لا إله إلا الله» لقتلونا، إذاً العنف بداء منذُ ذلك الوقت وبهذا الغليان.

دخل أبن الكوا على الإمام أمير المؤمنين وهو يصلي في المسجد ووقف عليه وقال: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَكلما أرد الإمام أن يستمر في الصلاة هو يقاطعه بهذه الآية، فقال: الإمام وهو في الصلاة: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

إذاً العنف له تاريخ مرير، العنف ما هو طريق علاجه؟!

لا يمكن علاج العنف بالعنف لا يمكن علاج العنف إلا بالسلم مهما اقتضت التضحيات، مهما أراد منك طرف معين أن تكون عنيفاً معه، أن يستدرجك للعنف، أن يحولك إلى إنسان عنيف، أن يقحمك في ميدان العنف فكن عصياً عليه إذا كنت عصياً عليه وقابلت عنفه بإيجابيه فسوف يذوب ها العنف يوماً من الأيام مهما اقتضت الإيجابية تضحيات، ومهما أقضت الإيجابية كثيراً من العطاء والبذل فإن العنف لا علاج له إلا المقابلة بالإيجابية وهذا ما يستفاد من الكتاب والسنة.

الكتاب الكريم:

هناك عدة آيات من الكتاب تتحدث عن ثقافة السلم، وتربي الإنسان على ثقافة السلم منذُ أول يوم قال تعالى: ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ «قابيل وهابيل» قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «28» لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ «29» إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ هذه الآية رمز، ذكرها القرآن رمز إلى أن البشر يعيشون عقليتين: عقلية السلم وعقلية العنف، عقلية الحوار وعقلية الإرهاب هذا يعيش عقلية الحوار وهذا يعيش عقلية الإرهاب، هذه الآيات تعلم الفرد المسلم على ثقافة السلم، وعلى ثقافة الحوار.

أية أخرى: قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير كثير من الباحثين العلمانين أو المستشرقين عندما يتحدث عن الإسلام يقول بأن الإسلام دين عنف، والدليل على أنه دين عنف أنه شرع «مبدأ الجهاد» والجهاد عنف هذه نظرية خاطئة، الجهاد ليس مبدأ هجومي، الجهاد مبدأ دفاعي، لم يشرع الإسلام الجهاد إلا كدفاعً عن الكيان الإسلامي وعن المجتمع الإسلامي، الجهاد ليس مبدأ هجوم بل هو مبدأ دفاع لم يشرع الجهاد من أجل استغلال الشعوب، ولا لأجل كسر إرادة الشعوب، ولا لأجل غزو المجتمعات إنما شرع الجهاد لدفاع عن حياض المجتمع الإسلامي.

لاحظوا أن الآيات القرآنية عندما تتحدث عن الجهاد تتحدث عنه كمبدأ دفاعي وليس كمبدأ هجومي مثلاً قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌيعني عندما يقفون موقف الفتنة، عندما يترصدون المجتمع الإسلامي بالفتن لكي يقضوا على تمساك المجتمع قال تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلحين أذن يشرع الجهاد من أجل القضاء على الفتنة قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ.

مثلاً: عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا «لأنهم ظلموا فمن حقهم الدفاع عن أنفسهم ومظلوميتهم، شرع الجهاد لدفاع عن مظلوميتهم يقاتلون بأنهم ظلموا» وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير.

ولذلك الآيات القرآنية تحترم الأديان الأخرى مثلاً قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ جميع الأديان إذا سارت على طبق مللها ولم تعتدي على الآخرين فهي أديان محترمة، الإمام أمير المؤمنين «سلام الله عليه»: مر مع بعض أصحابه على كنيسة فقال له بعض أصحابة هذا المكان طالما عصي فيه الله فقال: ما، قل: طالما عبد فيه الله ولا تقول طالما عصي فيه الله أي هذا بيت أعد للعبادة،، اعد للتقرب إلى الله كل دين ما لم تكن لغته لغة الاعتداء ولغة الإرهاب فهو دين محترم ضمن المجتمع الإسلامي وضمن الدولة الإسلامية.

لاحظ حتى الدية، الدية التي يذكر عنها البعض هي احتقار للمسيح واحتقار لليهودي تأخذ منهم الدية لا، الدية مثل الزكاة المسلم تأخذ منه الزكاة، والكتابي تأخذ منه الدية بل الدية أقل من الزكاة بحسب عدها، يعني كما أن المسلم مطالب بضريبة مالية لإنعاش المجتمع الإسلامي وهي ضريبة الزكاة، أيضاً الكتابي مطالب بضريبة مالية وهي ضريبة الدية لأنه لا تأخذ منه الزكاة، وتأخذ منه الدية مقابل حفاظ الحكومة الإسلامية على دمه، وعرضه وماله وتوفير سائر مرافق الحياة إليه.

أذن بالنتيجة: الأديان محترمة القرآن الكريم يقول: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، لا ينهاكم الله عن أقامة علاقات مع الأديان الأخرى ما داموا مسالمين لكم، وما داموا يعيشون معكم في ظل أجواء الإنسانية العامة: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْأذن الأديان الأخرى محترمة في ظل الدولة الإسلامية، في ظل كيان الدولة الإسلامية وبتالي مبدأ الجهاد ليس مبدأً هجومياً أنما هو مبدأً دفاعياً كما ذكرنا.

لاحظوا من الآيات القرآنية التي تعلمنا ثقافة السلم، وثقافة الإنسانية قوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواما هو المقصود بالتعارف؟! هل المقصود بالتعارف أن أتعرف على نسبك وتتعرف على نسبي؟!!

المقصود بالتعارف: تزاوج الأفكار المعبر عنه بحوار الحضارات، ما معني تزاوج الأفكار علماء الفلسفة يقولون: الزوجية موجودة في الكون كله وأخذاً من هذه الآية المباركة: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ لا يوجد شيء إلا وفيه تزاوج عالم النيات يوجد فيه تزاوج، عالم الحيوان يوجد فيه تزاوج، حتى الذرة فيها زواجان لا يوجد شيء في هذا الكون إلا وهو يعيش مبدأ التزاوج لماذا؟

لأنه الكون متحرك كل الكون يعيش حركة قوية وهذه الحركة تحتاج تزاوج سالب وموجب يتبادلان الحركة، الكون متحرك والحركة تقتضى التزاوج، التزاوج موجود في كل شيء ومن التزاوج الفكري، والتزاوج الفكري أنما يتحقق بتبادل الأفكار بين البشر بحوار الحضارات، بلقاء الثقافات، لقاء الثقافات والحضارات هو الذي يمهد لتزاوج الأفكار، وتزاوج الأفكار هو المعبر عنه في هذه الآية بالتعارف: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

أذن إذا لاحظنا القرآن الكريم مصدراً لمبادئنا ولإنسانيتناً فإن القرآن يعلمنا ثقافة السلم وكذلك سيرة أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» أن النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»: يذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام فيأمرون صبيانهم وسفهائهم بأن ينالوا من النبي فتلقفه الحجارة والأشواك حتى ذمية رجلاه فستند إلى حائط ما بكى ولا ول ول ولا دعا على القوم ولا عاملهم بعنف وإنما رفعه يديه وقال «اللهم أهدي قومي فإنه لا يعلمون لك العتبى حتى ترضى» النبي مسيرة السلم ومسيرة الرحمة تجسدت في عقبه تجسدت في أبنائه من بعدة خصوصاً الإمام الحسن الزكي «صلوات الله وسلامه عليه» الإمام الحسن الزكي هادنه معاوية لعوامل:

العامل الأول نشر ثقافة السلم:

ليعلم الحياة ليعلم الأمة الإسلامية أن الأصيل هو ثقافة السلم ما أرد توا بصلحي لمعاوية إلا لأدفع عنكم القتل، دخل عليه حجر بن عدي وعمر بن الحمق الخزاعي وأعيان الشيعية في الكوفة وعارضوه على صلحه لمعاوية وأجلسهم واحتضنهم وأبتسم إليهم وشرح لهم صلحه وقال: يا حجر والله لو كان مثلك عشرة لجاهدة بالسيف قدوما يا حجر أني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فارد توا أن يكون للديني ناعي أن الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية هو حقاً لي تركته لصلاح أمر الأمة وحقن دمائها إذاً العامل الأول عامل نشر السلم الاجتماعي.

العامل الثاني الحفاظ على منصب الإمامة من الإذلال:

أتدرون أن معاوية لم يريد أن يقتل الإمام الحسن لأنه قتل الحسن يثير الشعب ضده، يثير الأمة الإسلامية ضده، معاوية كان يخطط لأسر الحسن معاوية كان يتمنى أن يأسر الإمام الحسن ويأتي به أسيراً مقيداً بين يديه ثم يعفوا عنه حتى يكتسب الناس لصالحه وهذا تنبه له الإمام الحسن قال: والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه لئن أسلمه وأن عزيز أحب ليّ من أن يقتلني وأن أسير أو يمن عليّ بالعفو فتكون سبه على بني هاشم لا يزال يمن بها معاوية هو وعقبه على الحي منا والميت، لو أسر الإمام الحسن لكان ذلك إذلال لا لشخص الحسن بل لمنصب الإمامة ولموقع الإمامة فمن أجل المحافظة على منصب الإمامة من الإذلال صالحه معاوية أبن أبي سفيان.

العامل الثالث أعطي الفرصة للأمة:

ربما تفكر الأمة الإسلامية أن أهل البيت دكتاتوريون، أن أهل البيت يريدون السلطة، كيفما كان يريدوا أهل البيت السلطة ولو كلفة الأمة الإسلامية الدماء والتضحيات الباهظة، الإمام الحسن أرد أن يعطي الأمة الإسلامية فرصة أن تجرب حكم معاوية كما جربت حكم أمير المؤمنين ثم تختار بنفسها وبإرادتها وباختيارها الحكم التي تريد دون أن يفرض عليهم أهل البيت إرادة أو رأي أو قرارً أرد أن يعطي الأمة الإسلامية فكرتها في التفكير والتجربة والإرادة فهادنه معاوية بن أبي سفيان.

المحور الثالث: لب فضائله.

لكل إمام فضائل ولكن قد تبرز بعض فضائله على بعضاً من أبرز فضائله كرمه حتى لقب «بكريم أهل البيت»، الإمام الحسين الزكي «سلام الله عليه» أقبل إليه رجلاً يعول قبيلة طرقه بابه وقال:

لم يخب الآن من رجاك ومن

أنت    جواد    وأنت   iiمعتمد

لو  لا  الذي كان من iiأوائلكم

 





 
حرَّك  من  دون بابك iiالحلقه

أبوك  قد  كان  قاتل  iiالفسقه

كانت  علينا  السماء منطبقه

 

أخرج إليه الإمام صرةٌ من الدراهم والدنانير وقال:

خذها    فإنّي    إليك    iiمعتذر

لو كان في سيرنا الغداة عصا

لكنَّ   ريب  الزمان  ذو  iiغير



 
واعلم  بأنّي  عليك  ذو iiشفقه

كانت   سمانا   عليك  iiمندفقة

والكف    منِّي   قليلة   النفقه

قال له هل سمعت سؤال وعرفت ما أريد قال:

نحن    أناس   نوالنا   iiخضل

تجود   قبل   السؤال   iiأنفسنا

لو   علم  البحر  فضل  iiنائلنا



 
يرتع   فيه   الرجاء   iiوالامل

خوفا على ماء وجه من يسل

لغاض    جدباً    وإنه   iiخجلُ

عندما نسمع كلمة كريم أهل البيت يتصور الكثير منا أنه كان يغدق أمواله وكان يغدق أملاكه ويغدق ما عنده على الناس من دون حساب ومن دون حدود؟!

لا كريم أهل البيت لأنه ضحى بما هو أعظم من المال، الإمام الحسن ضحى بشي أعظم من المال، التضحية بالمال أن تكون شيء سهل لا كثير من الناس، التضحية بالنفس قد تكون لشيء سهل لذا بعض من الناس، لكن التضحية بالموقع الاجتماعي أصعب بكثير من التضحية بالأمور الأخرى، الإنسان قد يضحي بماله لا يبالي، قد يضحي بنفسه إذا عرف أن له أجراً عظيماً يرتجيه عند الله ولكن إذا كان له مقام اجتماعي، مقام عزه، مقام جلاله، مقام أكبار بين الناس يضحي بهذا المقام الاجتماعي لأجل الأمة ولأجل المجتمع فهذا أبلغ التضحية، وهذا أبلغ الكرم، الإمام الحسن ضحى بموقعه الاجتماعي، ضحى بذلك الموقع الذي كان تشرئب إليه الرقاب وتنشده الأعناق ضحى به ولم يبالي في سبيل الأمة وفي سبيل حقن دمائها وفي سبيل أصلاح أوضاعها أن الأمر الذي أختلف فيه أنا ومعاوية هو حقاً لي تركته لصلاح الأمة وحقن دمائها وكان متواضع تواضعاً بليغاً.

مر يوماً من الأيام على فقراء يأكلون كسر الخبز قالوا يبني فاطمة تغذى معنا قال: أن الله لا يحب المتكبرين، نزل من على بغله وجلس معهم على الأرض وصار يأكل من خبزهم ثم لما انتهى دعاهم إلى بيته واكرهم، وأغدقا عليهم من فيضه وجوده «صلوات الله وسلامه عليه» وكان مهيباً حمل في شخصيته سمات الأنبياء، وبهاء الملوك، وكان إذا فرش له أيام الصيف الحار على قارعة الطريق امتنع المارة هيبة له وجلاله وهو القائل: «من أرد العزة بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته».

مسيرة الانسان وعلاقته بالقضاء والقدر
معنى الموت والحياة وميزان العمل الصالح